كيف دخل المسلمون جزيرة كريت؟ (1)مقالات


• تتمتع كريت بموقع استراتيجي هام، وذلك لقربها من القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، حيث كانت في العصور الوسطى مركز التقاء لحضارات مختلفة لشعوب هذه القارات، كما كانت مستودعًا تجاريًّا هامًّا.

• أطلق عليها العرب "جزيرة إقريطش"، وتداول على حكمها اليونان والرومان، وبدأ فتح المسلمين لها منذ مطلع العهد الإسلامي.

• بدأ غزو الجزيرة منتصف القرن الأول الهجري في عهد الخليفة "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه.

• كانت ثاني غزوة للجزيرة أيام "هارون الرشيد" حيث فتح "حميد بن معيوق الهمداني" جزءًا من الجزيرة  سنة 193 هـ/ 808 م.

• فتحت كريت على يد مهاجري "الربض" الأندلسيين بعد نفيهم من قرطبة، فتوجهوا إلى الإسكندرية ثم إلى كريت، وفتحها "أبو حفص عمر بن شعيب البلوطي" عام 212 هـ / 827 م.

• أسس الأندلسيون إمارة بكريت استمرت قرابة قرن ونصف من الزمان، تعاقب على حكمها عشرة من الأمراء من سلالة فاتح الجزيرة "أبي حفص عمر بن عيسى بن شعيب البلوطي"، المعروف بالإقريطشي الأندلسي.

• في عام 961 م استولى  الإمبراطور البيزنطي "نقفور الثاني" على كريت من أيدي المسلمين.

• استولى على كريت الأتراك العثمانيون عام 1080 هـ- 1966 م، عندما استنجد بهم أهل الجزيرة لتخليصهم من حكم البنادقة الفينيسيين، وعاد الحكم الإسلامي لجزيرة كريت مرة ثانية.

• ساد التسامح الديني بالجزيرة، وترك الأتراك حرية العقيدة لأهل الجزيرة من النصارى، وأمام تسامح المسلمين اعتنق كثير من سكان الجزيرة الإسلام.

• في مدة لا تزيد عن قرن من حكم العثمانيين اعتنق نصف سكان جزيرة كريت الإسلام طواعية وانتشر الإسلام في المدن والقرى وفي أنحاء كريت في ظل الحكم التركي.

• مع ضعف الدولة العثمانية في أواخر عهدها، ذهبت "كريت" لحوزة اليونان عام 1332 هـ، الذين قاموا بطرد سكانها المسلمين من الجزيرة.

• ينتشر أهل كريت المهجَّرون الآن في مصر وسوريا وليبيا وتركيا، ويقدر عددهم حاليًّا في المناطق التي هاجروا إليها بحوالي 450 ألف نسمة (خارج كريت).

• لا يتجاوز عدد المسلمين في جزيرة كريت حاليًّا سوى بضع مئات من الألوف يعانون من الاضطهاد الديني والتهميش.

 

نبذة عامة عن جزيرة كريت:

جزيرة "كريت" هي أكبر الجزر اليونانية، وخامس أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط، تعتبر هذه الجزيرة إحدى أربع جزر كبرى في البحر الأبيض المتوسط، وهي تتمتع بموقع استراتيجي هام أكسبها مكانةً ممتازةً بين سائر الجزر اليونانية؛ وذلك لقربها من القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا، حيث كانت في العصور الوسطى مركز التقاء لحضارات مختلفة لشعوب هذه القارات، كما جعلها مستودعًا تجاريًّا هامًّا.

وهي تطل جنوبًا على بحر إيجة، ومساحتها لا تزيد عن 8336 كيلو مترًا مربعًا، وهي من أهم جزر اليونان من حيث أهميتها الحضارية، تنتصب فيها سلسلة جبلية ممتدة من الشرق إلى الغرب وتحدُّها شواطئ صخرية، وأعلى قمة فيها هي قمة "بسيلوريتيس" التي يصل ارتفاعها إلى 2456 مترًا فوق سطح البحر.

 

كيف فتح المسلمون جزيرة كريت؟

• أطلق عليها العرب "جزيرة إقريطش"، تداول على حكمها اليونان والرومان، وبدأ فتح المسلمين لها منذ مطلع العهد الإسلامي، حيث غزا المسلمون جزائر البحر الأبيض، لصدِّ خطر الروم بعد فتحهم الشام وطرد ولاة الدولة البيزنطية منها، فأول غزاة كانت على جزيرة "قبرص"، ثم تلتها الغزوات على باقي الجزر المجاورة كـ"رودس" و"أرواد" و"كريت"[1].

• توجهت حملة بقيادة "جنادة بن أبي أمية الأزدي" سنة 54 هـ (674 م) في زمن الخليفة "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه على "رودس" و"أرواد" ثم "كريت"، وكان المسلمون لا يريدون احتلالها، بل كان الهدف من تلك الحملة صدَّ العدوان على بلدان المسلمين، وقد تراجع "جنادة" عن الجزيرة؛ بسبب غرق جزء كبير من أُسْطُوله.

• وفي القرن الثالث الهجري كانت القيادة في العهد العباسي بيد "حميد بن معيوق الهمداني" أيام "هارون الرشيد"، حيث وفقًا لما قاله "الطبري"، فقد وضعه الخليفة "هارون الرشيد" مسؤولًا عن "سواحل بلاد الشام في شرق البحر المتوسط حتى مصر"، وقاد "حميد" حملة تأديبية على "كريت" وأهلها، حيث فتح جزءًا منها سنة 193 هـ/ 808 م.

• وقد تمكن البيزنطيون من استعادة ما سيطر عليه المسلمون، وكان الهدف من هذه المحاولات المتكررة لفتح جزيرة "إقريطش" هو إثبات المسلمين قوتهم للروم المسيطرين عليها من جهة، ولأجل الحصول على غنائم للمتاجرة بها من جهة ثانية.

 

إمارة إقريطش على يد الربضيين:

فتح المسلمون جزيرة "إقريطش" بعد عدة محاولات حتى استقرت بها جماعات عربية مهاجرة من بلاد الأندلس بعد خروجهم من موطنهم في أعقاب "ثورة الربض" الشهيرة بقرطبة سنة 202 هـ/ 817 م.

ونجد أنه في سنة 202 هـ / 817 م قامت ثورة أهل "الربض الجنوبي" أو "المولدين الثانية" على الحاكم الأموي "الحكم بن هشام بن عبد الرحمن" (154 هـ/771 م - 206 هـ/822 م) ثالث أمراء الدولة الأموية في الأندلس، نتيجة زيادة الضرائب، وقيام "الحَكم" بقتل عشرة من رؤوس المدينة وصلبهم، ثم قيام مملوك للحكم بقتل أحد أهل المدينة؛ لأنه طالبه بثمن صقل سيفه، فثار أهل قرطبة - وخاصة أهل الربض الجنوبي - وتوجهوا نحو القصر لإسقاط "الحكم بن هشام"، فقاومهم "الحكم" بكل ما أوتي من قوة، ولم تنتهِ الثورة إلا بعد ثلاثة أيام بعد أن أفنى عددًا كبيرًا من الثائرين، وهدم "الربض الجنوبي" بأكمله، وقام بتشريد أهله خارج قرطبة، حيث تفرَّقوا بين المدن وهاجر بعضهم إلى المغرب والإسكندرية، وقد عرفت تلك الأحداث بوقعة الربض، وإليها يرجع تلقيب "الحكم بن هشام" بـ "الحكم الربضي" جراء ما فعله بهم، وبحيِّهم.

وقد ذهب أهل الربض إلى مصر في عهد "عبد الله بن طاهر بن الحسين" والي العباسيين الجديد على مصر، فطالبهم بالرحيل إلى أي من أرضِ الروم، وأعطاهم الأمان، فاضطروا إلى الذهاب إلى كريت والجهاد ضد الروم حيث كانوا قومًا مجاهدين أقوياء الشكيمة.

وبعد أن تم الاتفاق بين الأندلسيين والوالي "عبد الله بن طاهر" على الخروج من الإسكندرية إلى جزيرة "إقريطش" حيث ركبوا أربعين مركبًا، بقيادة أبي حفص عمر بن شعيب البلوطي المعروف بابن الغليظ، فعبَر الأندلسيون البحر، وخاضوا مخاطره، وقيل: إن عددهم كان خمسة عشر ألفًا!، حتى وصلوا جزيرة "إقريطش" في عهد الإمبراطور البيزنطي "ميخائيل الثاني" (820- 829 هـ/ 205 - 214 م) فاستقروا في الناحية الشمالية الغربية من الجزيرة، وسيطروا عليها، وشيدوا حصنًا منيعًا فيه، وبنوا حوله خندقًا؛ لحماية أنفسهم من أهالي الجزيرة، وهجمات البيزنطيين، ثم جعلوها قاعدة مدنية وعسكرية لهم، وكان ذلك سنة 212 هـ / 827 م[2].

واستوطنوها قرابة قرن ونصف من الزمان، تعاقب على حكمها عشرة من الأمراء من سلالة فاتح الجزيرة "أبي حفص عمر بن عيسى بن شعيب البلوطي"، المعروف بالإقريطشي الأندلسي[3].

وقد اعتنق الإسلام في هذه المدة معظم سكان الجزيرة، وأسس الربضيون أساس حضارة إسلامية في الجزيرة، وكانوا يُغيرون على الروم، وصدَّ "أبو حفص البلوطي" الهجمات البيزنطية وتمكَّن من توحيد الجزيرة كلها تحت سيطرته، وبدأ يرسم الخطوط العريضة لسياسة دولته[4].

بل أصدر حكام الجزيرة عملات تحمل أسماء حكامهم، وُجِدتْ في عاصمتهم التي تُسمَّى "الخندق" Candie[5].

وقد أقرَّ "أبو حفص" بالولاء للخلافة العباسية لكنَّه فعليًّا - بحكم البعد والموقع والمواصلات - كان يحكم إمارته بشكل مُستقل.

وقد كان الاستيلاء على "إقريطش" حدثًا ذا أهميةٍ بالغةٍ؛ إذ غيَّر موازين القوى البحرية في شرق المتوسط، فموقعها الاستراتيجي ومساحتها الكبيرة نسبيًّا كانت تتيح المجال لحكمٍ مستقرٍّ مكتفٍ ذاتيًّا قادرٍ على السيطرة على مداخل بحر إيجة ودروبه فاتحًا الباب أمام الإغارات المُتكررة والتهديد المستمر في هذا البحر عظيم الأهمية للقسطنطينيّة، فهو مدخلها من المتوسط، و"إقريطش" بوابة هذا المدخل، ومنها يمكن تهديد الممتلكات البيزنطية في "اليونان" و"تراقيا" حتى سواحل الأناضول ولاسيما في ظل سيادة العباسيين على قبرص، وبدء فتح صقليَّة واستخلاصها من البيزنطيين على يد الأغالبة - انطلاقًا من تونس - في الوقت ذاته تقريبًا[6].

 

محاولات البيزنطيين لاستعادة جزيرة كريت:

حاول البيزنطيون استعادة جزيرة كريت حيث هدد "أبو حفص البلوطي" وخلفاؤه تجارة البيزنطيين في سواحل البحر المتوسط؛ ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل، وذلك للإمدادات العسكرية التي كانت تذهب للإمارة الوليدة من جانب مصر وبلاد الشام وإفريقية باعتبارها حائطَ صدٍّ أمام عدوان البيزنطيين.

وفي عام 349 هـ (961 م) استولى عليها الروم بقوة تبلغ 72 ألف مقاتل بعد حصار وقتال داما سنة حتى نهبوا وأسروا، وكان في الأسرى أميرها المسلم فأخذوه وأسرته وأتباعه إلى مركز المسيحية (القسطنطينية) فكانت غنائم كثيرة جدًّا تدل على مبلغ ثروة المسلمين، ثم خرب الإمبراطور البيزنطي "نقفور الثاني" الحصون، ورمى بأحجارها في الميناء.

كتب "ابن جُبير" حوالي عام 1185 م يقول: "أخضع الملوك المسيحيون المستبدون مسلمي الجزيرة لضغوط مستمرة حتى جعلوهم يتحولون إلى المسيحية أو يهربون من الجزيرة"، حدث ذلك بعد أن استعاد البيزنطيون الجزيرة عام 961 م، وطردوا المسلمين منها.

 

[1] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ - 1985 م، صـ22.

[2] الهجرة العربية الأندلسية إلى جزيرة إقريطش، د. منى حسين علي آل سهلان، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد 78، العدد 3 (30 إبريل/نيسان 2018)، صـ78، 79.

[3] الأقليات المسلمة في أوروبا، سيد عبد المجيد بكر، سلسلة دعوة الحق، منشورات رابطة العالم الإسلامي، 1985 م، صـ78.

[4] فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت: 279 هـ)، مراجعة وتعليق: رضوان محمد رضوان، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1403 هـ/ 1983 م، ص 237-238، ومعجم البلدان، لياقوت الحموي، ج1، دار صادر، بيروت، صـ236.

[5] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، صـ24.

[6] George C. Miles, « Byzantium and the Arabs: Relations in Crete and the Aegean Area », Dumbarton Oaks Papers, vol. 18, 1964, p. 15.