صقلية المسلمة: صعود نجم الإسلام فيها وأفولهمقالات

فراس الخطيب

مترجم عن اللغة الإنجليزية

 

صقلية المسلمة: صعود نجم الإسلام فيها وأفوله[1]

فراس الخطيب

 

فيما يتعلق بموضوع الإسلام في القارة الأوروبية، فإن التركيز ينصبّ عادةً على فترة إسبانيا المسلمة "الأندلس"، والتي استمرت من 711 إلى 1492 (مع أقلية مسلمة بقيت حتى عام 1609)، والإمبراطورية العثمانية التي عبرت من الأناضول إلى جنوب شرق أوروبا في أوائل القرن الثالث عشر.

وعادة ما يتم نسيان فترة الحكم الإسلامي في جزيرة صقلية الواقعة قبالة الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الإيطالية، هنا حيث حكمت السلالات المسلمة لأكثر من 200 عام، حيث كان عدد كبير من السكان المسلمين يسمون مواطني الجزيرة.

غزو ​​صقلية

خلال فترة عدم الاستقرار في أوائل القرن الثامن عشر اجتمعت عدة عوامل تسببت في قيام حملة الأغالبة الاستكشافية إلى صقلية، فأدت المشاكل السياسية في الجزيرة إلى وصول إيفميوس إلى البلاط الأغالبي عام 826، وهو قائد بحري بيزنطي كانت أسباب ثورته غير واضحة، وكان أمير الأغالبة زيادة الله الأول مترددًا في البداية في تقديم المساعدة له، لا سيما بالنظر إلى أن معاهدة السلام مع البيزنطيين في عام 817 كانت لا تزال سارية المفعول، كما أن عوامل شخصية رئيسية أخرى في القصة ساعدت في جعل الغزو حقيقة واقعة، إذ كان أسد بن الفرات من علماء الشريعة الإسلامية، وكان قد درس في الشرق مع الإمام مالك، وكذلك مع اثنين من تلاميذ الإمام أبو حنيفة "أبو يوسف ومحمد الشيباني"، وكان ناشطاً سياسياً في إمارة الأغالبة، ونال احتراماً كبيراً بين الناس بسبب دراسته مع بعض كبار علماء عصره، وبالنسبة إلى زيادة الله الأول فقد كان مصدر إزعاج يمكن أن يسبب مشاكل، لا سيما بالنظر إلى الاستقرار الهش للإمارة في المقام الأول، ولحسن الحظ بالنسبة للأمير فقد كان ابن الفرات يؤيد غزو الجزيرة، وزعم بأن معاهدة السلام كانت باطلة بسبب احتجاز البيزنطيين للعديد من التجار المسلمين؛ لذا فإن الوضع بالنسبة إلى زيادة الله كان مثاليًا، حيث يمكنه في وقت واحد مهاجمة البيزنطيين، وإضعاف وجودهم التجاري في البحر الأبيض المتوسط​​، وتقوية سيطرته عن طريق إرسال أسد بن الفرات (إلى جانب العديد من الأشخاص العاديين والجنود الآخرين الذين يحتمل أن يكونوا متمردين) إلى الرحلة الاستكشافية إلى الجزيرة، لكن الرحلة الاستكشافية كانت أكثر نجاحًا بكثير مما كان يتصور، حيث غادر الجيش (الذي ربما لا يزيد عدده عن 10000) شمال إفريقيا في يونيو من عام 827، ووصل إلى الساحل الغربي لصقلية في غضون أيام قليلة، فدارت معركة ضارية لاحقة بين قوات أسد بن الفرات والجيش البيزنطي انتهت بانتصار المسلمين وتراجع معظم الجنود البيزنطيين إلى المدن المحصنة باليرمو وسيراقوسة على السواحل الشمالية والشرقية للجزيرة على التوالي، وبعد فشل حصار باليرمو الذي توفي فيه أسد بن الفرات بسبب المرض عام 828، توغل الجيش الإسلامي في الداخل، وطارده البيزنطيون، وعززهم بقوات وسفن جديدة تم نقلها من بحر إيجه، إلا أنه وبعد العديد من الخسائر في المعارك والوفيات بسبب المرض، فقد بدا الغزو على وشك الانهيار عندما وصلت فرقة من جنود الأمويين الأندلس إلى الجزيرة عام 830 وانضمت إلى بقايا حملة الأغالبة، فكانت هذه نقطة تحول رئيسة، حيث سار الجيش الإسلامي نحو باليرمو وحاصرها بنجاح، وفي هذه المرحلة اهتم زيادة الله الأول الذي لم يكن مشاركًا في الغزو بالجزيرة، وأرسل ابن عمه ليكون حاكم باليرمو (المعروف باسم بالارم للعرب)، وبدأت صقلية تعتبر محافظة من إمارة الأغالبة، مع حكومة واقتصاد عاملين، ومع الاهتمام المتجدد بالجزيرة فقد استمر الغزو، وقبلت القرى والبلدات سيطرة المسلمين على باليرمو، مع الاحتفاظ بالنصف الشرقي من الجزيرة، فتم غزو سيراقوسة في نهاية المطاف عام 878، وفيما يتعلق بالحكم فقد كان النظام الذي تم إنشاؤه في الجزيرة مشابهًا لنظام الحكم الأغالبي في المناطق الأخرى، وكانت المحافظة تحت قيادة حاكم شكلي يخضع لسلطة أمير الأغالبة في القيروان، ولكنه في كثير من الأحيان كان يحكم بشكل شبه مستقل بينما كان المسلمون خاضعين للشريعة الإسلامية كما أملاها القضاة وعلماء الدين، وكان المسيحيون واليهود أحرارًا في أن تحكمهم قوانينهم الخاصة طالما أنهم دفعوا ضريبة الاقتراع (الجزية)، وأية ضرائب أخرى على الأرض (الخراج) مستحقة عليهم.

الفتح النورماندي وسقوط صقلية المسلمة

شهد أوائل القرن الحادي عشر فرض ضرائب جديدة على مسلمي صقلية من قبل الأمير كلبيد الأكحل بهدف تقوية الجزيرة ككيان سياسي مستقل يمكنه الدفاع عن نفسه، فمنذ الفتح الفاطمي لمصر عام 969 انتقل الجزء الأكبر من القوة البحرية والعسكرية لشمال إفريقيا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، مما جعل صقلية عرضة للهجوم البيزنطي، وقد أدت الضرائب الجديدة إلى جانب التوترات الموجودة مسبقًا بين سكان الجزيرة وحكامها الفاطميين إلى قيام مجموعة من الوجهاء الصقليين بطلب مساعدة الأسرة الزيرية المستقلة حديثًا في تونس، وفي عام 1036 عبرت قوة زيرية من شمال إفريقيا إلى صقلية، واستولت بسرعة على باليرمو، وقتلت الأكحل، حيث تسببت المخاوف من هيمنة شمال إفريقيا في ثورة سكان باليرمو ضد حكامهم الزيريين الجدد، وأجبرت الحملة على العودة إلى تونس بعد فترة وجيزة من وصولها إلى الجزيرة، وفي هذه المرحلة أخذت السيطرة على الجزيرة شكلًا من اللامركزية، حيث أعلنت المقاطعات بقيادة القادة العسكريين استقلالها في غياب حكومة مركزية في الجزيرة تمامًا مثل حقبة الطوائف في الأندلس، فكان أن قسمت الخصومات العرقية والسياسية والاقتصادية مسلمي المنطقة إلى فصائل متنافسة تشابه النموذج الأندلسي، وهو ظهور ممالك مسيحية قوية تتوق إلى الاستفادة من الانقسام الإسلامي، والنورمانديون هم سلالة في الأصل من شمال أوروبا اشتهرت بقدراتها العسكرية (كما يتضح من غزوهم لإنجلترا عام 1066) حكموا جنوب إيطاليا، واغتنموا الفرصة لغزو الجزيرة عام 1052، ولم يحاول الزيريون الدفاع عن الجزيرة أبدًا بسبب انشغالهم بالحروب القبلية في شمال إفريقيا، إلى جانب تصميم المسلمين الصقليين على عدم حكمهم من قبل قوة شمال أفريقية، وبحلول عام 1065، كانت معظم الجزيرة تحت سيطرة النورمان، فسقطت باليرمو في عام 1072، وتبعتها سيراقوسة في عام 1085، وسقطت آخر بؤرة خاضعة للسيطرة الإسلامية في صقلية وهي مدينة نوتو الساحلية الجنوبية في عام 1090 كما هو الحال في الأندلس، فعاش السكان المسلمون تحت الحكم المسيحي، وكانت معاملة السكان المسلمين تعتمد على أهداف ومزاج الملك النورماندي الذي كان في السلطة في ذلك الوقت، هذا وقد تميز عهد روجر الثاني بين عامي 1130 و 1154 بالتسامح مع المسلمين بشكل خاص، إذ في عهده أكمل الجغرافي العظيم الإدريسي أطلس العالم المعروف باسم Tabula Rogeriana. وقد اختار آلاف المسلمين الهجرة الطوعية إلى الأراضي الإسلامية باستمرار للعيش في كنف السيطرة المسيحية النورماندية، وفي غضون ذلك أدت الحروب الصليبية المستمرة في بلاد الشام فضلًا عن الثورات الإسلامية المتفرقة في صقلية إلى تدهور العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء أوروبا، وفي عام 1199 أعلن البابا إنوسنت الثالث أن المسلمين في صقلية "عناصر معادية" للدولة، وفي عام 1266 تم إجبار آخر المسلمين على مغادرة الجزيرة، معلنة انتهاء حقبة أكثر من 400 عام من الإسلام في صقلية.

 

[1] الترجمة نقل دقيق لمحتوى المقالة ولا يعني ذلك بالضرورة الموافقة على آراء الكاتب.