كيف دخل الإسلام كازاخستان؟ (2)مقالات


سقوط كازاخستان تحت نيِّر الاحتلال الروسي:

• بانقسام الإمارات الإسلامية في بلاد ما وراء النهر إلى عدة خانيات يحكمها أمراء محليُّون، بدأ طمع الرُّوس في عهد القياصرة في تلك المنطقة الإسلامية، وبدأوا محاولاتهم للسيطرة على منطقة وسط آسيا منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي[1]، واستغرق إخضاع الرُّوس لوسط آسيا مدة تزيد على 182 عامًا، قَضَوا فيها على خانيات بلاد "أوزبكستان" و"كازاخستان"، ودانَتْ لهم السيطرة بالمنطقة؛ حيث بدأوا في محاربة الإسلام بتلك المنطقة، وأبقى الرُّوس المجموعات الإسلامية غير موحَّدة سياسيًّا ولا إداريًّا ولا دينيًّا؛ حيث كان القيصر يُعيِّن مفتي روسيا الداخلية ومفتي القرم (المنطقة الغربية)، ولم يكن لآسيا الوسطى مُفْتٍ واحدٌ وإنما عدد من المفتين، ورغم أن روسيا تركت للقبائل الرُّحَّل من أرض الكازاخ الاحتكام لعاداتهم وتقاليدهم، إلا أنها قاومت أيَّ حَراك إسلامي بتلك البلدان حتى قيام الثورة البلشفية عام 1917 م.

• كان هذا في عهد روسيا القيصرية، وبعد ظهور الشيوعية في روسيا جرَّد السوفيت حملات اضطهاد وتنكيل على الجمهوريات الإسلامية في وسط آسيا، وقاوم التركستانيون هذا الغزو، وتكوَّنَت جبهة تركستانية إسلامية من الجمهوريات الإسلامية بالتركستان، ولم يستطِع الرُّوس التغلب على حركة المقاومة الإسلامية إلا في سنة 1353هـ - 1934م؛ ولهذا لم يتم إدماج جمهورية "كازاخستان" في الاتحاد السوفيتي إلا في سنة 1936م، وواجه المسلمون تحديات كثيرة عن عمد لإحكام القبضة الحديدية الشيوعية على البلاد.

ممارسات الشيوعيين في كازاخستان الإسلامية:

• ذهبت جميع خيرات وثروات "كازاخستان" الزراعية والمعدنية والسمكية إلى المستعمرين الروس البلاشفة الذين حكموا "كازاخستان" وجميع المناطق الإسلامية بالحديد والنار، وهدموا مساجدها، وحطَّموا مدارسها، وحوَّلوا كثيرًا منها إلى معاهد لتعليم الشيوعية، وعندما قاومهم الأهالي أبادوا مئات الآلاف وشرَّدوا الملايين في مجاهل سيبيريا.

• قام الشيوعيون بمحاولة تغيير المعطيات الإدارية والسياسية والإسلامية للبلاد عن طريق تغيير الحدود الجغرافية والديموغرافية للمدن الكازاخستانية، فعلى سبيل المثال مدينة "أورنبرغ" قام البلاشفة بإخراجها من "كازاخستان"، وضمِّها لروسيا، وأطلقوا عليها "شكالوف" على الرغم من كونها إحدى مدن "كازاخستان" المشهورة بمدارسها الإسلامية ومساجدها الأثرية، والتي حطَّم أغلبَها البلاشفةُ الرُّوس، وحوَّلوا ما بقي منها إلى متاحف وقاعات للترفيه واللهو.

• في 26 أغسطس 1920 م تحوَّل الإقليم الذي كان يُسمَّى (كير خيزسكي كراي) إلى جمهورية "كيرخيزيا" الاشتراكية السوفيتية المحكومة ذاتيًّا، وعاصمتها "أورنبرغ"، وفي إبريل 1925 م تغير الاسم إلى جمهورية كازاخستان الاشتراكية السوفيتية ذات الحكم الذاتي، ونقلت العاصمة إلى "قيزيل أوردا"- أي: "العاصمة الحمراء" - وكانت تُسمَّى "أكشميت" من قبل- أي: المسجد الأبيض- وضمَّت هذه الجمهورية إقليم "كاراكلباك" الذي تغيَّر وَضْعُه فيما بعد، وضَمَّ إلى جمهورية "أوزبكستان" الاشتراكية السوفيتية، وفي عام 1929 م صارت العاصمة بعد ذلك مدينة "ألما آتا"؛ أي: "مدينة التفاح"، وفي 5 ديسمبر 1936 م تحوَّلت جمهورية كازاخستان من درجة الحكم الذاتي إلى جمهورية اشتراكية سوفيتية، وكلها من باب خلط العرقيات المختلفة للمسلمين بتلك المناطق، وإثارة العصبية بينهم، وزَرْع التنافُر بين المسلمين، إلى جانب أن كثرة التغيير في أسماء المدن والمناطق لنسيان التاريخ الإسلامي وما يربطهم بالماضي.

• شكل الكازاخيون (القزخ) أقلية (كبيرة) في وطنهم؛ حيث إن نسبتهم من مجموع السكان في عهد الاتحاد السوفيتي بلغت 36٪ بينما بلغت نسبة الرُّوس والأوكرانيين 48٪ وهي تُرِينا إلى أيِّ مدى اتَّسَمت السياسة الروسية بالاستعمار الاستيطاني الذي يشبه ما تقوم به إسرائيل في فلسطين[2].

• منذ عام 1309 هـ (۱۸۹۱م) بدأت روسيا سياسة الاستعمار الاستيطاني فامتلأت سهوب كازاخستان بالمستوطنين الرُّوس، وقام هؤلاء المستعمرون بطرد السكان من أخصب أراضيهم، كما قاموا بمصادرة أراضي الأوقاف الإسلامية لصالح الإقطاعيين من النبلاء الروس وكبار الموظفين والضباط؛ مما أدَّى إلى قيام الثورات المستمرة من الشعب القازاخي، وحرب الإبادة من قِبَل السلطات الروسية البربرية.

• نتيجة لطرد القازاخ من أراضيهم وانتشار المجاعات فيهم مات منهم مليون في مجاعة 1341 هـ (۱۹۲۱ - ۱۹۲۲م)، كما مات مليون آخر في مجاعة 1345 هـ (1926 م).

• منذ عام 1345 هـ (1926 م) إلى عام 1358هـ (۱۹۲۹م) (قامت السلطات الروسية) كما يقول الكاتبانِ الفرنسيانِ "بنجيسن" و"لومرسييه" (بسياسة تحضير) إجبارية تميَّزت بالقسوة الرهيبة وكلَّفت حياة مليون قازاخي؛ "حيث تسببت سياسة التحضير في الثلاثينات من هذا القرن في هلاك وموت ثلث شعب القازاخ المسلم".

• نمَّى الرُّوس في العهد القيصري والبلشفي في "القازاخ" الرُّوحَ القومية النافرة من الاندماج في التركستان أو التتار المسلمين، وأُنشئت لهم المدارس الخاصة بهذه الغاية، وبُذِلت الجهود لإيجاد لغة القازاخ الأدبية، والمكتوبة بالحرف الرُّوسي بدلًا من الحرف العربي، وكانت هذه السياسة الخبيثة ناجحة إلى حد كبير؛ لكنها اصطدمت بالفشل عندما امتلأت سُهوب قازاخستان بالمستوطنين الروس الذين أخذوا أراضي الكازاخ الخصبة وطردوهم من أراضيهم؛ مما نمَّى رُوح الكُرْه للرُّوس بين أبناء الشعب الكازاخي، وأدَّى لارتباطهم أكثر بالإسلام؛ حيث ارتبط الإسلام عندهم بمفهوم القومية لمقاومة السياسات الروسية.

استقلال كازاخستان وعودة المد الإسلامي:

مع انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكُّكِه، أعلنت "كازاخستان" استقلالها في ديسمبر 1991 م، ورغم إعلان الدولة علمانيَّتَها، فما زال الكازاخيُّون يفخرون بإسلامهم، ويرتبط مفهوم القومية عندهم بالإسلام، وقد طبعت السنوات الطويلة من الشيوعية آثارَها على جميع البلاد بكازاخستان؛ حيث دُمِّرتْ المساجد، وخلت الدولة من الأئمة المؤهلين لنشر الدعوة بين الأجيال الجديدة الجاهلة بتاريخها المجيد.

ومع ذلك فهناك عودة بطيئة للإسلام من جديد؛ ففي بداية الاستقلال كانت "كازاخستان" تضمُّ 68 مسجدًا فقط، أمَّا الآن ففيها أكثر من 2200 مسجد، بُني مُعظمُها حديثًا، وكان الكازاخيُّون قد نسوا الإسلام تقريبًا، خلال فترة الاتحاد السوفيتي؛ ولكنَّهم بَقَوا مرتبطين به على أنَّه جزءٌ من حياتهم فقط من دون تطبيق حرفيٍّ، وبعد الاستقلال تدفَّق الدُّعاة المسلمون إلى "كازاخستان" من الدُّول الإسلامية والعربية لإعادة الصحوة الإسلامية هناك، إلى جانب تزايُد أهمية "كازاخستان" استراتيجيًّا في بداية القرن الحادي والعشرين؛ حيث كان التحوُّل السريع للعاصمة "نور سلطان" - آستانا سابقًا - من خلال طفرة إنشائية معمارية غذَّتْها إلى حد كبير عائداتُ النفط المتزايدة في البلاد.

 

• كان فتح القائد "قتيبة بن مسلم الباهلي" لبلاد ما وراء النهر، ودخوله إمارات "بُخارى" و"سمرقند" و"فرغانة" مقدمة للتقدُّم أكثر خلف نهر جيحون، وفتح مناطق "كازاخستان".

• قام "قتيبة" بأربع مراحل من الجهاد استمرت 14 عامًا حتى بسط سيطرته على جميع أراضي "أوزبكستان" و"كازاخستان" (تركستان الغربية) وواصل فتوحاته حتى كاشغر (تركستان الشرقية).

•  في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أرسل إلى ملوك ما وراء النهر – أي: "كازاخستان" - يدعوهم للإسلام من جديد، وأسلم البعض سِلْمًا.

• زاد انتشار الإسلام في "كازاخستان" في عهد العباسيين، خصوصًا في عهد المعتصم العباسي، وكان أتراك المنطقة من الأوزبك والقازاخ في طليعة حرس الخليفة في بغداد.

• زاد ازدهار الدعوة بكازاخستان عندما أسلم الخواقين من "آل بوغرا"، وانتشرت الثقافة العربية، وبرز علماء في الدين واللغة بفاراب وأسفيجاب وطراز.

• كانت المدن الواقعة في جنوب "كازاخستان" مثل "قزيل أوردا" و"دجامبول" و"تشمقند" مدنًا إسلامية منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).

• في عهد المغول من ملوك "القبيلة الذهبية"، انتشر الإسلام بسُهوب "كازاخستان" وتوطن أراضيها.

• استولى الرُّوس على خانيات المسلمين بأوزبكستان وكازاخستان، وسامُوا أهلَها سوءَ العذاب.

• عمد الرُّوس من القيصريين والشيوعيين إلى سياسة تغيير ديموغرافي وجغرافي للمسلمين بكازاخستان، وتغيير أي مَعْلَم إسلامي بالمنطقة.

• استقلت "كازاخستان" عام 1991 م، ورغم علمانية الدولة، فما زال الكازاخيُّون يفخرون بإسلامهم.

 

[1] تركستان، محمد شاكر الحرستاني، صـ43.

[2] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ349.