كيف فتح المسلمون صقلية؟ (1)مقالات


• كانت جزيرة "صقلية" تمثل أهمية استراتيجية كبيرة لدى المسلمين، فقد كانت المعبر لحضارة الإسلام إلى أوروبا.

• كانت صقلية قبل فتحها تتبع الروم، وكانوا يشنون منها الغارات على تونس وشمالي إفريقيا؛ لذا اهتم المسلمون منذ القرن الأول الهجري بفتحها.

• كانت غزوات المسلمين على صقلية مناوشات وحروب تأديبية للبيزنطيين، يغنم منها المسلمون غنائم طيبة، وكانت أول حملة على الجزيرة في خلافة "معاوية بن أبي سفيان" سنة 46 هـ / 667 م.

• استمرت محاولات فتح صقلية طيلة العهد الأموي، مع استبسال البيزنطيين في الدفاع عنها، لأهميتها الكبيرة.

• تم فتح صقلية في عهد "بني الأغلب"، حيث أرسلوا الفقيه والقاضي "أسد بن الفرات" الذي تم على يديه فتح "سرقوسة" سنة 212 هـ / 828 م.

• فتح المسلمون "بلرم" التي اتخذوها عاصمة إمارتهم في صقلية سنة (216 هـ / 832 م).

• استطاع المسلمون بفتح صقلية السيطرة على بحر الروم بعد إجلاء البيزنطيين عنها، وقيل: إن فتح صقلية بالكامل وإتمام سيطرة المسلمين قد تم بعد حروب دامت نحو 138 سنة.

• قام "الأغالبة" بالاهتمام بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والعلمية على أرض الجزيرة التي كانت بأكملها ذات صبغة إسلامية وقت حكم ولاة الأغالبة عليها.

•  يعدُّ فتح جزيرة صقلية أهم عمل قام به "الأغالبة" في البحر المتوسط.

• تميزت فترة حكم ولاة بني الأغلب بالتسامح الديني، كما أدخلوا إلى الجزيرة غراسة القطن وزراعة الحمضيات، كما اهتم المسلمون في صقلية بالجانب العمراني حيث عرف ازدهارًا كبيرًا.

• استمر التأثير الإسلامي حاضرًا بقوة في عهد "النورمان" الذين أسقطوا الإمارة الإسلامية، وكان العرب العنصر السكاني الغالب على الجزيرة في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين.

• تعرض المسلمون في صقلية لحملة اضطهاد مماثلة لحملة اضطهاد الأندلسيين في محاكم التفتيش الإسبانية أدت لهجرتهم من الجزيرة للبلدان الإسلامية المجاورة والنجاة بدينهم.

 

نبذة عامة عن جزيرة صقلية:

جزيرة لا يفصلها عن إيطاليا إلا مضيق "مسينا" الذي يبلغ عرضه نحو ثلاثة كيلو مترات، وهي المعبر لحضارة الإسلام إلى أوروبا [1].

وهي أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، ومنطقة ذاتية الحكم في إيطاليا، تبلغ مساحة صقلية 25,711 كم² لتكون بذلك أكبر الأقاليم الإيطالية مساحة، ويبلغ تعداد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة.

كانت الجزيرة دولة في حد ذاتها في إحدى مراحل تاريخها، كما أن نفوذها امتد من "باليرمو" على جنوب إيطاليا و"صقلية" و"مالطا". أصبحت لاحقًا جزءًا من "الصقليتين" تحت حكم "البوربون"، والتي كانت مملكة عاصمتها "نابولي"، وضمت الجزيرة ومعظم مناطق جنوب إيطاليا. أدى توحيد إيطاليا عام 1860 م إلى حل هذه المملكة، وأصبحت صقلية منطقة ذات حكم ذاتي في مملكة إيطاليا.

 

محاولات فتح صقلية المبكرة:

كانت صقلية قبل فتحها تتبع الروم، وكانوا يشنون منها الغارات على تونس وشمالي إفريقيا؛ لذا اهتم المسلمون منذ القرن الأول الهجري بفتحها، وقاموا بعدة غارات عليها وحملات تأديبية، لمحاولة تأمين فتوحاتهم في إفريقية[2].

تعرضت الجزيرة منذ منتصف القرن الأول الهجري لحملات المسلمين البحرية، فغزاها "عبد الله بن قيس الفزاري" من قبل "معاوية بن حديج" والي إفريقية في خلافة "معاوية بن أبي سفيان"، فنزل أرض صقلية وناوش الروم وغنم منهم مغانمَ طيبةً، وكان ذلك سنة 46 هـ / 667 م[3].

ثم غزاها "عقبة بن نافع" في البحر بأهل مصر في سنة 49 هـ[4]، ثم غزاها "عطاء بن رافع الهذلي" أيضًا في مراكب أهل مصر في سنة 83 هـ[5]، وغزاها "عياش بن أخيل" في ولاية "موسى بن نصير" في أسطول المغرب، وقد هاجم مدينة "سرقوسة"، وغنم منها مغانم كثيرة[6].

وتوالت عليها غزوات المسلمين بعد ذلك فغزيت في سنة 102 هـ في ولاية "يزيد بن أبي مسلم"[7]، وفي سنة 109 هـ غزاها "بشر بن صفوان" بنفسه في خلافة "هشام بن عبد الملك"[8]، ثم غزاها "المستنير بن الحارث الحريثي" في سنة 113 هـ[9]، وغزاها "حبيب بن أبي عبدة بن عقبة بن نافع" في سنة 116 هـ، ثم غزاها في العام التالي، ثم غزاها للمرة الثالثة في سنة 132 هـ مع ابنه "عبد الرحمن بن حبيب"، وغزاها "عبد الرحمن بن حبيب" في سنة 135 هـ أيام إمارته على إفريقية[10].

وتبع هذه الغزوة الأخيرة فترة من الخمول والركود لم يزاول فيها المسلمون أي نشاط بحري، بسبب اشتغال ولاة إفريقية بالفتن وإخماد ثورات "البربر"؛ مما أدى لمحاولة البيزنطيين تحصين قواعدهم البحرية، ومهاجمة المسلمين من جديد، وكثيرًا ما هاجموا سفن تجار المسلمين وأسروهم؛ مما اضطر ولاة إفريقية للتفكير جديًّا بمحاولة طرد الروم من حوض المتوسط، واحتلال أهم معاقلهم الحصينة فيه، ومن أهمها صقلية[11].

 

غزو الفقيه "أسد بن الفرات" صقلية:

ظل الروم يواصلون توجيه غاراتهم البحرية على الساحل التونسي، حتى قامت أسرة "الأغالبة"[12]، حيث اضطروا لعقد معاهدة مع البطريق "قسطنطين" صاحب صقلية لمدة عشر سنوات في عهد الأمير "إبراهيم بن الأغلب"؛ ولكن هذه المعاهدة لم تلبث إلا قليلًا حتى تجددت الاشتباكات مرة أخرى بين المسلمين والروم في بحر المتوسط، واضطر الطرفان لتجديد الهدنة من جديد عشرة سنوات جديدة، في إمارة "أبي العباس إبراهيم الأغلبي"[13].

وفي سنة (212 هـ / 828 م) شرع "زيادة الله بن الأغلب" في فتح "صقلية"، فقام بتولية الفقيه "أسد بن الفرات" فقيه الدولة الأغلبية وقاضيها على رأس جيش لفتح صقلية، وذلك حين استنجد به قائد البحرية البيزنطي "أوفيميوس" المدعو "فيمي"؛ فاستغل "زيادة الله بن الأغلب" هذه الفرصة من أجل فتح الجزيرة، فنزل "أسد بن الفرات" بصقلية وتوغل فيها حتى وصل إلى "سرقوسة"، وفرض عليها حصارًا، حتى توفي هناك أثر وباء سنة ( 213 هـ / 829 م)، بعد أن مهد السُّبُل لفتحها، وفي سنة ( 214 هـ/ 830 م) وصل دعم إلى المسلمين بالجزيرة من الأندلس وإفريقية، وكانوا قد فتك بهم حصار الروم والأوبئة، فاستقووا ثانيةً على الروم، وفتحوا مدينة "بلرم" التي اتخذوها عاصمة لهم سنة (216 هـ / 832 م)[14].

وفي سنة (244 هـ / 859 م ) تم فتح مدينة "قصريانة"، وبهذا بدأت مرحلة جديدة من الفتح النهائي لمدينة "سرقوسة" التي تم فتحها سنة (264 /887 م )[15]، وبعدها تم فتح مدينة "طبرمين" سنة (289 هـ/ 903 م)، وقد برز من قادة الفتح للجزيرة الذين خلفوا الفقيه الشهيد "أسد بن الفرات" أسماء كثير من القادة والأمراء منهم: "محمد بن أبي الجواري" الذي توفي في آخر سنة 213 هـ، و"زهير بن غوث" وقيل: "زهير بن برغوث"، و"أصبغ بن وكيل الهواري" المعروف بـ"فرغلوش"، ثم "عثمان بن قرهب"، ثم "أبو فهر محمد بن عبد الله بن الأغلب التميمي" الذي ولي صقلية سنة 217 هـ،  وأخوه "أبو الأغلب إبراهيم" الذي تولى محله، ثم "العباس بن الفضل بن يعقوب" والذي ولي صقلية سنة 236 هـ، وغيرهم من الولاة من قِبَل أمراء بني الأغلب، الذين تتالَوا على حكم هذا الثغر الهام، وواصلوا منه فتح الجزيرة والجزر المجاورة، وأقاموا دولة عظيمة للمسلمين في صقلية.

وبهذا يكون المسلمون قد أتموا فتح كامل الجزيرة بعد حملات كثيرة استمرت لسنين من الزمن، وقد استطاعوا بفتح صقلية السيطرة على بحر الروم بعد إجلاء البيزنطيين عنها، وقيل: إن فتح صقلية بالكامل وإتمام سيطرة المسلمين قد تم بعد حروب دامت نحو 138 سنة[16].

ويُعَد فتح جزيرة صقلية أهم عمل قام به "الأغالبة"؛ حيث أصبحت صقلية حاضرة إسلامية مثل الأندلس، وقد كانت فترة حكم الأغالبة للجزيرة كلها فترة جهاد وفتح، وهذا لم يمنع الأغالبة من الاهتمام بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والعلمية على أرض الجزيرة التي كانت بأكملها ذات صبغة إسلامية وقت حكم ولاة الأغالبة عليها.

 

[1] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة - جدة، 1405هـ - 1985م، صـ20.

[2] الأقليات المسلمة في أوروبا، سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، منشورات رابطة العالم الإسلامي، 1985م، صـ111.

[3] نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين النويري (ت 733هـ)، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ط1، 1423هـ، (24/ 353).

[4] فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (ت 279هـ)، دار ومكتبة الهلال- بيروت، 1988م، صـ233.

[5] العبر في خبر من غبر، الذهبي، (3/ 333).

[6] البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، ابن عذارى المراكشي، تحقيق ومراجعة: ج. س. كولان، إِ. ليفي بروفنسال، دار الثقافة، بيروت - لبنان، ط3، 1983م، (1/ 42).

[7] الكامل في التاريخ، ابن الأثير الجزري، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان، 1417هـ / 1997م، (4/ 182).

[8] نفس المصدر، (4/ 201).

[9] المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، ابن أبي دينار القيرواني، 1286هـ، مطبعة الدولة التونسية، صـ35.

[10] الكامل في التاريخ، ابن الأثير الجزري، (4/ 219-226).

[11] تاريخ البحرية الإسلامية في المغرب والأندلس، د. السيد عبد العزيز سالم، د. أحمد مختار العبادي، دار النهضة العربية- بيروت، 1969م، صـ97.

[12] الأغالبة أو بنو الأغلب (800-909م) سلالة عربية من بني العنبر بن عمرو من قبيلة بني تميم، حكمت في إقليم إفريقية بالمغرب العربي (شرق الجزائر وتونس وغرب ليبيا) مع جنوب إيطاليا وصقلية وسردانية وقرشقة ومالطة، كان مؤسس الأسرة الأغلب بن سالم بن عقال العنبري التميمي قائدًا لجيش العباسيين، ثم أصبح ابنه إبراهيم (800-812) واليًا على إفريقية من طرف هارون الرشيد ابتداءً من سنة 787، غير أنه استقل بالأمر سنة 800 بعد تراجع دور العباسيين، وقد عمل الرشيد على دعم إبراهيم حتى لا يستقل نهائيًّا كباقي الإمارات، تعاقب على حكم الأسرة أحد عشر أميرًا، وظلت دولة الأغالبة قائمة يتعاقب عليها أمراء البيت الأغلبي حتى قضى عليها الفاطميون سنة 296هـ / 909م.

[13] تاريخ البحرية الإسلامية في المغرب والأندلس، د. السيد عبد العزيز سالم، د. أحمد مختار العبادي، صـ97.

[14] العرب في صقلية دراسة في التاريخ والأدب، إحسان عباس، دار الثقافة، ط1، 1975 م، صـ35.

[15] الجاليات الإسلامية في صقلية تحت الحكم النورماني (483-584 هـ / 1091-1198 م)، إلياس جندل وهشام بن بتيش، شهادة ماجستير في التاريخ، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد بوضياف، الجزائر، 2016 -2017م، صـ13.

[16] تاريخ البحرية الإسلامية في المغرب والأندلس، د. السيد عبد العزيز سالم، د. أحمد مختار العبادي، صـ119.