المسلمون في سريلانكا (2)مقالات


ابن بطوطة يصف سريلانكا:

ولقد زار الرحالة المسلم "ابن بطوطة" (ت 779هـ) سيلان في عام 1344 م وسجل في كتابه المشهور "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" خواطره حول هذا البلد، ونجده يفخر بأنه دخل هذه الجزيرة ورآها رأي العين في الوقت الذي لم يدخلها الكثير من الرحالة من قبله، فذكر أن كولومبو (كلنبو) عاصمة ‌سرنديب كانت مدينة إسلامية، وأن سكان البلاد كانوا يحبون الإسلام ويقبلون عليه، ولو قدر للأمور أن تسير سيرًا طبيعيًّا لكانت ‌سرنديب بكاملها دولة إسلامية، ولكن الغزو البرتغالي للجزيرة قلب الأوضاع، وعن طريق ابن بطوطة قرأنا عن وفادة من الخان الأعظم إمبراطور الصين إلى ‌سرنديب للحصول على قطعة من الصخرة التي رسم عليها قدم آدم!

ويصف ابن بطوطة غرائب ما لاقاه في سرنديب، فيصف ملكها واسمه "أيري شكروتي"، وسلطانه على تلك البلاد، ويصف رحلته إلى جبل سرنديب، ويصف مَوْطئ قدم سيدنا آدم - كما زعموا - رأي العين، ويصف تجارة الياقوت بالجزيرة، واشتهار أهلها باستخراجه حتى إن "...جميع النساء بجزيرة سيلان لهن القلائد من الياقوت الملون، ويجعلنه في أيديهن وأرجلهن عوضًا من الأسورة والخلاخيل، وجواري السلطان يصنعن منه شبكة يجعلنها على رؤوسهن، ولقد رأيت على جبهة الفيل الأبيض سبعة أحجار منه، كل حجر أعظم من بيضة الدجاجة، ورأيت عند السلطان "أيري شكروتي" سُكُرُّجة على مقدار الكف من الياقوت، فيها دهن العود، فجعلت أعجب منها فقال: إن عندنا ما هو أضخم من ذلك..."[1].

ويصف مدن "منار مندلي" (منَّار مَندِل)، وبطالة (بوتالم)، و"بندرسلاوات" (سلاون)، وكنكار (كورناقال)، و"قالي" (قالي)، و"دينور" (دَوِنُوَرا)، وحيوانات الجزيرة مثل القرود والفيل الأبيض، وأشجارها وثمارها، ويعد وصفه للجزيرة من أمتع ما جاء في رحلته على كثرة ما فيها من غرائب وعجائب.

 

شواهد أثرية إسلامية:

وقد وُجِدت العديد من الشواهد الأثرية بالجزيرة التي تدل على قِدَم اتصال العرب المسلمين بسيلان، ومنها شاهد لأحد القبور عُثِر عليه قرب مدينة (بوتالم) التي كان ابن بطوطة يسميها (بطالة)، والشاهد كُتِب باللغة العربية وبخط كوفي.

وربما يعود تاريخه إلى القرن الثالث أو الرابع للهجرة، ووُجِد شاهد آخر في صورة لرجل عربي في سيلان بزيٍّ قديم يصفه أهل الجزيرة: بأنه من المورو؛ أي: المسلمين.

ووجد شاهد على قبر أحد المسلمين كتب بالخط الكوفي ويُدعى "خالد بن أبي بقية"، ويقال هو مبعوث "هارون الرشيد" للجزيرة لتعليم أهلها الإسلام، وقد مات في 5 رجب عام 337 هـ.

كما عُثِر على العديد من شقفات آنية إسلامية تعود إلى القرن السادس عشر الميلادي، وقد عثر عليها أثناء أعمال التنقيب التي أجريت عام 1976 م في "مانتوتا وكوديرامالاي" بولاية منار.

وفي مدينة "مادولبوا هيماتاجاما" وجد حجر مقبرة من مقابر المدينة القديمة الملحقة بجانب جامع الحسنات، والكتابة عليه بالعربية "هجرة 135"، وقد عثر عليه عام 1976 م.

وخلال الحرب العالمية الثانية اكتُشِف شاهد حجري كتب عليه اسم القاضي "عفيف عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف العلوي" مؤرخ بتاريخ السبت 19 صفر عام ستمائة... الهجري، وقد اكتُشِف بين "أوستنبرج" وكنيسة الهضبة التي تشرف على ميناء "ترينكومالي".

واكتُشِفَ شاهد حجري عن طريق الضابط "سومايسوي ديفوندرا" في "مغارة نيكلسون"، وهو شبه مربع، والكتابة المنقوشة عليه بارزة، وهو يعود إلى مقبرة النبيلة التقية والعفيفة السيدة كريمة الأمير بدر الدين حسين بن علي الحلبي. وقد توفيت يوم الاثنين 17 ذو القعدة عام 729 هـ.

ويوجد بالمعرض الحجري حجر عُثِر عليه عام 1920 م في "بولي يانتيوو" بمقاطعة "منار" Mannar التي ما زالت تشهد وجودًا إسلاميًّا كثيفًا، عليه كتابة كوفية كانت تستعمل خلال القرنين الخامس والسابع الهجري.

ووُجِد في مقبرة إسلامية في مدينة "كولمبو" مما يدل على قِدَم اتصال المسلمين بهذه المدينة.

كما يدل على صحة ما قيل من أنها كانت في العصور الوسيطة تكاد تعتبر ميناء إسلاميًّا في تلك المنطقة[2].

 

أزمة المسلمين المعاصرة:

يوجد الآن عدد من المؤسسات الإسلامية التي ترعى أحوال المسلمين على مستوى سريلانكا، وكذلك على مستوى كل قرية من القرى. ومن خلال هذه المؤسسات تتم توفير حاجيات المسلمين المختلفة التعليمية والاقتصادية والاجتماعية، وتعد هذه المؤسسات قيادات ثانية بعد الحكومة، ومن أشهرها: "جمعية علماء سريلانكا"، والندوة العالمية للشباب الإسلامي (فرع لمؤسسة عالمية)، و"مؤسسة الشورى للمسلمين"، و"هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية" (فرع لمؤسسة عالمية)، و"مؤسسة المسلمين للثقافة والتنمية"، و"جمعية المسلمات"، و Insight، و Islamic Research Center of Sri Lanka.

ونجد أن المسلمين السريلانكيين بتفرُّقهم في أنحاء الجزيرة يعانون من عدم وجود مركزية إسلامية داخل البلاد للتحرك كأقلية فاعلة، إلى جانب استبعاد فكرة الحكم الذاتي للمسلمين، فلا يتصور ذلك في سريلانكا خاصةً بعد الحرب الأهلية التي استمرت عشرين عامًا بين التاميل والسنهاليين، وساهمت في وقوع المسلمين ضحية ذلك الصراع السياسي الذي أجَّجَتْه القوى الغربية.

وقد احتل الاستعمار "سريلانكا" أكثر من أربعمائة سنة تقريبًا، وقد انطلقوا من واقع إمكاناتهم الكبيرة ووفدوا من كل البلاد الأوربية، إلا أن النتائج التي أحرزوها في مجال التنصير ليست بمقدار الجهود التي بذلوها؛ إذ لا يزيد عدد النصارى على (3%) من مجموع السكان رغم أن جهودهم ما زالت مكثفة حتى الآن.

غير أن أهم مشاكل المسلمين المعاصرة تتلخص في تنامي التعصب البوذي، وكان للمتعصبين البوذيين نفوذ وحضور في الحكومات السابقة، وهو ما أدى لوجود نداءات عنصرية لمواجهة المدِّ الإسلامي الجديد بالجزيرة.

فنتيجة لنشاط الدعاة الفردي هناك مجموعة كبيرة من الناس يدخلون في الدين الإسلامي سنويًّا في سريلانكا، الأمر الذي أدى ببعض الجمعيات البوذية المتشددة إلى أن تشن حملات عدائية ضد المسلمين بتهمة أن سريلانكا ستصبح دولة إسلامية في عام 2030 م.

ونجد أن أوضاع المسلمين ما زالت مع ذلك دون المستوى المطلوب والمأمول، رغم وجود وزراء من بينهم، ووجود ممثلين لهم في البرلمان، وتتمثل أكبر المشكلات التي يعاني منها المسلمون حاليًّا في كيفية الحفاظ على الهُوِيّة الإسلامية في مجتمع يتصف بتعدد الديانات والثقافات[3]، إضافةً إلى الاضطهاد الذي يعانونه من الأغلبية البوذية التي تساندها الحكومة، إلى جانب المؤسسات الغربية التي تمارس التنصير بين المسلمين، كما أن أعداد اللاجئين قابلة للارتفاع بسبب تجدُّد الصراعات العرقية كل فترة، بالإضافة إلى كساد الواقع الاقتصادي للجزيرة بعد الحرب الأهلية التي عانت منها البلاد.

 

• يشكل المسلمون بسريلانكا حوالي 10 % من السكان، وهي أقلية فاعلة سياسيًّا واقتصاديًّا.

• يحرص المسلمون بسريلانكا على تعليم أبنائهم القرآنَ الكريمَ، واللغة العربية، وشعائر الإسلام بشكل صحيح على المذهب الشافعي.

• يتكلم المسلمون اللغة التاميلية في سريلانكا، وقد دخلتها كلمات عربية كثيرة في محكياتها، إلى جانب أنه ظهرت كتب تاميلية قد كتبت بالأحرف العربية.

• المسلمون يتمتعون بحرية دينية ولو جزئية في البلاد، وهم أحسن حالًا من المسلمين في الهند المجاورة.

• يبلغ عدد مساجد سريلانكا أكثر من ألفي مسجد، وفي القرى الكبيرة والمدن هناك أكثر من مسجد.

• عرف العرب الرحالة جزيرة "سرنديب"، ونزلوا بها، ومن أبرز من زارها وتحدَّث عنها الرحالة الشهير ابن بطوطة.

• عُثِر على العديد من الشواهد الأثرية بالجزيرة التي تدل على قدم اتصال العرب المسلمين بسيلان.

•  أبرز مشاكل المسلمين السريلانكيين تفرُّقهم في أنحاء الجزيرة وعدم وجود مركزية إسلامية داخل البلاد للتحرك كأقلية فاعلة، إلى جانب التعصب البوذي الحديث تجاههم.

 

[1] "رحلة ابن بطوطة"، (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي ابن بطوطة، ط أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1417 هــ (4/ 83).

[2] رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، صـ23-35.

[3] مقال "أوضاع المسلمين في سريلانكا"، محمد البشير أحمد موسى، شبكة الألوكة نقلًا عن موقع التاريخ، نُشِرَ بتاريخ 20/6/2010 م.