كيف دخل الإسلام جزيرة سريلانكا؟ (1)مقالات


• عرف العرب والمسلمون جزيرة سريلانكا منذ عصور مبكرة، وسموها "سرنديب" أي جزيرة الياقوت.

• اسم سريلانكا ذكر في الملاحم الهندية القديمة بمعنى الجزيرة الجميلة والمشعة.

• تنبع أهمية الجزيرة في كونها البوابة الأولى السهلة لدخول منطقة جنوب آسيا، إلى جانب دورها في تجارة التوابل والقِرْفة والشاي.

• دخل الإسلام الجزيرة في وقت مبكر من القرن الأول الهجري، بجهود دعوية فردية، وانتشر الإسلام بين السكان بسرعة كبيرة.

•  يقال: إن من أدخل الإسلام للجزيرة المغاربة (المورو)، وقيل: مسلمو الهنود، وقيل: بل التجار العرب، وبمجموع هذه الآراء فإن الإسلام استوطن الجزيرة في القرن الثامن الميلادي.

• كان لقدوم المستعمرين البرتغاليين الجزيرة في القرن السادس عشر الميلادي، دورٌ في انحسار الإسلام، وأوقفت الدعوة، ورافق الاستعمار حملة تنصيرية كبيرة بسريلانكا.

• استعمر البريطانيون الجزيرة، وعملوا على إثارة النزاعات بين العرقيات المختلفة.

• استقلت الجزيرة عام 1948 م، وعانت من حرب أهلية كان من ضمن ضحاياها المسلمون بسريلانكا.

 

نبذة عن سريلانكا:

تقع جزيرة "سريلانكا" في شمال المحيط الهندي جنوب شبه القارة الهندية، في جنوب آسيا. ولسريلانكا حدود بحرية؛ شمالًا مع الهند التي تبعد عنها حوالي 31 كيلومترًا، ومع جزر المالديف في جنوبها الغربي، والجزيرة تشبه شكل ثمرة الكمثرى[1].

وقد سميت الجزيرة عددًا من الأسماء، ونجد اسمها الذي عرفها به العرب هو (سرنديب)، ويعني في اللغة "السنهالية" التي هي اللغة الرئيسية في سيلان: (جزيرة الياقوت)؛ فـ"سرن" معناها: ياقوت، و"دي" معناها: جزيرة[2].

وقيل: بل اسم "سرنديب" مستنبط من الكلمة السنسكريتية Simhaladvipa، التي تعني "جزيرة السكنى بين الأسود"، وهو المصطلح الذي تم تبنِّيه في اللغة الإنجليزية لتوصيف مفهوم السرنديبية.

وقد سماها البرتغاليون في 1505 م باسم سيلاو (Ceilão)، وهو الاسم الذي حوله البريطانيون إلى سيلان Ceylon، خلال وضعها كمستعمرة ملكية بريطانية؛ حيث سميت الجزيرة "سيلان البريطانية".

أما اسم "سريلانكا" فهو من اللغة السنسكريتية أيضًا، واستعمل في الملاحم الهندية القديمة لوصف الجزيرة بطريقة تبجيلية تعني تقريبًا: "الجزيرة الجميلة والمشعة".

ومساحة الجزيرة 65610 كيلو مترات مربعة، ومشهورة بإنتاج الشاي الذي ينمو في أكثر الجبال في منطقة الهضبة الوسطى، وتنتج أيضًا القهوة والهيل والمطاط والقرفة، ومن الفواكه: الموز والمانجو والبرتقال.

وموقع الجزيرة يعد موقعًا استراتيجيًّا هامًّا من زاوية (جيو سياسية) أو من زاوية (الموقع العسكري)؛ فهي تمثل البوابة الأولى السهلة لدخول منطقة جنوب آسيا؛ ولهذا السبب سعت القوى العظمى للسيطرة على هذه الجزيرة قديمًا[3].

دخول الإسلام سريلانكا:

• تعددت الأقوال في أول من دعا إلى الإسلام في الجزيرة، وإن كان الجميع يتفق على أن هذا الجهد الدَّعَويّ كلَّه تم بصورة فردية، فمن ثم قائل إن دخول الإسلام إلى سيلان كان على أيدي أناس من العرب، وهناك رأي يفتقر إلى سند علمي صحيح يزعم أن جماعة من العرب جاءوا إلى هذه الجزيرة في زمن "الحجاج بن يوسف" فأقاموا فيها، وكان ذلك بداية دخول الإسلام إليها.

ويقال: إن أولئك المسلمين الأوائل كانوا على غاية من الخلق الإسلامي الرفيع؛ مما جعل السيلانيين يتأثرون بخُلُقِهم، ويُسلِم بعضُهم على أيديهم.

• والرأي الذي له شواهد تاريخية في سيلان هو أن طائفة من المغاربة جاءوا إليها في وقت مبكر ونزلوا عند مَلِكها البوذي في منطقة "كندي" في الهضبة الوسطى، وأصبح أحدهم طبيبًا للمَلِك.

وتوطدت علاقة الملك ومن بعده بهم حتى صاهروه، وبقيت ذريتهم هناك، وقد أصبح اسمهم (المور) عندما دخل البرتغاليون إلى سيلان؛ لأنهم كانوا يسمون المسلمين من أهل المغرب "المور" كما هو معروف، ولا تزال لهم بقية في الجزيرة ذات كيان شبه مستقل، وبعض أفرادها لهم ملامح خاصة، وقد أسسوا لهم جمعية ثقافية إسلامية أسموها "دار الثقافة المورية".

ويشهد لهذا الأمر؛ عن صلة المغاربة بجزيرة سيلان رغم البعد الشاسع عنها، قصة إسلام أهالي "جزر المالديف" المجاورة لسيلان على يد الشيخ "أبي البركات البربري" الذي كان مغربيًّا، وهناك بعض النقوش التي بقيت هناك من القرن الثامن الهجري تؤكد ذلك.

كما أنه يوجد ميناء في سيلان يقولون: إنه أول موضع دخل منه المسلمون إلى هذه البلاد، وكان يسمى (بربرين)، ربما كان ذلك من اسم الشيخ "أبي البركات البربري" الذي كان مجيئه إلى "المالديف" في عام 548 هـ، أو إلى أناس آخرين من البربر أو المنسوبين إليهم[4].

• وهناك رأي آخر يربط بين انتشار الإسلام في سريلانكا بوجود المسلمين العرب الذين استوطنوا الساحل الجنوبي الشرقي للهند[5]، حيث كانت لهم هجرات منظمة إلى سريلانكا، يبشرون بهذا الدين ويتفقدون فيها أحوال المسلمين في سريلانكا، ومما يدل على قوة الأواصر بين المجموعتين الهندية والسيلانية المسلمة أنهم كانوا يتكلمون لغة واحدة.

• وذهب "القزويني"[6] إلى أن الملك السنهالي السريلانكي "أكربودي الثاني"- الذي حكم البلاد ما بين عامي: 623 و633 م- أرسل وفدًا مكونًا من رسولينِ إلى جزيرة العرب؛ للتحقق من الخبر الذي وصل إليه عن ظهور دين جديد هناك، وحينما وصل الوفد إلى جزيرة العرب (المدينة المنورة مركز الدولة الإسلامية) وجدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الرفيق الأعلى، ثم آلت الخلافة الإسلامية إلى عمر من بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، والتقى الوفد بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة وأخذ منه تعاليم الدين الجديد، وكتب الله أن يلقى أحدُ الرسولينِ حتفَه أثناء عودتهما إلى سيلان وهما يحملان رسالة الإسلام من المنبع الصافي في مكان يسمى"مكران"، غير أن صاحبه أوصل الخبر إلى الملك.

• من شواهد انتشار الإسلام والمسلمين في القرون التالية لدخول الإسلام الجزيرةَ، يُذكر أن الخليفة العباسي "هارون الرشيد" أرسل "خالد بن أبي بقية" إلى سيلان لتعليم أحكام الدين الإسلامي للسيلانيين استجابةً لطلب المسلمين في ذلك العصر، وكان ذلك في عام 300 هـ، ووافت المنية "خالدًا" عام 317 هـ في العاصمة "كولومبو"، وهو يواصل دعوة وتعليم المسلمين في الجزيرة، ويشهد لذلك الحجر التذكاري الذي أرسله الخليفة لإقامته على ضريح المتوفى، والذي تم نقله فيما بعد إلى "المتحف الوطني السريلانكي" في "كولومبو"، كما اكتُشِف كذلك عدد من الأحجار التذكارية والعملات العربية في أرجاء البلاد وفي عصور مختلفة، وكلها شواهد واضحة لتوافد العرب وانتشار الإسلام في ربوعها بشكل مستمر ليصل عددهم في الوقت الراهن إلى مليوني مسلم[7].

ويُعتَقد أن الانتشار الفعلي للإسلام في جزيرة سريلانكا بدأ بنهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني الهجري (القرن الثامن الميلادي)[8]، ونتيجة لذلك كانت سريلانكا دولة إسلامية بكاملها، ولكن من بداية القرن السادس عشر الميلادي بدأ نفوذ المسلمين في سريلانكا بالانحسار والاضمحلال بقدوم الاستعمار البرتغالي، وكان ملوك جزيرة سريلانكا يتخذون من العرب والمسلمين مستشارين لهم في فترات سابقة على الاستعمار الأوروبي[9]..

 

الاستعمار البرتغالي لسريلانكا، وانحسار الإسلام:

استعمر البرتغاليون الجزيرة في عام 1505 م، وذلك على يد الملاح البرتغالي "لورينسو دي ألميدا" حينما احتل ميناء "كولومبو"، وأدى استعمار البرتغاليين للجزيرة لاحتكار تجارة التوابل والقِرْفة، وقد ظل البرتغاليون ما بين 1505 م وحتى 1568 م يسيطرون على كل مناطق الجزيرة فيما عدا منطقة "كاندي" الجبلية، ورافق احتلالَ الجزيرة نشاطٌ تنصيريٌّ كاثوليكيٌّ، حتى بين السكان الهندوس، وقسموا الجزيرة إداريًّا إلى جزأين موافقين للمنطقتين التاملية والسنهالية، أرسوا فيهما نظامين للإدارة والقضاء.

وقد قام ملك "كاندي" بالاستعانة بالهولنديين، المنافس الأبرز للبرتغاليين بالمنطقة، والذين بسطوا سيطرتهم على الجزيرة بداية من سنة 1638 م؛ حيث استولوا على باتيكالوا (في الساحل الشرقي الأوسط)، ثم ترينكومالي (في الشمال)، ثم كولومبو (الساحل الغربي)، ثم جفنا سنة 1658 م، لينهوا الوجود البرتغالي في الجزيرة في سنة 1668 م.

وقد قام البرتغاليون بالحرب على المسلمين في الجزيرة، وانتزاع زمام التجارة، الذين كانوا أسياده منذ قدومهم الجزيرة، حيث قاموا بسياسة الترويع والتهجير للسكان المسلمين الآمنين، وأباد البرتغاليون قرى مسلمة بأكملها، وحاولوا إزالة أي أثر للوجود الإسلامي في الجزيرة؛ مما دفع أعدادًا كبيرة من المسلمين للنزوح من المدن الغربية والجنوبية المطلّة على المحيط، وانتشروا في وسط البلاد، وفي المناطق المرتفعة منها، والتي كانت آنذاك تحت سيطرة ملوك "كانديان"، وتقع هذه المناطق حاليًّا شمال العاصمة "كولومبو"[10].

 

[1] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ246.

[2] رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، صدر عن الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، 1403 هـ -1983 م، صـ5.

[3] حوار: الشيخ منصور أبو صالح: مسلمو سريلانكا نالوا كامل حقوقهم وحرياتهم، أدار الحوار: هاني صلاح، مرصد الأقليات المسلمة.

[4] رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، صـ 12، 13.

[5] مسلمو سريلانكا، دراسة تاريخية، محمد شكري، (A.J.Printers) (Paadhel-Ilangai Muslimgal – tonmeikkana Waralaru) ، سريلانكا، د ط، 2010 م، صـ14.

[6] وضع اللغة العربية بالمدارس العربية الإسلامية في سريلانكا: دراسة وصفية تحليلية تقويمية، عبد الرشيد خان عبد الستار، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات العليا، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، 1436 هـ - 2015 م، صـ35.

[7] المصدر السابق، صـ36.

[8] موسوعة التاريخ الإسلامي، أحمد شلبي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط 2، 1982 م، مج: 8، صـ261-263.

[9] رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، صـ13.

[10] ملحمة الإسلام في الهند، د. عدنان النحوي، دار النحوي للنشر والتوزيع، ط2، 1994 م، صـ23.