مظاهر حضارة الإسلام في رودس (2)مقالات


المدارس الإسلامية في رودس:

تؤكد وثائق الوقف وروايات المؤرخين والرحَّالة استمرارية التعليم المسجدي بالجزيرة، حيث برز دور (المسجد- المدرسة)، حيث كان يلحق بالمسجد في العهد العثماني مجموعة من دور العلم وأماكن لإقامة الطلاب، وتخصص أوقاف المحسنين من المسلمين للإنفاق على تعليم هذه الأجيال من طلبة العلم، ومن أبرز تلك المدارس المدرسة الملحقة بجامع السليمانية بمدينة "رودس"[1]، وقد كان عدد المدارس الوقفية بالجزيرة يبلغ سبعًا أهمها "مدرسة السليمانية" التي توقفت عن العمل عام 1971 م، وكانت تضم مئات التلاميذ من الجزيرة ومن المناطق والبلاد المجاورة[2].

كما عمل الشاعر العثماني "نامق كمال" في فترة وجوده برودس على افتتاح مدارس جديدة لطلبة العلم، ففي عام 1885 م طُلب من خريجي "مدرسة السليمانية" أن يتولوا وظائف معلمين في مدارس ستُفتتح في باحات "مسجد أرطغرل" و"مسجد تيري موجغان"، وأن تتحمل الدولة مرتبات المعلم في المدرسة التي ستُفتح في "جزيرة ميس".

ونجد أنه تم تعيين المعلمين في هذه المدارس الابتدائية الثلاثة بتكليف من السلطان "عبد الحميد الثاني"، وبعد تواصل مع مشيخة الإسلام تم تعيين بعض أساتذة مسجدي "الفاتح" و"بايزيد" بإسطنبول.

أما عن الوضع الحالي للمدارس التي تم افتتاحها، فعلى الرغم من تضرر المدرسة الابتدائية بقرية قنديلي، وكونها صارت حطامًا، إلا أن المحراب لا زال قائمًا، أما المدارس الأخرى فقد تهدمت تمامًا[3].

 

دار الكتب في رودس:

اهتم العثمانيون بإنشاء دور العلم كالمكتبات العامة، والخاصة من قبل بعض محبي الثقافة، وأوقفوا على خدمتها عددًا من الأراضي والمؤسسات، ومن أشهر تلك الدور "دار الكتب" (الكتبخانة) التي أوقفها "حافظ أحمد أغا" للنفع العام بمدينة رودس،  والتي كانت تحتوي على 1500 مجلدٍ أكثرها في التفسير والحديث والفقه والفرائض وعلم الكلام والتصوف، وبعضها في اللغة والأدب والتاريخ والطب والفلك، وكلها مخطوطات مكتوبة بخط اليد، وفيها قليل من الكتب المطبوعة، ومن المخطوطات النفيسة الموجودة في هذه الكتبخانة الرسالة التي حوت أخبار حصار رودس، وهي باللغة التركية، ولم يذكر فيها اسم مؤلفها، ولهذه الرسالة ترجمة باللغة الفرنسية، وقد اعتمد عليها مؤرخو الإفرنج فيما روَوْه عن ذلك الحصار، ومنهم المسيو "بيليوتي" والقس "كوتريه" في التاريخ الذي ألَّفَاه عن رودس، وقالا عن هذه الرسالة إنها تأليف "حافظ أحمد"، على أن اسم مؤلفها غير معلوم كما تقدم، أما "حافظ أحمد" فهو صاحب الكتبخانة، وقد أوقفها لمدينة رودس في سنة 1211 هـ؛ أي: بعد الفتح بنحو ثلاثة قرون، ومن تصفَّح الرسالة المذكورة وما حوته من الوصف والتفصيل يرَ أن مؤلفها كان معاصرًا للحوادث والوقائع التي رواها؛ فإنه وصفها وصف من رآها رأي العين، وربما كانت "الرسالة الفتحية الرادوسية"، تأليف "رمضان" طبيب السلطان سليمان القانوني، ولها نسخة في مدينة باريس[4].

ولا يعلم مصير هذه المكتبة بعد الاحتلال الإيطالي للجزيرة، والأرجح أنها وباقي المكتبات الموقوفة قد توزَّعت نسخها في المدن الأوروبية.

 

أوقاف إسلامية تعرضت للاندثار:

كانت الجزيرة تزخر بأوقاف المسلمين من أراضي شاسعة ومؤسسات خيرية بقيت تعمل حتى الستينيات من القرن الماضي، وأيضًا عشرات الأسبلة والمدافن والحمامات، وكَّلتْ السلطات المحلية إدارة ما تبقى منها إلى مجالس معينة من قبلها، وكان أعضاء تلك المجالس في معظم الأحيان دون مستوى المسؤولية، ما حدا بهم إلى بيع كثير من ممتلكات الأوقاف دون الرجوع إلى الأقلية المسلمة، وأدى ذلك إلى خسارة المزيد منها.

وقد كانت "الإمارة" وهي الوقفية المخصصة لإطعام الفقراء وعابري السبيل تقدم الطعام إلى مئات المحتاجين يوميًّا، وأوقفت كذلك في سبعينيات القرن الماضي بدعوى أن المنظر العام للفقراء المصطفين لا يليق بالجزيرة السياحية، وقد استُحدثت خدمة مماثلة في بلدية الجزيرة تعمل بتمويل من الاتحاد الأوروبي.

ويظل أسوأ ما تعرضت له الممتلكات الوقفية في الجزيرة هو طمس بعضها وإزالة طابعها الإسلامي، مثل الكثير من سبل المياه الخيرية التي انتزعت لوحاتها العثمانية وحنفياتها، كما أن بعض المقابر الأثرية مهدد بالزوال، مثل مقبرة "مسجد رجب باشا" التي يُشاع أن البلدية تعتزم جرفها وإقامة ملعب للأطفال مكانها؛ لكونها تقع وسط المدينة.

وتضم مقابر الجزيرة رفات أشخاص مهمين في التاريخ العثماني؛ حيث دُفِن فيها عشرات الباشوات والولاة والقادة العسكريين العثمانيين والأجانب، كما أن إحدى مقابرها تضم رفات والد شاه إيران البهلوي.

وقد كان في ضواحي المدينة كثير من الأبنية والقصور الفاخرة، وأشهرها سراي الوزير المصري "حسين فخري باشا"، وهي في أجمل حي وأقدم ما بناه المصريون في رودس، وأمامها سراي "شكيب باشا" العضو الوطني في مصلحة الدومين، وسراي صاحب العزة "حسن بك خيري" نجل المرحوم "أحمد خيري باشا"، وكانت جميعها تمثل أفخم مباني المدينة، وقد تم الاستيلاء على تلك القصور والأبنية من قبل الإيطاليين، ونقل محتوياتها إلى متاحفهم، وطمس معالمها العثمانية، وبمرور الزمن اندثرت تلك الأبنية، وهدم معظمها، وأُعيد بناء مؤسسات أخرى مكانها.

وتحاول الحكومة التركية التفاهم مع اليونان بشأن ما بقي من تلك الأوقاف، حيث سحبت من أيدي مسلمي الجزر اليونانية الكثير من الأوقاف التي كانوا يديرونها، بادعاء المحافظة عليها وتسجيلها ضمن التراث الثقافي للجزيرة، ثم تعمد لتخريبها وطمس معالمها لمحو أي وجود عثماني أو إسلامي بالجزيرة، حفاظًا على هويتها "الأوروبية"!

 

• توجد في رودس والمتاحف الأوروبية بعض شواهد فتح السلطان سليمان القانوني للجزيرة عام 1522 م، كالمدافع القديمة والكرات الحجرية الضخمة التي تم قذف أسوار المدينة بها وتحطيمها.

• عندما فتح السلطان "سليمان القانوني" رودس، أمر بإنشاء "مسجد السليمانية"، و"تكية للفقراء" للإنفاق عليهم، كما أمر بتحويل بعض الكنائس لمساجد، حيث ألحقوا بها مآذن وميضآت.

• من أهم الجوامع التي بناها العثمانيون برودس: جامع السليمانية، والجامع الحديدي (دميرلي جامعي)، وجامع مراد ريس، وجامع السلطان إبراهيم، وجامع أندرون، وجامع "بالق بازار جامعي"؛ أي: (جامع سوق السمك).. وغيرها من عشرات المساجد بقرى وبلدات رودس.

• أغلب هذه المساجد أُهمل، وبعضها تعرض للتخريب وتم طمس ملامحها الإسلامية، وعطلت عن العمل فيما عدا "مسجد السلطان إبراهيم" الذي يصلي فيه مسلمو رودس حاليًّا.

• تؤكد وثائق الوقف وروايات المؤرخين والرحالة استمرارية التعليم المسجدي بالجزيرة، حيث برز دور (المسجد- المدرسة) برودس.

• من أبرز المدارس الوقفية المدرسة الملحقة بجامع السليمانية بمدينة "رودس" التي توقفت عن العمل عام 1971 م، وكانت تضم مئات التلاميذ من الجزيرة ومن المناطق والبلاد المجاورة.

• كان عدد المدارس الوقفية بالجزيرة يبلغ سبعًا، أبرزها "السليمانية"، ولم يعد متبقيًا منها شيء.

• اهتم العثمانيون بإنشاء دور العلم كالمكتبات العامة، وأوقفوا على خدمتها عددًا من الأراضي والمؤسسات، ومن أشهر تلك الدور "دار الكتب" (الكتبخانة) التي أوقفها "حافظ أحمد أغا" للنفع العام بمدينة رودس.

•   كانت الجزيرة تزخر بأوقاف المسلمين من أراضي شاسعة ومؤسسات خيرية بقيت تعمل حتى الستينيات من القرن الماضي.

• قامت الحكومة اليونانية بأخذ الممتلكات الوقفية من أيدي المسلمين، وقامت بإغلاقها أو تعطيلها عن العمل، وطمست معالم بعض هذه الأوقاف الإسلامية وغيرت ملامحها الإسلامية.

 

 

[1] المدارس الوقفية في اليونان خلال العصر العثماني"دراسة آثارية وثائقية ومعمارية"، أ. م. د/ أحمد أمين، مجلة العمارة والفنون والعلوم الإنسانية - المجلد السادس - العدد الخامس والعشرون، مصر، يناير 2021 م، صـ568.

[2] الأوقاف الإسلامية باليونان مهددة بالاندثار، تقرير: شادي الأيوبي-رودس، نشر إلكترونيًّا على موقع الجزيرة بتاريخ: 20/ 2/ 2007 م.

[3] إيطاليا واليونان.. تمحوان آثار العثمانيين في جزيرة رودس (مقابلة)، حوار مع الأكاديمية التركية نوال قونوق هالاش أوغلو، نشر على موقع وكالة الأناضول، بتاريخ 2-11-2020 م.

[4] جزيرة رودس: ‎جغرافيتها وتاريخها وآثارها، تليها خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجة، حبيب غزالة، نشر مؤسسة هنداوي، صدر هذا الكتاب عام 1929 م، صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام 2021 م، صـ37.