وصول الإسلام إلى تايلاند وأوضاع المسلمين فيها (2)مقالات


الأحوال الدينية لمسلمي تايلاند:

ويتمتع المسلمون مؤخرًا في تايلاند بحرية نسبية في العبادة وشئون دينهم، على الرغم من مضايقات البوذيين، واحتكاكهم بالمسلمين في بعض الأوقات، وقد نشطت جهود الدعوة الإسلامية في تايلاند في العقد الأخير نشاطًا ملحوظًا، ومن المظاهر التي تدل على ذلك:

• إنشاء المساجد والمدارس والمراكز والجمعيات الإسلامية في جميع أنحاء تايلاند، وقد بلغ عدد المساجد حوالي 3000 مسجد تقام فيها جميع الصلوات والشعائر الدينية، وبلغ عدد المدارس والمعاهد الإسلامية في المراحل المختلفة ما يزيد على 3500 مدرسة، تم بناء كثير منها بجهود خاصة من قِبَل المسلمين، وبعضها بمعاونة من الحكومة عن طريق وزارة التعليم.

• وتقوم هذه المدارس بدور كبير في تثقيف أبناء المسلمين، وتعريفهم بدينهم، والإلمام بثقافات العصر وعلومه، فضلًا عن أن كل مسجد ملحق به فصول دراسية لتعليم القرآن الكريم والمبادئ الإسلامية للأطفال، وهناك كُليَّتان إسلاميَّتان إحداهما حكومية، وهي "كلية الدراسات الإسلامية" بجامعة الأمير سونكلا بولاية فطاني، وأخرى أهلية، وهي "الكلية الإسلامية" بولاية جالا، أما الجمعيات والمراكز الإسلامية فهي كثيرة ومتنوعة، وتقوم بدور مُهِمٍّ في حال الأنشطة الدعوية الإسلامية وسط المجتمع البوذي والوثني في هذه البلاد.

• بالنسبة للقوانين المتعلقة بشؤون المسلمين، فهناك مجموعة قوانين خاصة بشؤون المسلمين تم إقرارها من قبل الحكومة بعد محاولات وجهود من قبل علماء المسلمين وزعمائهم، وتسمى قوانين إدارة المؤسسات الإسلامية عام 1997 م، وتضم هذه القوانين: القانون الخاص بشؤون المساجد، والقانون الخاص باختيار الرئيس الأعلى للمسلمين، والقانون الخاص بتنظيم شؤون الحج، والقانون الخاص بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الولايات الجنوبية الأربع؛ وهي: "فطاني"، و"جالا"، و"ناراتيوات"، و"ستول"، وبموجب هذا القانون يحق للمسلمين في هذه الولايات تطبيق الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية والميراث، وينص هذا القانون على تعيين قضاة الأحكام الشرعية من بين المسلمين ليتولوا مناصب القضاة في هذه الولايات.

• ونلاحظ كثافة العمل الإسلامي في المجالات كافة، وخاصة في التربية والتعليم، وفي الدعوة والإرشاد للمسلمين ولغير المسلمين بإلقاء خطب الجمعة والمحاضرات الدينية، والمشاركة في الندوات الإسلامية، وإقامة الدورات والملتقيات والمخيمات، وإعداد البرامج الإذاعية والتلفازية ومواقع الإنترنت، وإعداد القوافل الدعوية في المواسم والمناسبات، وكذلك في مجال الخدمات الاجتماعية والأعمال الخيرية، وفي مجال التأليف والترجمة، وإصدار الصحف والمجلات والنشرات، وإنتاج الأشرطة المسموعة والمرئية وما شابه ذلك من الوسائل الدعوية الحديثة[1].

 

العادات الاجتماعية بين مسلمي تايلاند:

لمسلمي تايلاند - خاصة في الولايات الجنوبية الإسلامية على اختلاف أصولهم - عاداتُهم وتقاليدهم المتوارثة، فأغلب الرجال يلبسون القميص، ويرتدون الإزار التقليدي (الفوطة) المسمى بـ (سَارُوْنْج) ويضعون فوق رؤوسهم القلنسوة السوداء أو البيضاء، بخلاف علمائهم فإنهم يرتدون العمامة ويلبَسون الجُبَّة، أما النساء فغالبهن يرتدين ثوبًا يسمى (الكَبَايَة) - ربما "العباية" أو "العباءة" بالعربية - وهي قميص نسوي يلف الخصر في إحكام وفوقه الفوطة، وعلى رؤوسهن الحجاب الذي يغطي الشعر دون الوجه[2].

وهم يحتفلون بالمناسبات الدينية والأعياد، ولهم عادات اجتماعية حسنة في شهر رمضان المبارك، ويتعاونون فيما بينهم.

ويواجه الكثير من شباب مسلمي تايلاند عدة مشاكل اجتماعية، تعود أغلبها إلى وضعهم كأقلية إسلامية وسط مجتمع بوذي، صار فيه عدد من المتعصبين يسعون إلى حرمان المسلمين من حقوقهم الاجتماعية والتعليمية، إضافةً لسعي البوذيين لإفساد أخلاق المسلمين، وهدم قيمهم الإسلامية، ومن أهم هذه المشاكل:

• انتشار المخدرات بين أوساط الشباب المسلم.

• التأثر بالسلوك البوذي، وبسياسة الإدماج الحكومية لتذويب الديانات، ومحاولة إلغاء قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية وفرض القوانين التايلاندية البوذية[3].

• البطالة واضطرار المسلمين إلى الهجرة للعمل في ماليزيا وغيرها من الدول المجاورة.

• غياب الطاقات الشبابية في بعض المناطق نتيجة الهجرة؛ مما أدى لاستغلال البوذيين هذا الوضع بالتوطين في تلك المناطق، وإقامة المشاريع التنموية لصالحهم.

• قلة اهتمام السلطات الحاكمة بأوضاع المسلمين الاقتصادية؛ مما جعلهم يواجهون ظروفًا صعبة من حيث نقص الموارد وانخفاض الدخل وقلة المهارات، وتشير كثير من المصادر إلى أن المتوسط العام لدخل المسلمين يقل بنسبة الثلث عن المتوسط العام لدخل الفرد في تايلاند[4].

 

مسلمو تايلاند والتحديات السياسية:

يعاني مسلمو تايلاند جملةً من التحديات السياسية التي مارستها السلطة الحاكمة التايلاندية ضد المسلمين خاصة في الجنوب؛ خوفًا من المناداة بمطالبات استقلالية عن البلاد؛ لذا تنشط الحركات الإسلامية في تايلاند لمواصلة الكفاح ضد الاضطهادات البوذية وممارساتها الهادفة إلى محو الشخصية الإسلامية بالمنطقة؛ مما اضطر الحكومة التايلاندية إلى اتخاذ أساليب مختلفة جديدة لإضعاف مقاومة المسلمين؛ مثل: احتضان بعض زعمائهم، وإعطاء المناصب والوظائف الحكومية لبعضهم، وإنشاء بعض الدوائر للاهتمام بشؤون المسلمين تحت إشراف الحكومة، وكذلك تقديم بعض المساعدات للمدارس والمشاريع الإسلامية؛ لترضية المسلمين واحتوائهم، وفرض السيطرة على تلك المدارس وجعلها مدارسَ حكوميةً.

ويأمل المسلمون في تايلاند للتغلب على سوء أحوالهم العامة، وضعف مظاهر تدينهم، والجهل بكثير من شؤون دينهم الصحيح خاصةً بين الأجيال الجديدة، إلى دعم المنظمات الإسلامية والدول الإسلامية المجاورة، وتقوية مركز المسلمين بالولايات الإسلامية الجنوبية حتى لا تتكرر مأساة "بورما" و"تركستان الشرقية" و"كشمير" داخل تايلاند.

• دخل الإسلام إلى تايلاند في القرن الخامس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، أغلب الأمر من أرخبيل الملايو المجاور.

• في القرن الثامن الهجري/ الخامس عشر الميلادي - على الأرجح - أسست دولة إسلامية مستقلة في فطاني.

• تكالب القوى الاستعمارية، إلى جانب اعتداءات مملكة سيام المتكررة أدت لسقوط مملكة فطاني عام 1320 هـ / 1902 م.

• يمثل المسلمون في تايلاند ما بين 7 إلى 8 ملايين نسمة بنسبة تبلغ 12 % من السكان.

• تزداد كثافة السكان المسلمين في الولايات الجنوبية لتايلاند: فطاني، وناراتيوات، وجالا، وستول، والتي تعرف بالولايات الإسلامية.

• يحتكم المسلمون في شؤونهم لقوانين خاصة بشؤون المسلمين تم إقرارها من قبل الحكومة بعد محاولات وجهود مضنية.

• تخاف الحكومة البوذية لتايلاند من مطالبات الاستقلال للولايات الإسلامية عن تايلاند.

 

 

[1] الأخطاء العقدية في الترجمات التايلاندية لمعاني القرآن الكريم، د. عبد الله بن مصطفى نومسوك، صـ4.

[2] الدعوة الإسلامية في تايلاند وجهود المسلمين في سبيلها خلال القرن العشرين الميلادي، عبد الناصر أحمد مناها، رسالة ماجستير، غير منشورة، ۱۹۹۸ م، صـ ۳۰.

[3] دولة فطاني المسلمة (ماضيها المجيد وحاضرها الجهيد)، رؤوف شلبي، دار القلم- الكويت، 1402 هـ، صـ77، 78.

[4] التعليم العالي الإسلامي في جنوب تايلاند ودوره في الدعوة والثقافة الإسلامية، شهمي بن جئ كؤ، كلية الدعوة وأصول الدين، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1436- 1437 هـ، صـ69-73.