الأخبارية أو الإخبارية هي إحدى تيارات الإمامية الإثني عشـرية، التـي ظهـرت أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسـترابادي، ويقابلهـا طائفة الأصوليين الذين يمثلون الأكثرية داخل الشـيعة الإماميـة، فـي حـين يمثـل الإخباريون الأقلية، وما زال لهم وجود حتى اليوم.
قد ظهرت الحركة الأخبارية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي - كما تقدم -، وإن كانت بعض أوساط الإماميـة تعتبره "المجدد لمذهب الإخباريين" باعتقاد أن ابن بابويه القمي، المتوفى سنة 381هـ (991م) هـو رئـيس الأخباريين استناداً إلى كتابه "من لا يحضره الفقيه"، فقد أراد أن يضع كتاباً فـي الفقـه يرجع إليه من لا يجد فقيها شيعيًا يستفتيه، لكن كتابه خرج مجموعًا منتخبًا في الحديث، وهناك من يعتبر الحر العاملي المؤسس الحقيقي للحركة الإخبارية.
إلا أن نسبة مذهب الإخبارية إلى الاسترابادي يعود إلى أنـه هـو الـذي حـول الانتفاضات الصغيرة إلى ثورة حقيقية على المجتهدين (الأصوليين) ونهجهم، وأنه أول من فتح باب الطعن على المجتهدين، كما تذكر كتب الشيعة، وهو الذي وضع تقسـيم (أخباري/ مجتهد)، وله كتاب "الفوائد المدنية في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد فـي الأحكام الإلهية".
وقد رد نور الدين العاملي على ما ألفّه الاسترابادي بكتاب أسماه: "الفوائد المكية في مداحض حجج الخيالات المدنية ونقض أدلة الأخبارية"، ورد عليه أيضاً دلـدار علـي اللكهنوي بكتاب اسمه "أساس الأصول". وقد رد عليهم الإخباريون، فألفّ الميرزا محمد عبد النبي النيسابوري الهندي الشهير بالأخباري كتاباً أسماه "معاول العقول لقلع أسـاس الأصول" دافع فيه عن كتاب الفوائد المدنية للاسترابادي، وعنّف القـول علـى مؤلـف أساس الأصول واستخدم السباب والشتائم، فانبرى عدد من تلاميذ دلدار علـي (نظـام الدين حسين، وأحمد علي وغيرهما) للدفاع عن شيخهم والرد على الأخبـاري، وألفّـوا كتاب "مطارق الحق واليقين لكسر معاول الشياطين".
وهكذا ظل الصراع محتدماً بين الإخباريين والأصوليين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وبرز من الإخباريين في تلـك الفتـرة الشـيخ يوسـف البحرانـي ( 1107 -1187هـ /1772م )، صاحب كتاب "الحدائق الناضرة في أحكـام العتـرة الطاهرة"، وكانت المعارك بين الطرفين تدور بشكل خاص فـي مدينـة كـربلاء فـي العراق، حيث كان للأخباريين وجود لافت، ولم يقتصر النزاع على علماء الشيعة مـن الطرفين، إنما انتقل إلى صفوف عوامهم، وأفتى بعض الأصوليين من علمـاء الشـيعة بعدم صحة الصلاة خلف البحراني.
وفي المقابل أوغل الأخباريون في الازدراء بالأصوليين وتسفيه منهجهم ومؤلفاتهم، إلى درجة أنهم كانوا لا يلمسون مؤلفات الأصوليين بأيديهم خوفاً مـن نجاسـتها، إنمـا كانوا يقبضونها من وراء ملابسهم، كما جاء في كتاب جامع السعادات للنراقي.
الوحيد البهبهاني: ويعتبر الشيعة أن ظهور الوحيد البهبهاني شكل مرحلة حاسـمة فـي التصـدي لأفكار الأخباريين، مما أدى إلى ضمور فكرتهم، وانحسارهم، إذ يقولون أنه "اسـتطاع بقوة استدلالاته وتعبيراته المبرهنة أن يقنع قادة الإخباريين بالعدول عن آرائهم"، ومنهم البحراني، كما أنه "شن على الأخبارية هجوماً عنيفاً بمؤلفاته ومناظراتـه الحـادة مـع علمائها". كما يعتبر الشيعة البهبهاني مجدداً لعلم الأصول في مذهبهم.
وبالرغم من الدور الذي يثبته الشيعة للبهبهاني في محاربة الحركة الأخباريـة، إلاّ أن الصراع بين الأصوليين والأخباريين استمر بشدة واتساع في النصـف الأول مـن القرن الثالث عشر الهجري، وظهرت كتب عديدة في الرد على الأخبـاريين، وكانـت اللهجة قاسية والأسلوب نابياً، وقد تزعم فريق الإخباريين في تلك الفترة الميرزا محمد بن عبد النبي بن عبد الصانع النيسابوري الأخباري (1178 هـ - 1233 هـ)، في حين تزعم فريق الأصـوليين جعفـر كاشـف النيسابوري المعروف بالأخباري الغطاء النجفي، الذي ألفّ كتاب (الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئه الجهال من الأخباريين).
ويعتبر الشيعة أن (الأخباري) تطرف إلى أبعد حد، وتطاول على أساطين مذهبهم، واستعمل بذيء القول، مما أدى إلى قتله مع كبير أولاده بهجوم شـن علـى داره فـي الكاظمية في بغداد، وسلمت جثته إلى السكان للعبث بها.
وكان الأخباري قبل موته قد التجأ إلى السلطان فتح علي شاه القاجاري، في إيران، واعتصم بالقصر، فأخذ جعفر كاشف الغطاء وغيره من الأصوليين يؤلبـون السـلطان ضد الأخباري، ويحثونه على طرده وملاحقته، وقد ألف كاشف الغطاء كتاب "كاشـف الغطاء عن معايب الميرزا محمد الأخباري عدو العلماء"، وأرسله إلى السلطان. وقد رد الأخباري على هذا الكتاب بكتاب اسماه "الصيحة بالحق على من ألحد وتزندق"، ولما توفي كاشف الغطاء بمرض الخنازير، قال الأخباري "مات الخنزير بالخنازير". وهكذا تميزت تلك الفترة بالشتم والسباب، وانتقاص كل طرف للآخر، بل إن كل فريق كان يرى وجوب قتل الآخر، والانتقام من الخصم.
ولم تكن تلك المنازعات خاصة بتلك الفترة، بل إن الاسترابادي، الذي تنسـب إليـه الحركة الأخبارية كفّر بعض الأصوليين، ونسبهم إلى تخريب الدين، كما جاء في لؤلؤة البحرين للبحراني، كما نسب الفيض الكاشاني جمعاً من علمائهم إلى الكفر، ورد عليه بعضهم بأن له من المقالات التي جرى فيها على مذهب الصوفية والفلاسفة ما يوجـب الكفر كقوله بوحدة الوجود.
وكان الكاشاني المتوفى سنة 1090هـ (1679م) قد دعا قراء كتابه الوافي إلى ترك سبيل الأصوليين بإيراد قوله تعالى: (يا بني اركب معنا ولا تكـن مـع الكـافرين) (هود 41).
إذًا، تمثل طائفة الإخباريين الأقلية في فرقة الإمامية، مقابل الأصوليين الـذين يمثلـون الأكثرية، وبرز منهم - ممن مر ذكرهم آنفا وغيرهم -:
وبالمحصلة فإن الأخباريين يرون الحجة في الكتاب والخبر - حسب مفهـومهم -، ولا يرون حجة للإجماع أو الاجتهاد أو دليل العقل.
1 -تقسيم الحديث إلى صحيح، وحسن، وموثق، وضعيف: فالإخباريون يعتبرون أن الأحاديث أو الأخبار (ما روي عن النبي صلى االله عليه وسلم أو الأئمة المعصومين عندهم) الموجودة في الكتب الأربعة كلها صحيحة، ولا داعي للبحث عـن إسنادها، وجعلوها المصدر الوحيد في أدلتهم الشرعية، واعتبروا أنها أوثق ثبوتـاً مـن القـرآن الكريم، وقد اعتبر الأنصاري وهو من علماء الشيعة أن تسمية الاخباريين جاءت مـن هذا الباب:
أ - كونهم عاملين بجميع الأقسام من الأخبار (الصحيح، الحسـن..) دون تفريـق بينها.
ب - أنهم خصوا الدليل الشرعي بالخبر، وأنكروا الأدلة الثلاثة الأخرى عند الشيعة وهي القرآن، والإجماع والعقل
2 -لا يجيز الأخباريون الاجتهاد، ويعتبرونه من "الظن" ويوجبـون علـى النـاس الرجوع إلى الإمام فيما روي عنه، أما الأصوليون فيوجبون على المكلفـين الاجتهـاد، عيناً أو كفاية، وأوجبوا على العامي تقليد المجتهد.
3-يرى الأصوليون أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع والعقل، في حين ينكر الأخباريون دليلي الإجماع والعقل، ويحصرونها بالكتاب والسنة (الخبر). ومـنهم مـن اعتبر أن الدليل فقط هو السنة أو الخبر، كما تقدم.
4 -تقليد الميت: فالأصوليون يرون أن الميت تبطل فتواه ولا يجـوز تقليـده أمـا الأخباريون، فيعتقدون بجواز تقليد الميت، ويقولون أن الحق لا يتغير بالموت والحياة.
1- الشيعة والتشيع: فرق وتاريخ: للشيخ إحسان إلهي ظهير (ص320).
2- أصول مذهب الشيعة: الدكتور ناصر القفاري (1/141).
3-الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي: جعفر المهاجر (ص199).
4-الشيخية: نشأتها وتطورها: محمد حسن آل الطلقاني (ص33).
5-الإمامة عند الشيعة الإثني عشرية: جلال الدين محمد صالح (ص89).
6-المرجعية الدينية ومراجع الإمامية: نور الدين الشاهرودي (ص93).
7- الحركة الشيعية في الكويت: د. فلاح المديرس (ص8).
8-الحوزة العلمية في النجف: علي البهادلي (ص157).