تنسب الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (80 - 122 هـ) وقد تلقى العلم عن والده زين العابدين بن علي بن الحسين، ثم عن أخيه الأكبر محمد بن علي الباقر. وتنقل في البلاد الشامية والعراقية بحثا عن العلم أولا، وعن حق آل البيت في الإمامة ثانيًا، وكان تقيًّا شجاعًا، وقد اتصل برأس المعتزلة واصل بن عطاء، وتدارس معه العلوم، فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضا منها إلى الفكر الزيدي، وبالمقابل تتلمذ أبو حنيفة على الإمام زيد وأخذ منه العلم.
وورد أنه جاءه قوم حين خرج، فقالوا: (تَبَرَّأْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى نَكُونَ مَعَكَ)، فَقَالَ: (لا!، بَلْ أَتَوَلاهُمَا وَأَبْرَأُ مِمَّنْ يَبْرَأُ مِنْهُمَا)، قَالُوا اذًا نَرْفُضُكَ. وأما الزيدية فقالوا بِقَوْلِهِ وَحَارَبُوا مَعَهُ فنُسِبُوا الَيْهِ.
لم يكن فقه الإمام زيد قد دوّن في حياته، ومع ذلك فالزيدية ينسبون إليه كتابين يعتبران عماد الفقه الزيدي: الأول " المجموع في الحديث " والآخر " المجموع في الفقه "، وهما مجموعان في كتاب واحد اسمه " المجموع الكبير" وراوي هذين الكتابين عن الإمام زيد تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وقد اتهمه أهل الحديث بالوضع والكذب.
ولد الامام زيد سنة ست وستين، ونشأ في بيت علم وعبادة، وأمه أم ولد أهداها لزين العابدين المختار بن أبي عبيد، وروى عن: أبيه، وأخيه أبي جعفر الباقر، وأبان بن عثمان بن عفان، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن أبي رافع، وروى عنه ابناه حسين، وعيسى، وابن أخيه جعفر بن محمد الصادق، والزهري، والأعمش، وشعبة، وسعيد بن خثيم، واسماعيل السدي، وزبيد اليامي، وزكرياء بن أبي زائدة، وعبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وأبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وابن أبي الزناد، وجماعة كثيرة، وكان إمامًا جليلًا صالحًا ذا عفة وعلم وشرف، وخرج وقتل رحمه الله.
وقصة خروجه اختلف في سببها المؤرخون:
فمنهم من يرى ان أصل السبب في الخروج خلاف في الأسرة الشريفة حول ولاية أوقاف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان زيد نائبا عن آل الحسين، وعبدالله بن الحسن عن آل الحسن، فاجتمعا عند والي العراق يختصمان في ذلك.
وقيل بل السبب ان زيدًا ادُّعِيَ عليه مال أو أرض، فحُمل الى والي العراق ليحلف أو يقدم بينة، وقيل انه حصل بينه وبين الوالي هناك (يوسف بن عمر) نزاع، فحُمل زيد الى الخليفة (هشام بن عبد الملك)، وحصل بينهما نزاع أيضا وكلام شديد، فغَضِب (هشام) وغضب (زيد)، (فقال هشام: اخرج، قال: أخرج، ثم لا تراني الا حيث تكره) فرجع الى الكوفة، وجعل أهلها يثيرونه للخروج على بني أمية، لما لاقى منهم من اغلاظ وكلام في حَسَبِه، ولما كانوا يعيرونه بأمه أنها أمة.
وكان هو أيضًا يغلظ عليهم فقال مرة: (ليس أحد أولى بالله ولا أرفع عنده منزلة من نبي ابتعثه، وقد كان اسماعيل من خير الأنبياء، وولد خيرهم محمدا صلى الله عليه وسلم، وكان اسماعيل ابن أمة، وأخوه ابن صريحةٍ مثلك، فاختاره الله عليه وأخرج منه خير البشر، وما على أحد من ذلك جده رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت أمُّه أمَةً) قالها لهشام، وقال مرة: (يا معشر قريش هذا الدين قد ذهب، أفتذهب الأحساب؟!، فوالله انه ليذهب دين القوم وما تذهب أحسابهم!) قالها في مجلس (يوسف بن عمر).
ومكث (زيد) في الكوفة، ونما الى علم (يوسف بن عمر) ان الناس تدخل وتخرج عليه يريدون منه الخروج، فطلبه مرارا فلم يلبِّ، وأمر باخراجه مرارا فلم يمكنه، وسمع (زيد) للكوفيين، وأعطوه الأيمان المغلظة والمواثيق لينصرنه، وقد كان أبى عليهم قبلها، فقال له (داود بن علي): (يا ابن عم لا يغرنك هؤلاء من نفسك، ففي أهل بيتك لك عبرة وفي خذلان هؤلاء اياهم). ولكن (زيدا) واصل أمره، وأرسل دعاته في الآفاق يأخذون له البيعة، وواعدهم على الخروج في ليلة معروفة، وهبّ له جماعة ينصحونه بترك أمرهم، ويذكرونه بغدرهم كما فعلوا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وجده الحسين، ولم يجد (زيد) بدّا من المضي فيما عاهد عليه الناس، وقال لناصحيه: (انهم بايعوني فلزمت البيعة في عنقي وأعناقهم)، فعند ذلك فارقه جماعة كداود بن علي وغيره.
وخرج (زيد) قبل الأجل المحدد، ولما بلغ ذلك (يوسف بن عمر) خرج بقواته عليهم ليحصروهم، ولم يخرج لزيد الا مائتان ونيف، وقد كان حصر في ديوانه فقط من المبايعين خمسة عشر ألفا!، وكان قتال بينهم وبين الأمويين، وكان له فيه نصر في أول الأمر، ثم ضاق الأمر، فأرسل الى أهل الكوفة في المسجد وكانوا محصورين فيه من (يناديهم يا أهل المسجد اخرجوا، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل الى العز، والى الدين والدنيا)، ثم تواجها فكان (زيد) في خمسمائة والأمويون اثنا عشر ألفا!، وثبّت (زيد) أصحابه، وأبلوا بلاء حسنا، وفي جنح الليل رُمي (زيد) بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فوصل الى دماغه، وأرسلوا لطبيب فجاءه فقال له: (انك ان نزعته من رأسك مت)، فقال: (الموت أيسر علي مما أنا فيه)، فنزعه فمات رحمه الله.
ودفنه أصحابه، وأخفوا قبره، وسيلوا عليه ماء لئلا يعرف، ثم ان (يوسف بن عمر) عرف مكانه، فاستخرجه وصلبه، قيل: لأربع سنين، وهو بعيد. وقيل لمدة، والله أعلم، وكان ذلك عام واحد وعشرين ومائة، وكان عمره حين توفي اثنتين وأربعين سنة.
قال الحافظ الذهبي: (وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَارِيخِ مَصْرَعِهِ عَلَى أَقْوَالٍ: فَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: قُتِلَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةَ. رَوَاهُ ابْنُ سعد عنه) .
وفي طبقات ابن سعد عن (سَحْبَلِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ أَكْرَهَ الَيْهِ الدِّمَاءُ وَلَا أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَلَقَدْ دَخَلَهُ مِنْ مَقْتَلِ زَيْدِ بْنِ علي وَيَحْيَى بْنِ زَيْدٍ أَمْرٌ شَدِيدٌ، وَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ افْتَدَيْتُهُمَا).
ومن جِماع ما يقال في تلك الحادثة عن الامام زيد رحمه الله ما قاله الذهبي:
(وكان ذا علم وجلالة وصلاح، هفا، وخرج، فاستشهد)
وقال:
(خرج متأولا، وقتل شهيدا، وليته لم يخرج).
وروى عن جرير بن حازم، قال:
رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنه متساند الى خشبة زيد بن علي، وهو يقول: هكذا تفعلون بولدي؟!.
ومما يؤثر من أقواله رحمه الله أنه قال:
كان أبو بكر -رضي الله عنه- امام الشاكرين، ثم تلا: {وسيجزي الله الشاكرين}، ثم قال: البراءة من أبي بكر هي البراءة من علي).
ولهج بالثناء عليه المعاصرون من البيت الشريف وخارجه، ولأبي حنيفة كذلك كلام كثير في الثناء عليه، والإقرار له بالعلم والفضل ومحبة مساعدته، فرضي الله عنه من إمام جليل من أعلام آل البيت النبوي الشريف.
خرج محمد بن عبد الله الحسن بن علي (المعروف بالنفس الزكية) بالمدينة فقتله عاملها عيسى بن ماهان .
وخرج من بعده أخوه إبراهيم بالبصرة فكان مقتله فيها بأمر من المنصور .
وقد عرف من أئمتهم:
ويجيزون وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في بلدين مختلفين، وتقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل، إذا لا يشترط عندهم أن يكون الإمام أفضل الناس جميعا، ومعظمهم يقرّون بصحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مع مؤاخذته على بعض الأمور.
ونتيجة للأوضاع التي عاش بها الإمام زيد أسس مذهبا فقهيا يجمع بين فقه أهل البيت والاعتزال، وأسس قاعدة مشروعية الخروج على الحاكم الظالم، وهي القاعدة التي طبقها الزيدية جيلا بعد جيل. وقد قاد الإمام زيد ثورة ضد الأمويين، زمن هشام بن عبد الملك سنة 122ه، مدفوعا من أهل الكوفة الذين سرعان ما تخلوا عنه عندما علموا انه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر ولا يلعنهما، وقد التقى بالجيش الأموي وما معه سوى 500 فارس، وقيل 200 فقط، حيث أصيب بسهم قضى عليه.
إذا الملامح الشيعية واضحة في المذهب الزيدي،رغم اعتدالهم ومخالفتهم للإمامية في كثير من الأصول والفروع، كما أن فكر المعتزلة أيضا له وجوده كما سبق ذكره.
1 الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد.
2 السليمانية: أصحاب سليمان بن جرير ويقال لها أيضا الجريرية.
3 البترية: أصحاب النوى الأبتر والحسن بن صالح ويقال لها الصالحية.
وروى الكليني في الكافي (8/235) حديث رقم 314 عن عبد الله ببن المغيرة، قال:
قلت لأبي الحسن علية السلام: إن لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي، ولا بد من معاشرتهم، فمن أعاشر؟ فقال: هما سيّان، من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، وقال إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا .
ويقول أحد علمائهم, وهو محمد الموسوي الشيرازي الملقب ب (سلطان الواعظين) في كتاب ليالي بيشاور ص129-130:
إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب, وإنما الشيعة مذهب واحد، وهم المطيعون لله وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الاثنى عشر (ع)، ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة، ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمدٍ لأغراض سياسية ودنيوية, فهي أربعة مذاهب أولية, وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان: تشعبت منها مذاهب أخرى, والمذاهب الأربعة هي: الزيدية, الكيسانية, القداحية, الغلاة".
وجاء عن الإمام زيد في رسائل العدل والتوحيد 3/76 نقلاً عن التحف شرح الزلف ما نصّه:
اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني, وخرجوا من بيعتي, كما رفض أهل حرواء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه.
وسبب هذا اللعن هو أن الشيعة في الكوفة طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر حتى ينصروه ضد الجيش الأموي, فأبى ذلك فرفضوه فقال: أنتم الرافضة, وقال أيضاً: الرافضة مرقوا علينا.
وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين يقول:
هؤلاء الإمامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد
الأحكام في الحلال والحرام 1/454.
أما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614ه فقد رد عليهم بمئات الصفحات في كتابه العقد الثمين. وفنّد أساطيرهم, وربطهم بعبد الله بن سبأ, وغير ذلك.
ومن المعاصرين يقول مجد الدين المؤيدي (التحف شرح الزلف ص68) وهو يشرح خروج زيد على الأمويين:
ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبر الشريف بضلالها.
جدير بالقول أن الزيدية ظلت لسنوات طويلة زيدية صرفة يحارب أئمتها التشيع والرفض, إلا أن قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 شكل بارقة أمل لقادة العمل الزيدي في اليمن, خاصة وأن إيران مدّت يدها لهؤلاء في خطتها لتصدير الثورة ونشر التشيع في العالم ومنه اليمن.
وصارت الكثير من الهيئات والمؤسسات والمطبوعات الزيدية تنحى منحى إمامياً اثنى عشرياً, وللزيدية في اليمن الكثير من المؤسسات والأنشطة منها:
أولاً: الأنشطة التعليمية والدينية:
1-تقريب الزيدية إلى الإمامية, والترويج للفكر الإمامي.
2-إدارة عدد من المساجد والمراكز العلمية ومدارس تحفيظ القرآن, مثل الجامع الكبير, ودار العلوم العليا, ومركز بدر العلمي, ومركز ومسجد النهرين في صنعاء, ومركز الإمام القاسم بن محمد في مدينة عمران, ومركز الهادي في صعدة.
ثانياً: الأنشطة الإعلامية والثقافية:
1-طباعة الكتب والنشرات وتوزيعها بالمجان أحياناً مثل كتاب "الوهابية في اليمن" لبدر الدين الحوثي, أو "ثم اهتديت" للتيجاني.
2-إصدار بعض الصحف والمجلات خاصة في ظل أجواء الانفتاح التي عاشها اليمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية سنة 1990م ومنها صحيقة الشورى الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية, وصحيفة الأمة الناطقة باسم حزب الحق, وصحيفة البلاغ التي يصدرها إبراهيم بن محمد الوزير.
3-الترويج لعدد من وسائل الإعلام الشيعية التي تصدر خارج اليمن مثل مجلة النور التي تصدرها مؤسسة الخوئي في لندن, ومجلة العالم التي تصدرها إيران.
ثالثاً: الأنشطة السياسية:
بادر الزيدية في اليمن إلى دخول المعترك السياسي بعد السماح بإنشاء الأحزاب سنة 1990م, ومن أحزابهم:
1-حزب الحق, ويرأسه أحمد محمد الشامي, وهو من علمائهم المعاصرين.
2-اتحاد القوى الشعبية, ويرأسه إبراهيم علي الوزير, وهذان الحزبان ليس لهما وزن يذكر على الساحة اليمنية.
رابعاً: الاحتفالات:
ازدادت في الآونة الأخيرة الاحتفالات التي لم تكن مألوفة عند الزيدية في اليمن مثل:
إحياء ذكرى استشهاد الحسين, وإقامة المجالس الحسينية, وإحياء وفاة بعض الأئمة مثل جعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين, واتخاذ بعضهم جبلاً في مدينة صعدة أسموه (معاوية) يخرجون إليه في يوم عاشوراء ويطلقون عليه نيران أسلحتهم, والاحتفال بيوم الغدير.
خامساً: الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية:
إنشاء "جمعية الإيمان الخيرية", ومما يجدر ذكره أن الجمهورية الإيرانية تقدم مساعدات مالية للشيعة في اليمن مثل تقديم المنح الدراسية للطلاب اليمنيين لدراسة العلوم الدينية في إيران, وإنشاء المركز الطبي الإيراني في صنعاء.
1-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: الطبعة الثالثة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
2-نظرة الإمامية الاثنى عشرية إلى الزيدية: محمد الخضر، تقديم محمد المهدي.
3-الزيدية نشأتها ومعتقداتها: القاضي إسماعيل الأكوع.
4-التجمعات الشيعية في العالم العربي (اليمن).