المسلمون في كازاخستان (2)مقالات


فاراب موطن الفارابي:

(فاراب) مدينة وولاية وراء نهر "سيحون"، في تخوم بلاد الترك، وهي أبعد من (الشاش) قريبة من "بلاساغون" (على حدود تركستان الشرقية)، قال عنها (ياقوت الحموي): "مقدارها - في الطول والعرض - أقل من يوم، إلا أن بها منعةً وبَأْسًا، وهي ناحية سبخة لها غياض، ولهم مزارع في غربي الوادي، تأخذ من نهر (الشاش) وهو نهر سيحون"[1].

ووصف المؤرخون أهلها بأنهم مقاتلون أبطال، وكان بفاراب قوات لحمايتها، يقول "ابن خرداذبة": "فيها مسلحة للمسلمين، ومسلحة للأتراك الخرلخية"[2] وسكن في منطقة المراعي الخصبة الواقعة بين "فاراب" و"كجندة" نحو ألف بيت من الترك الذين دخلوا في الإسلام.

ومن أهم العلماء الذين خرجوا منها:

"إسماعيل بن حماد الجوهري"، المتوفى سنة 393 هـ : وهو من أئمة اللغة العربية، وصاحب كتاب (الصحاح) وله - أيضًا - كتاب في العروض، ومقدمة في النحو، سافر من بلدة (فاراب) صغيرًا، حتى وصل (العراق) ومنها سافر الى (الحجاز) ثم عاد إلى (نيسابور) خراسان، وبها أقام واشتهر، وقيل: إنه أوَّل مَن حاول الطيران.

وكذلك ظهر بالمدينة "إسحاق الفارابي"، المتوفى سنة 350 هـ: وهو "أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم"، صاحب (ديوان الأدب) في اللغة، وخال إسماعيل بن حماد الجوهري، وقد انتقل إلى اليمن، وأقام بزبيد.

ومن أعلام "فاراب": "أبو نصير محمد بن أحمد بن طرخان الفارابي"، المتوفى سنة 339 هـ: وهو الفيلسوف، الحكيم، الفلكي، الرياضي، الطبيب، المؤرخ المشهور، أعظم فلاسفة المسلمين، وأوَّل من نقل كتب (أرسطو) وشرحها[3].

ومن علماء اللغة: "يحيى بن أحمد أبو زكريا الفارابي" صاحب كتاب "المصادر في اللغة"، وتتلمذ على يديه جماعة من العلماء من أهل "فاراب" وبلاد ما وراء النهر، وروى الحديث عن "أبي عبد الرحمن عبد الله بن عبيد الله بن شريح البخاري"، و"الحسن بن منصور".

طراز ثغر الإسلام:

من مدن "أسفيجاب" الثغرية على الحدود التركية، وهو ثغر يقع على شط "سيحون" في آخر حدود الإسلام في مواجهة الترك الخرلخية، وبين أهل طراز والترك الخرلخية في أكثر الأوقات كانت هناك حروب وغارات، وعندما تتوقف وتعقد الهدنة كانت بينهم التجارات والمعاملات بالأمتعة والسائمة والأوبار وغير ذلك.

وكانت "طراز" مدينة جليلة كثيرة البساتين مشتبكة العمارة يحيط بها خندق وأربعة أبواب، ولها ربض عامر على باب المدينة، ولطراز نهر كبير، وهي طيبة التربة، عذبة الماء، لطيفة الهواء، كثيرة الخيرات، وكان جامعها يقع في وسط الأسواق، وهي متجر للمسلمين من الأتراك[4].

سبانيكث أو أسبانيكث:

قصبة كورة تقع غرب "أسفيجاب"، وكانت مدينة حصينة بها مسجد جامع ومعظم مبانيها في الربض، وصفها المؤرخون بأنها مدينة نزهة ذات نعمة وثراء.

ينتسب إليها مجموعة كبيرة من العلماء، منهم: "أبو الحسن سعيد بن حاتم بن عدي الفقيه الأُسْبانيكثي"، من ساكني "سمرقند"، وتفقَّه بها على "أبي الحسن الرحبي الفقيه الشافعي"، وولد بها ابنه "الحسن" ثم خرج إلى بلاد الترك قبل الثمانين والثلاثمائة وانصرف منها إلى "أُسْبانيكث" ومات بها، وكان يروي عن "عبد الله بن محمد بن محمود السمرقندي" شيخ من ساكني "أسبيجاب"، سمع منه "أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ".

و"ظفر بن الليث بن فل الثغري الأُسْبانيكثي"، يروى عن "محمد بن أسلم القاضي"، كان فقيهًا لا بأس بروايته عن الثقات، مات بعد العشرين والثلاثمائة.

و"أبو بكر محمد بن سفيان الأُسْبانيكثي" الفقيه الشافعي، كان على حكومة "نسف" مدة، وكان من أورع الحُكَّام وأفضلهم وأنزههم[5].

كازاخستان في عهد الإسلام:

كانت حواضر "كازاخستان" ومدنها من مناطق التخوم في آسيا الوسطى التي استقر بها بعض التجار الأثرياء الذين يستخدمون شبكة واسعة من العلاقات التجارية، وقد زاد استقرار الحكم الإسلامي من نشاط هؤلاء التجار، كما اتسع نطاق تبادل السلع والأفكار والطرق، ومثلت تلك البلدان مصدرَ ثراءٍ ثقافي وعلمي انعكس بدوره على المستوى الاجتماعي لأهل تلك المنطقة؛ حيث كان حُكَّامُها وولاتها من الأثرياء رعاة العلم والعلماء، وعلى درجة عالية من الرفاهية والثقافة؛ بل وكان بعضهم من الأدباء والشعراء، ومارسوا أنواعًا عديدة من الفنون، ومثلت تلك الفترة العصر الذهبي لدول منطقة آسيا الوسطى.

 

• كان الكازاخ، خلال أواخر القرن الخامس عشر وطوال القرن السادس عشر، قادرين على توحيد إمبراطورية بدويَّة تمتد من شرق بحر قزوين وشمال بحر آرال حتى نهر إرتيش العلوي والحدود الغربية لجبال ألتاي.

• تعني كلمة "كازاخستان" "موطن الأحرار"، وهو دلالة على حياة البداوة الحُرَّة.

• كانت اللغة القازاخية تُكتَب بالحرف العربي وتدخلها كثيرٌ من الكلمات العربية.

• أثَّرت السنوات الطويلة من السيطرة الروسية في جعل "كازاخستان" بلدًا ثنائي اللغة؛ حيث زاحمت اللغة الروسية اللغات المحلية.

• توارى اللسان العربي في "كازاخستان" إلا في مجال التعليم الديني، وحفظ القرآن وتلاوته.

• تعد "كازاخستان" بلدًا ثريًّا بثرواته الطبيعية؛ مما ساهم في طمع الروس في احتلاله قديمًا؛ لوجود مقومات الحياة الحضارية من زراعة وصناعة وتجارة وغيرها مما حبا اللهُ به هذه البلادَ.

• من حواضر "كازاخستان" الإسلامية: "أسفيجاب" و"فاراب" و"طراز" و"أُسْبانيكث"، والتي كانت من ثغور الإسلام وموطن العلماء.

• اتسع نطاق تبادل السلع والأفكار والطرق ببلاد "كازاخستان"، ومثلت تلك البلدان مصدرَ ثراءٍ ثقافي وعلمي انعكس بدوره على المستوى الاجتماعي لأهل تلك المنطقة.

 

[1] "معجم البلدان"، ياقوت الحموي، (4/ 225).

[2] "المسالك والممالك"، لابن خرداذبة، دار صادر أفست ليدن، بيروت، 1889 م، صـ31.

[3] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ501.

[4] إقليم أسفيجاب من الفتح الإسلامي إلى أواخر القرن الرابع الهجري، د. عبد الحميد حسين محمود، صـ188.

[5] "الأنساب"، أبو سعد السمعاني، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، 1382 هـ - 1962 م، 1/ 194-195.