كيف وصل الإسلام إلى كمبوديا؟ (1)مقالات


• قامت على أرض كمبوديا إمبراطورية كبيرة تعرف بإمبراطورية "خمير"، وهي إحدى الإمبراطوريات القديمة المشهورة في جنوب آسيا الشرقي.

• ينتمي مسلمو كمبوديا إلى جماعات "التشامبا"، وهي جماعات تنتمي إلى العنصر الملايوي (الجاوي).

• نشأت دولة ملايوية عريقة هي مملكة تشامبا المسلمة (Champa)، أطلق عليها العرب الأوائل اسم الصنف (Sanf)، وحكمت في المنطقة التي تؤلف الحدود ما بين فيتنام وكمبوديا.

• يُرجَّح أن الإسلام وصل كمبوديا في القرن التاسع الهجري إبان ازدهار مملكة تشامبا المسلمة التي كانت تسيطر على المناطق الحدودية لكمبوديا.

• هاجرت القبائل التشامبية إلى كامبوديا أثناء القرن الخامس عشر الميلادي، فبنوا هناك مجتمعًا جديدًا وتكتلات عرفت فيما بعد بـ champa Melayu أو كامبونج Kampang champa.

• عندما استولى "الخمير الحمر" التابعون لنظام "بول بوت" Paul Bet على الحكم، قتلوا ثلثي المسلمين في كمبوديا.

• لجأت جماعات كبيرة من المسلمين التشامبيين إلى الخارج، وبعضهم إلى ماليزيا المجاورة هربًا من الصراعات في كمبوديا.

• دخل المسلمون الكمبوديون - في السنوات التي تلت سقوط الشيوعيين - في أتون مصادمات سياسية وحرب أهلية بين الحكومة وبقايا جماعة "الخمير الحمر".

 

نبذة عامة:

تقع "كمبوديا" فيما يعرف بشبه جزيرة الهند الصينية IndoChina التي تضم إلى جانب كمبوديا كلًّا من فيتنام ولاوس وبورما وتايلندا، وتقع كمبوديا في جنوب شرق آسيا، وتحدها فيتنام جنوبًا وشرقًا، ولاوس وتايلندا شمالًا وغربًا، ويهيمن على جغرافية كمبوديا نهر ميكونغ (النهر العظيم)، وبحيرة تونلي ساب (بحيرة المياه العذبة).

وتبلغ مساحتها (181035) كيلو مترًا مربعًا، ومعظم أراضي كمبوديا سهول يُزرع فيها الأرز على نطاق واسع[1]، وقامت على أرض كمبوديا إمبراطورية كبيرة تُعرف بإمبراطورية "خمير"، وهي إحدى الإمبراطوريات القديمة المشهورة في جنوب آسيا الشرقي، حيث أسس هؤلاء لهم دولة وحضارة مرموقة، وبنوا لهم عاصمة عظيمة شمالي بحيرة "تونل ساب" ما زالت آثار معابدها وقصورها قِبْلةً للسائحين من كل أنحاء العالم، وامتدَّ سلطان دولة "خمير" ليشمل بعد عام 900 م معظم الأراضي الشرقية من تايلندا اليوم وبلاد لاوس والكثير من فيتنام من أواسطها حتى مدينة "هوشي منه" في الجنوب[2].

 

دخول الإسلام كمبوديا:

ينتمي مسلمو كمبوديا إلى جماعات "التشامبا"، وهي جماعات تنتمي إلى العنصر الملايوي (الجاوي) أو ينتمي إليهم العنصر الملايوي على اختلاف بين الباحثين في ذلك[3].

وهذه الدولة المالاوية العريقة تشامبا (Champa)، أطلق عليها العرب الأوائل اسم الصنف (Sanf)، والتي أخذت على عاتقها التجارة العربية والدعوة الإسلامية منذ مئات السنين، وجعلوا البحر مصدرًا لحياتهم الاقتصادية، وقد سيطرت عليها فيتنام سنة 935 م تقريبًا بعد صراعات القوى الصينية التي كانت تطمع فيها، وبعد أخْذٍ ورَدٍّ بين الدولتين تنازلت الصين عنها لفيتنام، وبعد هذه الحادثة هاجرت القبائل التشامبوية إلى كمبوديا، فبنوا هناك مجتمعًا جديدًا وتكتلات عُرِفت فيما بعد بـ champa Melayu أو كامبونج Kampang champa، وبعضهم اتجهوا إلى دول أرخبيل الملايو[4].[5]

لذا يُرجَّح أن أصول مسلمي كمبوديا أصول ملايوية قديمة، يطلق عليهمOrang Melayu Champa، ولعلهم أقدم قوم ودولة ملايوية بولنيزية قامت في هذا الجزء من آسيا، حيث يرجع تاريخهم إلى 192 قبل الميلاد[6].

وقد أسس التشامبيون مملكة مسلمة حكمت في المنطقة التي تؤلف الحدود ما بين فيتنام وكمبوديا، وما زالت بقاياهم في المنطقة، منقسمين ما بين كمبوديا وفيتنام، محافظين على عقيدتهم الإسلامية رغم اندثار تاريخهم القديم[7].

وتُسمَّى هذه الدولة أيضًا في الحوليات الملايوية بمملكة فونان Funan، وبِناءً على رواية الحوليات الملايوية، فإن الإسلام وحضارته العالمية وصل إلى السواحل الشرقية من شبه جزيرة الملايو في القرون الأولى من الهجرة الشريفة عن طريق التجار العرب المسلمين الذين كانوا يتجمعون في موانئ الصين وموانئ تشامبا، ينطلقون من ميناء الدولتين، ويتوقفون في سواحل "ليجور سنقوراه"، وهما ولايتان في جنوب تايلاند حاليًّا، و"لنجاسوك" Langka Suka (فطاني حاليًّا)، ثم يُبحرون إلى مدينة "كوالا كراي" Kuala Kerai (كلنتان)، وإلى "كوالا بيرانج" Kuala Berang (ترنجانو)، وإلى "أندرا فورا" Indra Pura (باهنج)، ثم يصلون بسلامة الله ورعايته إلى "ملاقا" Melaka (ماليزيا) المركز التجاري العالمي، وهي بيت القصيد لكل التجَّار، ومنها إلى الموانئ التجارية بجزر أرخبيل الملايو المترامية الأطراف، وقبل القرن الخامس عشر الميلادي كانت المياه الإقليمية الملايوية تحت مراقبة التجَّار المسلمين، وللصين علاقات متينة مع دولة "تشامبا" ومع الدول الملايوية الأخرى، وكانت للصين الهيمنة التجارية والسياسية بالمنطقة كلها[8].

وهناك أيضًا مسلمون من "الخمير" من أهل كمبوديا، الذين اختلطوا بالمسلمين التشامبيين، وإن ظلوا أقلية بين الخمير غير المسلمين في كمبوديا، وقد نزح منهم من نزح إلى حدود تايلندا عندما طاردت القوات الفيتنامية – والمتعاونون معها من الكمبوديين – عناصر الخمير؛ لطردهم من كمبوديا.

 

تاريخ دخول الإسلام كمبوديا:

يُرجَّح أن الإسلام وصل كمبوديا في القرن التاسع الهجري[9]، إبان ازدهار مملكة (تشامبا) المسلمة التي كانت تقع بين فيتنام وكمبوديا؛ حيث إن أكثر أراضيها في فيتنام، وأقلها كانت واقعة في كمبوديا، أما أول تاريخ لقيام هذه المملكة (التشامبية) المسلمة فقد كان خلال القرن الخامس الهجري، وتدل الدلائل والقرائن المعروفة على أن الإسلام دخلها نتيجة للعلاقات التي قامت بين هذه البلاد التشامبية وبين الممالك والإمارات الملايوية المسلمة التي كانت موجودة في بعض أنحاء ما يُعرَف الآن بإندونيسيا وماليزيا؛ فهي تشترك مع جماعات التشامبا في اللغة والعنصر؛ ولذلك قويت العلاقات بينهما التي كانت نتيجتها أن أسلم أولئك (التشامبيون)، وأسسوا مملكتهم الإسلامية أيضًا[10].

أما وقت دخول جماعة "تشامبا" كمبوديا هربًا من فيتنام، فقد كان ذلك أثناء القرن الخامس عشر الميلادي، ويدل التجاء جماعة "تشامبا" إلى كمبوديا خاصة على أنها كانت مكانًا آمنًا لهم، يتمكنون فيه من العيش بحرية، وممارسة العقيدة الإسلامية بسلام واطمئنان، ويعني وجود جالية إسلامية كبيرة في "كمبوديا" تمت بصلات جوار وقربى دينية لمملكة "تشامبا" المسلمة.

 

[1] الاستعمار في جنوب شرقي آسيا، د. فايز صالح أبو جابر، دار البشير للنشر والتوزيع، 1411 هـ - 1991 م، صـ80.

[2] المصدر السابق، صـ81، 82.

[3] المسلمون في لاوس وكمبوديا، محمد بن ناصر العبودي، منشورات رابطة العالم الإسلامي; العدد 167، السنة الرابعة عشرة، 1416 هـ، صـ100.

 [4] أرخبيل الملايو (بالإنجليزية: Malay Archipelago)‏ أكبر أرخبيل في العالم من حيث المساحة (أرخبيل مصطلح يرمز لأي مجموعة متقاربة ومتجاورة من الجزر، وتتأصل هذه الكلمة من الكلمة اليونانية: أَرْخِيپِيلاَگُوسْ (αρχιπέλαγος)، ويحوي أرخبيل الملايو بحدود 20,000 جزيرة، ويقع بين جنوب شرق آسيا وأستراليا، شكل مظاهر حضارة إسلامية عريقة جنوب شرق آسيا؛ وذلك بسبب موقع الأرخبيل الجغرافي الذي يقع وسط طريق قوافل التجار العرب والصينيين؛ فساهم ذلك في انتشار الإسلام بتلك الجزر، تُعتبر هذه المواقع اليوم جزءًا من دول ماليزيا (دولة ملايو القومية) وبروناي وسنغافورة وإندونيسيا وجنوب تايلاند. انظر: حضارة اللغة العربية في أرخبيل الملايو، د. روسني بن سامة، مجلة اللغة العربية، المجلد 13، عدد 2، 2011 م، صـ186.

[5] الإسلام في الهند الصينية (تشامبا المنسية)، عبد الغني يعقوب فطاني، مجلة الإسلام في آسيا، تصدر عن الجامعة الإسلامية العالمية الماليزية، المجلد 14، العدد 1، يونيو 2017 م، صـ84.

[6] كامبوديا كما رأيتها من النيل إلى الميكونج، جبرائيل بقطر، مكتبة النهضة- مصر، 1950 م، صـ 58 -60.

[7] المسلمون في لاوس وكمبوديا، محمد بن ناصر العبودي، صـ100، 101.

[8] العالم الإسلامي: دراسة تاريخية جغرافية، اقتصادية للدول العربية والإسلامية، إبراهيم الصيحي، مكتبة الوعي العربي- القاهرة، 1988 م، صـ 107.

[9] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ162.

[10] المسلمون في لاوس وكمبوديا، محمد بن ناصر العبودي، صـ102.

0 شخص قام بالإعجاب



شاهد أيضاً