مظاهر حضارة الإسلام في جورجيا (1)مقالات


• يمثل مسلمو جورجيا اليوم حوالى 10٪ من مجموع السكان، ويتبع مسلمو جورجيا الإدارة الدينية لمسلمي شمال القفقاس ومركزها بالداغستان.

• معظم المسلمين من الشركس والأباظة والأذريين بجورجيا، ومن أصول تتارية وتركية.

• كانت "جورجيا" تُعرَف باسم "بلاد الكرج" عند المؤرخين المسلمين، وقد فتحها المسلمون منذ القرن الأول الهجري.

• ممن ذكر بلاد الكرج وقصبتها "تفليس" من المؤرخين: ياقوت الحموي، والحميري، وابن حوقل، والسمعاني.. وغيرهم.

• أخرجت تفليس جملة من العلماء والمُحدِّثين الذين ينتسبون إليها.

• من بقايا آثار المسلمين التي نجت من الهدم والتدمير خلال الحقبة الشيوعية، "مسجد باتومي" و"مسجد الجمعة" بتفليس.

•  تضم جورجيا ثلاث جمهوريات صغيرة تتبع إداريًّا سياسة الحكم الذاتي، وقد أوجدت روسيا هذه المقاطعات أو المستعمرات من أجل تفتيت تلك المنطقة وسهولة التلاعب بها سياسيًّا.

• يكثر الوجود الإسلامي بتلك الجمهوريات الثلاث: أبخازيا وأجاريا وأوسيتيا الجنوبية.

 

المسلمون في جورجيا:

يبلغ عدد سكان جورجيا حوالي 5.297.000 نسمة، ويعتنق الإسلام منهم 794 ألف مسلم؛ أي: حوالي 10٪ من مجموع السكان.

وينتشر المسلمون بجمهورية جورجيا وملحقاتها من المناطق التي تخضع للحكم الذاتي (أبخازيا، وأجاريا، وأوسيتيا الجنوبية)، ويتبع مسلمو جورجيا "الإدارة الدينية لمسلمي شمال القفقاس" ومركزها بالداغستان.

ويتركز المسلمون السُّنَّة في "أدجارا - باتومي"، غربي جورجيا، فيما ينتشر المسلمون الشيعة شرقي جورجيا، ويعد "وادي بانكيسي" في "كاخيتي" أكبر تجمُّع للمسلمين شرقي البلاد.

ومعظم المسلمين من الشركس والأباظة والأذريين بجورجيا، ومن أصول تتارية وتركية، وهم ما زالوا يعانون من أثر سياسات الإبادة والنفي التي كانت تمارسها روسيا الشيوعية عليهم، حتى تناقصت أعدادهم، وقاموا بعدها بالهجرة إلى تركيا والبلاد الإسلامية.

جورجيا وعاصمتها تفليس في المصادر العربية:

كانت "جورجيا" تُعرَف باسم "بلاد الكرج" عند المؤرِّخين المسلمين، فتحَها المسلمون منذ القرن الأول الهجري، وتعاقبت عليها العديد من الإمارات والدول الإسلامية، وكانت بلاد الكرج تقع في أقصى الشمال للدولة الإسلامية، وكان لها تأثير كبير في تاريخ العلاقات السياسية والاقتصادية مع بلاد الإسلام أثناء الحروب الصليبية.

وقد ذكرها المؤرِّخون المسلمون في كتب التراجم، وذكروا قصبتها "تفليس"؛ حيث ذكر "الطبري" في "تاريخه"[1] أن ‌تفليس قد فُتِحت سنة 22 هـ على يد حبيب بن مسلمة رضي الله عنه، وقد عَيَّنَ حبيبٌ الفقيهَ "عبد الرحمن بن جزع"؛ ليُعلِّم أهالي ‌تفليس أصول الدين الإسلامي، وأقدم درهم أموي ضُرِب في ‌"تفليس" سنة 85 هـ في عهد الخليفة الأموي "عبد الملك بن مروان".

وذكر "ياقوت الحموي" في "معجم البلدان" أنها: "بلد بأرمينية الأولى، وبعض يقول بأرّان، وهي قصبة ناحية جرزان قرب باب الأبواب، وهي مدينة قديمة أزلية... وهي مدينة لا إسلام وراءها، يجري في وسطها نهر يقال له الكُرُّ يصبُّ في البحر، وفيها غروب تطحن، وعليها سور عظيم، وبها حمامات شديدة الحرِّ لا تُوقَد ولا يُستقى لها ماء، وعلّتها عند أولي الفَهْم تغني عن تكلف الإبانة عنها، يعني أنها عين تنبع من الأرض حارَّة، وقد عمل عليها حمام فقد استغنت عن استسقاء الماء، وهذا الحمام حدثني به جماعة من أهل تفليس، وهو للمسلمين لا يدخله غيرهم"[2].

وقيل: إن سبب تسمية عاصمتها "تفليس" هي: ينابيع ‌تفليس الحارَّة، فمعنى حار؛ في لغة ‌الكُرْج: تفيلي (Tphili)، أما الأرمن فيطلقون عليها اسم: تفخيس (Tpkhis).

والنسبة إليها "تفليسي"؛ حيث ينسب إلى ‌تفليس جماعة من أهل العلم والمُحدِّثين، منهم: "أبو أحمد حامد بن يوسف بن أحمد بن الحسين التفليسي"، سمع ببغداد وغيرها، وسمع ببيت المقدس "أبا عبد الله محمد بن علي بن أحمد البيهقي"، وبمكة "أبا الحسن علي بن إبراهيم العاقولي"، روى عنه "علي بن محمد الساوي"، وكانت وفاته بعد سنة 484هـ.

ومنهم: "أبو بكر محمد بن إسماعيل بن بنون بن السري التفليسي" (400 - 483 هـ)، و"محمد بن بيان بن حمران المدائني التفليسي"، أصله من ‌تفليس.. و"عبد الله بن حماد التفليسي".

وذكر "الذهبي"، في "سير أعلام النبلاء"[3]، "نجم الدين ثابت بن تاوان التفليسي" المتوفى سنة 631 هـ، كما ذكر "محمد بن إسماعيل السري التفليسي"، المتوفى سنة 483 هـ، وأسند الذهبي رواية للناتاني تفيد أن الإمام "علي بن عبد الرحمن بن عَلِيَّك النيسابوري"، قَدِمَ "‌تفليس" وحدث عن الخفاف، وتوفي في ‌تفليس سنة 468 هـ.

وقال "ابن حوقل" في "صورة الأرض" يصف "تفليس": "وتفليس مدينة دون باب الأبواب في الكبر، وعليها سوران من طين، ولها ثلاثة أبواب، وهي خصبة حصينة، كثيرة الخيرات، رخيصة الأسعار، يزيد رخاؤها على سائر البلدان الراخية والنواحي الرفهة والخصبة، ولقد ذكر بعض من اشترى بها العسل ذات يوم أنَّه اشتراه على نحو عشرين رطلًا بدرهم، وهي ثغر جليل، كثير الأعداء من كلِّ جهة، وبها حمَّامات كحمَّامات طبريَّة، ماؤها سخين من غير نار، وهي على نهر الكُرِّ، والآن فهى بيد الكرج، أخذوها في العشر الأخير من سني خمسمائة، وملك الكرج مع كفره يُراعي أهلها، ويمنع جانبهم من كلِّ أذيَّة، وشعار الإسلام بها قائمة كما كانت، ومسجد الجامع ممنوع من كلِّ دنس، يوقده الملك بالشمع والقناديل وما يحتاج إليه، والأذان في جميع مساجدها يجهر لا يعرض لهم أحد بسوء البتَّة، وقد اختلط الآن المسلم والكرجي، وأهلها قوم فيهم سلامة وقبول للغريب وميل إلى الطارئ عليهم، وأُنْس بمن له أدنى فَهْم وانتساب إلى شيء من الأدب، وهم أهل سُنَّة محضة على المذاهب القديمة، يكبرون علم الحديث ويُعظِّمون أهله"[4].

وقال "الحميري" يصف المدينة: "تفليس أول حدود أرمينية، بينها وبين "قالي قلا" أربع مراحل، وهي على نهر، وبها سوران من طين، وهي في غاية من الرفه والخصب، وأهلها أهل مروات، ولها حمامات مثل حمامات "طبرية"، مياهها حامية من غير أن يُوقَد عليها نار، أسعارها رخيصة، والعسل والسمن بها كثيران جدًّا.

وفي سنة ثمان عشرة وستمائة استولى التتر على مدينة تفليس، وكانت قبل للمسلمين، وأكثر منازلها من خشب، فأطلقوا فيها النار، حتى صارت جمرة واحدة"[5].

وفي كتب التاريخ نجد أنه كثيرًا ما اختلطت أخبار الكرج أو "جرزان" كما أسمتها بعض المصادر العربية بأخبار أرمينيا وجبال القبج، وأكثر ورود اسمها أيام الفتوحات العربية المسلمة في القرن الأول الهجري، ثم في أوقات انفلاتها وخروجها من رحاب الإسلام في القرن السادس الهجري[6].

أما "كرجي" فهي النسبة إلى الكرج، وكانت لقب جماعة من الموالي سمعوا الحديث ورووا، وقد خرجوا من تلك المنطقة، منهم "أبو الحسن فيروز بن عبد الله الكرجي"، كان من ساكني بغداد، سمع بالموصل القاضي "أبا نصر عبد الأعلى بن عبيد الله السنجاري"، وببغداد "أبا جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة المعدل" وغيرهما، وكانت وفاته في حدود سنة خمس وعشرين وخمسمائة[7].

وقد ذكر المؤرخ "إسترابون" أن إيبريا (بلاد الكرج) كانت آهلة بالسكان، وكانوا أغنياء خصوصًا سكان نهر (كر)، فإنهم امتازوا بتفوقهم في الزراعة والبناء والصناعات، وكانت لهم آثار مشيدة ومبانٍ ضخمة بالأحجار؛ بل كانت لهم مُدُن عظيمة تدل على تقدُّمهم في فن البناء.

وقد امتازوا أيضًا بدماثة الأخلاق وببغضهم للحروب، وأن المُلك كان فيهم وراثيًّا[8].

 

[1] "تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري"، ابن جرير الطبري، دار التراث - بيروت، 1387 هـ، (4/ 157).

[2] معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت، 1995 م، (2/ 36).

[3] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ط الرسالة، 1405 هـ - 1985 م، (22/ 367).

[4] صورة الأرض، ابن حوقل، دار صادر، أفست ليدن، بيروت، 1938 م، (2/ 340).

[5] الروض المعطار في خبر الأقطار، الحميري، ت: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت - طبع على مطابع دار السراج، 1980 م، صـ 139.

[6] بلاد العربية الضائعة: جورجيا، محمد بن ناصر العبودي، دار الثلوثية للنشر والتوزيع، 2003 م، صـ25.

[7] الأنساب، أبو سعد السمعاني، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، 1382 هـ - 1962 م، (11/ 72).

[8] بلاد العربية الضائعة: جورجيا، محمد بن ناصر العبودي، صـ39.