في اللغة يطلق لفظ الشيعة على الأتباع والأنصار، ومن ذلك قول االله تعالى في من سار على نهج نوح عليه السلام: (وإن من شيعته لإبراهيم).
أما فرقة الشيعة، فقد أسقط عليها البعض هذا المعنى اللغوي، ليقول بأن الشيعة هـم من أحبوا علي بن أبي طالب رضي االله عنه، وناصروه، واتبعوا آل بيته. وقد جاء عند الأزهري (ت سنة 370هـ): (والشيعة أنصار الرجل وأتباعه، وكـل قوم اجتمعوا على أمرهم شيعة، والجماعة شيع وأشياع، والشيعة: قوم يهوون هوى عترة النبي محمد صلى االله عليه وسلم، ويوالونهم).
وفرقة الشيعة الإثني عشرية من أكثر الفرق انتشارًا وتنظيمًا في وقتنا المعاصـر، وقد نجحت في إقامة دولة تابعة لها، ألا وهي جمهورية إيران، حيث تبلغ نسبة الشـيعة في إيران 70 – 75 . % وتبلغ نسبة الشيعة في العالم اليوم بحسب التقديرات من 10 إلى 15 % من مجموع المسلمين. ويتواجدون بكثرة في المشرق مثل إيران والعراق ولبنان وأذربيجان، إضـافة إلى أقليات في دول أخرى.
تبلورت هذه الفرقة بعد الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضي االله عنهما بشكل منظم، وإن ظهرت بعض أفكارها قبل هذا الوقت، ولا سيما القول بالوصي والرجعة.
ويذكر أن اليهودي اليمني عبد االله بن سبأ الذي أسلم ظاهرًا وأبطن الكفر هو الـذي أخذ ينادي بفكرة الوصي والرجعة، ويطعن في أبي بكر وعمـر وعثمـان رضي االله عنهم، ويبالغ في مدح علي حتى اقترب من تأليهه، وتنامت هذه الفرقة فيما بعـد حتـى أصبح لها فكر عقدي وفقهي وسياسي.
إذا أطلقت كلمة الشيعة اليوم فإنه يقصد بها الشيعة الإمامية الإثني عشرية، وسـموا بذلك لأنهم يعتقدون أن الإمامة - وهي من أصول الإيمان عندهم - أو رئاسة الدولـة قـد حصرها االله سبحانه وتعالى في اثني عشر إمامًا ابتداء بأمير المؤمنين علي بـن أبـي طالب رضي االله عنه، وانتهاء بمحمد بن الحسن العسكري الذي يزعمون أنه مختبئ في سرداب منذ عام 261 هـ، ويعتبرونه الإمام الغائب والمهدي المنتظر، وتسـمى هـذه الفرقة بالجعفرية، لأنهم نسبوا مذهبهم الفقهي إلى الإمام جعفر الصـادق (83 – 148 هـ) وهو أحد أئمتهم الإثني عشر.
وهذه قائمة الأئمة عند الشيعة الإثني عشرية:
1 -علي بن أبي طالب رضي االله عنه.
2 -الحسن بن علي (المجتبي).
3 -الحسين بن علي (الشهيد).
4 -علي بن الحسين (السجاد).
5 -محمد الباقر.
6 -جعفر الصادق.
7 -موسى الكاظم .
8- علي الرضا.
9 -محمد الجواد.
10 - علي الهادي.
11 -الحسن العسكري.
12 -محمد المهدي ( المهدي المنتظر) وقد غاب في السـرداب قبـل ألـف سـنة وسيعود !!
ويطلق عليهم اسم (الرافضة) لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين لمـا تـرحم على أبي بكر وعمر وعثمان رضي االله عنهم، فقال لهم رفضتمونى فسموا رافضة.
مرت فرقة الشيعة بأطوار عديدة، واختلف في نشأتها اختلافًا واضحًا، وظهرت في ذلك أقوال عديدة:
1-آراء الشيعة:
الرأي الأول: أن التشيع قديم ولد قبل رسالة النبي صلى االله عليه وسلم، وأنه ما من نبي إلاّ وقد عرض عليه الإيمان بولاية علي، وقد وضع الشيعة أساطير كثيرة لإثبات ذلك، منها ما أورده الكليني في الكافي (1/437) عن أبي الحسن قال: (ولايـة علـي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث االله رسولاً إلاّ بنبوة محمد صلى االله عليـه وآله، ووصية علي عليه السلام).
وجاء في بحار الأنوار للمجلسي (11/60) أن رسول االله صلى االله عليـه وسـلم قال - كما يزعمون -: (يا علي، ما بعث االله نبيًا إلا وقد دعاه إلى ولايتـك طائعًـا أو كارهًا)، وهذا الرأي ينافي ما جاء في صريح القرآن من أن الأنبياء لم تكن دعـوتهم إلاّ إلى توحيد االله، وعدم الإشراك به.
الرأي الثاني: زعم بعضهم أن الرسول صلى االله عليه وسلم هو الذي وضع بـذرة التشيع، وأن الشيعة ظهرت في عصره، وأن هناك بعض الصحابة الذين تشيعوا لعلـي في زمن النبي صلى االله عليه وسلم، يقول القمي: (فـأول الفرق الشيعية وهي فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى االله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه، والقول بإمامته، منهم المقداد بن الأسود الكندي، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنـادة الغفـاري، وعمـار بـن ياسـر المذحجي، وهم أول من سموا باسم التشيع من هذه الأمة).
وقد قال بهذا القول أيضُا: النوبختي، والرازي (الإسماعيلي)، ومحمد حسين كاشـف الغطاء، المتوفى سنة 1373هـ.
وهذا القول مردود أيضًا، ولا أصل له في القرآن، ولا في السنة، وليس لـه سـند تاريخي ثابت، فقد جاء الإسلام لجمع هذه الأمة على كلمة سـواء، لا ليفرقهـا شـيعًا وأحزابًا، ولم يكن بين يدي رسول االله صلى االله عليه وسلم شيعة ولا سنة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ففي خلافة أبي بكر وعمر لم يكن أحد يسـمى مـن الشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد).
وينقل د. ناصر القفاري عن ابن المرتضى (وهو شيعي زيدي) تفنيده لهذه الفكـرة، إذ يقول: (فإن زعموا أن عماراً، وأبا ذر الغفاري، والمقـداد بـن الأسـود، وسـلمان الفارسي كانوا سلفهم، لقولهم بإمامة علي - عليه السلام - أكذبهم كـون هـؤلاء لـم يظهروا البراءة من الشيخين، ولا السب لهم، ألا ترى أن عماراً كان عاملا لعمـر بـن الخطاب في الكوفة، وسلمان الفارسي في المدائن).
الرأي الثالث: ينسب أصل التشيع إلى وقت وفاة الرسول صـلى االله عليـه وسلم، واعتبر هؤلاء بأن أول خلاف حدث بين المسلمين هو التنازع حـول الشـخص الـذي يخلف النبي صلى االله عليه وسلم، حيث زعمت الشيعة أن علياً كان أحق بالخلافة مـن أبي بكر وعمر وعثمان، وأن خلافة هؤلاء الثلاثة باطلة.
وقد قال بهذا محسن الأمين ، وبعض أهل السنة، أمثال: ابن خلدون ، وأحمد أمين ، ومحمد عبداالله عنان.
وقد سبق القول أن لفظة الشيعة لم تكن معروفة في عهد أبي بكر وعمر وعثمـان، وإن ما جرى في السقيفة من اختلاف وجهات النظر حول من يتولى الخلافة بعد وفـاة رسول االله صلى االله عليه وسلم لا يمكن أن يفهم منه بروز تيار شيعي بين الصحابة، إذ أن الأنصار في بادئ الأمر رشحوا زعيمهم سعد بن عبادة رضي االله عنه لتلك المهمة، وكان العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى االله عليه وسلم يرى أن يتولاها بنو هاشم، لكن االله عصم المسلمين باجتماعهم على أبي بكر خليفة للمسلمين، وتوحد الرأي بعـد ذلك.
يقول د. زيد العيص: (ليس في هذه الحادثة (السقيفة) ما يشير إلـى بـروز تيـار فكري، أو حزب يتبنى فكرة خلافة علي، ويدعو لها، بعد مبايعة أبي بكر الصديق، ولقد بايع علي نفسه، ومن رغب من الصحابة في أن تكون الخلافة له، أبا بكر، وقضـي الأمر عند هذا الحد، وكأن شيئاً لم يكن).
وهذا لا دلالة فيه على ميلاد حزب معين، أو فرقـة معينـة، وتعـدد الآراء أمـر طبيعي، وهو من مقتضيات نظام الشورى في الإسلام. الرأي الرابع: قال به ابن النديم، (الشيعي المعتزلي)، في كتابه (الفهرست)، وأرجـع نشأة التشيع إلى معركة الجمل سنة 36هـ، وادعى أن عليـاً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر االله جلّ اسمه، فسمى من اتبعه على ذلـك الشـيعة، فكـان يقول: شيعتي، وسماهم - عليه السـلام - الأصـفياء، الأوليـاء، شـرطة الخمـيس، الأصحاب.
. يقول د. القفاري: (ولاشك أن هذا القول لا يدل على بداية الأصول الفكرية للتشـيع، فهو يعني هنا المعنى اللغوي للشيعة وهو الأنصار، ولهذا استخدم أيضاً ألقاباً أخرى تدل على ذلك كالأصحاب والأولياء).
آراء غير الشيعة في نشأة التشيع :
الرأي الأول: أن التشيع بدأ بوفاة الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضـي االله عنـه. يقول الإمام ابن حزم: (ثم ولي عثمان، وبقي اثني عشر عاماً، وبموته حصل الاختلاف، وابتدأ أمر الروافض). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (.. فلمـا قتـل عثمـان تفـرق المسلمون، فمال قوم إلى أولياء عثمان، ومال قوم إلى علي، وقيل حينئذ: شـيعة علـي، وشيعة عثمان).
وقد كان لعبد االله بن سبأ، اليهودي الذي تظاهر بالإسلام، الدور الكبير في صـياغة بعض عقائد الشيعة في ذلك الوقت مثل الوصية، وقد كان ابن سبأ أحد الذين قادوا الفتنة أواخر زمن عثمان، وادعى أن علياً أحق بالخلافة من عثمان ذي النورين، وبلـغ بـه الغلو أن ادعى ألوهية علي، وهو صاحب نظرية إن لكل نبي وصياً، وإن عليـاً كـان وصيًا للنبي صلى االله عليه وسلم، وبما أن محمداً صلى االله عليه وسلم خاتم النبيين، فإن علياً هو خاتم الأوصياء).
الرأي الثاني: يربط التشيع بمعركة صفين سنة 37هـ، والتي دارت رحاهـا بـين جيش الإمام علي، وجيش معاوية. وقد قال ذلك المستشرق مونتجمري.
الرأي الثالث: أن التشيع بدأ باستشهاد الحسين رضي االله عنه سنة 61هـ، إذ يقول المستشرق شتروتمان: "إن دم الحسين يعتبر البذرة الأولى للتشيع كعقيدة.
جملة القول أن التشيع مر بمراحل :
الأولى: التي أعقبت قتل عثمان رضي االله عنه لم يكن يعني أكثر من تفضيل علـي على معاوية، وعند بعضهم تفضيله على عثمان، مع اتفاق المسلمين على تفضـيل أبي بكر وعمر على من سواهما من الصحابة الكرام رضي االله عنهم.
وقد أشار إلى هذا المعتقد ليث بن أبي سليم (ت 143هـ) وهو من شيعة علي حين قال: (أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً).
أما التابعي شريك بن عبداالله (ت 140هـ) فقد كان من شيعة علي، وكـان عنـدما يسأل: أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟ يجيب: أبو بكر أفضل. فيرد السائل: أتقـول هـذا وأنت شيعي؟! فقال له: نعم، ومن لم يقل هذا فليس شيعياً، واالله لقد رقى علي على هـذه الأعواد، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، فكيف نرد قوله، وكيف نكذبه، واالله ما كان كذابًا.
الثانية: بروز الانحراف، وهو ما أشار إليه أبو إسحاق السبيعي (ت126هـ) عندما قال: (خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما، وقـدمت الآن وهم يقولون ويقولون، واالله ما أدري ما يقولون).
يقول د.العيص: (ويمكن القول بأن الأطوار الأولى للتشيع قد زالت واختفت لأنها لـم تكن تمثل حزباً سياسياً، ولا فرقة دينية مستقلة بأصولها، ومعتقداتها، وإنما كانت عبارة عن ميول وعواطف ذهبت مع أصحابها. وانتهت رسمياً ببروز طائفة الشيعة الإماميـة التي تفضل علياً على الشيخين وسائر الصحابة وتنال منهم أيضاً.
ومما يدل على التطور الذي حدث في عقائد وأفكار الشيعة، وأن الشيعة الأول لـم يكونوا على ما هم عليه الشيعة اليوم، محاورتهم لزيد بن علي بن الحسـين رحمـه االله (ت 122هـ)، لما اشتد القتال بينه وبين عامل بني أمية يوسف بن عمرو الثقفي، فقـد جاء الشيعة وقالوا له: ما قولك، يرحمك االله، في أبي بكر وعمر؟ فقال: غفر االله لهما، ما سمعت أحداً من أهلي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيهما إلاّ خيراً، فرفضوه، وانصـرفوا عنه، ونقضوا بيعته، وتركوه، فلهذا سموا بالرافضة من يومئذ، ومن تابعه علـى قولـه سموا بالزيدية.
فرق الشيعة:
انقسمت الشيعة إلى فرق كثيرة جداً، ويوجد اليوم ثلاث فـرق رئيسـة: الإثنا عشرية، والإسماعيلية، والزيدية
1 -الإثنا عشرية: تمثل التيار الأكبر في الشيعة، ومن أسمائها الإمامية، والرافضـة، والجعفرية، وإذا أطلق لفظ الشيعة فإنه ينصـرف إليهـا دون غيرهـا. وسـميت بالإمامية لأنها تؤمن بإمامة علي بن أبي طالب رضي االله عنـه، وسـميت اثنا عشرية لأنها تسوق هذه الإمامة إلى اثني عشر إماماً من أولاد علي بن أبي طالب رضي االله عنه.
2 -الإسماعيلية: وكان افتراقهم عن الإمامية الإثني عشرية، بعد وفاة الإمام السـادس عند الشيعة جعفر بن محمد الصادق (83 - 148هـ)، إذ ساق الإثنـي عشـرية الإمامة إلى ابنه موسى بن جعفر (الكاظم)، بينما رفض بعضهم هـذا الاختيـار، وساقوا الإمامة إلى إسماعيل بن جعفر رغم أنه مات في حياة أبيه، في حين ساقها آخرون إلى محمد بن إسماعيل، وسموا بـالإسماعيلية
3-الزيدية: فرقة تنسب إلى زيد بن علي بن الحسين رحمه االله (80 - 122هــ)، وكان افتراقها عن الشيعة بسبب موقف زيد من الشيعة الذين طلبوا منه التبرؤ من أبي بكر وعمر شرطاً لنصرته في معركته ضد الأمويين، لكنه رفض، فخـذلوه، فأطلق عليهم (الرافضة)، وما زال هذا الاسم يطلق على الشيعة الإثنـي عشـرية حتى اليوم.