المسلمون في سريلانكا (1)مقالات


• يشكل المسلمون بسريلانكا حوالي 10 % من السكان، وهي أقلية فاعلة سياسيًّا واقتصاديًّا.

• يحرص المسلمون بسريلانكا على تعليم أبنائهم القرآنَ الكريمَ، واللغة العربية، وشعائر الإسلام بشكل صحيح على المذهب الشافعي.

• يتكلم المسلمون اللغة التاميلية في سريلانكا، وقد دخلتها كلمات عربية كثيرة في محكياتها، إلى جانب أنه ظهرت كتب تاميلية قد كتبت بالأحرف العربية.

• المسلمون يتمتعون بحرية دينية ولو جزئية في البلاد، وهم أحسن حالًا من المسلمين في الهند المجاورة.

• يبلغ عدد مساجد سريلانكا أكثر من ألفي مسجد، وفي القرى الكبيرة والمدن هناك أكثر من مسجد.

• عرف العرب الرحالة جزيرة "سرنديب"، ونزلوا بها، ومن أبرز من زارها وتحدَّث عنها الرحالة الشهير ابن بطوطة.

• عُثِر على العديد من الشواهد الأثرية بالجزيرة التي تدل على قدم اتصال العرب المسلمين بسيلان.

•  أبرز مشاكل المسلمين السريلانكيين تفرُّقهم في أنحاء الجزيرة وعدم وجود مركزية إسلامية داخل البلاد للتحرك كأقلية فاعلة، إلى جانب التعصب البوذي الحديث تجاههم.

 

عدد المسلمين في سريلانكا:

دخل الإسلام "سريلانكا" في نهايات القرن الأول الهجري، وبدايات القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي)، وكان عدد المسلمين في ازدياد، إلى أن سيطر الاستعمار البرتغالي فالهولندي فالبريطاني على الجزيرة، وأصبح المسلمون أقلية إلى جانب العنصرينِ الغالبينِ في الجزيرة: "السنهاليين" و"التاميل".

وسريلانكا بلد متعدد الأديان والأعراق واللغات؛ 70 بالمائة من السكان يدينون بالبوذية، والباقي موزع بين الهندوسيين (12%)، والمسلمين (10%)، والكاثوليكيين (6%)، والبروتستانتيين (1%).

أما على المستوى العرقي، يشكل "السنهاليون" غالبية السكان (75% في 2012) إضافة إلى "التاميل" (11%)، الذين يتركزون في شمال وشرق الجزيرة، وتتوزع الطوائف الأخرى بين العرب التاميل والهنود المسلمين، والماليزيين، والبورغر (أحفاد المستوطنين الأوروبيين).

وينقسم المسلمون في سريلانكا إلى مجموعتين كبيرتين هما: المورو، والملايو، ويشكل المورو أكثر من 96% من إجمالي نسبة السكان المسلمين[1].

ولفظة "مورو" من جراء الاستعمار البرتغالي، وكان يطلق على كل مسلم لفظ "مورو" نسبةً لمدينة "مراكش" بالمغرب، إلا أنها في الآونة الأخيرة اكتسبت مفهومًا عامًّا، فتمَّ استعمالها للدلالة على ذوي الأصول العربية والهندية من المسلمين، أما شعب الملايو فهم من الأصول المالاوية الذين استقدمهم الهولنديون إلى البلاد إبَّان احتلالهم لماليزيا.

ويعيش المسلمون في عدّة محافظات في البلاد منها: جزيرة جفناJaffna ، ومنَّارMannar ، وترينكومالي Trincomalee في الشمال، وفي الوسط: بوتالام، وماتالا، وكانديKandy ، وفي الجنوب: العاصمة كولومبوColombo ، وجالي. ولكن أغلبيتهم في المنطقة الشرقية، ويصل عددهم الآن قرابة مليوني مسلم بالجزيرة[2].

 

أقلية مسلمة فاعلة:

معظم المسلمين في سريلانكا يشتغلون في التجارة، والتجار المسلمون موجودون بكثافة في معظم مدن سريلانكا وفي قرى كثيرة جدًّا، ونجد أنه لمسلمي سريلانكا حوالي مائتين من المدارس الدينية ينفق عليها المسلمون ولا تعاونها الحكومة ولا تعترف بشهادتها، والمنهج الدراسي في هذه المدارس منهج تقليدي تراثي.

غير أن المسلمين يحرصون على تعليم أبنائهم القرآنَ الكريمَ، واللغةَ العربيةَ، وشعائرَ الإسلام بشكل صحيح على المذهب الشافعي، ورغم أن المسلمين يتكلمون اللغة التاميلية في البلاد، فهناك اهتمام متزايد بتعلم اللغة العربية في أربع جامعات حكومية؛ وهي: جامعة جنوب شرق سريلانكا، وجامعة بيرادنيا، وجامعة شرق سريلانكا، وجامعة كولومبو، وكذلك المدارس العربيّة الإسلاميّة يتم تعليم اللغة العربية فيها بوصفها لغة ثانية في جميع مراحلها، كما يتم تعليمها في المدارس الحكومية السريلانكية بوصفها لغة أجنبية[3].

وجدير بالذكر أنه ظهر عدد من كتب الأدب التاميلي الإسلامي ما بين القرنين 16 و17 الميلاديين. ومعظم هذه الكتب التاميلية كُتِبتْ بالأحرف العربية؛ مما نتج عنه ظهور طريقة جديدة لكتابة اللغة التاميلية بالأحرف العربية، كما سبق أن تم كتابة لغة ملايو أيضًا بالأحرف العربية، وعليه فيوجد الآن عدد كبير من الكتب والمخطوطات باللغة التاميلية المكتوبة بالأحرف العربية، ولكن هذه الطريقة اندثرت في بداية القرن العشرين.

وبالنظر إلى كون "التاميلية" لغةً للمسلمين في سريلانكا؛ فقد دخلتها كلمات كثيرة من اللغة العربية ربما كانت بسبب الثقافة الإسلامية، وربما كان ذلك من بين ما دخل في اللغة الهندية الجنوبية من الكلمات العربية على أيدي البحارة والتجار العرب، الذين يرجح أن الإسلام دخل إلى جنوب الهند على أيديهم[4].

والمسلمون يتمتعون بحرية دينية ولو جزئية في البلاد، وهم أحسن حالًا من المسلمين في الهند، وعلى قلة عددهم فهم يشاركون مع الآخرين في كافة الحقوق السياسية والثقافية؛ حيث يتمتعون بحرية تامة في بناء المساجد والمدارس الإسلامية الخاصة، وهناك دومًا وزراء مسلمون في الحكومة وأعضاء في البرلمان، وهناك وزارة للشؤون الإسلامية لرعاية المساجد.

ويبلغ عدد مساجد سريلانكا أكثر من ألفي مسجد، وفي القرى الكبيرة والمدن هناك أكثر من مسجد، وكذلك المصلى الصغير يسمونه هناك "التكايا"، فعلى سبيل المثال في مدينة "كاندي" بوسط البلاد، وهي مدينة تاريخية للبوذيين، وفيها يوجد أكبر وأقدس معبد لهم.. في هذه المدينة يوجد سبعة مساجد تقام في جميعها الجمعة.

وليس هناك مساجد مميزة، بل كل مسجد له أهمية من ناحية كِبَرِه وكثرة روَّاده.

وهناك في سريلانكا ثلاثة أحزاب مستقلة باسم المسلمين، إلى جانب وجود قيادات سياسية للمسلمين داخل أحزاب الأكثرية السنهالية، ولهم النفوذ الكبير بين المسلمين إلى الآن، لكن – لسوء الحظ – كثير من تلك القيادات السياسية ليسوا على المستوى المأمول، ويرى الكثير من المهتمين بأحوال المنطقة أنه لو كان هناك قيادات سياسية واعية ذات كفاءات عالية لكان للمسلمين ثقل سياسي كبير في سريلانكا؛ فالبلاد تتمتع بهامش من الحرية النسبية، وليس هناك ضغوط ولا مضايقات للمسلمين في المجال السياسي، وإن كان هناك حساسيات عنصرية بين السنهاليين والتاميل والمسلمين[5].

 

سرنديب في المصادر العربية:

عرف العرب الرحَّالة جزيرة "سرنديب"، ونزلوا بها، وكتبوا مشاهداتهم الشخصية عنها أثناء تنقلهم وترحالهم في أرجاء العالم الإسلامي، حيث كانت الملاحظة الشخصية أهم مصدر من مصادر المعرفة الجغرافية لدى هؤلاء الرحَّالة[6].

• وممن ذكرها وجعلها حدًّا من حدود العالم القديم المعروفة لدى المسلمين: "المقدسي" (ت 366 هـ-947 م) في كتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم"[7].

• وممن وصفها أيضًا "ياقوت الحموي" (ت 626هـ) في موسوعته "معجم البُلدان"، حيث ذكر أنها جزيرة عظيمة في بحر "هركند" بأقصى بلاد الهند، وذكر أن فيها معادن الجوهر، وأن أهلها يزعمون أنها مهبط آدم عليه السلام على الأرض، وأن بها جبلًا يدعونه بجبل آدم أبي البشر، ويزعمون أن فيه أثر قدم آدم عليه السلام، وهي قدم واحدة مغموسة في الحجر طولها نحو سبعين ذراعًا، وذكر أنها آخر جزيرة الهند مما يلي المشرق[8].

• أما "ابن حوقل" (ت بعد 367 هـ) في كتابه "صورة الأرض" فذكر أنها إحدى جزائر بحر فارس[9].

• وذكرها أيضًا "الإصطخري" (ت 346هـ) في كتابه "المسالك والممالك" حيث ذكر أنه إذا جزت عمان إلى أن تخرج عن حدود الإسلام وتتجاوزه إلى قرب ‌سرنديب فهذا يسمّى بحر فارس[10].

• وذكر الجزيرة في أكثر من موضع "المسعودي" (ت 346هـ) في كتابه "أخبار الزمان" حيث ذكر أن "في ‌سرنديب أكثر مغايض اللؤلؤ ونبات الجوهر، وببحر سرنديب طرق بين جبال، وهي مسالك لمن أراد بلاد الصين، وفي جبال هذا البحر معادن ذهب فيه أيضًا مغايض اللؤلؤ، وفيها بقر وحشية وخلق مختلفة الصور..."[11]. وأسهب في وصف سكانها وعجائبها بما لا يعقل كعادة ذكر المستغربات في أحوال البُلدان.

• وذكرها أيضًا "الحِميري" (ت 900هـ) في كتابه "الروض المعطار في خبر الأقطار"، ونقل مما ذكره السابقون عن أخبار ملوك الجزيرة وعجائبها وغرائبها، وأن المسلمين كانوا معروفين في إدارتها مع ملوك البلاد منذ قديم "... وملك هذه الجزيرة يسكن أغنا، وهي مدينة القصر، وبها دار ملكه، وهو ملك عادل كثير السياسة ناظر في أمور رعيته، حافظ لهم، ذابٌّ عنهم، وله ستة عشر وزيرًا: أربعة من أهل مِلَّته، وأربعة نصارى، وأربعة مسلمون، وأربعة يهود، وقد رتب لهم موضعًا تجتمع فيه أهل الملل وتكتب حججهم وأخبارهم، ويجتمع إلى علماء كل ملة: الهندية والرومية والإسلامية واليهودية، جملٌ من الناس وعدة طوائف، فيكتبون عنهم سير أنبيائهم وقصص ملوكهم في سائر الأزمان، ويعلمونهم ويفهمونهم ما لا يعلمونه"[12].

 

[1] مقال "أوضاع المسلمين في سريلانكا"، محمد البشير أحمد موسى، شبكة الألوكة نقلًا عن موقع التاريخ، نُشِرَ بتاريخ 20/6/2010 م.

[2] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393هـ، صـ251.

[3] وضع اللغة العربية بالمدارس العربية الإسلامية في سريلانكا: دراسة وصفية تحليلية تقويمية، عبد الرشيد خان عبد الستار، رسالة دكتوراه، كلية الدراسات العليا، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، 1436 هـ - 2015 م، صـ35.

[4] رحلة إلى سيلان وحديث في أحوال المسلمين، محمد بن ناصر العبودي، صدر عن الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، 1403هـ -1983م، صـ48.

[5] حوار: الشيخ منصور أبو صالح: مسلمو سريلانكا نالوا كامل حقوقهم وحرياتهم، أدار الحوار: هاني صلاح، مرصد الأقليات المسلمة.

[6] الرحلات الجغرافية في التراث العربي الإسلامي في القرنين الرابع والخامس الهجريين، د. خليف مصطفى غرايبة، دورية كان التاريخية الإلكترونية، السنة الثانية، العدد الثالث، صـ9.

[7] أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي البشاري، دار صادر، بيروت عن طبعة ليدن، طـ3، 1411 هـ- 1991 م، صـ485.

[8] معجم البُلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، ط2، 1995 م،  (3/ 216)، (3/ 298)، (5/ 399).

[9] صورة الأرض، ابن حوقل، دار صادر، أفست ليدن، بيروت، 1938 م، (1/ 46).

[10] "المسالك والممالك" أو "مسالك الممالك" للإصطخري، طبعة ليدن، دار صادر، بيروت، 2004 م، صـ 32.

[11] أخبار الزمان ومن أباده الحدثان، وعجائب البلدان والغامر بالماء والعمران، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع-بيروت، 1416هـ-1996م. (ص46):

[12]الروض المعطار في خبر الأقطار، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحِميري، مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت، - طبع على مطابع دار السراج، ط2، 1980 م، صـ313.