مظاهر حضارة الإسلام في رودس (1)مقالات


• توجد في رودس والمتاحف الأوروبية بعض شواهد فتح السلطان سليمان القانوني للجزيرة عام 1522 م، كالمدافع القديمة والكرات الحجرية الضخمة التي تم قذف أسوار المدينة بها وتحطيمها.

• عندما فتح السلطان "سليمان القانوني" رودس، أمر بإنشاء "مسجد السليمانية"، و"تكية للفقراء" للإنفاق عليهم، كما أمر بتحويل بعض الكنائس لمساجد، حيث ألحقوا بها مآذن وميضآت.

• من أهم الجوامع التي بناها العثمانيون برودس: جامع السليمانية، والجامع الحديدي (دميرلي جامعي)، وجامع مراد ريس، وجامع السلطان إبراهيم، وجامع أندرون، وجامع "بالق بازار جامعي"؛ أي: (جامع سوق السمك).. وغيرها من عشرات المساجد بقرى وبلدات رودس.

• أغلب هذه المساجد أُهمل، وبعضها تعرض للتخريب وتم طمس ملامحها الإسلامية، وعطلت عن العمل فيما عدا "مسجد السلطان إبراهيم" الذي يصلي فيه مسلمو رودس حاليًّا.

• تؤكد وثائق الوقف وروايات المؤرخين والرحالة استمرارية التعليم المسجدي بالجزيرة، حيث برز دور (المسجد- المدرسة) برودس.

• من أبرز المدارس الوقفية المدرسة الملحقة بجامع السليمانية بمدينة "رودس" التي توقفت عن العمل عام 1971 م، وكانت تضم مئات التلاميذ من الجزيرة ومن المناطق والبلاد المجاورة.

• كان عدد المدارس الوقفية بالجزيرة يبلغ سبعًا، أبرزها "السليمانية"، ولم يعد متبقيًا منها شيء.

• اهتم العثمانيون بإنشاء دور العلم كالمكتبات العامة، وأوقفوا على خدمتها عددًا من الأراضي والمؤسسات، ومن أشهر تلك الدور "دار الكتب" (الكتبخانة) التي أوقفها "حافظ أحمد أغا" للنفع العام بمدينة رودس.

•   كانت الجزيرة تزخر بأوقاف المسلمين من أراضي شاسعة ومؤسسات خيرية بقيت تعمل حتى الستينيات من القرن الماضي.

• قامت الحكومة اليونانية بأخذ الممتلكات الوقفية من أيدي المسلمين، وقامت بإغلاقها أو تعطيلها عن العمل، وطمست معالم بعض هذه الأوقاف الإسلامية وغيرت ملامحها الإسلامية.

 

الفتح العثماني لرودس:

ظلت رودس خاضعة للصليبيين حتى انتزعها العثمانيون عام 929 هـ / 1522 م بعد حصار دام نحو خمسة أشهر، وطردوا منها "فرسان القديس يوحنا"، وظل المسلمون فيها أربعة قرون، أقاموا فيها نظام حضارة إسلامية زاهرة تميَّزت بالمساجد والمدارس ودور العلم والمكتبات الوقفية، وكانت "رودس" قاعدةً بحريةً إسلاميةً في منطقة حوض المتوسط، إلى أن استولت إيطاليا على "رودس" من العثمانيين خلال "الحرب الإيطالية التركية"، وذلك في عام 1912 م، وسُلِّمَتْ بعد ذلك لليونانيين، وقد انطمست أغلب معالم العثمانيين في "رودس"، وقام اليونانيون بتحطيم المساجد العديدة التي بناها المسلمون في قرى وبلدات "رودس"، وحوَّلوا عددًا منها إلى كاتدرائيات وكنائس وأديرة، ولم ينجُ سوى عدد قليل من الآثار الإسلامية برودس، الذي بدأ الاهتمام به مؤخرًا كتراثٍ ثقافي، يشهد على التعددية الثقافية التي كانت عليها الجزيرة خلال تاريخها القديم، وحتى وقتنا الحاضر.

 

شواهد من الفتح العثماني لرودس:

بذل السلطان "سليمان القانوني" في حصاره للجزيرة غاية جهده هو والأسطول العثماني، وقاموا بإطلاق العديد من الكرات الحجرية الضخمة (المنجنيق) على أسوار وقلعة الجزيرة، وتحتفظ المتاحف الأثرية في أنحاء أوروبا ببعض تلك الحجارة الضخمة التي ألقاها جيش "سليمان القانوني" على أسوار المدينة، وبعضها كبير الحجم جدًّا يبلغ ثقله 500 كيلوجرام، أما المدافع القديمة فلم يبقَ منها شيء، وقد أهدى "السلطان عبد العزيز" بعضها إلى "نابوليون الثالث" إمبراطور فرنسا، حيث حُفِظتْ وقتها في متحف الآلات الحربية بقصر الإنفاليد بباريس[1].

 

المساجد العثمانية برودس:

• عندما فتح السلطان "سليمان القانوني" رودس، أمر بإنشاء مسجد السليمانية، و"تكية للفقراء" للإنفاق عليهم، كما أمر بتحويل بعض الكنائس لمساجد، حيث ألحقوا بها مآذن وميضآت لتوفير احتياجات المصلين من المياه للوضوء والتطهُّر.

ومسجد "السليمانية" (بالتركية: Süleymaniye Camii)‏ يقع الآن في "شارع سقرا" بمدينة رودس، وقد بني باستخدام اللونين الأبيض والوردي مع مئذنة أنيقة، وعلى جانبي بابه أعمدة من الرخام منقوشة نقشًا بديعًا، وتتخلَّلُها رسوم بارزة غاية في الدقة والإتقان، ومنها ما يمثل أنواع الملابس والسلاح التي كان يتقلدها الفرسان (فرسان القديس يوحنا)، وهي تنتمي إلى كنيسة مسيحية سابقة بالمكان، وقد استخدم الجص لإضافة اللون الوردي كما أعيد بناؤه أكثر من مرة باستخدام مواد من مباني كانت موجودة في نفس المكان، حيث أعيد ترميمه وتجديده في عام 1808 م.

وتجاه "جامع السلمانية" الدار التي بناها السلطان سليمان للفقراء (التكيَّة) ويُسمِّيها الترك "الإمارة"، وعلى واجهتها لوح من الرخام مكتوب فيه بالخط الفارسي الجميل "إنما نُطعِمُكم لوجه الله".

• الجامع المعروف باسم "دميرلي جامعي" (الجامع الحديدي): سُمِّي بذلك للقضبان الحديد المركبة على جميع نوافذه؛ لأنه كان فيه على ما يقال سرب (سرداب) يُنفذ منه إلى خارج المدينة، وقد اختبأ فيه بعض الفرسان والجنود في أثناء الحرب، فلما فتح العثمانيون الجزيرة وضعوا عليه هذه الحواجز الحديد[2].

• الجامع الذي بناه "إبراهيم باشا" وزير السلطان "سليمان": وفوق بابه لوحة مكتوب فيها: "قد بنى سلطان البر والبحر السلطان سليمان ابن السلطان سليم خان الغازي جامعًا جديدًا في دار الفتح والغزوات، ومعبر الحج والعرفات، حماها الله من الآفات في داخل رادوس، تقبل الله الملك القدوس ووقع تاريخه، مَن دخله كان آمنًا دائمًا سنة 947"، وهو الوحيد الذي يستخدم كمسجد في الوقت الحالي بالجزيرة من المساجد القديمة.

• مسجد "مراد ريس": ويتميز بمئذنته المنفصلة وقبته التي تسقف سطح المسجد، تم تجديد بعض المعالم فيه وترميمه مؤخرًا، كما يوجد بفنائه بعض الأضرحة القديمة من العهد العثماني، وهو خارج المدينة المسوَّرة.

• جامع "أندرون": وزعم بعضهم أن أصل هذا الاسم "قان طورو" بالتركية، ومعناها "موقف الدم"، ولهم في ذلك رواية لا دليل على صحتها، ولما كان هذا الجامع قبلًا كنيسة باسم "القديسة كاترينا"، فيظن أن لفظة "أندرون" أو "قان طورو" تحريف اسم "كاترينا".

• ومن جوامع المدينة الجامع المشهور باسم "بالق بازار جامعي"؛ أي: (جامع سوق السمك)؛ لأنه كان بجوار السوق المعد لبيع الأسماك.

وهذا الجامع كان دارًا للقضاء في عصر "فرسان القديس يوحنا"، وبُني سنة 1375م وعلى واجهته نقوش جميلة، وفي أعلى الإيوان الكبير شارات الفرسان مرسومة رسمًا بديعًا بالألوان.

• ومن الجوامع الجديرة بالذكر "جامع السلطان مصطفى"، و"جامع رجب باشا"، و"جامع الأغا"، و"جامع عبد الجليل"، و"أيلك محراب"، و"جامع حمزة باشا".

• وفي دراسة أجرتها المؤرخة "هالاش أوغلو"، التي كلفت بإجراء دراسات في الجزيرة بتكليف من وزارة الخارجية التركية، منذ عام 2006 م، حيث هدف الدراسة حصر المساجد والمدارس العثمانية في الجزيرة التي خرجت عام 1912 م من الحكم العثماني، فقد تتبعت الباحثة الآثار المعمارية كالمساجد والمدارس التي بناها "نامق كمال" "شاعر الدولة" والذي خدم في رودس فترة من الزمان (1884 - 1887 م)، وأقام تلك المنشآت لتلبية احتياجات الناس والمسلمين، ومن تلك المساجد: فإننا نجده قد عمل على بناء "مسجد الحميدية" في قرية "أرنيتا"، و"مسجد السلطانة تيرموجغان" في قرية "كالامينا"، و"مسجد شاه زاده أرطغرل" في قرية "شاير".

والمساجد الثلاثة لا زالت تحتفظ بمخططاتها، كما أنشئت على شكل مربع وبها قبة ذات نوافذ، كما أن المصلى الأخير بالمسجد الواحد يحط به ممر دائري، ومكون من ثلاثة أقسام وسقف مسطح، بالإضافة إلى وجود مئذنة في الركن الشمالي الغربي.

أما حالة تلك المساجد في الوقت الحالي: فعن "مسجد الحميدية" في قرية "أرنيتا" جنوب غربي جزيرة رودس: فقد أغلق المسجد؛ إذ لم يتبق هناك معلمون لخدمة الأتراك، وذلك بعد انخفاض أعدادهم بسبب هجرتهم بعد أن أصبحت الجزيرة تحت إدارة إيطاليا.

وبعد الحكم اليوناني أزيلت الأبواب والنوافذ ولم تعد هناك حياة في المسجد، وظل المسجد قائمًا حتى عام 1961، واليوم أصبح هناك ملعب للأطفال مكانه.

وحول "مسجد أرطغرل" في قرية "شاير"، فالمسجد ممنوع الوجود بجانبه أو التقاط صورة له؛ إذ يقع في منطقة عسكرية، كما أن مئذنة المسجد قد دُمِّرت.

وعن حالة "مسجد تيري موجغان" في قرية "كالامينا"، فقد تحوَّل إلى كنيسة كاثوليكية "كنيسة سيدة النصر سانتا ماريا" مع التحول الذي قام به الإيطاليون فيما بين 1927- 1929 م.

ويقع المسجد في 45 "شارع كاثوبولي" في "حي نيوهوري"، ويحتفظ بهيكله الرئيسي رغم انهيار مئذنته، لكن المصلى الأخير للمسجد انهار، وأُغلقت النوافذ الموجودة حول القبة، وهو من بين الأعمال المعمارية العثمانية التي غيَّر الإيطاليون أسلوبها ووظيفتها[3].

• والجزيرة لا تزال فيها إلى اليوم عشرات المساجد والجوامع القديمة المهملة، والعديد من المساجد أصلحت بتمويل من منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) وصرفت عليها أموال طائلة؛ لكنها لم تسلم إلى اليوم للمسلمين للصلاة فيها[4].

 

[1] جزيرة رودس: ‎جغرافيتها وتاريخها وآثارها، تليها خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجة، حبيب غزالة، الناشر مؤسسة هنداوي، صدر هذا الكتاب عام 1929 م، صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام 2021 م، صـ27، 28.

[2] المصدر السابق، صـ35.

[3] إيطاليا واليونان.. تمحوان آثار العثمانيين في جزيرة رودس (مقابلة)، حوار مع الأكاديمية التركية نوال قونوق هالاش أوغلو، نشر على موقع وكالة الأناضول، بتاريخ 2-11-2020 م.

[4] الأوقاف الإسلامية باليونان مهددة بالاندثار، تقرير: شادي الأيوبي-رودس، نشر إلكترونيًّا على موقع الجزيرة بتاريخ: 20/ 2/ 2007 م.