سريلانكا: التاريخ والحاضرمقالات

مترجم من مقال باللغة التركية

سريلانكا: التاريخ والحاضر

مقال مترجم من اللغة التركية نشر بتاريخ 08-09-2016

سريلانكا اسمها الرسمي: جمهورية سريلانكا الديمقراطية الاشتراكية، هي جزيرة تقع في شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية، في جنوب آسيا، وهي محاطة بالحدود البحرية من جميع الجهات.

 يحكون عن سريلانكا أنها أول مكان نزل فيه سيدنا آدم إلى الأرض، وأنها قطعة من الجنة، وشكلها على الخريطة يشبه الدمعة لتمثِّل خروج البشرية من الوطن الأم – أي: الجنة - إلى العالم الخارجي؛ الأرض.

وجزيرة سريلانكا أرضها كثيرة الأنهار؛ مما جعلها أرضا مباركة خصبة، وتضرب أمواج المحيط الهندي الهائجة جميع سواحلها، وكان الاسم الرسمي لها بين عام استقلالها سنة 1948 وعام 1972م "سيلان"، ووَفْقًا لإحدى الروايات أن سيلان من كلمة "سيل" العربية، التي تأتي في اللغة العربية بمعنى الفيضان الناتج عن الأنهار، ثم تمَّ تغييرُ الاسم الرسمي في عام 1972م إلى اسمها الحالي "سريلانكا"، الذي يعني باللغة السنسكريتية "الأرض المقدَّسة".

 

التاريخ الاستعماري الأوروبي لسريلانكا:

     لسريلانكا التي أعلنت استقلالها في عام 1948 تاريخ استعماري طويل - مثل غالب الدول الآسيوية الأخرى – فقد عاشت سريلانكا تحت نير الاستعمار البرتغالي منذ عام 1505م -  حيث كان البرتغاليون أولَ قوة أوروبية تستعمر الجزيرة - وانتهى الوجود البرتغالي في الجزيرة في سنة 1668م.

وبدأ الاستعمار الهولندي في بسط سيطرته على الجزيرة عام 1638م، حين استنجد ملك كاندي بالهولنديين - أشرس منافسي البرتغاليين التجاريين في آسيا آنذاك - خوفًا من أن تؤدِّيَ الهيمنة البرتغالية على الجزيرة إلى تلاشي مملكته.

ثم سيطر الاستعمار البريطاني على غالبية الجزيرة في عام 1796؛ لتضمَّها بريطانيا في عام 1802 كمستعمرة ملكية بريطانية.

وما زالت آثار الاستعمار البريطاني موجودة في البلاد؛ مثل منطقة نوارا إليا التي تكثر فيها بساتين الشاي في وسط سريلانكا، وتعرف باسم "إنكلترا الصغيرة"، وما زال العديد من مصانع الشاي في البلاد تستخدم أسماء إنكليزية، حتى إن القانون الإداري والمالي الذي وضعه الإنكليز هو المطبَّق في البلاد؛ مثل كل الإجراءات الخاصة، وكيفية كتابة عريضة، والالتحاق بالمدارس، وإجراءات الزواج، وإعداد نموذج لمشروع... إلخ.

 

عدد السكان وتصنيفهم:

يبلغ عدد سكان سريلانكا حوالي (22) مليون نسمة، (75%) منهم من البوذيين السنهاليين، و(11%) من التاميل الهندوس، و(10%) من المسلمين، و(4%) مسيحيون ينتمون إلى طوائفَ عرقيةٍ مختلفة.

وغالبية السكان المسلمين في سريلانكا - الذين يبلغ عددهم حوالي مليوني نسمة - هم من أصل تاميلي، وهناك نسبة من الماليزيين الذين تم جلبهم للبلاد كعمال في ظل الاستعمار البريطاني، وهناك أيضًا نسبة من ذوي الأصول العربية الذين استوطنوا الجزيرة في القرن السابع الميلادي أثناء التوسُّع الإسلامي وازدهار التجارة العربية في المحيط الهندي، واختلطوا بسكانها، خصوصًا التاميل منهم.

وتستحق سريلانكا البحث والدراسة في كيفية التعايش في هذه البلاد المتعدِّدة الثقافات والأديان، وخاصة تعايش الأقلية المسلمة ووضعها الاجتماعي والسياسي والقانوني في هذا البلد.

 

الحرب الأهلية الدموية في سريلانكا:

تاريخ سريلانكا الحديث مليء بالجراح والمآسي؛ فقد نشبت حرب أهلية دموية عنيفة وشديدة القسوة خلال حوالي ربع قرن بين عامي (1983 – 2009)، بين متمرِّدي نمور التاميل الانفصاليين والجيش السريلانكي، دمَّرت الجزيرة التي تشبه قطعة من الجنة، وبالنسبة للمسلمين فقد صاروا هدفًا للانفصاليين التاميل الهندوس الذين قتلوا مئات المسلمين بسبب عدم انضمامهم إلى بني عرقهم من التاميل في حرب العصابات، وتم تهجير حوالي 95 ألف مسلم من التاميل في عملية تطهير عرقية ودينية في شمال البلاد، وبعد اتفاقات السلام عاد القليل من المسلمين إلى المنطقة؛ لكنهم ما زالوا لا يستطيعون نسيان هذه المآسي.

وفي عام 2014 قام رجال الدين البوذيون في ميانمار بأعمال عنف وصل أثرها إلى سريلانكا في شبه تحالف بوذيٍّ على المسلمين؛ فقد قُتل أربعة مسلمين في هجمات على أماكن عملهم في منطقة الثا جاما، وتضررت الكثير من المحال التجارية للمسلمين، فخلَّفت هذه الأحداث التي اندلعت فجأة في البلاد صدمةً إلى أن تغيَّرت الحكومة، وتولَّت السلطة بعدها حكومة تعاملت بحساسية مع المجموعات العرقية والدينية في البلاد، وحاولت تلافي حالة الخمول الاقتصادي الطويل الذي سبَّبته الحرب الأهلية لمصادر الكسب والعيش الرئيسة في سريلانكا، وهي الأرز والشاي والتوابل، المنتجات ذات الأهمية الإستراتيجية؛ حيث تُعتبر همزة الوصل مع البلدان الآسيوية الأخرى.

 

التعليم في سريلانكا:

للتعليم في سريلانكا الأهمية الكبرى، حتى إن نسبة المتعلمين الذين يجيدون القراءة والكتابة في البلاد تصل إلى (95%)، ويتمتَّع المسلمون في سريلانكا بأعلى مستوى للتعليم مقارنة بالمسلمين في آسيا.

والتعليم في سريلانكا إجباري على كل شرائح المجتمع، وتتحمَّل الدولة تكاليف الكتب واللباس المدرسي لجميع الطلاب في المدارس العامة، ويبدأ التعليم في سن الخامسة، ويبلغ عدد الجامعات (11) جامعة.

 وبالنسبة للمسلمين فتُعَدُّ المدارس الإسلامية مدارسَ عامَّةً تابعة للدولة، ويتوجب على المسلمين إكمال تعليمهم الإلزامي في المدارس الإسلامية أو المدارس العامة.

 وينتشر الحديث باللغة العربية بين النساء المسلمات اللاتي تَعرِفن مفردات من اللغة العربية تكفيهن للتحدث بها في حياتهن اليومية؛ بسبب ارتفاع نسبة النساء المسلمات المتعلمات، وذهاب عدد كبير منهن للعمل بدول الخليج العربي، هذا ومعظم النساء المسلمات يفضِّلن أن يكنَّ معلِّماتٍ على وجه الخصوص، وعامَّةً لا يواجه المسلمون مشكلة في التوظيف كما هو الحال بالنسبة للأقليات الأخرى، فيمكِن لخريجي المدارس الثانوية أن يعملوا في التدريس؛ لكنهم يحصلون على راتب أقلَّ من خريجي الجامعات.

 

الحياة الاجتماعية والسياسية في سريلانكا:

الحياة الاجتماعية والسياسية بسريلانكا بها تفاصيل مهمة تستحق الدراسة والبحث، منها ما يلي:

- المستشفيات العامة والمستوصفات تقدِّم خدماتٍ مجَّانيةً للمواطنين، على الرغم من الحالة الاقتصادية المتعثِّرة في البلاد، وإن كانت بدأت بالانتعاش حديثًا؛ ولكن سعة المستشفيات وعدد الأَسِرَّة بها غير كافية مقارنة بعدد المرضى.

-المواصلات بنصف السعر للطلاب والمسنِّين.

- يمنع القانون تشغيل الأطفال كعمال، وهناك حظر للتدخين في المناطق المغلقة والمكشوفة، وهناك قانون يمنع أي شخص من امتلاك أكثر من (20) هكتارًا من الأراضي.

- يوجد - بالإضافة إلى شرطة المرور والشرطة المدنية ومكافحة الجريمة - شرطة بيئية في سريلانكا، تقوم هذه الشرطة بدوريات لمكافحة الْمُضِرِّين بالبيئة والتلوُّث.

- هناك مشكلة كبيرة في عمليات الانتحار المرتفعة للغاية في سريلانكا، وقد بدأت الدولة بوضع برامج إعادة تأهيل متعلِّقة بهذه المشكلة.

- كل مجموعة دينية لها قانون أحوال شخصية خاص بها تحتكم إليه يراعي القواعد الشرعية الخاصة بها، ويتم متابعة قضايا المسلمين من قبل نساء معيَّنات من قِبل الحكومة ضمن إطار "قانون الأحوال الشخصية للمسلمين"، وهناك وزارة خاصة تُعنى بأمور المسلمين اسمها "وزارة الشؤون الإسلامية"، وهناك هيكل خاص يسمى "جمعية العلماء"، التي تقوم بإصدار الفتاوى، وتُعتبر جمعية العلماء مظلَّةً تغطِّي جميع التجمُّعات والمدارس الخاصة بالمسلمين، ويتم انتخاب رئيس الجمعية ونائب الرئيس بانتخابات تشمل جميع العلماء، ومن ثم فهناك تداوُل وتغيير في إدارة الجمعية تجعلها لا تستمرُّ في يد مجموعة معيَّنة؛ فمثلاً الرئيس الحاليُّ للجمعية ينتمي لجماعة التبليغ، أما نائب الرئيس فينتمي إلى جامعة الإسلام، والأمين العامُّ فينتمي إلى السلفية.

-عدد نواب البرلمان السريلانكي (250) نائبًا، منهم (21%) مسلمون، ويمثِّل المسلمين في الحكومة (4) وزراء مسلمين، إلى جانب المؤتمر الإسلامي في سريلانكا، والمؤتمر العام لسيلان ماكال الذي أنشأه المسلمون، وهناك أيضًا نوَّاب مسلمون في الأحزاب الأخرى.

- تَمَّ انتخاب العديد من المسلمين رؤساءَ لبلدية العاصمة كولومبو، في إشارة إلى أن المسلمين كان لهم دور كبير في تاريخ سريلانكا وحاضرها، حيث صمَّم المهندسون المسلمون العديد من المباني التاريخية في سريلانكا.

-في حين أن فترة عطلة المدارس في سريلانكا في شهر أبريل (نيسان)، فإن المسلمين لديهم عطلة رسمية في شهر رمضان، ويوم الجمعة أيضًا هو عطلة رسمية للمسلمين، إضافة إلى أن الموظفين المسلمين لديهم إجازة لمدة ساعة للصلوات أثناء الدوام.

- لأصحاب الديانات المختلفة في سريلانكا حرية إعلامية دينية؛ فمثلاً لدى المسلمين إذاعة راديو خاص بهم، بالإضافة إلى برامج إسلامية على أجهزة الراديو الحكومية مرتين في اليوم، ويوجد أيضًا برنامج سحور خاص بشهر رمضان ويستمر طيلة فترة السحور إلى صلاة الفجر.

-هناك أحد الامتيازات الفريدة للمسلمين، وهي أنه لا يُسمح إلا للمحامين المسلمين في البلاد بارتداء أثواب طويلة وطربوش على الرأس، والذي بدأ المسلمون يلبسونه زمن الإمبراطورية العثمانية.

-علاقة الأقلية الإسلامية بسريلانكا قوية بالمسلمين في الدول الأخرى؛ فعلى سبيل المثال من أسَّس أول مدرسة إسلامية (المدرسة الزاهرة) عام 1892م في سريلانكا كان أحمد عرابي باشا - الذي نفته الإدارة البريطانية عام 1882م؛ نتيجةً لمعارضته للحكومة في ظل الاستعمار البريطاني - حيث كان المسلمون في المنطقة لا يرسلون أطفالهم إلى المدارس التبشيرية البريطانية، وكانوا يخطِّطون لإنشاء مدارس بديلة، وكان أحمد عرابي باشا مهتمًّا بتطوير المسلمين علميًّا خلال سنواته في المنفى، فأيَّد هذه الفكرة وأنشأ المدرسة الزاهرة، التي تعتبر أول مدرسة إسلامية في سريلانكا، وقد تحوَّل المنزل الذي كان يعيش فيه في المنفى حاليًّا إلى مركز باشا الثقافي.

- وتنتشر المساجد في سريلانكا؛ فهناك (2800) مسجد في أنحاء سريلانكا، منها (130) مسجدًا في العاصمة كولومبو، ويتمُّ رفع الأذان عن طريق السمَّاعات الخارجية في كل المساجد، فيمكِن سماع الأذان في جميع أنحاء البلاد، وتُظهر هذه المساجد والمدارس الدينية مكانة الدين في الحياة الاجتماعية للمسلمين.

- تنتشر الأسماء الإسلامية في سريلانكا، وأكثر أسماء النساء فيها عائشة وفاطمة، أما الرجال، فمحمد، ويعبِّر الحفاظ على هذه الأسماء على احترامهم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وأسرته، كما هو في بلدان آسيوية أخرى.