مسلمو هونغ كونغ بين الماضي والحاضر (1)مقالات


• لا يمكن فصل تاريخ الإسلام في جنوب الصين عن تاريخه في منطقة "هونغ كونغ".

• في القرن الهجري الأول وصلت السفارات الإسلامية إلى "كانتون" المجاورة لـ "هونغ كونغ"، وتوالت هجرة المسلمين إلى المنطقة، فهاجر إليها مسلمون من جزر الهند الشرقية ومن الملايو.

• كانت "هونغ كونغ" ملجأً للمسلمين الصينيين، في حالة اندلاع الانتفاضات داخل الصين، وهاجر إليها كثيرٌ من المسلمين إبان الانتفاضة الشيوعية بالصين.

• من الجائز أن بعض التجَّار المسلمين أقاموا في "هونغ كونغ" أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.

• هناك كثيرٌ من المسلمين الذين قدموا من بر الصين الرئيسي إلى "هونغ كونغ" خلال فترات مختلفة.

• يعتنق الإسلام 300 ألف مسلم من سكان الجزيرة، وعددهم في ازدياد.

• حوالي 12000 من العائلات المسلمة في "هونغ كونغ" هي عائلات مسلمة من أصول مختلطة من الصين وجنوب آسيا من شعب "تانكا" وقومية "هوي".

 

نبذة عن هونغ كونغ:

تقع "هونغ كونغ" على الساحل الجنوبي الشرقي للصين، محصورةً ما بين بحر الصين الجنوبي ودلتا نهر اللؤلؤة، وإلى الجنوب من مصب نهر سيكيانج، وعلى بعد 145 كم من جنوب شرق مدينة "كانتون"، وتتألف من مجموعة من الجزر أكبرها "هونغ كونغ"، حيث توجد العاصمة "فكتوريا" وهي ميناء مهمٌّ، وتضم كذلك شبه جزيرة كولون، ويفصلها عن الصين الأم مضيق "ليمون".

تُعَد "هونغ كونغ" واحدةً من المراكز الاقتصادية الرائدة في العالم؛ إذ تمتاز باقتصاد رأس مالي مزدهر يقوم على الضرائب المنخفضة والتجارة الحرة.

تبلغ مساحة منطقة "هونغ كونغ" 1,104 كم2، تتوزَّع على ثلاثة أقاليم: جزيرة "هونغ كونغ"، وشبه جزيرة كولون، والأقاليم الجديدة، إضافةً إلى أكثر من 200 جزيرة متفاوتة الأحجام، أكبرها جزيرة "لانتاو".

 

كيف دخل الإسلام هونغ كونغ:

وصل الإسلام إلى "هونغ كونغ" مبكرًا، مع وصول التجَّار العرب المسلمين إلى الصين، ومنه انتقل إلى المقاطعات التي تقع جنوب شرقي الصين في وقت مبكر، وذلك منذ القرن الأول الهجري حيث وصلت السفارات الإسلامية إلى "كانتون" المجاورة لـ "هونغ كونغ"، وقد اتفق المؤرخون على أن أول بعثة إسلامية جاءت إلى الصين كانت في زمن الخليفة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه؛ أي: في عام 31 هـ - 651 م، في عصر الإمبراطور (قاوتسنغ) من ملوك الأسرة الملكية "تانغ" (618-907 م).

وقد نتج عن هذه الوفادة موافقة الإمبراطور الصيني (قاوتسنُغ) (650 – 684 م) (30 – 65 هـ) على إعطاء الحرية للمسلمين على أرض الصين، كما وافق على إقامة مسجد لهم في "خانفو" أو "خانقو" يمارسون فيه شعائر دينهم, وتُضيف المصادر الصينية أن المسلمين أقاموا لهم بيوتًا جميلةً تختلف في طراز عمارتها عن العمارة الصينية, كما عينوا لهم رئيسًا "إمامًا أو قاضيًا" يطيعون أوامره[1].

وكان عدد المسلمين المقيمين في كل من "تشانغآن" و"كانتون" و"يانغتشو" وجزيرة "هاينان" إبان حكم أسرة "تانغ" يربو على ألف نسمة.

ومن تاريخ أسرة "تانغ" المدون نعرف أن سبع عشرة سفارة قد وردت من العرب إلى الصين في زمن الأمويين، وخمس عشرة في زمن العباسيين، فالسفارات السياسية ابتدأت من سنة 752 م (135 هـ) وما قبلها من الأمويين[2].

وقد توالت هجرة المسلمين إلى جزيرة "هونغ كونغ" من التجَّار، فهاجر إليها مسلمون من جزر الهند الشرقية ومن الملايو، ولا يمكن فصل تاريخ الإسلام في جنوب الصين عن تاريخه في منطقة "هونغ كونغ"، وكانت ملجأً للمسلمين الصينيين، في حالة اندلاع الانتفاضات داخل الصين، وهاجر إليها كثير من المسلمين إبان الانتفاضة الشيوعية بالصين[3]، ولم تغلق الحدود بينها وبين الصين الشعبية إلى سنة (1370 هـ - 1950 م) وهكذا وصل إليها المسلمون عن طريق الهجرة من المناطق المجاورة لها[4].

لذا يفترض أن أكثر هؤلاء قد جاؤوا إلى "هونغ كونغ" من الصين وهم مسلمون؛ لأن وجود المسلمين في البر الصيني هو وجود قديم وعريق، دلَّ على ذلك ما ورد في بعض الكتب الصينية، كما دلت عليه آثار واضحة من القرن السادس الهجري فما بعده[5].

ومن الجائز كثيرًا أن بعض التجَّار المسلمين أقاموا في "هونغ كونغ" أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؛ ففي هذه الفترة كانت التجارة بين "شركة الهند الشرقية" والصين مزدهرةً إلى حد ما، وتقول سجلات التجارة بين الشركات والصين: إن عدد الشحنات التجارية لها مع الصين كان من 50 إلى 60 شِحْنة تِجارية كل سنة، وفي أوائل القرن التاسع عشر كانت هذه السفن التجارية ترسو في ميناء "هونغ كونغ" دائمًا، وكان معظم بحَّارة هذه السفن يُستقدَمون من "مومباي"، و"كلكتا"، أو من "خليج البنغال"، ومنهم مسلمون، هذا إضافة إلى المسلمين الذين قدموا من بر الصين الرئيسي إلى "هونغ كونغ".

 

المسلمون في هونغ كونغ:

وَفْقًا لتعداد عام 2016 م، يعتنق الإسلام 300 ألف مسلم من سكان الجزيرة، ومن هذا العدد، هناك 50 ألف صيني، و150 ألف إندونيسي، و30 ألف باكستاني، والباقي من أجزاء أخرى من العالم كماليزيا والفلبين وحضرموت باليمن وغيرها.

حوالي 12000 من العائلات المسلمة في "هونغ كونغ" هي عائلات مسلمة من أصول مختلطة من الصين وجنوب آسيا ينحدرون من المهاجرين المسلمين الأوائل من جنوب آسيا الذين اتخذوا زوجات صينيات محليات (شعب تانكا)[6] وربَّوا أطفالهم كمسلمين، كما ينحدر بعضهم من قومية "هوي"[7] من البر الرئيسي للصين.

ونجد أنه قد برز من المسلمين من عرقية "هوي" وكان له دور كبير وإنجازات ملموسة في تطوير الإسلام في "هونغ كونغ" "كاظم ويلسون تويت واي سين" (19019-1990)، المعروف باسم "قاسم تويت" أو "ويلسون تويت"، وهو أحد روَّاد تعليم المسلمين الصينيين في المدينة[8].

 

[1] الإسلام في الصين، فنغ حين يوان (إبراهيم)، ترجمة: "لي هوا ينغ" (محمود يوسف)، طبعة دار النشر باللغات الأجنبية, بكين 1991 م, صـ 7، 8، ومساهمات المملكة العربية السعودية وقضايا المسلمين في الصين, لي تشين تشونج (علي)، من بحوث مؤتمر المملكة العربية السعودية في مائة عام، دارة الملك عبد العزيز- الرياض 1419 هـ, صـ 11.

[2] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ، 1985 م، صـ313.

[3] الإسلام شمس تشرق كل حين، أحمد الجماعيني، دار الخليج للنشر والتوزيع، الأردن، 2015 م، صـ396.

[4] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ118.

[5] رحلة هونغ كونغ وماكو، محمد بن ناصر العبودي، 1432 هـ - 2002 م، صـ30.

[6] شعب تانكا أو شعب القوارب مجموعة إثنية صينية تقطُن جنوب الصين، رغم عيش العديد منهم على اليابسة، فقد كانوا يعيشون على قواربهم أغلب الوقت، ويجمعون قوتهم اليومي من خلال الصيد، عاشوا تقليديًّا في كل من مقاطعات غوانغدونغ، وقوانغشي، وفوجيان، وهاينان، وشانغهاي، وجيجيانغ، وعلى طول نهر يانغتسي، فضلًا عن كل من هونغ كونغ وماكاو.

[7] ترك التجار العرب المسلمون آثارهم في الصين، وفي المدن التي تقع على طريق الحرير القديم؛ حيث بقي كثير منهم في الصين، فنشروا الإسلام وتزاوجوا مع الصينيين، ويمكن اعتبارهم الأجداد الأوائل لقومية هوي، وكانوا يسمون بـ (هوي هوي كه)؛ أي: ضيوف (هوي هوي)، أو (هوي هوي رن)؛ أي: أبناء (هوي هوي)، وتذكر كتب التاريخ الصينية أن أبناء (هوي هوي) انتشروا في جميع أنحاء الصين، وتجمَّعوا بكثافة في مناطق شنسي وقانسو ونينغشيا.

[8] The Hui Diaspora, 2004. In Encyclopedia of Diasporas, Immigrant and Refugee Cultures around the World. Vol.I. pp. 113-124. (eds.) Melvin Ember, Carol Ember, Ian Skoggard. Kluwer Academic / Plenum Publishers, New York.

4 شخص قام بالإعجاب