حضارة الإسلام في إمارة ملقا (ماليزيا) (2)مقالات


التزم حكام إمارة "ملقا" بأحكام الإسلام، وكان اعتناق الإسلام شرطًا أساسيًّا لمن أراد أن يتبوَّأ المناصب المهمة داخل بلاط هؤلاء السلاطين[1]، وقد أخبرنا "ماهوان" الذي أرَّخ لرحلات القائد البحري الصيني "تشنغ هي" Zheng He أن سلطان ملقا ورعيته كانوا ملتزمين بدينهم الجديد بعد اعتناقهم الإسلام، وأنهم كانوا يحافظون على تأدية شعائره كالصلاة والصوم، وتطبيق الشريعة الإسلامية في معاملاتهم[2].

ومن أهم سلاطين الإمارة السلطان "منصور شاه" الذي حرص على نشر الإسلام بسرعة بين سكان المملكة حتى إنه كان يُشجِّع على زواج المسلمين ببنات الوثنيين من القبائل الأخرى، كما أنه قام بتشييد مسجد كبير في المدينة، كما أنه تجهَّز للخروج إلى مكة لأداء فريضة الحج، بيد أنه أدركه الموت قبل أن ينجز تلك الرحلة المقدسة[3].

كما قام "منصور شاه" بجهود بارزة في رعاية العلوم والثقافة الإسلامية داخل سلطنته؛ من ذلك قيامه بإعداد ترجمات وشروح للكتب الإسلامية من لغات مختلفة، التي أشرف عليها بعض من كبار العلماء، وذلك العمل لا شك أفاد شعب الملايو في فهم واستيعاب تلك المصنفات، ويقال كذلك: إن هذا السلطان كانت له مكتبة ضخمة خاصة به تضم كثيرًا من الكتب المتعلقة بالشرع والثقافة الإسلامية، بيد أن هذه المكتبة التهمتها النيران أثناء حريق شَبَّ في القصر[4].

كما سبقت إشارة "ابن بطوطة" في رحلته أنه وجد سلاطنة المنطقة وحاشيتهم من الفقهاء الشافعية الملتزمين بفروض الإسلام وأحكامه، وأن بلاطهم كان يتكوَّن من الفقهاء ورجال الدين.

أما ابن "منصور شاه": السلطان "علاء الدين رعاية شاه" فإنه اعتنى كثيرًا بشئون هذا المسجد الذي شيَّده والده، وعزم مثل والده على الذهاب إلى مكة في موسم الحج، إلا أن الظروف كذلك حالت بينه وبين تحقيق هذه الأمنية وتحقيقها على أرض الواقع[5].

ونظرًا لهذه المكانة، فقد ساهم ذلك في ارتباطهم بعلاقات وثيقة مع معظم الحكام المجاورين لهم، حيث ورد أن سفارات عديدة بدأت تفِدُ إلى البلاط الملكي قادمة من "عدن" و"هرمز" و"كمباي" و"البنغال"، وقد كانت هناك احتفالات ومراسم كبيرة تصاحب وصول هذه السفارات[6].

وتذكر لنا المصادر أن "مظفر شاه" لما نجح في السيطرة على منطقة "كامبار" و"اندراجيري"، وبعد تحول هذه المناطق للإسلام، لقي هذا الأمر إشادة ومدحًا كبيرًا من قِبَل الحُكَّام المسلمين في "هرمز" و"عدن" و"كمباي"، الذين أرسلوا سفراءهم بالرسائل والهدايا إلى "مظفر شاه" للتهنئة، ملقبين إيَّاه بالسلطان، وكان من قبل يحمل لقب "راجا"[7].

 

ثروات طبيعية وازدهار اقتصادي:

إلى جانب كونها ميناءً تجاريًّا هامًّا ومركزًا اقتصاديًّا فقد زخرت "ملقا" بعدد من الثروات الطبيعية التي أحسن سلاطينها المسلمون استغلالها والاعتماد في بيعها في تنمية ثروات الإمارة، فملقا ظلت حتى عام 917 هـ/ 1511 م هي المركز الأهم والرئيس الذي كانت تتزود من خلاله بلاد الصين بما تحتاج إليه من أخشاب البناء، وقد كانت الأسواق الصينية في حاجة ماسَّة للتزود بكميات كبيرة من تلك الأخشاب، خاصة مع بدايات القرن 10 هـ/ 16 م[8].

كما أن التجار الصينيين نجحوا في تحقيق أرباح طائلة من وراء الفلفل الذي كانوا يحملونه من أسواق "ملقا" إلى بلادهم؛ فبينما كان سعر قنطار الفلفل في أسواق "ملقا" لا يكلفهم أكثر من أربع دوكات فإنهم كانوا يبيعونه في أسواق بلادهم بسعر يتجاوز خمس عشرة من الدوكات للقنطار الواحد لأهميته الكبيرة، وجودته الثمينة، وقد أشار "تومي بيرس" إلى أن البخور والعاج والقصدير وخشب الصندل كانت تمثل أهم المنتجات التي حملت من ملقا إلى الصين[9].

ولما كانت "ملقا" تُعَدُّ بمثابة السوق التجاري الكبير، الذي يتجمَّع فيه السلع والبضائع من كل مكان، فقد أسرع التجار الصينيون في التوجُّه إليها من أجل الحصول على هذه البضائع الثمينة، أو لجلب البضائع إليها، وقد أشار "بربوزا" إلى أن السفن القادمة من الصين كانت تجلب للمدينة كميات كبيرة من الحرير والأواني الخزفية والديباج والساتان متعدد الألوان، كما كان هؤلاء التجار الصينيون يتعاملون في المسك والحديد والملح الصخري والفضة واللؤلؤ والمرجان والتوابل والأخشاب والملابس، وغيرها من البضائع الأخرى التي كانت تتوفر بالمدينة وتزخر بها[10].

ونجد أنه رغم أهمية "ملقا" بوصفها "مدينة بحرية تجارية"، إلا أنها لم يكن لها ظهير زراعي تستطيع أن تتزود منه بما يسد احتياجات سكانها من المواد الغذائية؛ وإنما اقتصر هذا الظهير على مساحات كبيرة من الغابات الخالية من السكان[11].

 

انهيار الملايو الإسلامي على أيدي الغزوات الاستعمارية:

كان نجاح "البرتغاليين" في الاستيلاء على "ملقا" في القرن السادس عشر الميلادي نهاية المد الإسلامي بأرخبيل الملايو المركزي، وفتح أمامهم الطريق للسيطرة على تجارة الصين، والأرخبيل الهندي، كما أن "ملقا" كانت في ذلك الوقت بمثابة المتجر الرئيس الذي تنتهي إليه كل بضائع الشرق الأقصى، ولما كانت منطقة شرق وجنوب شرق آسيا لا تزال غير معروفة للأوربيين حتى ذلك الوقت، فإن القائد البرتغالي "البوكيرك" بعد استيلائه على المدينة انتهز الفرصة وقام بإرسال عدة حملات استكشافية إلى الموانئ التجارية، التي أصبحت الآن مفتوحة أمام البرتغاليين، وذلك لإحكام سيطرته التجارية في المنطقة التي صارت نهبًا للقوى الاستعمارية لمدة خمسة قرون[12].

 

• أُسِّسَت مملكة "ملقا" أو "ملاكا" الإسلامية في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي، التاسع الهجري، ويعد هذا الحدث بداية تاريخ "ماليزيا" الإسلامية.

•  عرف السكان المحليون اللغة العربية مع دخول الإسلام، وحرصوا على تعلُّمها مع تعلم القرآن الكريم وأركان الإسلام.

• زار "ابن بطوطة" المنطقة في القرن الرابع عشر الميلادي، وتحدَّث عن انتشار العربية في الممالك الإسلامية في أرخبيل الملايو.

• استطاعت اللغة العربية في ظل انتشار الإسلام في المنطقة أن تصبح هي اللغة المقروءة والمكتوبة بعدما كانت اللغة السنسكريتية وبعض اللغات المحلية لا سيما الملاوية هي السائدة بالملايو.

• أكدت الدراسات الحديثة التي تناولت أثر اللغة العربية في لغة المنطقة وجود حوالي 1353 كلمة عربية في لغة الملايو.

• أقامت "مالاقا" علاقات صداقة مع الهند والصين وجهَّزت جيشًا لفتح المناطق المجاورة ونشر الدعوة الإسلامية.

• كان لملقا مركز رئيسي في تجارة البهارات، كما كانت هذه المدينة همزة وصل بين الصين والهند والشرق الأوسط وأوروبا.

• أعطيت أولوية للأمن والاستقرار في مجال حماية التجار الأجانب وحفظ بضائعهم بملقا، وكان من ضمن الإجراءات التي اتُّخِذت في هذا المجال إنشاء مخازن تحت الأرض لعدم تعريض البضاعة للسرقة أو الحريق.

• من التدابير الإدارية بميناء "ملقا" تنظيم عائدات المرفأ حيث أُنشئت جمعية من تجار المدينة هدفها تقليص احتمالات الابتزاز والفوضى.

• كان التعليم الديني في ماليزيا منذ دخول الإسلام على شكل نظام الحلقات في المساجد ودور العبادات وبيوت المشايخ (المعروف بنظام فوندوق).

• قام "منصور شاه" بجهود بارزة في رعاية العلوم والثقافة الإسلامية داخل سلطنته؛ من ذلك قيامه بإعداد ترجمات وشروح للكتب الإسلامية من لغات مختلفة،  كما كانت له مكتبة ضخمة خاصة به تضم كثيرًا من الكتب المتعلقة بالشرع والثقافة الإسلامية التهمتها النيران.

• كانت هناك سفارات دبلوماسية عديدة تفِدُ إلى البلاط الملكي بملقا قادمة من عدن وهرمز وكمباي والبنغال، وقد كانت هناك احتفالات ومراسم كبيرة تصاحب وصول هذه السفارات.

• ظلت "ملقا" حتى عام 917 هـ/ 1511 م هي المركز الأهم والرئيس الذي كانت تتزوَّد من خلاله بلاد الصين بما تحتاج إليه من أخشاب البناء.

• نجح التجار الصينيون في تحقيق أرباح طائلة من وراء الفلفل الذي كانوا يحملونه من أسواق "ملقا" إلى بلادهم.

• أشار "تومي بيرس" إلى أن البخور والعاج والقصدير وخشب الصندل كانت تمثل أهم المنتجات التي حُمِلتْ من ملقا إلى الصين.

• كان نجاح "البرتغاليين" في الاستيلاء على "ملقا" في القرن السادس عشر الميلادي نهاية المد الإسلامي بأرخبيل الملايو المركزي، وفتح أمامهم الطريق للسيطرة على تجارة الصين، والأرخبيل الهندي.

 

 

[1]  B. Andaya, “Religious Developments in Southeast Asia, c. 1500-1800”, in The Cambridge History of Southeast Asia, Vol. 1 (From Early Times to c. 1800), edited by: Nicholas Tarling, Cambridge University Press, 2008, p. 517.

[2] A. Cotterell, A History of Southeast Asia, Marshall Cavendish Editions, Singapore, 2014, p. 208; A. Wink, Op. cit., p. 219.

[3] سلطنة ملقا الإسلامية (816 هـ - 917 هـ / 1413 م- 1511 م): دراسة في النشأة والأوضاع السياسية والتجارية، د. إبراهيم محمد حامد سليمان، مجلة كلية الآداب بقنا، جامعة جنوب الوادي، العدد  54، (الجزء الأول) يناير 2022 م، صـ594.

[4] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ - 1985 م، صـ93.

[5]  Tome Pires, The Suma Oriental of Tomé Pires, An Account of the East from the Red Sea to Japan, written in Malacca and India in 1512-1515, and The Book of Francisco Rodrigues, Rutter of a Voyage in the Red Sea, Nautical Rules, Almanack and Maps, Written and Drawn in the East before 1515, By Armando Cortesão, 2 Vol., Asian Educational Services, New Delhi, 2005, p. 251.

[6] B. Andaya, “Malacca” in Historic Cities of the Islamic World, Edited by: C. Edmund Bosworth, Brill, Leiden, 2007, p. 314-315.

[7] Tome Pires, Op. cit., p. 245.

[8] سلطنة ملقا الإسلامية (816 هـ - 917 هـ / 1413 م- 1511 م): دراسة في النشأة والأوضاع السياسية والتجارية، د. إبراهيم محمد حامد سليمان، صـ617.

[9] Tome Pires, Op. cit., p. 123.

[10] D. Barbosa, A Description of the coasts of East Africa and Malabar in the beginning of the sixteenth century, Notes and a preface by Baron Henry Stanley, London, 1866, p. 191.

[11] L. Thomaz, “La présence iranienne autour de l’Océan indien au XVe siècle d’après les sources portugaises de l’époque”, in Archipel, Vol. 68, No. 1, 2004, p. 120.

[12] سلطنة ملقا الإسلامية (816 هـ - 917 هـ / 1413 م- 1511 م): دراسة في النشأة والأوضاع السياسية والتجارية، د. إبراهيم محمد حامد سليمان، صـ630.