- انقسمت الصوفية إلى طرق كثيرة، وكل واحدة من الطرق أو المشيخات الصوفية صار لها أذكار وأوراد وطريقة في الحضرة مستقلة عن الطرق الأخرى، رغم اتفاقها في أصول التصوف، وإيمانهم جميعاً بعقائد ومبادئ التصوف
مفهوم الطريقة :
- في اللغة تطلق الطريقة على مذهب الشخص وحاله. و"طريقة الرجل مذهبه. يقال: ما زال فلان على طريقة واحدة أي حالة واحدة" .
- أما "الطرق الصوفية" فقد اعتبرها المتصوفة أنها "الطريق التي توصلهم إلى الله" أو "السيرة المختصة بالسالكين إلى الله". لكن التعريفين السابقين يجانبان الحقيقة، ذلك أن الطرق الصوفية التي تعتبر مرتعاً للبدع لا يمكن أن تكون طريقاً موصلاً إلى الله سبحانه وتعالى. إنما الطريق الموصلة إلى الله سبحانه التي تلتزم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة، وهو ما تفتقده الطرق الصوفية.
- وقد ورد بموازاة ذلك عدد من التعريفات للطرق الصوفية نذكر منها:
1ـ الطريقة أصلاً مجموعة من الرسوم والقواعد يضعها مشايخ كل طريقة بحيث تختلف عن غيرها من رسوم وقواعد الطرق الأخرى، وبذلك تتمايز فيما بينها بحسب غاياتها ومقاصدها وفلسفاتها، وتتفق جميعها في أن هناك فيما بينها أصولاً مرعية، وزياً يأخذون به بحسب الطريقة، وأذكاراً يرددونها، وقد يصاحبونها بالإيقاعات بالصفقة، أو حركات البدن، أو الدق على النحاس، والموسيقى عموماً، وضرورة تلقي المريد من أحد المشايخ.
2ـ ويبين الدكتور عبد الله السهلي أن تعريف الطريقة يختلف بحسب العصر الذي وجدت فيه، ففي القرنين الثالث والرابع الهجريين كان معنى الطريقة: (شيخ له طريقة معينة يلتف حوله المريدون)... إلاّ أن هذا المعنى للطريقة اختلف عبر القرون لتطور تطبيق الصوفية له، "فقد أصبحت الطريقة بعد القرن السادس لها بيعة معينة وأوراد، وزي خاص، وموالد معينة، وأضرحة تعبد من دون الله، وزوايا يجتمعون فيها، وكل شيخ طريقة له خلفاء، وغالباً ما تكون مشيخة الطريقة وراثية، إلى غير ذلك من البدع المحدثة في الدين".
- ولعل التعريفات السابقة تبين أن الطرق الصوفية تشترك في مجموعة عقائد وأصول ـ سيأتي بيانها ـ مثل تعظيم القبور والأضرحة، وتقديس الشيخ، ووحدة الوجود، لكن الاختلاف في طريقة الأذكار وعددها والزي الذي يرتديه أتباع كل طريقة، كما يذهب البعض إلى أن أعظم الفوارق بينها قائم في أشخاص شيوخها .
- وتنتشر في العالم اليوم مئات الطرق، إضافة إلى طرق كثيرة اندثرت، وقد أحصى مؤلف "الموسوعة الصوفية" أسماء 300 طريقة صوفية في عدد بسيط من الدول الإسلامية، ناهيك عن الدول الأخرى.
- "ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت الطريقة القادرية...كما ظهرت الطريقة الرفاعية المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي (ت 540هـ)... وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن (549ـ 587هـ) صاحب مدرسة الإشراف الفلسفية.
- وهذا القرن المشار إليه (السادس الهجري) والذي يمثل بداية الطرق الصوفية، يعتبر مرحلة من المراحل التي مرّ بها التصوف، ذلك أن التصوف مرّ بمراحل عديدة، كان من أخطرها: اختلاط التصوف بالفلسفة اليونانية، ونظريات الفيض والإشراق. وتعد تلك المرحلة من أخطر المراحل التي مرّ بها التصوف.
- وفي تلك المرحلة، وفي مراحل أخرى برز عدد كبير من رموز الصوفية من ذوي الأصول الفارسية مثل الحلاج والبسطامي والسهروردي والغزالي وغيرهم الكثير ممن اعتبروا مرجعاً ورمزاً لجميع المتصوفة حتى يومنا هذا. كما أن كتب وأفكار شيوخ الصوفية القدامى هي التي تسير عليها الطرق الصوفية اليوم.
أسباب نشأة الطرق الصوفية:
- لانتشار الفرق عموماً أسباب كثيرة منها: كثرة البدع وانتشارها، والجدال والمراء والخصومة في الدين، ومجالسة أهل الأهواء والبدع ومخالطتهم، والجهل بمذهب السلف ومقاصد الشريعة.
- وفيما يتعلق بالطرق الصوفية، فقد أدت عوامل أخرى لانتشارها أبرزها:
1ـ حب الشهره والجاه واتباع الهوى، فقد أصبح المريدون أتباعاً أذلة لشيوخ الطرق الصوفية، وأصبح لشيوخ الطرق في معظم البلدان منزلة كبيرة.
2ـ الطمع المادي، حيث أصبحت رئاسة الطريقة مصدراً للثراء، والحصول على مخصصات النذور والأوقاف، وأصبح لمشايخ الطرق رواتب تصرف لهم من الدول المتعاقبة منذ أيام الدولة العثمانية، وتبقى هذه المخصصات الورثة بعد وفاة شيخ الطريقة.
أوجه الشبه بين الطرق الصوفية المعاصرة:
- سبق القول أن الطرق الصوفية تتفق في العقائد والأفكار التي أصّـلها شيوخ الصوفية القدامى كالحلاج وابن عربي وغيرهما، وتختلف في طريقة الأذكار والزي، وغير ذلك.
- وإضافة إلى العقائد والأفكار، تتشابه الطرق في بعض الطقوس والمظاهر وغير ذلك.
1ـ الاحتفال بدخول المريد إلى الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة، واجتياز عدد من الرياضات.
2ـ ارتداء زي خاص، واتخاذ علم خاص كذلك.
3ـ الإكثار من الذكر مع الاستغاثة بالموسيقى والحركات البدنية المختلفة.
4ـ تقديس شيخ الطريقة.
وقد عُلِم أن تصوُّفَ الفلاسفةِ من أبعد الأمور عن دين الإسلام، وخيرٌ منه تصوّف أهل الكلام المُحْدَث، مع ما فيه من البِدَع، وخيرُ الصوفية صوفيةُ أهل الحديث، وكلّ مَن كان منهم بالسنة أعلم وبها أعمل، كان أفضل من غيره، كالفُضَيل بن عياض، وسَهْل بن عبد الله التستري، والجُنيد بن محمد، وعمرو بن عثمان المكي. وأبو عثمان النيسابوري وأمثالهم فوق ذي النون المصري، وصاحبه يوسف بن الحسين الرازي، وأبي بكر الشِّبلي، وأمثالهم، وكذلك أبو طالب المكي وأمثاله، كلامه في المقامات خير من كلام أبي حامد في «الإحياء»، وإن كان عامة كلامه مأخوذًا [منه]. بل كلام أبي طالب خير من كلام أبي القاسم القُشَيري صاحب «الرسالة».
إذا رأيت رجلا يطير ... وفوق ماء البحر قد يسير
ولم يقف عند حدود الشرع ... فإنه مستدرج أو بدعي
(ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفًا)،