الإسلام في جمهورية التشيكمقالات

موقع مفكرة الإسلام

المصدر: موقع طريق الإسلام 10/ 2/ 2014م (عن موقع مفكرة الإسلام)، وموقع مجلة العربي الجزائرية

 

جمهورية التشيك: إحدى دول الكتلة الشرقية سابقاً، ومن بلدان وسط أوروبا، كانت فيما سبق دولة اتحادية تتكون من جمهورية التشيك وعاصمتها براغ، وجمهورية سلوفاكيا وعاصمتها براتسلافاو، والأولى تتكون من سبع مقاطعات بينما تتكون سلوفاكيا من ثلاث مقاطعات، ولكل جمهورية لغتها الخاصة شُكلت كاتحاد ثم انفصلت كدولة مستقلة عام 1993م. الموقع: توجد التشيك وسط قارة أوروبا، تحدها بولندا من الشمال، وألمانيا من الشمال الغربي والغرب، وفي جنوبها المجر والنمسا، وفي شرقها روسيا، وهكذا حدودها مع ست دول، وهي دولة داخلية لا سواحل لها. العاصمة: براج. أهم المدن: برنو 369.000 نسمة، وبراتسلافا، واسترافا. المساحة: وتبلغ مساحتها 127.889 كم2. عدد السكان: يبلغ عدد سكان حوالي 15.612.000 نسمة حسب إحصاءات عام 2003م. عدد السكان المسلمين: ويقدر عدد المسلمين بها حسب الإحصاءات المتوفرة نحو 50 ألفاً، بينما يعد غالبية المجتمع التشيكي (59%) بدون ديانة. الديانة الرسمية: بروتستانت وكاثوليك، وأرثوذكس شماليين، إلا أنه يوجد فيها مسلمين وشهود يهوه، الأديان: 59% من التشيك رسمياً بدون ديانة، 26.2% رومان كاثوليك، 1.2% بروتستانت، 2.0% شهود يهوه، تتراوح أعداد المسلمين بين 30 ألف و50 ألف مسلم. اللغة :اللغة الرسمية هي التشيكية، وهي لغة سلافية غربية إحدى اللغات الهندوأوروبية، تشبه إلى حد كبير اللغة السلوفاكية ثم البولندية واللغة الصربية لإقليم لوساتيا في ألمانيا، منذ انضمام التشيك إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 أصبحت اللغة التشيكية إحدى اللغات الرسمية للاتحاد الأوروبي، يشار إلى علم اللغة التشيكية بعلم اللغة البوهيمية نسبة إلى منطقة بوهيميا في التشيك. التركيبة العرقية للبلاد: تشكلت بشكل رئيسي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبقيت متجانسة منذ ذلك الحين: حوالي 65% من السكان هم تشيك، ويشكل السلافيون ثلث السكان، و الباقي سلوفاك وموراف وروما وبولنديون وألمان وسيليزيون، قبل الحرب العالمية الثانية كان ملايين ألمان مقيمين في البلاد، رحل الناجون منهم إلى ألمانيا بعد انتهاء الحرب. المؤسسات الإسلامية: تعد "المؤسسة الإسلامية" أول منظمة إسلامية في التشيك، ثم تلا ذلك إنشاء "مؤسسة الوقف الإسلامي" إلى جانب "الاتحاد الإسلامي"، وهناك مسجدان في براغ وبرنو (يعتبر مسجد برنو أو مسجد بنى في جمهورية التشيك)، إضافة إلى بعض المصليات والزوايا، وهناك أيضاً مركزان إسلاميان، واتحاد الطلبة المسلمين، وهناك مدرسة الفردوس في برنو. نبذة تاريخية: يشير علماء التاريخ أن بداية تعمير تلك المنطقة قد بدأ منذ بداية العصر الحجري، إلا أن تاريخها الحقيقي يرتبط بقصر براغ المشهور والذي تم تاسيسه في عام 870 حيث أصبح مقر الحكام التشيكيون، وقد ازدهرت تلك المنطقة مع نشأت مدينة براج في القرن التاسع الميلادي إبان حكم الملك الروماني تشارلز الرابع الذي أمر ببناء البلدة الجديدة، وجسر تشارلز، وكاتدرائية القديس فيتوس أقدم كاتدرائية قوطية في أوروبا الوسطى، وجامعة تشارلز أقدم جامعة في أوروبا الوسطى. يعتبر الملك الروماني تشارلز الرابع أهم الحكام من عائلة "اللوتسنبورج"، وهو الملك التشيكي والقيصر الروماني، حيث اتسمت فترة حكمه بالازدهار، أثناء هذه الفترة ارتفعت مكانة مدينة براغ العظمي إلى مستوى الصدارة بأوروبا، وقد تم في هذه الفترة كما ذكرنا من قبل إنشاء مطرانية براغ، وتم صنع مجوهرات التتويج الملكية، ونشأت تقاليد القديس فاتسلاف، كما قام القيصر "تشارلز الرابع" بتأسيس جامعة "كارلوفا"، وأنشأ حي مدينة براغ الجديدة بالإضافة إلى تشييده العديد من المباني المتميزة ومنها قصر "كارلشتين"، وكوبري "تشارلز" الشهير وغيره. بعد وفاة القيصر تشارلز الرابع استلم الحكم ابنه فاتسلاف الرابع الذي عمت الفوضي بالبلاد أثناء حكمه، واندلعت الاضطرابات الدينية التي وصلت إلي قمتها عام 1415م حيث تم إعدام الداعي "يان هوس" حرقاً بعد تصديه للحاكم الكاثوليكي، ومطالبته بالتعديلات في العرش الروماني الكاثوليكي، وبعد إعدام يان هوس انتشر العنف والدمار بالبلاد، وامتد إلى بعض مناطق أوروبا الوسطي علي يد أنصاره المعروفين باسم "الهوسيت". جدير بالذكر أن العرش التشيكي وقع في عام 1526م تحت حكم التاج "الهابزبورجي"، ويعتبر الروماني رودولف الثاني أكثر الحكام تميزاً بعد الفترة السابقة، وقد كان القيصر الذي تم تتويجه على العرش التشيكي عام 1575م، كما تم بعدها تتويجه أيضاً على العرش الالماني. أثناء فترة حكم رودولف الثاني تمتعت مدينة براغ بالازدهار، وعادت إلى الصدارة بين مدن أوروبا، بعد وفاة "رودولف الثاني" عام 1612م اندلعت الاضطرابات والمقاومة ضد حكم "الهابزبورج" الذي نظمته الطبقات الوسطي والعاملة ذات الروح القومية التي عرفت باسم "الستاف". وصلت قمة هذه المقاومة في 8 نوفمبر 1620م حيث هزم فيها: الستاف" في معركة "بيلا هورا" أي الجبل الأبيض، وبهذا وقعت أوروبا في حرب الثلاثون عاماً، وقام الرومان الكاثوليك أثناءها بنشر المذهب الكاثوليكي في التشيك بالعنف والإرهاب، وانتهت بتعديلات الحاكم "يوسف الثاني" عام 1781م. في أوائل القرن التاسع عشر بدأ انتشار القومية التشيكية على يد المثقفين والكتاب مثل "فراتيشك بالاتسكي"، "يوسف دوبروفسكي"، "يوسف يونجمان" و"كارل هافليتشك بوروفسكي" حيث بدأ تبلور اللغة التشيكية الحديثة. نشأت الجمهورية التشيكية عام 1918م بعد هزيمة العرش النمياوي الأوهري في الحرب العالمية الأولى، أول رائيس للجمهورية التشيكية كان "توماس جاريك ماساريك"، وأثناء حكمه نما الاقتصاد والصناعة التشيكية لتصل إلى مكانة الصدارة بأوروبا وخاصةً الصناعات الميكانيكية. أتت نهاية الجمهورية التشيكية الأولى عام 1939م بعد توقيع معاهدة ميونيخ في سبتمبر 1939م, والتي أتاحت احتلال القوات النازية الألمانية للبلاد؛ حيث قسمت الدولة إلى ولاية الوصاية التشيكية، وولاية الوصاية المورافية، ودولة سلوفاكيا. عادت الحكومة التشيكية برئاسة "إدوارد باناش" من المنفي في لندن عام 1945م بعد هزيمة النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية وبهذا اتحدت البلاد ثانياً لتكون الجمهورية التشيكية كما كانت. ونظراً لتقسيم القوى في أوروبا بعد هزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية؛ وقعت الجمهورية التشيكية في منطقة التأثير السوفيتي، وقد أثر هذا بالطبع على تولي الشيوعيون الحكم بعد انتفاضة فبراير عام 1948م، وهكذا تم تغيير اسم الدولة في عام 1960م إلى جمهورية تشيكوسلوفاكيا الاشتراكية. قام بعض الشيوعيون المتقدمون بمجهود لنشر الديمقراطية بالمجتمع في عام 1968م، وهذا أدى إلى دخول قوات حلف وارسو المحتلة تحت قيادة السوفييت في نفس العام لمنع انتشار الديمقراطية، وبهذا بدأت مرحلة تعرف باسم التطبيع التي تم خلالها تعقب واضطهاد كل من عارض الاحتلال السوفيتي، وإجراءات التطبيع. عادت المحاولات الديمقراطية بالبلاد في الثمانينات، وانتشرت أيضاً إلى باقي دول الكتلة الشرقية، وقد أتت المحاولات بجمهورية تشيكوسلوفاكيا لفرض الديمقراطية بثمارها؛ حيث تم لهم ذلك في عام 1989م بالانتفاضة "المخملية" أي الناعمة، وفي أعقاب ذلك استقالت الحكومة الشيوعية تحت ضغط الجماهير، وفي 29 ديسمبر 1989م عقد اجتماع فيدرالي تم فيه انتخاب "فاتسلاف هافل" ممثل التجمع الديمقراطي باسم (التجمع الجماهيري) كرئيس للجمهورية، وقد قام الرئيس الجديد لجمهورية تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية بإعداد أول انتخابات ديمقراطية لم تشهدها البلاد لفترة قاربت 40 عاماً، وتم لهم ذلك الإنجاز في عام 1990م. تم الاتفاق السلمي في عام 1993م لتقسيم جمهورية تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية إلى دولتان منفصلتان وهما الجمهورية التشيكية والجمهورية السلوفاكية، ثم ما لبثت الجمهورية التشيكية أن انضمت إلى عضوية حلف "ناتو" عام 1999م، وبعدها انضمت إلى اتحاد الدول الأوروبية في عام 2004م، وتعتبر الجمهورية التشيكية حالياً كدولة ديمقراطية حديثة ذات تاريخ وإرث ثقافي عريض.

إخوتي أخواتي؛ أرى أنه من الإنصاف أن نقف وقفة تأمل في تاريخ 14 قرناً مضت من عمر الإسلام، فمع أول شعاع في فجر القرن الـ15هـ نتذكر حصاد أمة مرّت عليها حوادث جِسام منذ أن أشرقت الأرض بنور الإسلام على عالم أحاطت به ظلمة الجهل واسترقته خرافات الوثنية وسادت فيه فوضى الرذيلة، وانهارت فيه القيم وسيطر الشر، فاجتاح ذلك النور الرباني معاقل الرذيلة وحطّم أغلال العبودية في زمن قياسي وصل حدّ الإعجاز البشري. أحبتي في الله؛ إن المتأمِّل في حصاد القرن الهجري الأول يقف مذهولاً أمام سريان الدعوة في كافة أرجاء المعمورة، حيث اجتذبت تلك الدعوة شعوباً واحتوت أمماً شتى، و قبل أن ينصرم القرن الهجري الأول كان الإسلام يدق أسوار الصين، ويفتح قلاع الأندلس، ويمخُر عباب المحيط الهندي ليصل إلى أقصى جنوب آسيا ويؤسس نقاط ارتكاز على سواحل شرقي أفريقيا ليتخذ منها بداية انطلاقة جديدة نحو قلب القارة السوداء ليضيء آفاقها ويمحي وثنيتها، فكان حصاد القرن الأول من الهجرة رائعاً روعة إيمان السلف الصالح، وتلته قرون كانت أقل حصيلة، إلا أن الإسلام امتد عبرها إلى معظم بقاع المعمورة آنذاك. جدير بالذكر أنه من أطراف العالم الإسلامي امتدت محاور نمْت كالبراعم في وسط محيط غريب عن بيئتها بعيد عن مجتمعاتها، تلكم براعم الأقليات المسلمة، ثم كانت التحديات في حروب صليبية جثمت على قلب العالم الإسلامي قروناً، حاولت عرقلة المسيرة ووقف الانتشار، ومازالت حتى الآن تخبو أحياناً وتحاول العبث بأصابعها الخبيثة أحياناً أخرى كثيرة حتى يومنا هذا. لقد كانت التحديات قاسية قسوة فوضى القرون الوسطى، و لكن براعم الأقليات المسلمة ظلت في مواضعها، ثم تلونت التحديات في عصرنا الراهن ولبست أقنعة مختلفة، فتارة ترتدي ثوب الإلحاد، وأخرى تكتسي ثياب الرهبنة، وأصبحت تلك الأقليات تلاطمها أمواج الكفر بأنواعه من كل جانب. وكما ذكرنا من قبل فالأقليات المسلمة تمثِّل البراعم النامية في أطراف العالم الإسلامي، ومن واجبنا التعرف على أحوالها وتعهدها بالنماء، وتغذيتها بمخصبات العقيدة، ودعمها بشتى الأساليب، ومن أولى واجباتنا التعرُّف على ما تعانيه تلك البراعم من مشكلات فنكون في عوناً لها, ونحن اليوم نواصل المسير على أرض جمهورية التشيك لنرى كيف وصل الإسلام إلى هناك. لقد مرّت الدعوة الإسلامية في تشيكوسلوفاكيا بأحداث جسام حيث أشار بعض المؤرخين المسلمين إلى وصول الإسلام إلى هذه المنطقة في القرن العاشر الميلادي، ومن هؤلاء إبراهيم بن إسحاق الطرطوشي من الأندلس، وإبراهيم بن يعقوب من قرطبة، ومنهم ابن البكري في كتاب "المسالك والممالك"، وجاء الإسلام مع قبائل مسلمة من وسط آسيا. وكانت المرحلة الثانية بعد دخول الأتراك العثمانيين إلى وسط أوروبا، وبعد انتصار الأتراك في معركة (كوسوفو) ومعركة الموهاج، ودخول العديد من سكان هذه المنطقة في الإسلام, ومنهم سكان البوسنة والهرسك كذلك منهم البوقوميل، ولقد تم فتح إقليم سلوفاكيا وهو قسم من تشيكوسلوفاكيا، ثم فتح العثمانيون منطقة بورنو عاصمة إقليم مورافيا، ولم يستمر وجود الأتراك طويلاً، ولكن الفترة التي حكم فيها الأتراك هذه المنطقة كانت كافية لدخول الكثير في الإسلام، وهاجرت إلى المنطقة عناصر إسلامية عديدة، وبنيت المساجد وشيدت المدارس ولا تزال بعض الآثار الإسلامية شاهداً على ذلك التراث العريق. بعد ذلك تم انسحاب الأتراك من وسط أوروبا, وفي أعقاب ذلك تعرض المسلمون للتنكيل وهدّمت مساجدهم وأغلقت مدارسهم وهاجر العديد منهم، ونال الإسلام من تحديات كثيرة شنتها إمبراطورية النمسا، ولكن بقي البعض من المسلمين برغم هذه التحديات التي حاولت محو آثار الإسلام من وسط أوروبا، وظل الأمر على هذا الوضع حتى صدر في النمسا قانون التسامح الديني عام 1782م، وبصدور هذا القانون تنفَّس المسلمون شيئاً من الحرية. وفي يوليو1912م؛ صدر مرسوم الإمبراطور النمساوي فرنسوا جوزيف الثاني واعترف فيه بالإسلام كدين في الإمبراطورية، فشيّد المسلمون المساجد والمدارس، وزاد عدد المسلمين، وأسسوا الجمعيات الإسلامية في تشيكوسلوفاكيا، فكونوا الاتحاد الإسلامي بتشيكوسلوفاكيا فيما بعد. ولقد هاجر العديد من مسلمي البوسنة والهرسك والألبان إلى تشيكوسلوفاكيا في أواخر حكم إمبراطورية النمسا لها، وشهدت هذه الفترة نشاطاً إسلامياً ملحوظاً. جدير بالذكر؛ أن في الفترة السابقة على حكم الشيوعيين لتشيكوسلوفاكيا. ظهر نشاط ملحوظ للمسلمين، وأتت هجرات إسلامية من البلدان المجاورة لتشيكوسلوفاكيا، ومن شرق أوروبا، وتكون الاتحاد الإسلامي التشيكي في يناير1933م، وذلك في احتفال رسمي وسط مدينة براغ، وقد حضر الاحتفال جمع غفير من المسلمين وغير المسلمين، وذلك بعد موافقة السلطات الرسمية على تشكيل الاتحاد، ولقد أصدر الاتحاد الإسلامي التشيكي عدة مطبوعات. ومن آثار تلك الفترة أيضاً وجود ثلاث تراجم لمعاني القرآن الكريم باللغة التشيكوسلوفاكية, ترجمة د. اقناس فسيلى والمترجم غير مسلم وصدرت هذه الترجمة قبل الحرب العالمية الثانية، وترجمة د. أ. ر. نيكل والمترجم غير معروف الديانة وصدرت سنة 1935 ويعيد تنقيحها د. علي شلهاوي، وترجمة إيفان أحمد هربك وهذه الترجمة في حاجة إلى إعادة النظر. ومع ذلك لم يكن الوجود الإسلامي ملحوظاً بالرغم من هذه الطلائع المهاجرة. و لكن ذلك لم يمنع من تسجيل مؤسسة تمثِّل المسلمين رسمياً في تشيكوسلوفاكيا في عام 1934م، وقد بادر بهذه الخطوة القنصل المصري في براغ عبدالحميد البابابي بالتعاون مع الصحفي التشيكي المسلم محمد عبدالله بريكتسيوس، والمثقف الهندي ميرزا خان، فحصلت الجماعة الدينية الإسلامية الأولى على الاعتراف القانوني المبدئي بها في عام 1935م دون صعوبات تذكر، وتجدد الاعتراف من جانب وزارة الداخلية في عام 1941م. ولم ينعكس ذلك الاعتراف على الصلاحيات القانونية التي أتيحت لها (مثل إصدار وثائق الأحوال الشخصية كالزواج والوفاة) وحسب، بل وتعداه إلى بزوغ مجلة "هلاس" (الصدى) بالتشيكية التي كانت صوتًا للمسلمين القلائل في تشيكوسلوفاكيا بين عامي 1937م وَ1945م. هذا وقد صدر عدد من الكتب الإسلامية ومنها حياة محمد عليه الصلاة والسلام صدر في عام 1980م، تاريخ الإسلام، وتاريخ الصديق، رضي الله عنه للمؤلف غير المسلم فلكس تاور صدر في عام 1986م. وعلى الرغم من الحقبة الشيوعية التي أسدلت بعد الحرب العالمية الثانية على الحرية الدينية ستاراً من التضييق فانزوى المتدينون في الأقبية، فإن تمسّك مسلمي تشيكيا على قلتهم بالإسلام كان يتعزز يوماً بعد آخر. و يذكر أن تشيكيا اتصلت بالإسلام في القرنين الماضيين عبر طلائع المستشرقين التشيك الذين اشتهر منهم إدوارد جلازر (1855ـ 1908)م، ويان ريبكا (1886ـ 1968)م، وباول إليعازر كراوس (1904ـ 1944)م، وإلويس موسيل. وحينما حكم الشيوعيون تشيكوسلوفاكيا اضطهدوا المسلمين، وهدموا العديد من المساجد، وسجنوا رئيس الاتحاد الإسلامي في سنة 1945م، وحلّوا الاتحاد الإسلامي 1948م، وأُعيد تشكيل الاتحاد بعد اضمحلال الحكم الشيوعي. وفي فترة الحكم الشّيوعيّ؛ كان هناك العديد من المساجد التي هُدّمت كما ذكرنا من قبل، وقد اضطهد الشيوعيّون المسلمين طيلة حكمهم، ما أدّى إلى تشتيتهم، ولا يعرف عددهم بالضّبط اليوم نتيجة غياب الاهتمام والإحصاءات. هذا وقد جاء الاهتمام الكبير بالإسلام مع أفواج الطلبة العرب والمسلمين الذين استفادوا من "الثورة المخملية" في تشيكوسلوفاكيا في خريف عام 1989م ليعلنوا عن قيام "الاتحاد العام للطلبة المسلمين في تشيكوسلوفاكيا" فور انهيار النظام الشيوعي، وتحوّل التشكيل الطلابي الحديث إلى رمز لاستعادة المجموعة المسلمة في تشيكيا لحضورها بثقة أعلى بالنفس. وفي حقيقة الأمر؛ فإن هذا الاتحاد لم يكن مؤسسة طلابية وحسب، بل كان عليه أن ينهض بالكامل بأعباء الأقلية الإسلامية المتنامية في البلاد، وأن يقيم المؤسسات التي ترعى شؤونها، علاوة على فتح قنوات الحوار والتعاون مع السلطات وشرائح المجتمع التشيكي. وبدأ التحوّل من الوجود الطلابي المؤقت إلى الاستقرار والاندماج الواثق بالذات في المجتمع. ويبعث إقبال المواطنين التشيك على الإسلام على الاعتقاد بأن الكنائس الناشطة بقوة في البلاد لم تنجح في تعبئة الفراغ الذي خلّفته الحقبة الشيوعية بالكامل وهناك إحصائية أُجرِيت على انتماءات التشيك أظهرت أن 60% منهم قالوا: إنهم "لا دينيون"، وهذا يعني تراجع دور الكنيسة الكاثوليكية.

... ونتيجة لظروف الاضطهاد التي عاشها المسلمون في العهد الشيوعي تشتت الشمل وتفرقت الجماعات، لهذا يوجه القائمون على الشؤون الإسلامية الإعلانات للمسلمين للاتصال بهم حتى يجتمع الشمل، ولهذا لا يعرف عدد المسلمين بالضبط، بل يقدر عددهم حسب الإحصاءات غير الرسمية بنحو 50 ألفًاً·

أما عن أهم المناطق التي يتجمع بها المسلمين في التشيك في مدينة براغ وما حولها من مدن أخرى، كما توجد جالية مسلمة في مدينة برنو، وبدأ المسلمون في هذه المنطقة في الظهور والتجمع، كما توجد جالية مسلمة في مدينة تريبج، ولقد تم مراجعة دستور الاتحاد الإسلامي وقدم للسلطات الرسمية للتصديق عليه والتصريح بالعمل الإسلامي في البلاد·

والمسلمون في التشيك يكونون أقلية متجانسة، تنتمي إلى بلدان عربية وإسلامية، معظمهم من الذين قدموا إلى جمهورية تشيكوسلوفاكيا -قبل الانفصال- وتوطنوا فيها وحصلوا على جنسيتها، وما يميزهم أنهم نخبويون، لهم ثقافتهم ورؤاهم، ولذلك كان اندماجهم في المجتمع التشيكي اندماجاً إيجابياً، ولهم علاقاتهم مع ألوان الطيف التشيكي·

وهناك أيضا العديد من المؤسسات الإسلامية، أهمها المركز الإسلامي في براغ ورنو· ويقوم المركزان الإسلاميان في مدينتي براغ وبرنو بتدريس اللغة العربية والعلم الشرعي وتحفيظ القرآن، والقيام كذلك بدورها في عقود القران وتجهيز ودفن موتى المسلمين في المقابر الإسلامية·

وأشار القائمون على المركزين الإسلاميين إلى ظاهرة إيجابية تتمثل في تزايد أعداد المواطنين التشيك رجالاً ونساء الراغبين في اعتناق الدين الإسلامي، بالإضافة إلى أعداد أخرى من الأجانب الموجودين في التشيك وقد كان من بينهم القنصل البلجيكي في جمهورية التشيك الذي أشهر إسلامه في المركز الإسلامي في براغ قبل فترة·

وفيما يخص أوضاع المسلمين الحالية، فإنه لم يتم الاعتراف رسميًا بالإسلام في التشيك إلا عام 2004م، وهو اعتراف أولي يعطي المسلمين بعض الحقوق، ولكن ليس كافة الحقوق المعطاة لبقية الديانات المسجلة كالمسيحية واليهودية·

وهو العام نفسه الذي انضمت فيه للاتحاد الأوروبي، وتعد (المؤسسة الإسلامية) أول منظمة إسلامية في التشيك، وأنشأت عام 1991، وبعدها بثمان سنوات تم إنشاء أول مسجد في مدينة برنو، وفي عام 1999 تم افتتاح آخر في العاصمة براغ، وهو ما كان بمنزلة نقطة فارقة في انفتاح المسلمين على المجتمع التشيكي·

ثم تلا ذلك إنشاء (مؤسسة الوقف الإسلامي) لتتولى الإشراف على المسجدين، إلى جانب (الاتحاد الإسلامي) الذي عقد أول اجتماع لمجلسه التأسيسي في ماي 1991، لتشكل بذلك صورة متكاملة عن البنية المؤسسية الناشئة للوجود الإسلامي في التشيك·

ويعد الداعية الكبير محمد علي شيلهافي (1917 ـ 2008) من أبرز الشخصيات الإسلامية في التشيك حتى الآن، وكان يلقب بـ(أرشيف المسلمين) أو (عميد المسلمين) كما يحلو للبعض تسميته، وكانت أولى نشاطاته الإسلامية بعد إعلانه إسلامه عام 1937م، تتمثل في التنسيق بين السلطات التشيكية والمسلمين من أجل حصولهم على حقوقهم·

كما كان أول رئيس للاتحاد الإسلامي هناك، واشترك مع عدد من أصدقائه في إصدار مجلة (الصوت) الناطقة باسم الجماعة الإسلامية في التشيك، وكان أول من ساهم في إطلاق حملة ترجمة كتب إسلامية منها (ما هو الإسلام)، و(الإسلام بين الشرق والغرب)، وهو ما شجع الكتاب حتى من دون المسلمين على الدخول إلى مجال الكتابة الإسلامية، فظهرت عدد من الكتب عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، نذكر منها (حياة محمد عليه الصلاة والسلام) 1980م، (تاريخ الإسلام)، و(تاريخ الصديق -رضي الله عنه-) 1986م للمؤلف غير المسلم فلكس تاور·

وقد أدت تلك الأنشطة الإسلامية وجهود شيلهافي الباقية حتى اليوم وغيره من الدعاة إلى بث روح جديدة في نشر الإسلام في ربوع التشيك، وإعطاء دفعة قوية للمطالبة بالاعتراف بالإسلام كديانة رسمية، وهو ما تحقق بالفعل، برغم معارضة العديد من الحكومات التشيكية المتعاقبة التي تنتمي إلى أحزاب اليمين المتطرف·

كما أدت هذه البيئة الخصبة إلى اعتناق العديد من التشيكيين للإسلام، فبعدما كان يمثل المسلمون نحو 12 ألف عام 2004م من أعراق وجنسيات مختلفة، زاد عددهم عام 2007م ليصل نحو 20 ألف مسلم، ثم أصبح حسب آخر الاحصاءات غير الرسمية ما يقارب 50ألف، وفي هذا السياق يقول فلاديمير عمر أحد مديري المسجد الرئيسي بالعاصمة براغ (في مسجدنا ببراغ نفخر ونسعد بأن نشهد دخول شخص جديد في الإسلام كل أسبوع تقريبًا)·

إن الجهود التي يبذلها مسلمو التشيك في محاولاتهم للاندماج في المجتمع مع الحفاظ على هويتهم الإسلامية، وأيضًا ما تقوم به المراكز الإسلامية من أنشطة دينية تتم عن طريق تبرعات خيرية من المسلمين أنفسهم (معظمهم من متوسطي الدخل) دون حصولهم على أي دعم حكومي أو أي اهتمام ودعم إسلامي أو عربي·

وقد أكد إمام وخطيب المركز الإسلامي بمدينة براغ على أن أكبر عائق أمام العمل الإسلامي في التشيك يتمثل في قلة الدعم المالي؛ فمؤسسة الوقف الإسلامي التشيكية تقوم على جمع التبرعات لتمويل العمل الإسلامي بالتشيك، وهي كلها تبرعات داخلية فقط، حيث لم يكن من الممكن تلقي تبرعات خارجية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر-التي أثرت على الأقليات الإسلامية، بل على عموم المسلمين في كافة أرجاء المعمورة-، وطبعًا هذه التبرعات الداخلية لا تكفي حتى الضروريات·

من جانبه، شدد مدير جمعية الوقف الإسلامي على ضرورة مد جسور التواصل بين العالم الإسلامي والأقليات المسلمة؛ لأن هذه الأقليات هي العمق الاستراتيجي للدول الإسلامية في البلدان غير الإسلامية، وطالب بالاستفادة من تجارب الأقليات الإسلامية التي تعيش في الغرب أو الشرق الأقصى في الحوار مع أهل الأديان وأتباع الثقافات الأخرى·

إذا كانت الزيادة العددية لأبناء الجاليات الإسلامية في بعض الدول الغربية وسعي المسلمين فيها لإثبات وجودهم واكتساب حقوقهم يثير عداوة المتطرفين في تلك البلاد ويؤزهم لمحاربة الإسلام وتشويه صورته، فإن مثل هذه الأسباب تكاد تنعدم في جمهورية (التشيك) التي على الرغم من صغر الجالية المسلمة فيها ومسالمتها إلا أن الحوادث العنصرية بحقها تتوالى بشكل لافت وبخاصة في الأعوام الأخيرة، والتفسير الوحيد لها هو العداء المرضي للإسلام أو (الإسلاموفوبيا)·