مقاومة مسلمي فطاني للاستعمار التايلاندي:

قام شعب فطاني المسلم بعدة حركات ثورية ضد المستعمرين البوذيين؛ لاستعادة مملكتهم المسلمة، وكان من أهمها:

• حركة "تنكو لميدين" (الأمير قمر الدين) في عام 1789 م في فطاني، وهذه الحركة فشلت رغم ضراوة الحرب التي قامت بين المسلمين والبوذيين التايلانديين.

• وفي عام ۱۲۲۳ هـ/ 1809 م قامت الثورة- مرة أخرى- بحركة (داتؤ فنکالن) الذي أعلن استقلال بلاده وتصدَّى للمستعمرين، غير أنه لم ينجح في تمرُّده، وقسم المستعمرون فطاني- بعد إخماد الثورة بقسوة- إلى أجزاء إدارية أصغر؛ لقتل وحدة المسلمين وترابُطهم.

• في عام 1247 هـ /1826 م قامت ثورة بقيادة "تنكودين"، ولكنه فشل، وتجلت الوحشية للحكومة التايلاندية في تعاملها مع المسلمين بالنهب، وتهديم بيوت المسلمين، وقتل العلماء، ونقل الناس إلى العاصمة "بانكوك" وتشغليهم سخرة في شَقِّ القنوات.

• وفي عام 1320 هـ/ 1899 م، أُلحقت فطاني بتايلاند، وارتبطت ببانكوك، وغدت مديرية تايلاندية.

• وفي عام 1321 هـ/ 1900 م، قام الأمير "تنكو عبد القادر قمر الدين" يطالب بالحرية، ومعه شعب فطاني، فاعتُقِل وحُمِل إلى بانكوك.

• وفي عام 1342 هـ/ 1922 م، اتَّحد الفطانيون ضد السلطات التايلاندية بالامتناع عن دفع الضرائب وتسديد رسوم الأراضي التي فُرِضَت عليهم ظلمًا، وفي نفس العام نظموا حركة تحرير ولكنها سرعان ما أُخمِدت بعنف، وأُلقي القبض على عدد كبير من قادة الفطانيين وشعبهم، وعُذِّب عددٌ كبيرٌ منهم[1].

• وعندما اعتلى الفريق الأول (فيبون سونقرام) السلطة في تايلاند عام 1357 هـ/ ۱۹۳۸ م، تعرض الشعب الفطائي لضغط أكثر، وكانت سياسة سونقرام هي ابتلاع الشعب الفطاني، وقد واصلت تايلاند جهودها مباشرة بعد عام 1928 م، لتحويل الملايويين في فطاني إلى تايلانديين بالإرغام والعنف، وذلك بإجبارهم على لبس الزي التايلاندي المخالف للإسلام، واستعمال اللغة التايلاندية، وتحريم استعمال اللغة الملايوية في جميع مصالح الدولة.

• وفي عام 1360 هـ/1941 م وأثناء الحرب العالمية الثانية انخدع الأمير (محمود محيي الدين) - أصغر أبناء السلطان عبد القادر قمر الدين - بوعود الإنجليز له باستقلال بلاده في حالة التعاون معهم، وقام بمعاونتهم في الوقوف في وجه اليابانيين الذين احتلوا البلاد، وبعد انتصار الحلفاء تخلَّى عنه الإنجليز، وذهبَتْ محاولاتُه لاستقلال فطاني أدراجَ الرياح.

• وفي عام 1368 هـ/ 1948 م تكاتف المسلمون وعلماؤهم، وقدم أحد العلماء وهو الحاج "محمد سولونج" رئيس الهيئة التنفيذية لأحكام الشريعة الإسلامية، وثيقة تتضمنت سبعة مطالب إلى الحكومة التايلاندية لتعيين حاكم مسلم على الولايات الأربع ينتخبه أهل فطاني، وأن ينتفع أهل الولايات الإسلامية بمحاصيلهم الزراعية، وألا تؤخذ منهم عنوة إلى الولايات الأخرى، وأن يكون موظفو تلك الولايات من المسلمين، وأن تعود الحكومة لإقرار اللغة الملايوية لغة تدريس للمسلمين، وحاول رفع تقرير للأمم المتحدة بمأساة شعبه، فاعتقلته حكومة تايلاند وأبناءه، ثم اغتيل سرًّا، وأُلقيتْ جُثَّتُه في بحر "سونجكلا" عام 1954 م[2].

• وبعد استشهاد الحاج "محمد سولونج"، قام ابنه الحاج "أمين" وزملاؤه بتأسيس حركة إسلامية لتحرير فطاني طلبًا للاستقلال، وتطبيق الشريعة الإسلامية فيها، وسط بطش الحكومة التايلاندية بأعوانه من المسلمين.

المظاهر الحضارية لمملكة فطاني المسلمة:

• طور الفطانيون نظام التعليم الإسلامي، حيث قامت الكتاتيب التي كانت تسمى "فُنْدوق" Sekolah Pondok أو: "مدرسة الكوخ" والتي أخرجت عددًا كبيرًا من الدُّعاة كان لهم الأثر الكبير في نشر الإسلام في منطقة جنوب شرق آسيا، ومن أهم العلماء الذين بدأوا تطبيق هذا النظام التعليمي الشيخ "وان موسى الفطاني" وهو أول من طوَّر التعليم من كونه يُعقَد في المساجد أو المصليات إلى أن يكون تعليمًا على شكل كتاتيب (فنادق)، وقد أسس - رحمه الله - في سنة 1002 هـ / 1539 م فندقًا باسم (فندق سِنَا)، وقد اشتهر هذا الفندق، وكثُر إقبال الطلاب عليه حتى أصبح مركزًا علميًّا في جنوب تايلاند، بل تجاوز أثره التعليمي إلى جميع الأراضي الملايوية، وتخرج فيه عدد من العلماء والدعاة يحملون أمر الدعوة، وأسسوا (فنادق) أخرى في فطاني[3].

ويعتبر منتصف القرن التاسع عشر هو أقوى فترة ازدهار لتعليم الفنادق في جنوب تايلاند، وقد بلغ عددها في عام 1959 م على حسب الولايات ما يلي: ولاية فطاني 17 فندقًا، وولاية جالا تسعة فنادق، وولاية ناراتيوات فندق واحد[4].

• يرجح العلماء أن "فطاني" كانت أقدم مملكة ملايوية في شبه الجزيرة، وكان حكام فطاني بعد الإسلام هم الذين يسيطرون على موانئ السواحل التجارية، وقد أخضعوا البحر والتجارة لهم، وجعلوا من خصومهم التجاريين أتباعًا لهم، وكانت فطاني مكان التقاء التجار الهنود والصينيين، وأنشأ سلاطينها مراكزَ تجاريةً لها على طول السواحل البحرية التي هي طريق التجارة القديم وممر المراكب البحرية[5].

• مثلت فطاني قوةً عظمى رادعة في منطقة جنوب شرق آسيا، حافظت على الكيان الإسلامي، وتصدَّت للقوى العظمى في المنطقة آنذاك، كما تصدَّت للزحف الاستعماري البرتغالي في أرخبيل الملايو؛ وكانت فطاني من أكبر الممالك الإسلامية، وأعظمها شأنًا في عالم الملايو (تانه ملايو)[6].

• من أهم علماء مملكة فطاني الشيخ "داود بن عبد الله الفطاني" (ت 1263 هـ /1847 م)، والشيخ "أحمد بن محمد زين المصطفى الفطاني" (ت 1325 هـ /1908 م)، والشيخ "زين العابدين بن أحمد الفطاني"، والشيخ "نيء مَتْ كيشيك الفطاني" (ت 1332 هـ/1915 م)، والشيخ "إبراهيم بن داود بن عبد القادر الفطاني" (ت 1413 هـ/1993 م)، وهو الملقب بـ "فقيه مكة"؛ وغيرهم من علماء مملكة فطاني.

• كانت فطاني ثرية بالموارد الطبيعية والثروات؛ كالذهب والقصدير والمطاط الطبيعي والأخشاب وثمرة جوز الهند والأرز والأسماك والنفط والغاز الطبيعي، ومدخول فطاني 35% مقارنة بالدخل العام لتايلند كلها، وكانت بضاعتها تصل لجميع موانئ جنوب شرق آسيا، وازدهرت أحوالها وقت حكم السلاطين والسلطانات المسلمين، وعقدت العديد من الاتفاقات التجارية مع جيرانها.

• كان مسلمو فطاني بارعين في إنشاء القلاع العسكرية، ونصب المدافع وتعميرها، وهو ما مكنهم من رد هجمات مملكة "سيام" العديد من المرات، وعندما هُزِم المسلمون أمام التايلانديين، اقتِيدَ عددٌ كبيرٌ من الأسرى إلى بانكوك، للاستفادة من خبراتهم العسكرية، ومهارتهم في صناعة الأسلحة.

• ما زال المسلمون يحافظون على لغتهم الملايوية، ويكتبونها بحروف عربية، وقاوم المسلمون أكثر من مرة - في ولايات الجنوب التايلندي - تغيير لغتهم الملايوية واستبدالها بالتايلندية (السيامية) والإنجليزية، وثاروا على حكام الولايات، وعلى مناهج التدريس أكثر من مرة، ويحاولون تعلم العربية؛ لأنها لغة القرآن الكريم، ويعتزون بها.

حاضر فطاني الأليم:

أسس المسلمون في "فطاني" مملكة إسلامية زاهرة دامت 255 سنة، ونتيجة تكالب القوى الاستعمارية والنفوذ البوذي بالمنطقة تم إسقاط تلك المملكة في القرن التاسع عشر، وثار المسلمون أكثر من مرة، نتيجة محاربة الدولة التايلاندية أيَّ مظهرٍ إسلاميٍّ في تلك المنطقة، ومحاولة مسخ هويتهم الإسلامية، وقد فشلت ثوراتهم، وجهادهم المستمر في إعادة دولتهم الإسلامية مرة أخرى، ويتمسك الجيل الجديد من مسلمي فطاني بما تبقى من أصول تاريخهم الإسلامي العريق، ويواصل المسلمون مقاومتهم -  كل حين - ضد ممارسات السلطات التايلندية البوذية الجائرة تجاههم، ولمنع تهجيرهم من أراضيهم، والمطالبة بحقوقهم في إنشاء مدارسهم الإسلامية، وممارسة أحكامهم الإسلامية في ولاياتهم، دون مضايقة من السلطات، ويأمل علماء فطاني ودعاتها في إعادة إحياء التراث الإسلامي بين سكان تلك الولايات، وتكوين جيل إسلامي جديد متمسك بالكتاب والسنة.