إمارة إقريطش الإسلامية (كريت) (2)مقالات


ازدهار اقتصادي ورخاء تجاري:

على الجانب الاقتصادي، فقد امتازت أرض الجزيرة بالخصوبة، وتنوع المحاصيل الزراعية من الأشجار المثمرة والفواكه، والحبوب، وكانت تنتج العسل، والأجبان، كما تنمو في أرضها الأعشاب الطبية، وأرضها غنية بالمعادن التي جعلت منها مركزًا تجاريًّا مرموقًا لمعادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، وغيرها.

"وكانت مراكب أهل إقريطش تمير أهل مصر بخيرات جزيرتهم وأطعمتهم، وكانت هداياهم تصل إلى عمال مصر"[1].

وعلى الصعيد التجاري والملاحة في البحر فقد أصبح للأندلسيين المسلمين سيطرة على البحر المتوسط تجاريًّا بعد سقوط "إقريطش" بأيديهم، وذلك من خلال الإشراف على الطرق التجارية عند "بحر إيجة"، وما بين المشرق والمغرب، وبين إقريطش والإسكندرية، كما حققوا مكاسب مادية تجارية من الضرائب التي فرضوها على السفن التجارية، إضافةً للجزية التي تؤخذ من البيزنطيين[2].

 

عملة مسكوكة بأسماء حكام الإمارة:

قامت الإمارة الإقريطشية بسك عملات تحمل اسم الإمارة، فقد عثر في حفريات الجزيرة على عملات نقدية وغيرها لهذه العائلة، بعضها يعود إلى الأمير "أبي حفص عمر بن شعيب" الذي حكم من عام 827 م أو 828 م[3]، وبعضها يعود إلى الأمير "شعيب بن أحمد" ثامن أمراء "إمارة كريت".

وقد عثر في السنوات الأخيرة على إحدى عشرة قطعة نقدية عربية من عملة إقريطش في موضع السوق Agora في مدينة أثينا[4].

وهذه العملات المسكوكة من مسكوكات أعوام: 232 هـ/ 847 م، و247 هـ، و271 هـ، و275 هـ، و281 هـ، و340 هـ، و350 هـ، وعليها الشهادتان، واسم "عمر بن عيسى"، و"المتوكل على الله"، ودراهم تحمل اسم "أحمد بن عمر"، وهي موزعة في بعض متاحف أوروبا وإسطانبول.

وهذه العملات دلالة على ما كانت عليه الإمارة من ازدهار اقتصادي واستقرار إداري هيَّأ لأمرائها سك هذه العملات، والتعامل بها بين الموانئ التجارية.

 

علماء وفقهاء من إمارة إقريطش:

أما على الجانب العلمي، والثقافي فقد نبغ العديد من العلماء والفقهاء في جزيرة إقريطش؛ فانتشرت مجالس العلم، وتأليف الكتب، وكان من العلماء المجاهدين القائد "أبو حفص عمر البلوطي" أول حكام تلك الإمارة ومؤسسها.

• وممن اشتهر بالعلم من ذرية أبي حفص: "عمر بن عيسى بن محمد بن يوسف بن أبي حفص" وله كتاب في معاني القرآن وغرائبه، ألَّفه في حبس القسطنطينية، يدل على علمه باللسان واتساع باعه في العلم، وقد رفض أن يتنصَّر سنة 350 هـ/ 961 م، وتم سجنه بالقسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية وقت سقوط الإمارة[5].

• وممن سكن إقريطش الفقيه الأندلسي "يَحْيَى بن عثمان": حَدَّثَ عنه مَسْلَمة بن القَاسِم الزّيَّات، ولقيه بها[6].

• وكذلك الفقيه ‌‌"محمد بن عيسى أبو بكر الأقريطشي"، قال الرازي: كان زاهدًا، عالمًا، وحج، وحضر افتتاح ‌إقريطش، فاستوطنها[7].

• وكذلك "‌‌أبو الحسن السلفاني": اسمه علي بن جعفر بن أحمد القاضي، روى عن ابن أبي مطر، ويروي عنه أبو الحسن القابسي، وأبو زيد بن أبي عامر الكتامي، من أهل سبتة، وكان أخذ مشيخة المالكيين بمصر، ثم نزل جزيرة ‌إقريطش، قال أبو الوليد الباجي: هو فقيه معروف، وقال الفرغاني: وكان أهل ‌إقريطش كتبوا إلى مصر، يسألون أن يوجه إليهم مَن يُفقِّههم، ويتقلد حكمهم، فوقع الاتفاق عليه، فخرج إليها وأقام بها، إلى أن دخلها الروم، واستحوذوا عليها[8].

• و"مروان بن عبد الملك" (ابن الفخار) الذي كانت تدور عليه فُتيا الجزيرة.

• و"أحمد بن خالد الحباب" الذي رحل إليها، وسكنها.

• و"الفتح بن العلاء" قاضيها من علماء الأندلس.

• ومن علمائها: "إسحاق بن سالم"، و"موسى بن عبد الملك".

• و"محمد بن عمر" أخو "يحيى بن عمر" المعروف بابن أبي الدوانق ثم خرج إلى مصر وبها توفي.

• و"إسماعيل بن بدر" وابنه "محمد" وابن ابنه "إسماعيل بن محمد"، وهلك "إسماعيل" هذا في الحصار البيزنطي، وأصاب العدوُّ أهله وماله[9].

 

 

•  فتح مسلمو قرطبة جزيرة "كريت" عام 212 هـ/ 827 م، وأسسوا بها إمارة إسلامية زاهرة استمرت قرابة قرن ونصف من الزمان.

• أقبل المسلمون الفاتحون على مصاهرة أهل إقريطش والتزوُّج من بناتهم؛ مما أدى إلى انتشار الإسلام بين أبناء كريت بالمصاهرة.

• عمل الفاتح "أبو حفص" على النهوض بالجزيرة اقتصاديًّا، وإداريًّا، فعمل على تقسيمها إلى أربعين كورة (أي: إقليم)، ورفض السماح للأجانب بالتجارة والإبحار في منطقة بحر إيجة ما لم يقوموا بدفع الجزية.

• جعل مسلمو الأندلس المهاجرين من جزيرة "إقريطش" ثغر رباط وجهاد، وقاعدة بحرية عسكرية، لشن الغزوات الإسلامية على الجزر والمدن الساحلية البيزنطية.

• ساهم الإقريطشيون في فتح صقلية سنة 241 هـ / 829 م، واستمرت غزوات الأندلسيين المهاجرين في القرنين الثالث، والرابع الهجريين على مدن اليونان وسواحلها.

•  دعا الأندلسيون المسلمين من الشام، وإفريقية، والأندلس للاستيطان في "كريت" والرباط بها، ومحاربة الروم.

• كانت الجزيرة تنتج العسل، والأجبان، كما تنمو في أرضها الأعشاب الطبية، وأرضها غنية بالمعادن، وكانت تصدر تلك الثروات لأهل مصر.

• على الصعيد التجاري والملاحة في البحر فقد أصبح للأندلسيين المسلمين سيطرة على البحر المتوسط تجاريًّا بعد سقوط إقريطش بأيديهم، وذلك من خلال الإشراف على الطرق التجارية عند بحر إيجة، وما بين المشرق والمغرب، وبين إقريطش والإسكندرية.

•  قامت الإمارة الإقريطشية بسك عملات تحمل اسم الإمارة، وأسماء حكامها، وعُثِرَ على بعض تلك العملات بأثينا.

• نبغ العديد من العلماء والفقهاء في جزيرة إقريطش؛ فانتشرت مجالس العلم، وتأليف الكتب.

• كانت إمارة إقريطش الإسلامية نموذجًا يُحتذى به في التكامل المعرفي بين الأمراء والعلماء على أرض الجزيرة، وكانت تُعَدُّ إحدى القوى الدولية في البحر المتوسط قديمًا.

 

[1] قضية إقريطش في عهد المعز لدين الله، القاضي النعمان (أبو حنيفة محمد الفقيه الإسماعيلي)، تحقيق: فرحات الدشراوي، حوليات الجامعة التونسية، العدد الثاني، 1965 م، صـ33.

[2] الهجرة العربية الأندلسية إلى جزيرة إقريطش، د. منى حسين علي آل سهلان، صـ81.

[3] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ - 1985 م، صـ23.

[4] جزيرة كريت في التاريخ العربي والإسلامي، تحسين علي الكريدلي، صـ36.

[5] الروض المعطار في خبر الأقطار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميري، تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - طبع على مطابع دار السراج، ط 2، 1980 م، صـ51.

[6] تاريخ علماء الأندلس، ابن الفرضي، تحقيق: السيد عزت العطار الحسيني، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1408 هـ - 1988 م (2/ 187).

[7] ترتيب المدارك وتقريب المسالك، القاضي عياض، تحقيق: عبد القادر الصحراوي وآخرين، مطبعة فضالة - المحمدية، المغرب، 1966 - 1970 م، (4/ 262).

[8] المصدر السابق، (5/ 276).

[9] الروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري، صـ51.