مظاهر حضارة الإسلام في جورجيا (2)مقالات


الآثار الإسلامية الباقية في جورجيا:

• من بقايا آثار المسلمين التي نجَتْ من الهدم والتدمير خلال الحقبة الشيوعية، "مسجد باتومي" وهو مسجد يقع في مدينة "باتومي" في منطقة "أجاريا" الجورجية على البحر الأسود، تم بناؤه في عام 1886 م على يد عائلة "أصلان بك خيمشيشفيلي"، وهي عائلة من نبلاء جورجيا المسلمين، ويعد من أقدم المساجد في هذه المدينة.

وهو المسجد الباقي بين ثلاثة مساجد هي الأثرية الأقدم في "باتومي"، وقد دُمِّر المسجدان الآخران إبان الحقبة السوفيتية؛ لذا كان يُلقَّب أيضًا بـ"مسجد أورتجامي" والتي تعني "الجامع الذي في المنتصف"؛ وذلك لأنَّه كان يتوسط مسجدين آخرين؛ لكنهما غير موجودين الآن.

يتميز المسجد بتصميمه المعماري العتيق، وهذا ما يجعله تحفة معمارية أوروبية مسلمة؛ أي: خليط مميز ونادر من الهندسة المعمارية؛ حيث يتميز بألوانه الورديَّة، والخضراء، بالإضافة إلى الزرقاء، وتتزيَّن جُدْرانُه بالآيات القرآنية.

• مسجد الجمعة الخاص بالسُّنَّة والشيعة: حتى وقت قريب، كان مسجد الجمعة هو المسجد الوحيد في "تفليس" بعد هدم 4 مساجد خلال الحقبة السوفيتية، وقد تم بناء المسجد بين عامي 1723 و1735 م، يعتبر مسجد الجمعة من أغرب المساجد على الإطلاق؛ حيث يقصده السُّنَّة والشيعة في جورجيا، فعلى الرغم من حجمه المتوسط​​، فإنه ينقسم إلى نصفين يمينًا ويسارًا، ومن أكثر الأشياء التي تثير اهتمام العديدين، أن هذا الجامع - وبسبب كونه الوحيد - الذي يجمع كل من مذهبي الشيعة والسُّنَّة في نفس المكان ونفس الوقت، وخاصة يوم الجمعة؛ إذ يتشارك هذان المذهبان في الصلاة داخل الجامع، بحيث تُقام صلاة الجمعة بخطبة واحدة يُلقيها أحد شيوخ السُّنَّة، ويأتي بعده ليُكملها أحد شيوخ الشيعة.

ونلاحظ من طريقة عمارة جامع تبليسي بأنه تم بناؤه على الطراز الآسيوي الذي يتميز بالتفرُّد بزخارفه، بالإضافة إلى الطريقة التي بني بها والتي تُعَدُّ فريدةً من نوعها، وبالرغم من حجمه الصغير إلا أنه مقسوم إلى قسمين، وتحتوي القبلة على محرابين، أحدهما على اليمين والآخر على اليسار.

جمهوريات الحكم الذاتي والسكان المسلمين بها:

تضم جورجيا ثلاث جمهوريات صغيرة تتبع إداريًّا سياسة الحكم الذاتي، وقد أوجدت روسيا هذه المقاطعات أو المستعمرات من أجل تفتيت تلك المنطقة وسهولة التلاعب بها سياسيًّا، وهو ما حدث من خلال حروب مستمرة بين كل من جورجيا وتلك الجمهوريات على الصعيد الإقليمي، والشيء الهامُّ بالنسبة لنا هو أن حجم الوجود الإسلامي بتلك الجمهوريات لا بأس به، من بقايا ماضي جورجيا الإسلامي خلال الحقب الإسلامية المختلفة انتهاءً بالخلافة العثمانية، وهذه الجمهوريات هي:

1- أبخازيا: تقع على الساحل الشرقي للبحر الأسود، شمال غربي جورجيا، تبلغ مساحتها 8432 كم مربعًا، وأُسِّسَت جمهوريتها في سنة 1931 م، عاصمتها "سوخومي"، ومن مدنها الأخرى المهمة "بيتسوندا"، و"غالي"، و"غاغرا" ويعتمد اقتصادها على السياحة؛ حيث تهيمن أبخازيا على نصف سواحل جورجيا القديمة.

وسكانها من الشراكسة، وأغلبهم مسلمون سُنَّة[1]، وقد تغيَّرت كتابة الأبخاز من الحرف العربي إلى اللاتيني سنة 1938 م، ثم إلى الحرف الروسي الكريلي سنة 1956 م.

وقد فتح أبخازيا الأمير الأموي "محمد بن مروان" الذي فتح كثيرًا من أراضي أرمينية وجورجيا، وكان "الأبخاز" وهم قبيلة تسكن الشمال الغربي من الكرج (جورجيا) على البحر الأسود قد أبدوا خضوعهم للخلافة الأموية، وكانوا يدفعون الجزية ويؤدونها إلى تفليس؛ ولذا كانت الخلافة الإسلامية تسمح لهم بتصريف شئونهم بواسطة أمرائهم المحليين الذين كان يختارهم الأهالي بأنفسهم، ونتيجة الاختلاط بالمسلمين وروح التسامح الديني عند المسلمين تحوَّل السكان ببطء إلى الإسلام، وظهر هذا التحوُّل بصورة خاصة أيام الخلافة العثمانية عندما تحوَّلت الأسرة الحاكمة في أبخازيا إلى الإسلام في القرن الثامن عشر الميلادي، وهي الأسرة المعروفة باسم "شروا شدرة"[2].

2- جمهورية أجاريا: تقع في الجنوب الغربي من جورجيا على البحر الأسود، وعاصمتها مدينة "باطوم" الشهيرة والتي تُعَدُّ المرفأ الأول في جورجيا وعن طريقها تتصل بالخارج، وتصل إلى "باطوم" أنابيب النفط من "باكو" في "أذربيجان" ومنها يُصَدَّر، وتبلغ مساحة أجاريا 3000 كم مربع، ويسكنها نصف مليون شخص أكثرهم مسلمون.

وقد وصف أحوالهم الأمير "شكيب أرسلان" في كتابه (حاضر العالم الإسلامي) بقوله: "وفي كرجستان (جورجيا) قوم يُقال لهم (أجارة) مسلمون أصابهم ضرر كبير أثناء هذه الحرب (أي: الحرب العالمية الأولى) وأفنى الروس أكثرهم بحدِّ السيف بحجة ميلهم إلى الدولة العثمانية".

وقد كانت "أجاريا" تُحكَم بواسطة الأمراء الغورية التابعين لسلطان الخلافة العثمانية حتى عام 1295هـ (۱۸۷۸ م) عندما ضمتها روسيا بموجب معاهدة برلين، وفي عام 1341 هـ (۱۹۲۲ م) أُسِّسَت جمهورية أجاريا التابعة لجمهورية جورجيا، كان السكان الجورجيون في أجاريا يُعرفون عمومًا باسم "الجورجيون المسلمون"، ثم تغيرت الطبيعة الديموغرافية للسكان بالمنطقة بعد ذلك، وأصبح النصارى أغلبية، ويوجد بها 150,000 مسلم ولا سيما في منطقة "خولو" وجميعهم من السُّنَّة الأحناف .

3- أوسيتيا الجنوبية: تقع في وسط جورجيا من الجهة الشمالية، في وسط جبال القفقاس، وسكانها يقدرون بمائة وخمسين ألفًا، وأكثر سكانها من النصارى المعروفين باسم القوشحة أو القوصحة، وتبلغ مساحتها 3900 كم مربع، واستولت عليها روسيا القيصرية عقب مؤتمر برلين 1878 م، وفي شهر فبراير سنة 1991م قامت ثورة في أوسيتيا الجنوبية تُطالِب بالانفصال عن جورجيا، وقُتِل وجُرِح في هذه الثورة العديد.

وبينما نری سكان أوسيتيا الشمالية مسلمين فإن سكان أوسيتيا الجنوبية أغلبهم نصارى، وقد عمدت روسيا البلشفية في تقسيماتها الغريبة إلى جعل أوسيتيا الجنوبية تابعة لجمهورية جورجيا، بينما جعلت أوسيتيا الشمالية تابعة لموسكو مباشرة؛ وذلك حتى لا يتصل الأوسيتيون المسلمون بالأوسيتيين النصارى ويؤثروا فيهم[3] .

• يمثل مسلمو جورجيا اليوم حوالى 10٪ من مجموع السكان، ويتبع مسلمو جورجيا الإدارة الدينية لمسلمي شمال القفقاس ومركزها بالداغستان.

• معظم المسلمين من الشركس والأباظة والأذريين بجورجيا، ومن أصول تتارية وتركية.

• كانت "جورجيا" تُعرَف باسم "بلاد الكرج" عند المؤرخين المسلمين، وقد فتحها المسلمون منذ القرن الأول الهجري.

• ممن ذكر بلاد الكرج وقصبتها "تفليس" من المؤرخين: ياقوت الحموي، والحميري، وابن حوقل، والسمعاني.. وغيرهم.

• أخرجت تفليس جملة من العلماء والمُحدِّثين الذين ينتسبون إليها.

• من بقايا آثار المسلمين التي نجت من الهدم والتدمير خلال الحقبة الشيوعية، "مسجد باتومي" و"مسجد الجمعة" بتفليس.

•  تضم جورجيا ثلاث جمهوريات صغيرة تتبع إداريًّا سياسة الحكم الذاتي، وقد أوجدت روسيا هذه المقاطعات أو المستعمرات من أجل تفتيت تلك المنطقة وسهولة التلاعب بها سياسيًّا.

• يكثر الوجود الإسلامي بتلك الجمهوريات الثلاث: أبخازيا وأجاريا وأوسيتيا الجنوبية.

 


[1] قفقاسيا، محمود شاكر الحرستاني، المكتب الإسلامي، 1392 هـ- 1972 م، صـ70-71.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ202.

[3] نفس المصدر، صـ205-206.