حالة المسلمين في اليونانمقالات

محمد جهاد حافظ رشاد

 1- دراسة جغرافية عن مسلمي اليونان:

يبلغ عدد المسلمين في اليونان حوالي 200 ألف نسمة من أصل تركي، يعيشون في الجهة الشمالية الشرقية من اليونان بمنطقة تراقيا الغربية، وحدودها شرقًا: تراقيا الشرقية - أو بتعبير آخر تركيا الأوروبية - وشمالًا: بلغاريا، وغربًا: مقدونيا، وجنوبًا: البحر الأبيض المتوسط أو بحر إيجة.

ويجتمع مسلمو اليونان في منطقتين بصورة رئيسية، وعاصمة هاتين المنطقتين (كموتيني) باليونانية وبالتركية (كوملجنة) وبالقرب منها مدينة (كسانتي) باليونانية وبالتركية (إسكجة) ويبلغ عدد المسلمين في هاتين المدينتين النصف من مجموع السكان من المسلمين واليونانيين.

كما يوجد المسلمون في ولايات أخرى ولكن بنسبة قليلة، كما في (الكساندر وبوليس) باليونانية و (دده آغاج) بالتركية. وبالقرب من السواحل الغربية التركية للبحر الأبيض المتوسط توجد بعض الولايات التي يقيم فيها المسلمون بنسبة ضئيلة، كما في جزيرة (رودس) بالقرب منها جزيرة (كوس) باليونانية (استانكوي) بالتركية، حيث بلغ مجموع المسلمين في هاتين الجزيرتين 15 ألفًا تقريبًا.

2- الحالة الدينية:

أكثر المسلمين في اليونان متمسكون بعقائدهم وعباداتهم، ويتحلون بالأخلاق الإسلامية التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم. ويضاف إلى ذلك نسبة عالية من الجيل الجديد الذي بدأ يتنكر لعقيدته الإسلامية كما في كثير من أنحاء العالم الإسلامي، ومن الأسباب الرئيسية لتنكر هذه الفئة لدينها: قلة الدعاة الذين يتفهمون جوهر الإسلام ويجيدون الدعوة الصالحة إليه.

أما حالة المسلمين الذين يعيشون على بعد 800 ميل من ترقيا الغربية، أعني جزيرة (رودس) فلا تشجع أبدًا بل تبعث الأسى والحسرة في النفوس؛ ذلك أن هذه المجموعة المسلمة تعيش شبه منعزلة عن كل ما يمت بصلة إلى الإسلام، حيث إنهم أصبحوا منعزلين بعد انفصال جزيرتهم عن تركية وعاشوا هملًا. وأستطيع أن أقول إنه لم يصل إليهم داعية إسلامي منذ خمسين سنة، في الوقت الذي لم يظهر بينهم خلال ذلك من يتعلم أصول دينه ويدعو الناس إليه، حيث أصبح أبناء الجيل الجديد لا يفقهون من أمر إسلامهم شيئًا، اللهم إلا أن يكون مسلمًا في حفيظة النفوس، ومن النتائج المؤلمة لهذا الجهل بالدين ألا تتورع الفتاة المسلمة اسمًا أن تتزوج من رجل نصراني.

وفي جزيرة (رودس) خمسة مساجد من بقايا عهود الدولة العثمانية تبكي على الإسلام زوال دولته من هاتيك الديار، ومحظوظٌ المسجد من بين هذه المساجد إذا ما أقيمت فيه صلاة الجمعة والعيدين، وهذه المساجد تركت لتنهار وحدها وكأنها لم تبن ليعمرها المصلون.

ومن الملاحظ أن حالة المسلمين في تراقيا الغربية تبعث الأمل في النفوس لدى مقارنة حالهم بحالة المسلمين في جزيرة رودس؛ حيث نرى أن في مدينة كوملجنة خمسة عشر مسجدًا كبيرًا إلى جانب المساجد الصغيرة الموجودة في الأحياء، حيث تقام الصلاة في كل مسجد بأوقاتها الخمسة، كما توجد في القرى التي يقطنها المسلمون الأتراك مساجد ترتفع مآذنها دالة على دين سكانها.

كما يوجد في كل ولاية من ولايات تراقيا الغربية المسلمة فقيه يتولى أمور النكاح والطلاق والميراث والمعاملات الشرعية والإشراف على أئمة المساجد وخطبائها ومؤذنيها ومدرسيها.

كما توجد في كل ولاية إدارة للأوقاف الإسلامية لا تخضع لأي إشراف من الحكومة اليونانية، ويشرف على هذه الإدارات هيئة منتخبة لمدة أربع سنوات تتولى صرف واردات الأوقاف على إصلاح شأن المساجد ومساعدة المدارس الإسلامية وصرف رواتب الأئمة والواعظين والمؤذنين.

3- الحالة الاجتماعية:

يوجد في تراقيا الغربية ثلاث جمعيات، أقدمها:

أولًا: جمعية (اتحاد إسلام) اتحاد مسلمي اليونان، التي أسست عام 1932 ميلادي، وبإشراف الشيخ مصطفى صبري أفندي – رحمه الله رحمة واسعة – الذي كان شيخ الإسلام لعهد آخر سلاطين الدولة العثمانية السلطان وحيد الدين، وقد توقفت هذه الجمعية عن نشاطها أثناء الحرب العالمية الثانية والحروب الداخلية في اليونان، ثم عادت لتبذل جهد المقل. ومن الأهداف الرئيسية لهذه الجمعية: التمسك بأهداب الدين الإسلامي الحنيف، والأخوة الإسلامية، وتبليغ ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الناس وإيضاح ما نسب إلى الإسلام من بدع وضلالات، والحث على العودة إلى منبع الإسلام الصافي في الكتاب السنة، ويبلغ عدد الأعضاء المنتسبين إلى هذه الجمعية حوالي 5000 شخص، ويتولى رئاستها الشيخ حافظ علي رشاد الذي شارك في المؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس الشريف، كما شارك في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي الأول الذي عقد في جدة، والثاني عقد في مكة المكرمة عام 1384هـ، ومن أهم خدمات هذه الجمعية:

  1. بعد مناقشات طويلة مع الحكومة اليونانية نجحت في إحباط مشروع طرحته الفئات المنحرفة يقوم على إجبار الطلاب على لبس القبعات في المدارس.
  2. وفي إحباط مشروع يقضي بتبديل حروف العربية بالحروف اللاتينية في المدارس وخارجها.
  3. ووفقت الجمعية بنجاح في إعادة مئات الأوقاف الإسلامية من البيوت والدكاكين، والحقول والبساتين بعد استملاك الحومة لها أثناء الحربين الأولى والثانية أو من استملاك الناس إلى حظيرة الأوقاف الإسلامية.
  4. نشر وتوزيع منشورات وكتب مدرسية دينية.

ثانيًا: جمعية (انتباه الإسلام) تنبيه الإسلام، وباعتبار هذه الجمعية لا زالت حديثة العهد فإنها لم تقدم بعد للمسلمين خدمات تذكر، وإن كنا نعقد عليها بعض آمال في خدمة مسلمي اليونان.

ثالثًا: (تورك كنجلر برلكي) جمعية شبان الأتراك، وهذه الجمعية أكثر إمكانية مادية من الجمعيتين السابقتين وهدفها الوقوف في وجه الجمعيات الإسلامية والحد من نشاطها، وتضم في عضويتها أناسًا تنكروا لدينهم وضلوا عن السبيل السوي وجعلوا العصبية القومية فوق أخوة الإسلام. ونتيجة لإمكانات هذه الجمعية المادية وقيام أعداء الإسلام بتزويدها بالإمكانات اللازمة فإنها تقوم بإصدار ثلاث صحف أسبوعية كل صحيفة بورقتين وبأسماء (آقين "الهجوم"، مليت "القومية"، وتراقيا) في الوقت الذي تقوم فيه جمعية اتحاد مسلمي اليونان بإصدار صحيفة واحدة نصف شهرية وبورقة واحدة تحت اسم (محافظة كار "حفظ الدين، أو المحافظون") مع قيام جمعية تنبيه الإسلام بإصدار صحيفة واحدة أسبوعيًا وبورقة واحدة تحت اسم (ثبات "الثبات")، ويمثل مسلمي اليونان ثلاثة أشخاص ينتخبون مرة كل أربع سنوات، يتولون رعاية مصالح المسلمين لدى الحكومة اليونانية.

4- الحالة الثقافية:

توجد في تراقيا الغربية من المدارس الابتدائية أكثر من 200 مدرسة يتعلم فيها أبناء المسلمين العلوم العصرية إلى جانب العلوم الإسلامية بنسبة قليلة، ومدرستان متوسطتان، وأخريان ثانويتان، كما يوجد مدرستان تتوليان تدريس العلوم الشرعية بصفة خاصة وهما: (المدرسة الرشادية الشرعية والمدرسة الخيرية الشرعية)، علمًا بأن الحكومة اليونانية هي التي تتولى الإنفاق على هذه المدارس، وأكثر مدرسيها من المسلمين، ويوجد بين أبناء المسلمين من يتابع تحصيله العالي في مختلف فروع الجامعات التركية واليونانية مثل أنقرة وإستانبول وأثينا وسالونيك. ومنهم من يتابع دراسته العالية في العلوم الشرعية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة والجامعة الأزهرية في القاهرة وكلية الشريعة في بغداد وكلية الإلهيات في أنقرة.

5- الحالة الاقتصادية:

الحالة الاقتصادية للمسلمين الذين يعيشون في اليونان منحطة جدًا وضعيفة، إذا قورنت بالحالة الممتازة لليونانيين غير المسلمين الذين يعيشون في تركيا، ويعمل غالبية مسلمي اليونان بالزراعة ومن محصولاتهم (القمح والشعير والعنب والزيتون) بالإضافة إلى الثروة الحيوانية. وتعتبر الجماعات الإسلامية في اليونان من أضعف الطبقات وأفقرها وينعدم نهائيًا أصحاب الأعمال التجارية الضخمة أو الصناعات الشهيرة.

أكثر المناطق الإسلامية في تراقيا الغربية حاجةً إلى الإرشاد هي المناطق المحاذية لبلغاريا وهي بالذات من المناطق العسكرية التي يحظر فيها التجول، وهي القرى الجبلية في هذه المناطق التي قلما تصل إليها أقدام الدعاة، هذه المناطق التي لا يسمح للدعاة غير اليونانيين بالتجول فيها، وضعف سكانها اقتصاديًا جعلهم في معزل عن العالم وخاصة العالم الإسلامي، حيث توشك أن تنقطع صلتهم بالإسلام ومناطق جزيرتي رودس واستانكوى المذكورتين آنفًا.

وقد كان معروفًا لدينا سابقًا بعض الحقائق التي زادتها حوادث الأيام الأخيرة تثبيتًا وهي أن مسلمي اليونان يحتاجون إلى المساعدة من ثلاث نواح، ولو لم يكن مسلمو اليونان بحاجة إلى هذه المساعدات لكان وجودهم على صورة أقلية في دولة أوروبية سببًا في انقراضهم شيئًا فشيئًا، فمثلًا: كما ذكرت أن مسلمي رودس سابقًا لم يبق لهم من الإسلام إلا الاسم ومصير مسلمي اليونان لن يكون خيرًا مما وصل إليه حال المسلمين الذين يقطنون في الدول المجاورة الشيوعية مثل بلغاريا ويوغسلافيا وألبانيا، فيما إذا لم تُمد إليهم يد العون.

على أية حال فإن مسلمي اليونان قد ترك لهم نوع ما من الحرية، ولكن يجب أن تنسينا هذه الحرية وجوب مد يد العون إليهم.

ونبدأ الآن بتوضيح عناصر المساعدة التي يحتاج إليها مسلمو اليونان:

أولًا: التثقيف الديني:

إن المسلمين في اليونان بحاجة إلى تثقيف ديني متين رغم وجود بعض المدارس الدينية، والتي تكون عاجزة عن أداء رسالتها بوجه حسن نتيجة افتقارها إلى التوجيه المعنوي والمساعدة المادية، ولا تكاد تقوم بواجبها نحو أئمة المساجد وخطبائها ومؤذنيها إلا بشق النفس، وعلاج هذه المشكلة فتح المدارس المتوسطة والثانوية بإمكانات قوية، واختيار عناصر إسلامية ذات ثقافة عالية وصدق في العقيدة للتدريس فيها، حتى تصبح هذه المدارس قادرةً على تخريج دعاة صالحين للسير بالناس نحو دينهم الصحيح، وذلك خلال فترة 5 – 10 سنوات، بحيث يصبح هؤلاء الخريجون أساتذة في المدارس ووعاظًا ومرشدين في المساجد وبين الناس، وإن أقل ما علينا من واجبات نحو هذه الفئات الإسلامية تثقيفها بثقافة تجعل الفرد قادرًا على معرفة ما يجب على المسلم أن يعرفه.

ثانيًا: التوجيه الديني:

يكاد الدعاة من أبناء الجيل الحاضر ينعدمون في المجتمع الإسلامي في اليونان، في حين أصبح الوعاظ المتقدمون في السن قلة يشار إليهم بالبنان، بالإضافة إلى سطحية ثقافتهم الدينية، ويوجد في الأزهر حاليًّا ما بين 15 – 20 طالبًا يتلقون العلوم الإسلامية، وإذا قارنَّا عدد الطلبة من أبناء مسلمي اليونان الذين يتلقون العلم في الأزهر بالطلبة الخمسة الذين يدرسون في المملكة العربية السعودية وجدنا ارتفاع نسبة الأولين إلى الآخرين، وتوصلنا إلى ضرورة قبول أكبر عدد ممكن من أبناء مسلمي اليونان في معاهد المملكة العربية السعودية، ونتمنى أن تولي رابطة العالم الإسلامي ودار الإفتاء والجامعة الإسلامية عناية أكبر إلى مسألة إيفاد الوعاظ والدعاة إلى مسلمي اليونان.

ثالثًا: توزيع النشرات الدينية:

من المعلوم أن للدعاية وإصدار النشرات دورًا كبيرًا في توجيه العالم في هذا العصر، ونرى ضرورة إصدار النشرات التي تطلع المسلمين في اليونان على حقيقة دينهم، وتساهم في الحد من تيار الإلحاد الذي يجرف الشباب خاصة، هذا الجيل الذي لم يطلع على العلوم الإسلامية ولم يحاول الاندماج في جمعية إسلامية، أليست النشرات السبيل الوحيد لنا للاتصال بهذا الجيل الذي ينفر من تعاليم دينه ومن الاتصال بنا؟

وفي اعتقادنا أن تأثير هذه النشرات - إن أُحسن اختيارها - سيكون أكثر فعالية من بناء مسجد على ما في هذا العمل، أعني بناء المسجد، من أهمية كبيرة، وبين أيدي مسلمي اليونان الآن خمسة صحف – كما أشرت آنفًا – تقف الثلاثة منها على قوة إمكانياتها لهدم ما تبنيه الأخريتان على قلة إمكاناتها، مع ملاحظة افتقار الصحيفتين الإسلاميتين إلى جودة الطباعة وصعوبة تأمين الورق المطلوب لدرجة تجعلهما مدينتين وعاجزتين عن الصدور بانتظام والوقوف على القدمين بصعوبة بالغة بالمساعدات المحلية المحدودة جدًا، فأية مشكلة تستطيع كل واحدة من هاتين الصحيفتين معالجتها؟ وأي ألم من آلام المسلمين في اليونان تقدر على إيصالها إلى خارج اليونان بهذه الإمكانات الضئيلة؟ وأي تأثير لصحيفة نصف شهرية بين أناس يجرفهم تيار المادية الكافرة وبهرج الحضارة الأوروبية؟

هذه العناصر الثلاثة التي أوضحتها، واقترحت بعض الحلول لمشاكلها تمس جميع المسلمين، لا مسلمي اليونان وحدهم. أما إمكانياتنا لمعالجة هذه المشاكل على الصعيد المحلي فتكاد تكون في غاية الضعف. وأملنا كبير أن نحظى بعناية كافية من قبل رابطة العالم الإسلامي ودار الإفتاء السعودية والجامعة الإسلامية وكل المنظمات الإسلامية العالمية لنتمكن من معالجة هذه المشاكل المصيرية بالنسبة لمسلمي اليونان، لأن نتائج معالجة مشاكلنا الآنفة الذكر لن تكون محصورة في حدود الجماعات الإسلامية في اليونان، بل ستتعداها إلى إخواننا المسلمين الذين يعيشون في الدول الشيوعية المجاورة لنا، والتي لا تألو جهدًا في القضاء على الإسلام والمسلمين حيثما وجدوا، ويمكن أن نكون - نحن مسلمي اليونان - قدوةً صالحة لهؤلاء الإخوة. ولا بد من وصول قبس نور الإسلام إلى هؤلاء، رغم الحواجز التي تعترض سبيلنا إليهم، فلن تقوى أجنحة الذباب أن تحجب نور الشمس.

وختامًا أملي كبير أن تنال اقتراحاتي ما تستحق من عناية، وأرجو أن أكون قد وفقت لتشخيص المرض ووصف الداء، تاركًا لرابطة العالم الإسلامي ودار الإفتاء والجامعة الإسلامية، ولكل المنظمات الإسلامية، تقديم الدواء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.