كيف وصل الإسلام إلى ماليزيا؟ (1)مقالات


• انتشر الإسلام عن طريق التجار الدعاة في أرخبيل الملايو كله، فالعرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ عصور مبكرة جدًّا.

• وصل التجار العرب لمنطقة الصين والملايو منذ عهد قديم قبل الإسلام، وأقاموا بعض المحطات التجارية في موانئ جزر الملايو المتناثرة، ومع وصول الإسلام شبه الجزيرة العربية، انتقل بالتالي لتلك المحطات التجارية الهامَّة.

•  أنشأ تجار المسلمين لأنفسهم مراكز تجارية، على سواحل سومطرة، وشبه جزيرة الملايو، من وقت مبكر، وربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريين، وقد أتى أوائل التجار أول الأمر من جزيرة العرب، من عمان وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن.

• من الثابت تاريخيًّا أن الإسلام لم يصل إلى أرخبيل الملايو إلا عن طريقين: طريق سواحل الهند بحرًا، وطريق الصين برًّا، حيث كانت العلاقات التجارية والدبلوماسية بين العرب والصين والهند موجودة ونشطة منذ زمن بعيد.

• هناك شواهد أثرية وأدلة تاريخية على قدوم الإسلام من مقاطعات الصين ذات الوجود الإسلامي، إلى المراكز التجارية في شبه جزيرة الملايو، ومنها قام التجار المسلمون بالدعوة، إلى جانب العمل بالتجارة، بين تلك الجزر المتناثرة.

• كان المركز التجاري في كل من "فطاني" Patani و"فام" Pam (خليج تايلند) على الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو أول مركزين تجاريين يلاقونهما التجار المسلمون في طريقهم فدخلوهما ودخلت معهم لأول مرة الدعوة الإسلامية إلى ماليزيا.

• يدلل على صحة هذه النظرية أن معظم الشواهد الأثرية الإسلامية المكتشفة في ماليزيا كانت من جهة شمال غربي وشرقي شبه جزيرة الملايو.

• عثر في قرية "لنجر" Langgar بولاية "قدح" Kedah على شاهد قبر إسلامي يعود للقرن الثالث الهجري، العاشر الميلادي.

• عثر على دينار ذهبي في ولاية "كلنتن" Kelantan، يؤكد قيام دولة إسلامية في ولاية "كلنتن" في سنة 577 هـ/ ۱۱۸۱ م.

• عثر على حجر كبير في "ترنجانو"  Terengganuمنقوش عليه كتابات باللغة الملايوية بالحروف العربية تذكر فيها بعض الأحكام الإسلامية يعود إلى سنة 702 هـ / نحو 1303 م.

• السجلات التاريخية لأسرة الإمبراطور "سونج"Sung  الصينية قد سجلت دخول الإسلام إلى ماليزيا من جهة ساحل البحر الصيني منذ سنة 977 م.

• يعتبر قيام الدولة الإسلامية في "ملقا أو ملاكا" على الساحل الغربي للملايو، أوائل القرن الخامس عشر الميلادي هو السبب الرئيسي في اعتناق شعب الملايو الإسلام.

• عندما أسلم "مجت إسكندر شاه" في سنة 1414 م، حيث كان مقتنعًا بالإسلام الذي يمارسه التجار المسلمون في مملكة أبيه، أدخلَ شعبه كله معه في الإسلام.

• فتح سلاطين "ملقا" أبوابها للدعاة وعاملوهم بكل احترام، وتروي المرويات التاريخية عن شيوخ عرب مسلمين دخلوا المنطقة دعاةً، وأعطوهم الملايويون بيوتًا ليسكنوا فيها وأرضًا ليبنوا عليها مساجدهم.

• في عهد السلطان "محمود شاه" توسعت سيطرة المسلمين على مناطق "كلنتن" و"فطاني" و"قدح" بعدما كانت تحت سيطرة تايلند البوذية، وبذلك شملت دولة "ملقا" الإسلامية وقتذاك جزيرة سنغافورة وجزءًا من جزيرة سومطرة، ومعظم الولايات الماليزية الغربية.

• تعتبر الفترة ما بين السلطان "منصور شاه" و"علاء الدين شاه" عصرًا ذهبيًّا للمملكة والدعوة الإسلامية بأرخبيل الملايو بأكمله، وشهدت المملكة أكبر اتساع لها، وتمكين لمسلميها.

• انتهت مملكة ملقا على أيدي المستعمرين البرتغاليين الذين غزوها في القرن السادس عشر الميلادي، وحاولوا بشتى الطرق تنصير أهلها.

 

نبذة عن ماليزيا:

تقع "ماليزيا" في جنوب شرق آسيا قرب خط الاستواء، وتبلغ مساحتها 757 ,۳۲9 کيلومترًا مربعًا، وتعتبر ماليزيا جزءًا من "أرخبيل الملايو"، وهو عبارة عن مجموعة من الجزر المتقاربة تقع تجاه السواحل الجنوبية الشرقية من آسيا بين المحيطين الهادي والهندي، ويعتبر أكبر أرخبيل في العالم، يتألف من آلاف الجزر التي تكون "إندونيسيا" و"الملايو" (ماليزيا) و"الفليبين" و"سنغافورة" و"سلطنة بروناي".

ويحد "ماليزيا" من الشمال "تايلاند" و"بحر الصين الجنوبي" و"بروناي"، ومن الجنوب "بحر جاوا" وجزيرة "سنغافورة" والقسم الإندونيسي من جزيرة "بروناي"، أما من الشرق فيحدها "بحر صولو" و"بحر سيليبس"، ومن الغرب "مضيق ملاكا" الذي يفصلها عن "جزيرة سومطرة"، وأما المناخ فماليزيا تقع كليًّا ضمن المنطقة الحارة، ومناخها استوائي تحكمه الرياح الموسمية وتهطل الأمطار خلال الفصول الأربعة ودرجة الرطوبة فيها عالية[1].

 

كيف وصل الإسلام إلى ماليزيا؟

• رغم اختلاف الباحثين حول تاريخ وصول الإسلام لأرخبيل الملايو، إلا أنهم يتفقون أن الحركات التجارية العربية هي التي ساهمت في نشر الإسلام إلى جنوب شرق آسيا، في تلك الممالك الهندوسية القديمة، وانتشر الإسلام عن طريق التجار في أرخبيل الملايو كله، فالعرب زاولوا مع بلاد الشرق تجارة واسعة النطاق منذ عصور مبكرة جدًّا[2].

• ونجد أن العلاقة بين العرب وبين أرخبيل الملايو - جنوب شرق آسيا - علاقة قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام، فقد ذكر الدكتور "أحمد شلبي" أن: "البحوث العلمية تؤكد أن التجار العرب عرفوا الملايو منذ القرن الثالث الميلادي من جزائر المنطقة الغنية بالتوابل وذلك أثناء رحلاتهم إلى الصين، وقد دونت السجلات الصينية القديمة ذلك، وذكرت ما يفيد أن العرب قد اتخذوا لهم أماكن استيطان في هذه الجزر وفي "كانتون"، وكان ذلك حوالي سنة ( 300 م)"[3].

وهذا يدل دلالة قاطعة على وصول التجار العرب لهذه المنطقة منذ عهد قديم قبل الإسلام، وإقامتهم بعض المحطات التجارية في موانئ جزر الملايو المتناثرة، ومع وصول الإسلام شبه الجزيرة العربية، انتقل بالتالي لتلك المحطات التجارية الهامة.

• أما تاريخ دخول الإسلام إلى تلك المنطقة فيصعب تحديده، كما أشار إلى ذلك "حسين مؤنس" حين قال: "ومن العسير تحديد تاريخ بدء دخول الإسلام هذه الجزائر العظيمة، وتقول المراجع: إن تجار المسلمين أنشؤوا لأنفسهم مراكز تجارية، على سواحل سومطرة، وشبه جزيرة الملايو، من وقت مبكر، وربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريين، الثامن والتاسع الميلاديين، وقد أتى أوائل التجار أول الأمر من جزيرة العرب، من عمان وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن"[4].

• ومن الثابت أن الإسلام لم يصل إلى أرخبيل الملايو إلا عن طريقين: طريق سواحل الهند بحرًا، وطريق الصين برًّا، حيث كانت العلاقات التجارية والدبلوماسية بين العرب والصين والهند موجودة ونشطة منذ زمن بعيد، وأن الإسلام وصل إلى الصين والهند في وقت مبكر قبل وصوله إلى الأرخبيل[5].

 

محور طريق الهند بحرًا:

ذهب كثير من المؤرخين الغربيين أن الإسلام دخل الملايو من الهند بعد أن اعتنق الهنود الإسلام، ثم اشتركوا في نقل الإسلام من الهند إلى الأرخبيل عن طريق المهاجرين والتجار.

وأما علاقة العرب مع الهند فكانت التجارات العربية قبل الميلاد بقرون عديدة تحملها السفن المصرية والفينيقية، وتبحر إلى إندونيسيا عن طريق سواحل الهند، وتحمل الفضة والعاج والطواويس وغيرها، وكان التجار العرب يعملون كوسطاء بين التجار الأوروبيين والتجار الآسيويين من الهند وغربي الأرخبيل، وأصبحوا سادة التجارة في المحيط الهندي في القرن التاسع الميلادي، فكانت سيادة المسلمين على تلك المنطقة سيادة سلمية تجارية ممزوجة بنشر الدعوة الإسلامية بالحسنى، خاصة في "مليبار" Malibar (غربي الهند) وهو المكان الذي انطلقت منه الدعوة الإسلامية في الهند[6].

 

محور طريق الصين برًّا:

ذكر المؤرخون أن التجار العرب والمسلمين قد انطلقوا من مقاطعتي "كانتون" و"يونان" بالصين، إلى "شمبا" وإلى "ماليزيا"، فكان المركز التجاري في كل من "فطاني" Patani و"فام" Pam (خليج تايلند) على الساحل الشرقي لشبه جزيرة الملايو أول مركزين تجاريين يلاقونهما في طريقهم فدخلوهما ودخلت معهم لأول مرة الدعوة الإسلامية إلى ماليزيا حيث قبلتها "فطاني" Patani و"فام" Pam، ومنهما انتشرت إلى المقاطعات الماليزية الأخرى على السواحل المواجهة لبحر الصين مثل "كلنتن" Kelantan و"ترنجانو" Terengganu و"باهنج" Pahang وربما "قِدح" Kedah أيضًا[7].

• ويدلل على صحة هذه النظرية أن معظم الشواهد الأثرية الإسلامية المكتشفة في ماليزيا كانت من جهة شمال غربي وشرقي شبه جزيرة الملايو، منها ما اكتشف في قرية "لنجر" Langgar بولاية "قدح" Kedah سنة 1965 م، وهو بلاط شاهد قبر مكتوب عليه "شيخ عبد القادر بن حسين شاه عالم ۲۹۱ هـ"، وسنة 291 هـ توافق سنة 903 م، أوائل القرن العاشر الميلادي.

• كما يؤكد ذلك النقود التي ضربت ببغداد عام 234 هـ /848 م (في عهد المتوكل بن المعتصم) والتي عثر عليها في "قدح" Kedah أيضًا، ولأنه كان للعرب مركز في "قدح" Kedah فقد استنتج بأنهم الذين حملوا هذه النقود كما حملوا الإسلام إلى هذه البلاد بعد أن مروا على "كمبوديا" Cambodia كما يفيد الاستقراء التاريخي[8].

• وبالإضافة إلى قدح Kedah، فهناك آثار إسلامية أخرى اكتشفت في ولايتي "كلنتن" Kelantan و"ترنجانو" Terengganu في شرقي شبه جزيرة الملايو؛ فالأثر الإسلامي الذي اكتشف في ولاية كلنتن Kelantan هو عبارة عن دينار ذهبي مكتوب على أحد وجهيه عبارة "الجلوس كلنتن 577" وعلى الوجه الآخر كلمة "المتوكل"، وهذا يعني قيام دولة إسلامية في ولاية "كلنتن" في السنة 577 هـ/ ۱۱۸۱ م[9].

• أما الأثر الإسلامي المكتشف في "ترنجانو" Terengganu فعبارة عن حجر كبير منقوش عليه كتابات باللغة الملايوية بالحروف العربية تذكر فيها بعض الأحكام الإسلامية منها حكم الزنا الذي طبق بترنجانو Terengganu في عهد حكم "راج مندلي" Raja Mandaleka، كما أنها تشمل أيضًا أحكامًا أخرى تتعلق بالديون وغير ذلك، يعود إلى سنة 702 هـ / نحو 1303 م[10].

• كما أن السجلات التاريخية لأسرة الإمبراطور "سونج" Sung  (960-1279 م) قد سجلت دخول الإسلام إلى ماليزيا من جهة ساحل البحر الصيني منذ سنة 977 م[11].

 

[1] الدليل الرسمي السنوي لماليزيا، وزارة الإعلام بماليزيا، 1988 م، مج 19، صـ1.

[2] الدعوة إلى الإسلام، توماس و. أرنولد، ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرين، مكتبة النهضة المصرية، ط1، 1980 م، صـ104.

[3] موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، أحمد شلبي، الجزء الثامن، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1993 م، صـ78.

[4] أطلس تاريخ الإسلام، حسين مؤنس، دار الزهراء، القاهرة، ۱۹۸۷ م، صـ380.

[5] الحركة الإسلامية في ماليزيا، محمد نوري الأمين بن إندوت، دار البيارق- الأردن، 1421 هـ - 2000 م، صـ22.

[6] تاريخ الإسلام في الهند، عبد المنعم النمر، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1981 م، صـ123.

[7] الدعوة الإسلامية في ماليزيا: ظهورها وانتشارها، وان حسين عزمي وهارون دين، ط1، الحاج جعفر بن الحاج سلام، كوالالمبور، ماليزيا، 1985 م، صـ 58-59.

[8] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ - 1985 م، صـ52.

[9] الحركة الإسلامية في ماليزيا، محمد نوري الأمين بن إندوت، صـ26.

[10] الدعوة الإسلامية في ماليزيا: ظهورها وانتشارها، وان حسين عزمي وهارون دين، صـ60.

[11] Fatimi, S.Q., Islam Comes to Malaysia, Malaysia Sociological Research Institue Ltd., Singapore, 1963, p.67.