المسلمون في لاوس وكمبوديا: رحلة ومشاهدات ميدانية

كتب
محمد ناصر العبودي

نبذة

كتاب من كتب الرحلات، يتضمن مشاهدات المؤلف، مع التعليق عليها، وقد حرص على أن يستقصي ما يستطيع الوصول إليه من أحوال المسلمين في هذه البلاد، ومن ذلك وصف مساجدهم ومؤسساتهم، وموقف السلطات منهم، والتحديات التي تواجههم، وما ينبغي أن نعمله نحن وغيرنا من المسلمين القادرين على تقديم المساعدة لهم.


المسلمون في لاوس وكمبوديا

المحتوى

الحمد لله، والصلاة والسلام، والسلام على رسول الله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:
فإنني قد قلت في مقدمة كتابي الذي كتبته عن زيارة فيتنام بعنوان: "أيام في فيتنام" إنني كنت قد عزمت على أن اسمي الكتاب الذي سأكتبه عن زيارتي للهند الصينية (مشاهدات في الهند الصينية) التي أريد بها الأقطار الثلاثة: فيتنام، ولاوس، وكمبوديا، غير أنني وجدت الكتاب قد زاد حجمه عما كنت قررته له، فرأيت تقسيمه إلى كتابين: أحدهما عن فيتنام، والآخر عن لاوس وكمبوديا بعنوان (المسلمون في لاوس وكمبوديا).
إن هذه الأقطار الثلاثة تسمى مجتمعة بالهند الصينية، مع أنه ليس لأهلها أي شبه مظهري بالهند، وإنما شبههم بالصين ظاهر، وإن كان ذلك على هيئة بعيدة، فالفروق حتى بين أهل الصين أنفسهم كبيرة، ولكن أهل الهند الصينية فيهم شبه كبير من أهل جنوب الصين كأهل كانتون التي زارها الرحالة ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري وسماها (صين كلان)، يعني الصين الكبير أو ( صين الصين )، وكأهل منطقة يونان، وقد زرت المنطقتين كلتيهما وذكرت مشاهداتي فيهما في كتابي: (في جنوب الصين)، وفي كتابي (العودة إلى الصين).
وهناك منطقة أخرى مجاورة هي بورما، كانت تعد من الهند الصينية أيضا وأهلها الأصلاء، الذين هم أكثر السكان فيها هم كأهل الهند الصينية الآخرين الذين يشبهون الصينيين، ولا يشبهون أهل الهند إلا ما كان من أمر جزء منها في غربيها، وبخاصة في منطقة أركان، فإن أهلها يشبهون أهل الهند، وعلى ذلك لا تكون تسمية هذه الأقطار بالهند الصينية صحيحة في قول بعضهم من حيث المظهر الخارجي، وإنما هي صحيحة في قول بعضهم من ناحية ثقافتهم، فهم يشبهون أهل الهند القدماء من حيث إن ديانتهم البوذية جاءتهم من الهند، وكانت غالبة في الهند في القديم قبل أن تنكمش وتتضاءل هناك، وبذلك يصح القول في هؤلاء القوم الذي تتجه رحلتنا إليهم أنهم يشبهون أهل الصين في المظهر، ويشبهون بعض أهل الهند في الثقافة.
أما أنا فإنني أرى فيهم شيئا غير ذلك: أرى أنهم أمة يمكن أن يصح القول فيهم بأنهم جاءوا في الأصل من جنوب الصين، فتفرقوا في هذه المنطقة الندية بأمطارها وأنهارها الغنية بنباتها وأشجارها، فاكتسبوا على مدى الدهر صفات خاصة بكل قطر أو مجموعة من كل قطر فيهم، ومن ذلك لغاتهم التي تعددت حتى صارت الآن متباعدة متباينة، فلغة فيتنام مثلا لا علاقة لها تذكر بلغات أهل لاوس وكمبوديا، فلغة لاوس قريبة جدا من التايلندية، بل يكادون يتفاهمون مع التايلنديين في اللغة، وهي تشبهها كثيرا وتماثلها في كثير من ألفاظها وجملها، وإن كانت تختلف عنها قليلا في الكتابة وفي النطق، وأما لغة كمبوديا فإنها ذات كتابة مستقلة يحسب من يراها لأول مرة وهو لا يعرفها أنها قريبة في الكتابة من التايلندية، وما هي منها بقريبة، وأما لغة التخاطب فإنها متباعدة بين التايلندية والكمبودية حتى لا يمكن لأحد الفريقين أن يتفاهم مع الآخر إلا إذا كان قد تعلم ذلك تعلما، أو تمرن عليه مرانا كثيرا أكسبه المعرفة به كاللغات الأخرى.
أما اللغة الصينية التي قيل: إن لأهلها علاقة بهذه البلاد، فإنها بعيدة جدا عن هذه اللغات الثلاث، حتى إن الفيتنامية التي هي أقربها من حيث الموقع والمكان إلى الصين لا تربطها باللغة الصينية رابطة، وإن كانت الكتابة بالحروف الصينية معروفة بها في القديم، فإنها الآن تكتب بالحروف اللاتينية بخلاف لغة لاو التي يراد بها اللاووسية واللغة الكمبودية فإنهما تكتبان بحروف محلية خاصة لا رابطة بينهما وبين اللغات الأخرى المشهورة.
أما الديانة فإن الجامع بين تلك الأقطار هو الديانة البوذية، وإن كانت المذاهب الدينية وهيئة المعابد تخلف في البلدان الثلاثة بعضها عن بعض.
ولكن الديانة البوذية ضعيفة المقاومة إذا احتكت بديانة أخرى لها من ينصرها بقوة، فقد سقطت في الشيوعية كما هي الحال في هذه الأقطار الثلاثة فيتنام ولاوس وكمبوديا أو في الإباحية الشهوانية كما في تايلند.
وعلى أية حال فإن كتابنا هذا هو كتاب رحلة يتضمن المشاهدات – والتعليق عليها لاستنتاج ما وراءها، ويحرص على أن يستقصى ما يستطيع الوصول إليه من أحوال المسلمين في هذه البلاد، ومن ذلك وصف مساجدهم ومؤسساتهم، وموقف السلطات منهم والتحديات التي تواجههم، وما ينبغي أن نعمله نحن وغيرنا من الإخوة المسلمين القادرين على المساعدة لهم.
وقد بدأت رحلتنا أولا بلاوس، ثم أعقبتها برحلة إلى تايلند للحصول على سمة الدخول والسفر إلى كمبوديا؛ لأن الاتصالات الجوية مقطوعة ما بين البلدين الجارين الشيوعيين: لاوس، وكمبوديا، ثم انتهت بالرحلة إلى كمبوديا، ووصف ما رأيناه فيها من أحوال الناس بعامة، ومن أحوال المسلمين خاصة.

والله المستعان، وعليه التكلان.