كيف دخل الإسلام جورجيا؟ (1)مقالات


نبذة عامة عن جورجيا:

تُعَدُّ "جورجيا" إحدى بلدان منطقة جنوب القوقاز، في غرب آسيا، يحدُّها من الغرب "البحر الأسود"، ومن الشمال "روسيا"، ومن الجنوب "تركيا" و"أرمينيا"، و"أذربيجان" من الشرق، وتغطي "جورجيا" مساحة 69.700 كم2.

وتشمل السفوح الجنوبية الغربية لجبال القوقاز؛ ولذا فإن مناخها أكثر اعتدالًا؛ إذ إن الجبال العالية في الشمال كانت تحُول دون وصول الرياح الشمالية الشرقية الباردة إليها، كما أن ارتفاعها عن سطح البحر يجعلها مصيفًا رائعًا تكسو جبالَه ووديانَه الخُضْرةُ الدائمةُ؛ ولذا أكثر دور النقاهة تقع في هذه المنطقة، وأمطارها غزيرة وأنهارها وفيرة، وهي تنساب إما نحو الشرق صوب "نهر كورا" الذي يصب في بحر "قزوين" أو نحو الغرب لتصب في البحر الأسود، وأطول هذه الأنهار الغربية هو "نهر ريفون"[1].

وقد عرفت منطقة "جورجيا" في المصادر العربية باسم "بلاد الكرج"، وبعد أن تم تنصيرهم في القرن الخامس عشر الميلادي عرف "الكرج" بالجيورجيين نسبةً إلى القديس "سانت جورج"[2].

وكانت هذه المناطق تابعة للإمبراطورية البيزنطية، وعند مجيء الإسلام اصطدموا بالروم؛ حيث قاموا بإخراجهم من الشام وأرض الجزيرة، ثم قاموا بالتوسُّع لتأمين الحدود السياسية للإسلام المتاخمة لبلاد الشام والجزيرة في المناطق التي أطلقوا عليها مصطلح "بلاد الرحاب" والتي تشمل كل من (أذربيجان وأرمينيا وأران)، ونتيجةً لمجاورة جورجيا "بلاد الرحاب" من الشمال، فقد فتحها المسلمون كما فتحوا تلك المناطق؛ لهذا فانتشار الإسلام بجورجيا مرتبط بانتشاره في بلاد الرحاب[3].

مراحل فتح المسلمين جورجيا:

• تم فتح مدينة "تفليس" عاصمة "جورجيا" في عهد مبكر جدًّا، وذلك في عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب" سنة 20 هـ - 639 م، عندما أرسل "عياض بن غنم" لفتح "أرمينية" التي كانت تابعة للإمبراطورية البيزنطية، واستطاع "عياض بن غنم" دخول "تفليس" ثم تقدَّم إلى "خلاط" في قلب أرمينية، وهنا صالحه بطريرك مدينة "خلاط"، وكان هذا في محرم سنة 20 هـ، كما عقد معاهدة مع مدينة "تفليس" قبلت فيها دفع الجزية والاعتراف بسلطة المسلمين.

• وفي عهد الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" سنة 31 هـ، تمرَّد أهل تلك المنطقة ثانيةً، فأرسل إليهم "حبيب بن مسلمة الفهري"، وبرز "حبيب بن مسلمة الفهري" كأحد أمْهَر قواد المسلمين في محاربة الروم؛ حيث انتصر عليهم في "قاليقلا" (وهي أرضروم أو أرزن الروم الواقعة اليوم في شرق الجمهورية التركية) وبعد أن تم له فتح "خلاط" و"أرجيش" في أرمينية توجه "حبيب" إلى "تفليس" فدانَتْ له، واستطاع فتح "أرمينية" من جديد بما فيها "بلاد الكرج"[4].

• وعلى أثر ذلك أرسل "حبيب بن مسلمة" إلى الخليفة "عثمان" أن يبعث إليه جماعة من أهل الشام وجزيرة الفرات، فبعث إليه "معاوية" بألفي رجل، فأسكنهم "حبيب" في هذه البلاد.

• وفي عهد "معاوية بن سفيان" أرسل إليهم "عبد العزيز بن حاتم بن النعمان"، وذلك عندما أغار الترك سنة 79هـ، على أذربيجان والكرج والبلاد المجاورة[5].

• ولما انتقضت هذه المناطق أعاد فتحها "محمد بن مروان" الأمير الأموي الشجاع بأمر من الخليفة "عبد الملك بن مروان" ووطَّد دعائم الحكم الإسلامي في "منطقة الرحاب"، وقضى على غزو الروم والخزر لمنطقة الرحاب[6].

• وفي عهد العباسيين أطلق على تلك المنطقة اسم "الثغور"؛ لمواجهتها للروم، وظهرت على مسرح الأحداث أسرة محلية حكمت المنطقة، وهي "أسرة البطارقة"؛ حيث اعترفت الدولة العباسية بإمارة هذه الأسرة الوطنية[7].

• وكانت "بلاد الكرج" أو جورجيا هذه تتبع حكام أرمينية من "أسرة البطارقة" الذين أظهروا الولاء للخلافة الأموية ثم العباسية، وكانوا يدفعون الجزية بانتظام؛ بل كانوا في كثير من الأحيان يُقاتلون في صف المسلمين ضد إخوانهم في الدين من جنود الإمبراطورية البيزنطية المعروفة باسم إمبراطورية الرومان الشرقية؛ وذلك لأن معظم نصاری الأرمن كانوا من الكاثوليك، بينما كان نصارى بيزنطة من الأرثوذكس، وكانت الحرب شديدة وعنيفة بين هاتين الطائفتين؛ ولذا كانوا يرحِّبون بالمسلمين لما رأوه من سماحتهم وعدلهم[8].

• وقد اختلط العرب والأتراك بهؤلاء النصارى، ودخل الإسلام إلى قلوبهم شيئًا فشيئًا.. وكانت "أسرة بني ساج" من "آل شيبان" من الأُسَر المرموقة في هذه المناطق، والتي تولَّت الإمرة لعدة قرون من الزمان.

• وقد توالى على حكم جورجيا "السلاجقة" في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، فالمغول المسلمون، وظهر التركمان بقيادة "أوزون حسن"؛ ولكن ما لبث "العثمانيون" أن فرضوا سيطرتهم على كامل المنطقة.

 

[1] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ199.

[2] بلاد العربية الضائعة: جورجيا، محمد بن ناصر العبودي، دار الثلوثية للنشر والتوزيع، 2003 م، صـ19.

[3] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393هـ، صـ348.

[4] بلاد الكرج وعلاقاتها مع القوى المجاورة [500-658 هـ / 1106 - 1260 م]، قيس عبد إسماعيل محمد، مجلة كلية التربية الأساسية، مجلد 22، عدد 94، سنة 2016 م، صـ428.

[5] تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، تحقيق علي شبري، دار الفكر للنشر، بيروت، 1415 هـ - 1995 م، 36/ 292.

[6] دول الإسلام، الذهبي، تحقيق حسن إسماعيل ومحمود الأرناؤوط، دار صادر - بيروت، 1999 م، 1/ 72.

[7] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ348.

[8] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ 201.