الاستعمار الهولندي لسريلانكا:
استعمر الهولنديون الجزيرةَ في عام 1668 م، وغيَّر الهولنديون اسم الجزيرة إلى "زايلان" Zeilan، واستمروا في نهج تمييز إداري بين المنطقتين السنهالية والتاملية، مع تفضيل للتاميل الذين كانت لغتهم تستعمل في الوثائق الرسمية، إلى جانب الهولندية.
أما بالنسبة للدين، فإلى جانب الكاثوليكية التي نشرها البرتغاليون، نشر الهولنديون المذهب الكالفيني (مذهب مسيحي بروتستانتي يُعزى تأسيسه للمصلح الفرنسي جون كالفن)، ومع نهاية الوجود الهولندي بالجزيرة نجد أن كلًّا من الاستعمار البرتغالي والهولندي قد زرعا بذور الشقاق والتطرف بين الفرعين: الهندوسي (التاميليين) والبوذي (السنهاليين) داخل الجزيرة، بينما انزوى المسلمون في عزلة فرضها عليهم احتكار قوى الاستعمار تجارةَ التوابل بالمنطقة، خصوصًا محصول القِرْفة، وظل هذا الوضع سائدًا إلى عام 1796 م حيث انتهى الوجود الهولندي على يد البريطانيين الذين سيطروا على الجزيرة.
وقد اتبع الهولنديون الذين جاءوا إلى سيلان عام 1658م نفس السياسة نحو المسلمين والإسلام، فأسسوا مدارس تنصيرية؛ لنشر النصرانية، والعمل على وقف النفوذ الإسلامي في المنطقة، وإخفاء نور الإسلام[1].
الاستعمار البريطاني لسريلانكا:
استولت بريطانيا على المستعمرات الهولندية عام 1795 م، فحاصرت ميناء ترينكومالي (في الساحل الشرقي لمنطقة التاميل) واستولت عليه في ظرف ثمانية أيام، قبل نهاية العام كانت بريطانيا قد سيطرت على مجمل موانئ الجزيرة كمانار وباتيكالوا، واستكملت بريطانيا استعمار غالبية الجزيرة في فبراير 1796 م، وأطلقت عليها تسمية سيلان Ceylon، لتضمها سنة 1802 م كمستعمرة ملكية بريطانية.
وأسقط الإنجليز إمارة "كاندي" Kandy التي استعصت على قوى الاستعمار البرتغالي والهولندي سنة 1815 م، حيث قام البريطانيون بإرساء إدارة موحدة على سائر الجزيرة، وبتطوير زراعات الهيفيا والشاي، وقام البريطانيون بجلب عمال تاميليين هنود من شبه الجزيرة الهندية؛ وهو ما أدى إلى ظهور صنفين من التاميليين في سريلانكا: الهنود والأصليون.
وقد مارس الإنجليز سياسة إقصائية في مناهج التعليم؛ خوفًا من تنوير الشعب السريلانكي بحقوقه المسلوبة؛ وهو ما أدى لزيادة الأمية بين طوائف الشعب، وحدوث تبايُن بين المدارس الإنجليزية والمدارس المحلية من حيث جودة مستوى التعليم.
وكانت سياسة البريطانيين تجاه العرقين الرئيسيين بالبلاد مختلفة؛ إذ قاموا بتفضيل التاميليين على السنهاليين، ويعزي كثيرٌ من المؤرخين إرهاصات الحرب الأهلية التي دمرت البلد في نهاية القرن العشرين إلى تلك السياسة التفريقية المقصودة[2].
استقلال الجزيرة:
نتيجة لتمييز البريطانيين التاميل الهنود، وإعطائهم حق السيطرة على مفاصل الدولة، وحيازة المناصب السياسية بنسبة تفوق بكثير ثقلهم الديمغرافي (الذي كان 15%)، خلَق هذا التمييز شعورًا قوميًّا تحرريًّا لدى السنهاليين، وكراهية تجاه الإنجليز والتاميل على حد سواء.
وقد ولدت حركة وطنية مقاومة سنهالية الهُوِيّة، دفعت الحكومة البريطانية في 1931 م إلى منح سيلان حكمًا ذاتيًّا.
استقلت سيلان عن بريطانيا في فبراير 1948 م، واحتفظت بريطانيا بحق حكومتها في اقتراح قوانين تطبق في الجزيرة، وضم أول برلمان 58 سنهاليًّا، و29 تاميليًّا، و8 مسلمين.
وقد سيطر السنهاليون بسرعة على مراكز القرار السياسية والقضائية والاقتصادية والعسكرية، وساعد على هذه الهيمنة أن وضَعَ البريطانيون البوذيين بعد الاستقلال عناصرَ مناوئة للمسلمين والهندوس بالمنطقة.
الحرب الأهلية وأثرها على البلاد:
نتيجة مطالبة التاميل الهندوس بحقوقهم في مواجهة السنهاليين البوذيين، وأمام استمرار الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين العِرْقينِ، تطرفت المطالب التاميلية أكثر؛ مما أدى إلى نشأة حركة "نمور تحرير إيلام تاميل"، وهي حركة مسلحة هدفت إلى تحقيق استقلال "إيلام تاميل" عن سلطة "كولومبو" المركزية.
طُبِعَ تاريخ سريلانكا ابتداءً من عام 1983 م، بالعمليات المسلحة لنمور التاميل، وأدت المصادمات إلى جرائم حرب من طرفي النزاع، وتقدر خسائر هذه الحرب الأهلية بخمسين ألف قتيل و1.1 مليون لاجئ حتى بداية القرن الحادي والعشرين.
المسلمون بين شقي الرحى:
رغم حركة الصحوة الإسلامية في الجزيرة مؤخرًا، فإن البوذيين استخدموا المسلمين كعنصر داعم للحكومة ضد حركة "نمور التاميل" على الرغم من كون "التاميلية" هي اللغة الناطقة للمسلمين بالجزيرة، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، تغيرت نظرة الحكومة للمسلمين منذ هزيمتها للنمور، ولم تَعُدْ ترى المسلمين على أنهم من أصل البلاد، وقد تزايدت المضايقات التي يتعرض لها مسلمو سريلانكا، من الأغلبية البوذية الحاكمة.
ورغم أن الإسلام دخل سريلانكا منذ أكثر من ألف عام، وهم متعايشون مع الأكثرية البوذية[3]، ووصل عدد المسلمين إلى مليوني نسمة حسب إحصاءات عام 2011 م (تقريبًا 9.7%)، وكانوا يملكون الحصة العظمى في التجارة، وكانوا ذوي مالٍ وجاهٍ، إلا أن هذا الاستقرار بدأ بالتخلخل مؤخرًا، وسط التعصب البوذي تجاه الإسلام والمسلمين.
• عرف العرب والمسلمون جزيرة سريلانكا منذ عصور مبكرة، وسموها "سرنديب" أي جزيرة الياقوت. • اسم سريلانكا ذكر في الملاحم الهندية القديمة بمعنى الجزيرة الجميلة والمشعة. • تنبع أهمية الجزيرة في كونها البوابة الأولى السهلة لدخول منطقة جنوب آسيا، إلى جانب دورها في تجارة التوابل والقِرْفة والشاي. • دخل الإسلام الجزيرة في وقت مبكر من القرن الأول الهجري، بجهود دعوية فردية، وانتشر الإسلام بين السكان بسرعة كبيرة. • يقال: إن من أدخل الإسلام للجزيرة المغاربة (المورو)، وقيل: مسلمو الهنود، وقيل: بل التجار العرب، وبمجموع هذه الآراء فإن الإسلام استوطن الجزيرة في القرن الثامن الميلادي. • كان لقدوم المستعمرين البرتغاليين الجزيرة في القرن السادس عشر الميلادي، دورٌ في انحسار الإسلام، وأوقفت الدعوة، ورافق الاستعمار حملة تنصيرية كبيرة بسريلانكا. • استعمر البريطانيون الجزيرة، وعملوا على إثارة النزاعات بين العرقيات المختلفة. • استقلت الجزيرة عام 1948 م، وعانت من حرب أهلية كان من ضمن ضحاياها المسلمون بسريلانكا. |
[1] مقال "أوضاع المسلمين في سريلانكا"، محمد البشير أحمد موسى، شبكة الألوكة نقلًا عن موقع التاريخ، نُشِرَ بتاريخ 20/6/2010 م.
[2] وضع اللغة العربية بالمدارس العربية الإسلامية في سريلانكا: دراسة وصفية تحليلية تقويمية، عبد الرشيد خان عبد الستار، صـ37.
[3] رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، صـ42.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.