العثمانيون يفتحون كريت من جديد للمسلمين:
وفي مستهل القرن السابع الهجري اشترت "جمهورية البندقية" الإيطالية، جزيرة كريت من دون "منتسيرات برنيفاس"، وقد حكم البنادقة الجزيرة حكمًا استبداديًّا، وحاولوا نشر المذهب الكاثوليكي بين سكان الجزيرة وكان أهلها يعتنقون المذهب الأرثوذكسي، وأمام الاضطهاد الديني والحكم المتعسف هاجر الكثير من أهل الجزيرة إلى البلاد الإسلامية، واعتنق الكثير منهم الإسلام[1].
ثم استولى عليها الأتراك العثمانيون عام 1080 هـ- 1966 م، عندما استنجد بهم أهل الجزيرة لتخليصهم من حكم البنادقة الفينيسيين، وعاد الحكم الإسلامي لجزيرة كريت مرة ثانية، وساد التسامح الديني بالجزيرة، ورجع المذهب المسيحي اليوناني مرة ثانية إلى كريت، وأمام تسامح المسلمين اعتنق الكثير من أهل الجزيرة الإسلام، ففي مدة لا تزيد عن قرن من حكم العثمانيين اعتنق نصف سكان جزيرة كريت الإسلام طواعية وانتشر الإسلام في المدن والقرى وفي أنحاء كريت في ظل الحكم التركي، ولم يحاول الأتراك تغيير لغة الجزيرة أو التدخُّل الإجباري في دين أهلها[2].
محمد علي باشا يستولي على كريت:
وفي أثناء القرن الثالث عشر الهجري انتهزت الدول الأوروبية- خصوصًا روسيا- ضعف الدولة العثمانية، وحاولوا التدخُّل إلى جانب "اليونان" النصرانية ضد "تركيا" المسلمة، وخاضت الدولة العثمانية عدة حروب في كريت وشبه جزيرة المورة، وتدخلت مصر بجيشها إلى جانب السلطان العثماني، ومُنِحَ "محمد علي باشا" حكم كريت بين سنتي (1240هـ - 1256هـ)، ثم حدثت فتنة (ثورة) عام 1896م من أهلها بتحريض دول أوروبا، واستمر الصراع حول كريت مدة طويلة حتى سنة 1316هـ - 1898م عندما تم اقتسام كريت من ممتلكات الدولة العثمانية، "الرجل الضعيف" في أوروبا وقتذاك، ومُنِحتْ بعد ذلك لليونان في سنة 1332هـ، وفي خلال السنوات الأولى من حكم اليونانيين للجزيرة هاجر عدد كبير من الجالية المسلمة بكريت إلى خارجها لا سيما إلى تركيا وسوريا ومصر وليبيا[3].
التغير الديموغرافي في عدد سكان الجزيرة:
نتيجة لتسلط النصارى بالجزيرة، هاجر عدد كبير من المسلمين من "كريت"، حيث كان عددهم يقارب تسعين ألف نسمة من سكان الجزيرة، ونتيجة الاضطهاد الديني، تناقص وتدهور هذا العدد حتى وصل إلى 33 ألف مسلم في سنة 1327 هـ؛ أي: قلَّ العدد إلى الثلث في مدة لم تتجاوز إحدى عشرة سنة، ويقدر عددهم حاليًّا في المناطق التي هاجروا إليها بحوالي 450 ألف نسمة (خارج كريت)، وبعد الحرب اليونانية التركية من (1919-1922 م) وحرب الاستقلال التركية، فقد تم تبادل إجباري للمسلمين المتبقين في كريت مع المسيحيين اليونانيين في الأناضول وفقًا لأحكام معاهدة لوزان (1923 م).
يقول "شكيب أرسلان" في كتاب "تاريخ ابن خلدون": "وعانى المسلمون في كريت شدائد كثيرة، وهاجر منهم قسم كبير إلى بلاد الدولة العثمانية، ومنهم جماعات وصلوا إلى دمشق ولهم حارة في جبل الصالحية، ومنهم جماعات تفرقوا في سائر الأقطار، وأناس ذهبوا إلى الإسكندرية، وكانت الدولة أسكنت منهم جماعة في الجبل الأخضر من برقة؛ ولكن مهاجرتهم الكبرى وقعت بعد الحرب العامة، وانعقاد مؤتمر لوزان سنة 1923 وفيه تقررت مبادلة السكان، فأخرجوا جميع المسلمين الذين في الرومالي؛ أي: في البلاد اليونانية من أوروبا وفي الجزر وكريت من الجملة، وقرروا إسكانهم في تركيا، وبمقابلة ذلك أخرجوا جميع الأروام الذين في بلاد الأناضول بدون استثناء، فلم يبقَ في تركيا رومي واحد إلا من كان غريبًا، ولم يبقَ في بلاد اليونان مسلم واحد إلا عابر سبيل، وقد حصلت مبادلة الأملاك والأراضي أيضًا... وأما في جزيرة كريت، فلم يبقَ مسلم واحد، ولا في سائر جزر الأرخبيل الرومي ما عدا "رودس" وأخواتها التي احتلتها إيطاليا في أثناء حرب طرابلس الغرب، ثم استلحقتها نهائيًّا... وانطوى بساط كريت كما انطوى بساط الأندلس بعد أن ملكها المسلمون ثلاث مرات، الأولى في زمن بني أمية في دمشق، والثانية عندما احتلها ثوَّار قرطبة تحت إمارة عبد العزيز بن شعيب، والثالثة في أيام الدولة العثمانية، والله يرث الأرض ومن عليها"[4].
ويقدر عدد سكان كريت حاليًّا بـ617,360 (2021 م)، ولا يتجاوز عدد مسلميها في الوقت الحالي بضعة من عشرات الآلاف أو سدس عدد سكانها تقريبًا.
• تتمتع كريت بموقع استراتيجي هام، وذلك لقربها من القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، حيث كانت في العصور الوسطى مركز التقاء لحضارات مختلفة لشعوب هذه القارات، كما كانت مستودعًا تجاريًّا هامًّا. • أطلق عليها العرب "جزيرة إقريطش"، وتداول على حكمها اليونان والرومان، وبدأ فتح المسلمين لها منذ مطلع العهد الإسلامي. • بدأ غزو الجزيرة منتصف القرن الأول الهجري في عهد الخليفة "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه. • كانت ثاني غزوة للجزيرة أيام "هارون الرشيد" حيث فتح "حميد بن معيوق الهمداني" جزءًا من الجزيرة سنة 193 هـ/ 808 م. • فتحت كريت على يد مهاجري "الربض" الأندلسيين بعد نفيهم من قرطبة، فتوجهوا إلى الإسكندرية ثم إلى كريت، وفتحها "أبو حفص عمر بن شعيب البلوطي" عام 212 هـ / 827 م. • أسس الأندلسيون إمارة بكريت استمرت قرابة قرن ونصف من الزمان، تعاقب على حكمها عشرة من الأمراء من سلالة فاتح الجزيرة "أبي حفص عمر بن عيسى بن شعيب البلوطي"، المعروف بالإقريطشي الأندلسي. • في عام 961 م استولى الإمبراطور البيزنطي "نقفور الثاني" على كريت من أيدي المسلمين. • استولى على كريت الأتراك العثمانيون عام 1080 هـ- 1966 م، عندما استنجد بهم أهل الجزيرة لتخليصهم من حكم البنادقة الفينيسيين، وعاد الحكم الإسلامي لجزيرة كريت مرة ثانية. • ساد التسامح الديني بالجزيرة، وترك الأتراك حرية العقيدة لأهل الجزيرة من النصارى، وأمام تسامح المسلمين اعتنق كثير من سكان الجزيرة الإسلام. • في مدة لا تزيد عن قرن من حكم العثمانيين اعتنق نصف سكان جزيرة كريت الإسلام طواعية وانتشر الإسلام في المدن والقرى وفي أنحاء كريت في ظل الحكم التركي. • مع ضعف الدولة العثمانية في أواخر عهدها، ذهبت "كريت" لحوزة اليونان عام 1332 هـ، الذين قاموا بطرد سكانها المسلمين من الجزيرة. • ينتشر أهل كريت المهجَّرون الآن في مصر وسوريا وليبيا وتركيا، ويقدر عددهم حاليًّا في المناطق التي هاجروا إليها بحوالي 450 ألف نسمة (خارج كريت). • لا يتجاوز عدد المسلمين في جزيرة كريت حاليًّا سوى بضع مئات من الألوف يعانون من الاضطهاد الديني والتهميش. |
[1] المسلمون تحت السيطرة الرأسمالية، محمود شاكر الحرستاني، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، 1982 م، صـ18.
[2] الدعوة إلى الإسلام: بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية، سير توماس . و. أرنولد، ترجمة: د. حسن إبراهيم حسن ود. عبد المجيد عابدين، وإسماعيل النحراوي، مكتبة النهضة المصرية، 1971 م، صـ233.
[3] الأقليات المسلمة في أوروبا، سيد عبد المجيد بكر، صـ80.
[4] تاريخ ابن خلدون، الأمير شكيب أرسلان، نشر مؤسسة هنداوي، النسخة الأولى عام 1936 م، إعادة نشر: 2011 م، صـ308، 309.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.