حضارة الإسلام في إمارة ملقا (ماليزيا) (1)مقالات


• أُسِّسَت مملكة "ملقا" أو "ملاكا" الإسلامية في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، التاسع الهجري، ويعد هذا الحدث بداية تاريخ "ماليزيا" الإسلامية.

•  عرف السكان المحليون اللغة العربية مع دخول الإسلام، وحرصوا على تعلُّمها مع تعلم القرآن الكريم وأركان الإسلام.

• زار "ابن بطوطة" المنطقة في القرن الرابع عشر الميلادي، وتحدَّث عن انتشار العربية في الممالك الإسلامية في أرخبيل الملايو.

• استطاعت اللغة العربية في ظل انتشار الإسلام في المنطقة أن تصبح هي اللغة المقروءة والمكتوبة بعدما كانت اللغة السنسكريتية وبعض اللغات المحلية لا سيما الملاوية هي السائدة بالملايو.

• أكدت الدراسات الحديثة التي تناولت أثر اللغة العربية في لغة المنطقة وجود حوالي 1353 كلمة عربية في لغة الملايو.

• أقامت "مالاقا" علاقات صداقة مع الهند والصين وجهَّزت جيشًا لفتح المناطق المجاورة ونشر الدعوة الإسلامية.

• كان لملقا مركز رئيسي في تجارة البهارات، كما كانت هذه المدينة همزة وصل بين الصين والهند والشرق الأوسط وأوروبا.

• أعطيت أولوية للأمن والاستقرار في مجال حماية التجار الأجانب وحفظ بضائعهم بملقا، وكان من ضمن الإجراءات التي اتُّخِذت في هذا المجال إنشاء مخازن تحت الأرض لعدم تعريض البضاعة للسرقة أو الحريق.

• من التدابير الإدارية بميناء "ملقا" تنظيم عائدات المرفأ حيث أُنشئت جمعية من تجار المدينة هدفها تقليص احتمالات الابتزاز والفوضى.

• كان التعليم الديني في ماليزيا منذ دخول الإسلام على شكل نظام الحلقات في المساجد ودور العبادات وبيوت المشايخ (المعروف بنظام فوندوق).

• قام "منصور شاه" بجهود بارزة في رعاية العلوم والثقافة الإسلامية داخل سلطنته؛ من ذلك قيامه بإعداد ترجمات وشروح للكتب الإسلامية من لغات مختلفة،  كما كانت له مكتبة ضخمة خاصة به تضم كثيرًا من الكتب المتعلقة بالشرع والثقافة الإسلامية التهمتها النيران.

• كانت هناك سفارات دبلوماسية عديدة تفِدُ إلى البلاط الملكي بملقا قادمة من عدن وهرمز وكمباي والبنغال، وقد كانت هناك احتفالات ومراسم كبيرة تصاحب وصول هذه السفارات.

• ظلت "ملقا" حتى عام 917 هـ/ 1511 م هي المركز الأهم والرئيس الذي كانت تتزوَّد من خلاله بلاد الصين بما تحتاج إليه من أخشاب البناء.

• نجح التجار الصينيون في تحقيق أرباح طائلة من وراء الفلفل الذي كانوا يحملونه من أسواق "ملقا" إلى بلادهم.

• أشار "تومي بيرس" إلى أن البخور والعاج والقصدير وخشب الصندل كانت تمثل أهم المنتجات التي حُمِلتْ من ملقا إلى الصين.

• كان نجاح "البرتغاليين" في الاستيلاء على "ملقا" في القرن السادس عشر الميلادي نهاية المد الإسلامي بأرخبيل الملايو المركزي، وفتح أمامهم الطريق للسيطرة على تجارة الصين، والأرخبيل الهندي.

 

إمارة ملقا الإسلامية في أرخبيل الملايو:

أُسِّسَت مملكة "ملقا" أو "ملاكا" الإسلامية في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، التاسع الهجري، ويعد هذا الحدث بداية تاريخ "ماليزيا" الإسلامية؛ حيث أخذ سلاطنة إمارة "ملقا" على عاتقهم نشر الدعوة بين القبائل المجاورة الهندوسية والبوذية، وجلب العلماء والتفقُّه على أيديهم، وبقي حكام "ملقا" مستقلين سياسيًّا وإداريًّا عن مملكة "تايلند" البوذية، مقابل إعطائهم امتيازات تجارية، إلى جانب إقامتها علاقات دبلوماسية مع الدول الكبرى المجاورة كالصين والهند.

وجاء احتلال البرتغال لأرضها مطلع القرن السادس عشر الميلادي ليعوق سير الدعوة الإسلامية، ويوقف ازدهار تلك الممالك المسالمة، التي كانت من الغنى والثراء؛ مما أطمع فيها القوى الاستعمارية التي وفدت على ذلك الأرخبيل الثري بموارده الطبيعية والبشرية، وأوقعته فريسةً للقوى الغربية طيلة خمسمائة عام.

 

سيادة اللغة العربية في المنطقة:

عرف السكان المحليون اللغة العربية مع دخول الإسلام، وحرصوا على تعلُّمها مع تعلُّم القرآن الكريم وأركان الإسلام، وخاصةً مع انتشار الإسلام بين قبائل تلك المنطقة، إن مما يدل على أن اللغة العربية كانت منتشرة وسائدة في ماليزيا منذ ذلك الحين، ما كتبه الرحالة "ابن بطوطة" عن زيارته لسومطرة بأرخبيل الملايو، وتحدثه إلى السلطان "الملك الظاهر"، وكبار دولته باللغة العربية[1]؛ بل وذكرَ أن سلاطين المنطقة كانوا فقهاء على المذهب الشافعي، ومن أهل العلم، ويؤكد ذلك أيضًا أنها ليست مجرد لغة العلم والدراسة فقط، بل كانت أيضًا لغة التخاطب؛ ولهذا يرى بعض الباحثين أن الإسلام وصل إلى أرخبيل الملايو في القرن الأول الهجري، بواسطة تُجَّار العرب، والفرس، والهند، الذين كانوا يترددون إليه[2].

واستطاعت اللغة العربية في ظل انتشار الإسلام في المنطقة أن تصبح هي اللغة المقروءة والمكتوبة بعدما كانت اللغة السنسكريتية وبعض اللغات المحلية لا سيما الملاوية هي السائدة بالملايو.

ونجد أن شعوب المنطقة أخذت عن العرب حروف الهجاء العربي وزادوا عليها الأصوات الخاصة بلغتهم، واستُخدمت أيضًا في اللغة الملاوية جميع الحروف العربية واستوعبت جميع أنواع هجائياتها، وأدخلت فيها تعديلات مناسبة وذلك للدلالة على أصوات لا نظير لها في اللغة العربية[3].

ويستعمل شعوب المنطقة في مخاطباتهم الدينية الألفاظ العربية المحرفة التي أخذوها عن شيوخهم المحليين، فهم يقولون مثلًا: "مؤفاتي"؛ أي: "مفتي"، "كتيب" وتعني: "خطيب"، والطريف عندهم أن اسم أي مؤذن هو "بلال" أيًّا كان اسمُه، ومن ناحية أخرى أكدت الدراسات الحديثة التي تناولت أثر اللغة العربية في لغة المنطقة وجود حوالي 1353 كلمة عربية في لغة الملايو، فالمعجم الديواني الذي يعد أهم معجم ماليزي في الأوساط العلمية والثقافية يشير إلى أن نسبة الكلمات العربية التي في اللغة الملاوية تصل نسبتها إلى 49 ٪ وهي تتصل مباشرة بالنواحي الدينية، والفقهية، والصوفية، وعلم الكلام، ومن هنا تعد اللغة العربية الأوسع انتشارًا في المنطقة، رغم محاربة الاستعمار لتلك اللغة، وفرض اللغة اللاتينية والإنجليزية على أبناء الملايو[4].

 

دولة مركزية ومنطقة تجارية آمنة:

جعل سلاطين "ملقا" الإمارة دولة مركزية، كما أقامت "مالاقا" علاقات صداقة مع الهند والصين وجهَّزت جيشًا لفتح المناطق المجاورة ونشر الدعوة الإسلامية، فانضمت إليها "باهانغ"، والمناطق المحيطة بها، ومعظم أرخبيل الملايو حتى الفلبين[5]، وتذكر "الموسوعة الإسلامية" أن عدد مقاتلي "مالاقا" ومحيطها تراوح بين 4000 و 100,000 مقاتل معظمهم من سكان السواحل الذين عرفوا باسم Orang Laut والذين ألفوا السواد الأعظم من بحَّارة الأسطول المالاقي[6].

وكان لمالاقا مركز رئيسي في تجارة البهارات، كما كانت هذه المدينة همزة وصل بين الصين والهند والشرق الأوسط وأوروبا[7].

وقد أثرت مكانة "ملقا" الجغرافية تأثيرًا بالغًا في النمو والازدهار اللذين شهدتهما المنطقة، فمالاقا تقع على مضيق تسوده الرياح الموسمية؛ مما يساعد في ملاحة السفن الآتية من الغرب بين شهري مارس وفبراير، وتلك المبحرة من الشرق بين نوفمبر ومارس، والقادمة من غربي أرخبيل الملايو بين مايو وسبتمبر.

كما كانت "مالاقا" مرفأً مثاليًّا لتموين السفن وتخزين البضائع وبيعها، كما أن مناخها لطيف يساعد على الإبحار دونما عواصف، ومياهها عذبة وصالحة للشرب يتزوَّد منها بحَّارة السفن؛ وكانت الأنهار تصلها بالداخل بما في ذلك "مناجم الذهب" في "باهانغ"؛ مما يسهل نقلها والوصول إليها، وإلى الشرق منها يوجد تلة استعملت لرصد أي تحركات تنذر بوقوع هجوم وشيك[8].

وعن النظام الإداري في "ملقا" ذكر المؤرخون أنَّه كان نظامًا محكمًا عادلًا، راعى ضوابط الشريعة الإسلامية، وكان له الأثر البالغ في ازدهار المدينة وانتعاشها حيث أعطيت أولوية للأمن والاستقرار في مجال حماية التجار الأجانب وحفظ بضائعهم، وكان من ضمن الإجراءات التي اتخذت في هذا المجال إنشاء مخازن تحت الأرض لعدم تعريض البضاعة للسرقة أو الحريق، ومن التدابير الإدارية أيضًا تنظيم عائدات المرفأ حيث أنشئت جمعية من تجار المدينة هدفها تقليص احتمالات الابتزاز والفوضى[9].

وقد بلغ عدد سكان مالاقا مع مطلع القرن السادس عشر حوالي 100,000 نسمة يتكلمون أكثر من 84 لغة بالأرخبيل بأكمله.

 

المدارس الإسلامية ونظام التعليم:

فى سبيل نشر العلوم الإسلامية فيها جاء عدد كبير من العرب ومسلمو الهند والفرس ليقوموا بمهمة الدعوة والتدريس للمسلمين الملايويين، وكان هؤلاء الدعاة يتمركزون في كل أنحاء ماليزيا وينشئون مراكز تعليمية، من مساجد ومدارس وكتاتيب، يدرسون فيها القرآن والسُّنَّة واللغة العربية، وفي المقابل تعلَّم هؤلاء الدعاة اللغة الملايوية، فأخذوا يشرحون المعارف الإسلامية باللغة الملايوية[10].

وكان التعليم الديني في ماليزيا منذ دخول الإسلام على شكل نظام الحلقات في المساجد ودور العبادات وبيوت المشايخ (المعروف بنظام فوندوق)، وكلمة فوندوق (Pondok) تعني: بيت صغير، وهي في اللغة العربية تماثل كلمة (الكوخ)؛ لأن الدارسين في هذا النظام- عادة - يبنون أكواخًا لأنفسهم حول المسجد أو المصلى (Surau) ويسكنون في هذه الأكواخ مدة تعلمهم فيها[11]، ونظام الحلقات هو أول نظام تعليمي عرفه المسلمون في ماليزيا منذ مجيء الإسلام؛ حيث تم من خلاله تعليم المسلمين أمور دينهم وأركان الإسلام وكيفية أداء الصلاة والصوم وقراءة القرآن وغير ذلك مما يتصل بتعاليم الإسلام.

واستطاع هذا النظام تخريج أفواج من طلابه المتمكنين في العلوم الإسلامية واللغة العربية حتى صاروا علماء أعلامًا في العالم الملايوي، ثم استبدل بالتدريج نظام الحلقات بنظام جديد عُرف بنظام المدارس الدينية العربية لكي يواكب حركة التجديد والتطوير في النظام التعليمي.

ويرجع تاريخ نشأة المدارس الإسلامية الأهلية على الطراز الحديث في ماليزيا إلى ما قبل سنة 1866م[12]، ويقول المؤرخ الماليزي "كو كاي كيم" (KHOO KAY KIM): إن أول مدرسة عربية أُنشئت في شبه جزيرة الملايو (ماليزيا)، هي "المدرسة الحامدية" في "ليمبوغ كافل" بولاية "قدح" أنشأها الحاج "وان سليمان وان صدّيق"، ثم تبعتها مدارس أخرى منها: "مدرسة الهادي" في ملقا (1915م/ 1917م)[13].

 

[1] رحلة ابن بطوطة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار)، ابن بطوطة (ت 779هـ)، ط أكاديمية المملكة المغربية، 1417 هـ، (4/ 115).

[2] أطلس تاريخ الإسلام، حسين مؤنس، دار الزهراء، القاهرة، ۱۹۸۷ م، صـ380.

[3] اللغة العربية في ماليزيا بعد الاستقلال 1957 - 1987 م، عبد الرزاق بن وان الندوي، نشر القاهرة، 1990 م، صـ258.

[4] المصدر السابق، صـ270-271.

[5] اتحاد ماليزيا، محمود شاكر الحرستاني، المكتب الإسلامي للنشر والتوزيع، ط7، 1409 هـ - 1989 م، صـ14، 15.

[6]  Andaya, B. W. "Malacca". The Encyclopedia of Islam. Leiden: E. J. Brill, 1991, vol. 6, pp. 207-209.

[7]  Andaya, B. W. "Malacca", p. 209.

[8] ماليزيا للقارئ العربي، سعيد كريديه، دار الرشاد- بيروت، ط1، 1996 م، صـ28.

[9] Andaya, B. W. "Malacca", pp. 207-209.

[10] أهمية لغة القُرآن الكريم وانتشارها في ماليزيا، عمر حسب الله رسول عثمان محمد، مجلة دراسات دعوية، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، العدد 18، رجب 1430 هـ  يوليو 2009 م، صـ140.

[11] تأثير الثقافة الإسلامية العربية في التكامل اللغوي للثقافة الملايوية، د. حاج محمد سمان، د. عبد المحسن القيسي، مجلة الضاد، تصدر من قسم اللغة العربية ولغات الشرق الأوسط بكلية اللغة واللسانيات، جامعة مالايا، كوالالمبور بماليزيا، عدد جمادى الأولى 1433 هـ، إبريل 2012 م، صـ83.

[12] اللغة العربية في ماليزيا بعد الاستقلال 1957 م - 1987 م، عبد الرزاق وان أحمد الندوي، رسالة ماجستير، جامعة الإسكندرية، قسم اللغة العربية بكلية الآداب 1992 م، صـ168.

[13] Mohamed Saleh Lebar: Perubahan dan Kemajuan Pendidikan di Malasia, Kuala Lumpur, Nurin Enterprise, (1988).