المسلمون في كازاخستان (1)مقالات


• كان الكازاخ، خلال أواخر القرن الخامس عشر وطوال القرن السادس عشر، قادرين على توحيد إمبراطورية بدويَّة تمتد من شرق بحر قزوين وشمال بحر آرال حتى نهر إرتيش العلوي والحدود الغربية لجبال ألتاي.

• تعني كلمة "كازاخستان" "موطن الأحرار"، وهو دلالة على حياة البداوة الحُرَّة.

• كانت اللغة القازاخية تُكتَب بالحرف العربي وتدخلها كثيرٌ من الكلمات العربية.

• أثَّرت السنوات الطويلة من السيطرة الروسية في جعل "كازاخستان" بلدًا ثنائي اللغة؛ حيث زاحمت اللغة الروسية اللغات المحلية.

• توارى اللسان العربي في "كازاخستان" إلا في مجال التعليم الديني، وحفظ القرآن وتلاوته.

• تعد "كازاخستان" بلدًا ثريًّا بثرواته الطبيعية؛ مما ساهم في طمع الروس في احتلاله قديمًا؛ لوجود مقومات الحياة الحضارية من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها مما حبا اللهُ به هذه البلادَ.

• من حواضر "كازاخستان" الإسلامية: "أسفيجاب" و"فاراب" و"طراز" و"أُسْبانيكث"، والتي كانت من ثغور الإسلام وموطن العلماء.

• اتسع نطاق تبادل السلع والأفكار والطرق ببلاد "كازاخستان"، ومثلت تلك البلدان مصدرَ ثراءٍ ثقافي وعلمي انعكس بدوره على المستوى الاجتماعي لأهل تلك المنطقة.

 

الكازاخ المسلمون:

يُعَدُّ "المسلمون" أغلبية في "كازاخستان"؛ حيث يمثلون نسبة كبيرة، بتقديرات حوالي 70.2 ٪ من سكان البلاد، وغالبية الكازاخستانيين هم في الغالب من المسلمين السُّنَّة وعلى المذهب الحنفي، مع عدد قليل من الشيعة.

ورغم سياسة التغيير الديموغرافي التي كانت تمارسها روسيا أيام احتلالها "كازاخستان"، ومحاولة إحلال الروس والأوكرانيين وتوطينهم في أراضي المزارعين "الكازاخ" الخصبة، فقد قاوم "الكازاخ" هذه السياسة الاستعمارية، وقاموا بالعديد من الثورات المضادة، مع مقاومة سياسات "تحديد النسل" التي كانت تقوم بها الحكومات الشيوعية المختلفة بالبلاد لِوَأْد كثافتهم السكانية[1].

وكلمة "كازاخي" هي كلمة تركية الأصل وتعني "الحر والمستقلَّ"، والتي ترمز لحياة البداوة الحُرَّة، والسكان الذين يتنقلون بحُريَّة على صهوة الجواد؛ حيث ساعد على ذلك طبيعة جبال وسهوب "كازاخستان"، أما مصطلح "ستان" فهي كلمة فارسية الأصل وتعني "موطن" أو "أرض"؛ وبهذا تعني "كازاخستان" "موطن الأحرار". 

وكان الكازاخ، خلال أواخر القرن الخامس عشر وطوال القرن السادس عشر، قادرين على توحيد إمبراطورية بدويَّة تمتد من شرق بحر قزوين وشمال بحر آرال حتى نهر إرتيش العلوي والحدود الغربية لجبال ألتاي، وكانوا سادة تلك المنطقة تحت حكم "بوروندي خان" (1488-1509) و"قاسم خان" (1509-1518)؛ حيث باتوا قادرين على حشد 200 ألف فارس في الحروب، وأصبح جميع جيرانهم يخشونهم.

اللغة العربية وروافد الثقافة الإسلامية:

تعُود اللغة الكازاخية إلى فئة اللغات التركية المعروفة باسم "نوغاي" والتي كانت تُكتَب بالحرف العربي وتدخلها كثيرٌ من الكلمات العربية.. ومنذ بداية الاستعمار الروسي فرضت السلطات الروسية عليهم كتابتها بالحرف الكريلي (الرُّوسي) حتى تُبعِدَهم عن الاتِّصال باللغة العربية والقرآن.

وقد أثَّرت السنوات الطويلة من السيطرة الروسية في جعل "كازاخستان" بلدًا ثنائي اللغة؛ حيث زاحمت اللغة الروسية اللغات المحلية، وصارت هي لغة المعاملات الرسمية والدبلوماسية، وتُستخدَم بشكل نمطي في مجال الأعمال التجارية، وتوارى اللسان العربي إلا في مجال التعليم الديني؛ حيث ساهم تمسُّك الأجيال القديمة من السكان المسلمين بتعلُّم القرآن وحفظه، في عدم طمس اللغة العربية في "كازاخستان" والتي كانت تَصدُر بها الجرائد الرسمية، وتُكتَب على العملات الرسمية أيام "دولة الخانات" المسلمين.

الثروات الطبيعية والنشاط الاقتصادي:

تُعَدُّ "كازاخستان" بلدًا ثريًّا بثرواته الطبيعية؛ مما ساهم في طمع الرُّوس في احتلاله قديمًا؛ لوجود مقومات الحياة الحضارية من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها مما حبا اللهُ به هذه البلادَ.

فتُعتبَر "كازاخستان" منطقةً غنيَّةً في ثروتها الزراعية والحيوانية، ففي المناطق المرتفعة تكثُر زراعة الفاكهة في الأودية حتى لتُسمَّى المناطق التي جنوب بحيرة "بلكاش" بلاد التفاح (ألما آتا)، كما تكثُر زراعة الحبوب في المناطق المنخفضة، ومع مشاريع الرَّيِّ المتطوِّرة كثُرت زراعة القطن، وأصبحت من المناطق التي كانت تُدِرُّ أرباحًا أيام الاحتلال للاتحاد السوفيتي من خلال هذه الزراعة.

وكانت "كازاخستان" تُقدِّم للاتحاد السوفيتي ثروةً حيوانيةً ضخمةً، فقد كان فيها 15٪ من مجموع الإمبراطورية و20٪ من أغنامها، وتكثُر الأسماك في بحيرة "بلكاش" وبحر "آرال" وبحر "قزوين".

أما الثروة المعدنية فهي هائلة؛ إذ كانت تُعتبر "كازاخستان" الأولى في إنتاج الكروم في منطقة آسيا الوسطى؛ حيث تنتج عشرين ألف طن سنويًّا، وتنتج 13 مليون طن من الحديد سنويًّا، و27 مليون طن من الفحم سنويًّا (وخاصة في حوض كارغندة)، و3 مليون طن من النفط سنويًّا (وخاصة من مكامن نهر أمبا) [2].

وکانت "كازاخستان" تُنتج 56 ٪ من رصاص الاتحاد السوفيتي، و50 ٪ من زنك الاتحاد السوفيتي سابقًا، وكميات كبيرة من الفضة؛ لذا كانت سياسة الروس تقوم على سياسة "الاستعمار الاستيطاني" لتلك المناطق بكازاخستان ونهب ثرواتها، ومصادرة أراضي الأوقاف الإسلامية الزاهرة لصالح الإقطاعيين من النبلاء الروس وكبار الموظفين، ثم الساسة البلاشفة فيما بعد؛ مما أدَّى إلى كثير من التمرُّدات من جانب "الكازاخ" تكبدوا فيها ضحايا كثيرين[3].

ووفقًا لبعض التقديرات الحديثة، فإن "كازاخستان" لديها ثاني أكبر احتياطي من اليورانيوم والكروم والرصاص والزنك، ولديها ثالث أكبر احتياطي من المنجنيز، وخامس أكبر احتياطي نحاس، وتُصنَّف ضمن المراكز العشرة الأولى في تصدير الفحم، والحديد، والذهب؛ بل هي أيضًا مصدر للألماس، والأكثر أهمية بالنسبة للتنمية الاقتصادية أن "كازاخستان" أيضًا لديها حاليًّا أكبر احتياطي نفطي مؤكد في كل من البترول والغاز الطبيعي.

حواضر إسلامية زاهرة:

ساهمت "كازاخستان" بمدنها وكورها في الحركة العلمية الزاهرة التي كانت عليها منطقة ما وراء النهر، وكانت تتبع إقليم "خراسان" الإسلامي إداريًّا، وكان الولاة المسلمون يعمدون بشتى الوسائل لكسب ولاء قبائل الترك والكازاخ الساكنة على حدود هذا الإقليم، وكانت أقاليم "كازاخستان" كــ"أسفيجاب" و"فاراب" و"طراز" وغيرها من أهم الثغور الإسلامية التي تحمي الحدود الإسلامية من خطر "الترك الخرلخية" في الأراضي الممتدة شرقًا إلى وادي "طلاس"؛ بل شكل الكازاخ قبائل من المقاتلين شديدي البأس أنشأوا العديد من الأربطة الإسلامية في مدن الثغور؛ لحماية بيضة الإسلام، وإلى جانب أهمية الرباط الحربية فقد وُجِدتْ له أهمية علمية؛ حيث كان أغلب المجاهدين من علماء الإسلام، وكان الرباط لا يقل عن المسجد، فكان من مؤسسات العلم في الإسلام.

ونجد أن هذه السياسة الجهادية قد آتَتْ ثِمارَها؛ حيث غلب الإسلام على تلك البلاد، وصاروا يغزون مَن وراءهم من الأتراك، وفي عصر الدولة الطاهرية (205-259هـ/ ۸۲0-۸۷۲م) أخذت ثغور بلاد ما وراء النهر بُعْدًا إسلاميًّا؛ حيث يأتيه المجاهدون والمتطوِّعة من أنحاء المناطق المجاورة ليُسهموا في الجهاد ضد الأتراك، واستطاع "الطاهريون" حماية الحدود الإسلامية من مَرْو إلى خوارزم، وأشروسنة، وكاشغر، وأسفيجاب، وفرغانة، وحافظوا على الثغر الشرقي[4].

أسفيجاب مدينة العلم والجهاد:

كان ثغر "أسفيجاب" أو "أسبيجاب" من أهم ثغور الترك ببلاد ما وراء النهر على الحدود التركية، ومقرُّها الآن "كازاخستان"، و"أسفيجاب" اسم يُطلَق على الإقليم بأكمله، وكانت له عدة كور وبلدان تابعة له، و"أسفيجاب" تقع على حدود الإسلام الشمالية التي تفصل بين المسلمين والترك؛ لذا كانت أهم ثغور الإسلام مصداقًا لذلك قول اليعقوبي (284هـ/ 897م) الذي وصفها بـ "الثغر الأعظم"[5] الذي يحمي الحدود الإسلامية من خطر الترك، وهو ثغر جليل ودار جهاد قُدِّر عدد أربطته بألف وسبعمائة رباط.

ونتيجة لحركة الجهاد والرباط بين أهل الإقليم؛ تم إعفاء سكانه من دفع الخراج، مصداقًا لذلك قول "الإصطخري": "وليس بخراسان وما وراء النهر بلد لا خراج عليه إلا أسفيجاب، وما يقع من المدن في نواحيها بذَخْكَث، وسبانبكث، والطراز، وشلجي، وأطلخ، وكدر وستکند، وشاوغر، وصبران، ووسيج"، وسبب إعفاء "أسفيجاب" وبلدانها من الخراج: ليتمكن أهلها يومذاك من "إنفاق مقدار الخراج على شراء السلاح ومستلزماته والمعونة من أجل حماية بلادهم من خطر الترك، وهم عدة قبائل: الغز، والتغزغز، والخرلخية، والكيماك"[6].

وقال "المقدسي": إنه كان فيها 1700 دار للمتطوعة الجهاديين، واشتمل إقليم أسفيجاب على عدة مدن وقرى كبيرة، ويصفها "ياقوت الحموي": بأنها "ولاية واسعة، وقرى كالمدن كثيرة"[7].

وقد خربت المدينة بتدمير خوارزم شاه: "محمد بن تكش" لها عندما خانه بعض أمرائها، ثم تخريب التتار عند اجتياحهم البلاد نحو الصين.

وأخرجت أسفيجاب جملةً من العلماء منهم "أبو على الحسن بن منصور بن عبد الله بن أحمد المؤدب المقرئ الإسفيجابي"[8]، مات بعد الثمانين وثلاثمائة، حدَّثَ عن "الحسن بن علي الميداني" و"محمد بن يوسف الفقيه الشافعيّ" السمرقنديينِ.

وممن رحل إلى "أسفيجاب" ورابط بها "أبو الوليد أبان بن نهشل البصري" الذي دخل "سمرقند" وخرج منها غازيًا إلى "أسفيجاب"، وتُوفي بها.

 

[1] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق للنشر والتوزيع، 1983م، صـ322.

[2] تركستان، محمد شاكر الحرستاني، دار الإرشاد للنشر والتوزيع- بيروت، 1390 هـ - 1970 م، صـ75.

[3] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ346-347.

[4] إقليم أسفيجاب من الفتح الإسلامي إلى أواخر القرن الرابع الهجري، د. عبد الحميد حسين محمود، مجلة المؤرخ العربي، تصدر عن اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، عدد 14، مارس 2006 م، صـ 185 - 221.

[5] البلدان، اليعقوبي، طبعة ليدن، 1893 م، صـ315.

[6] المسالك والممالك، الإصطخري، طبعة ليدن، 1927 م، صـ 333 وما بعدها.

[7] "معجم البلدان"، ياقوت الحموي، دار صادر- بيروت، 1397 هـ - 1977 م، 1/ 179.

[8] علماء آسية الوسطى (التركستان) بين الماضي والحاضر، محمد بن موسى الشريف، بدون دار نشر، صـ89.