من تاريخ الإسلام في هونغ كونغ ولمحة عن مساجدهامقالات

يانغ شينغ بن عثمان

المصدر: الصين اليوم، 3 مارس 2004.

 

تاريخ وخط دخول الإسلام إلى هونغ كونغ:

قبل أن تستأجرها بريطانيا في 29 بأغسطس عام 1840 لم تكن هونغ كونغ، لؤلؤة الشرق، أكثر من قرية للصيادين يبلغ عدد سكانها 7450 نسمة، تابعة لمحافظة باوان بمقاطعة قوانغدونغ.

في عهد أسرتي تانغ (618-907م) وسونغ (960-1279م)، مر بها بعض التجار العرب والفرس في طريقهم إلى مدينة قوانغتشو (كانتون)، المدينة التي كانت القاعدة التجارية لطريق الحرير البحري (طريق البخور)، وهذا يعني أن المسلمين وصلوا هونغ كونغ في فترة أسرة تانغ، ولكن لا يوجد سجل لإقامة هؤلاء التجار في هونغ كونغ حينذاك.    

ومن الجائز كثيراً أن بعض التجار المسلمين أقاموا في هونغ كونغ أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؛ ففي هذه الفترة كانت التجارة بين شركة الهند الشرقية والصين مزدهرة إلى حد ما.

تقول سجلات التجارة بين الشركات والصين إن عدد الشحنات التجارية لها مع الصين كان من 50 إلى 60 شحنة تجارية كل سنة. وفي أوائل القرن التاسع عشر كانت هذه السفن التجارية ترسو في ميناء هونغ كونغ دائمًا، وكان معظم بحارة هذه السفن يستقدمون من بومباي، وكلكتا، أو من خليج البنغال، ومنهم مسلمون. هذا إضافة إلى المسلمين الذين قدموا من بر الصين الرئيسي إلى هونغ كونغ.  

بناء المسجد وتأسيس الهيئات الإسلامية:

مع تطور ميناء هونغ كونغ ازداد عدد البحارة والتجار المسلمين القادمين من الهند، وماليزيا، وسريلانكا، وبر الصين الرئيسي إلى هونغ كونغ، وأقام بها كثيرون منهم. وبعد وصولهم إلى هونغ كونغ، كان أول ما فعلوه اختيار المكان المناسب للمأكل والملبس وأداء الصلاة، وقد اختاروا شارع موهلوه بحي تشونغهوان ليكون مكاناً خاصاً للسكن وأداء الصلاة خلال بقائهم في هونغ كونغ، وأخيراً أصبح "موهلوه" مرادفاً للمسلمين القادمين من الهند. كانوا في البداية يؤدون صلاة الجمعة وعيدي الفطر والأضحى في الخلاء، ومع زيادة عدد المسلمين القادمين من خارج هونغ كونغ بدأ التفكير في تأسيس منظمة لجمع وإدارة الأموال الخيرية وتنظيم النشاطات الدينية، فتأسست جمعية الأوقاف في عام 1850.

ووفقاً لاتفاق وقع بين بريطانيا ومسلمي هونغ كونغ في 2 سبتمبر عام 1850، حددت السلطة البريطانية قطعة من الأرض للجمعية الإسلامية لبناء مسجد، وصلاحية استخدامها 99 عاماً ابتداءً من 3 ديسمبر عام 1849، القطعة رقم 30 بشارع شيهلي بحي تشونغهوان حالياً، وبقيادة جمعية الأوقاف تم بناء أول مسجد في جزيرة هونغ كونغ عام 1850، بتبرعات مسلمي هونغ كونغ، وسمي مسجد محمد، الذي أعيد بناؤه عام 1905، وتحول اسمه إلى مسجد شيهليجيه كما هو اليوم، وقد أدرجته حكومة هونغ كونغ ضمن قائمة الآثار القديمة.

في فترة الإدارة البريطانية لهونغ كونغ، جندت الحكومة البريطانية كثيرًا من مسلمي الهند وباكستان، وكان هؤلاء المسلمون يؤدون صلاتهم داخل المعسكرات، وفي يوم الجمعة وأيام الأعياد كانوا في حاجة لساحة أكبر لأداء الفريضة، فطالبوا القيادة العسكرية بتوفير مكان لهم لإقامة مسجد.

في عام 1896 بني أول مسجد داخل المعسكر بحي قولون حالياً، وقد أعيد بناء هذا المسجد عام 1902، وبسبب عدم الترميم لسنوات عديدة وتأثير مشروع بناء المترو هدم المسجد في سبعينيات القرن العشرين، إلى أن أعيد بناؤه وتوسعته مرة ثانية في عملية استغرقت أربع سنوات من يناير عام 1980 إلى مايو عام 1984، وبلغت تكاليفها أكثر من 26 مليون دولار هونغ كونغ، ووصلت سعته أكثر من ألفي مصل.  

مع إقامة المسلمين في هونغ كونغ حددت حكومة هونغ كونغ البريطانية في 5 يوليو عام 1870 قطعة من الأرض لتكون مقابر إسلامية، وأنشأ المسلمون بجانب المقابر مسجداً بسيطاً هو مسجد آيتشيونداو حالياً، وبسبب توسيع الطريق نقل مسجد آيتشيونداو إلى رقم 40 بشارع آيتشيونداو بحي وانتساي في عام 1981، وهو يتسع لحوالي  500 إلى 600 مصل. ومن أجل تسهيل حياة الجنود المسلمين أنشئ مسجد صغير داخل سجن تشيتشو بالطرف الجنوبي لهونغ كونغ.

كذلك أنشأ مسلمو هونغ كونغ مسجداً بجانب مقابر تشايوان الإسلامية، ومع تزايد عدد المسلمين بهونغ كونغ وكثرة النشطات الإسلامية أسست المنظمات الإسلامية المتنوعة في هونغ كونغ الهيئات الرئيسية التالية:

1- جمعية الأوقاف العامة بهونغ كونغ. كانت جمعية الأوقاف التي تأسست في عام 1850، وتتكون حالياً من ممثلي المنظمات الأربع الإسلامية بهونغ كونغ، وهي الاتحاد الإسلامي بهونغ كونغ، الجمعية الباكستانية بهونغ كونغ، جمعية داوود بن بهاري بهونغ كونغ، والجمعية الإسلامية الهندية بهونغ كونغ، ومهمة جمعية الأوقاف الرئيسية إدارة المساجد الأربعة بهونغ كونغ (مسجد قولون، مسجد آيتشونغداو بحي وانتساى، مسجد شيهليجيه، مسجد تشايوان)، والمقابر الإسلامية إضافة إلى دارة روضة أطفال إسلامية.

2- دار الإخاء الإسلامي الصينية. وهي هيئة إسلامية خاصة للصينيين، تأسست عام 1918، ولأن معظم المسلمين الصينيين كانوا يسكنون في حي وان تساى حينذاك يقع مقرها في هذا الحي. مهمتها الرئيسية تعزيز الروابط بين المسلمين، وإقامة النشاطات الدينية، وتعليم أبناء المسلمين. ومنذ خمسين عاماً أقامت دار الإخاء الإسلامي الصينية المدارس التالية:

(1) المدرسة المجانية لدار الإخاء الإسلامي الصينية، فتحت في عام 1947، وأغلقت عام 1980.

(2) المدرسة الإعدادية الإسلامية باللغة الإنجليزية، فتحت في عام 1970، وأغلقت عام 1997.

(3) المدرسة الإسلامية، فتحت في عام 1980.

(4) روضة الأطفال الإسلامية، فتحت في عام 1984، وأغلقت عام 1993.

(5) روضة الإخاء الإسلامية للأطفال، فتحت عام 1988. 

(6) روضة أطفال توه وي شان، أقيمت عام 1993.

(7) مدرسة باو بوه تاو الابتدائية الإسلامية، تأسست في عام 1996.

(8) روضة أطفال شيوي جين خنغ، أقيمت في عام 1996.

(9) مدرسة توه وي شان الإعدادية الإسلامية، تأسست في عام 1997.

3- رابطة المسلمين بهونغ كونغ. يعتقد أن رابطة المسلمين بهونغ كونغ تأسست في أواخر القرن التاسع عشر على أيدي المسلمين القادمين من الهند، وباكستان، وماليزيا. مهمتها الرئيسية نشر الإسلام، وتحسين رعاية مسلمي هونغ كونغ، وتعزيز الحياة الإسلامية بين المسلمين.

4- الجمعية الإسلامية الصينية بهونغ كونغ. كانت الجمعية الإسلامية بهونغ كونغ جمعية الثقافة الإسلامية الفرعية بهونغ كونغ، وفي عام 1949 سجلت في حكومة هونغ كونغ باسم الجمعية الإسلامية الصينية بهونغ كونغ، ومهماتها الرئيسية تعزيز حب الوطن والدين، والتضامن بين المسلمين، ومعرفة الوطن.

5- الجمعية الإسلامية لشباب هونغ كونغ. تأسست عام 1973، ومهمتها تعزيز تضامن شباب المسلمين بهونغ كونغ، من الجنسيات المختلفة، والتعاون بينهم في مجالات دراسة المعارف الإسلامية، وعلوم الدين، وخشية الله وحب الناس، وخدمة المجتمع.

وأيضا هناك جمعية مسلمي الهند بهونغ كونغ، والجمعية الباكستانية بهونغ كونغ، وجمعية النساء المسلمات بهونغ كونغ، وغيرها من الجمعيات الإسلامية.

انتشار الإسلام في هونغ كونغ:

برغم أن تاريخ وصول المسلمين إلى هونغ كونغ قديم، فإن إقامتهم وإنشاء المساجد فيها، والقيام بالنشاطات الدينية جاء متأخراً، انتشر الإسلام بهونغ كونغ بطيئًا، وقدم المسلمون القادمون من باكستان والهند مساهمات كبيرة في مجال الدعوة ونشر الإسلام في هونغ كونغ، وكانوا يتزوجون فتيات غير مسلمات فكثر عدد مسلمي هونغ كونغ، وفي البداية كان زواج المسلمين من غير المسلمين الأسلوب الرئيسي لانتشار الإسلام في هونغ كونغ، إضافة إلى أن هناك شركات مسلمي الهند بهونغ كونغ، التي كانت تحث العاملين المحليين على اعتناق الإسلام.

الفريق الآخر من مسلمي هونغ كونغ جاء من بر الصين الرئيسي، وقبل فتح أبواب هونغ كونغ أتي بعض مسلمي هوانغتشو وتشاوتشينغ بمقاطعة قوانغدونغ إلى هونغ كونغ للعمل أو التجارة، ولكن عددهم كان قليلًا ولم تكن لهم منظمة خاصة، لذلك كان تأثيرهم محدوداً حينذاك في مجال الإسلام بهونغ كونغ.

وفي فترة الغزو الياباني للصين وحرب المقاومة ضد اليابان عام 1938 هجرت دفعة كبيرة من اللاجئين من شمال الصين إلى هونغ كونغ، بمن فيهم مسلمون، فازداد عدد مسلمي هونغ كونغ كثيراً، وفي الفترة السابقة على تحرير الصين وبعدها كانت الموجة الثانية للهجرة من بر الصين الرئيسي، حيث كان معظمهم قادمين من بكين، نانجينغ، شانغهاي، للعمل في تجارة التحف والمجوهرات.

في السنوات الأخيرة تبادر كل هيئة إسلامية بهونغ كونغ إلى إقامة النشاطات الدينية، وتدعو علماء المسلمين إلى هونغ كونغ لإلقاء المحاضرات، وتنظم دورات إسلامية. حسب إحصاء الجمعية الأوقاف توه وي شان، يصل عدد المسلمين في هونغ كونغ حوالي مائة ألف نسمة، وعدد الهيئات الإسلامية أكثر من عشر هيئات، وبها خمسة مساجد ومدارس إسلامية عديدة.

(بقلم: يانغ شينغ بن عثمان، إمام مسجد آيتشونغدوا بهونغ كونغ).