المسلمون في تايلندمقالات

إدارة الشؤون الإسلامية بالكويت

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي – السنة الثالثة – العدد 31 – غرة رجب 1387 ه – 5 اكتوبر 1967 م – (ص76 – 85).

 

إدارة الشؤون الإسلامية بالكويت

 

الوضع الجغرافي:

تايلاند دولة مستقلة، تقع في الجنوب الشرقي من آسيا، حدودها من الشرق والشمال الشرقي، كمبوديا ولاوس، ومن الغـرب والشمال الغربي بورما، ومن الجنوب ماليزيا. مساحتها ( 198/456 ) ميلا مربعـا، وتغطى الغابات حوالي ۷۰ ٪ من مساحتها والباقي سهول ووديان خضراء خصبة وحقول أرز غنية، ولذلك كانت الزراعة هي عصب الحياة الاقتصادية للبلاد، فالتربة خصبة والمياه وافرة، ويشكل الأرز الغـذاء الرئيسي الذي يفيض عن الحاجة فيشكل مصدرا هاما للحصول على العملة الاجنبية، ومن أهم صادراتها بالإضافة إلى الأرز، المطاط والصفيح وغير ذلك يبلغ عدد السكان ( ۳۰ ) مليون نسمة، منهم ثلاثة ملايين ونصف المليون مسلمون يعيش معظمهم في المقاطعات الجنوبية الاربع التي تتاخم حدود ماليزيا، أما بقية المسلمين فهم موزعون في شتى أنحاء البلاد وعلى الأخص في أيوديا العاصمة القديمة وفي بانكوك العاصمة الحالية، كما يعيش بعض المسلمين في

 

الشرق والشمال الشرقي، وينتشر آخرون في مناطق مختلفة، الا أن عدد المسلمين الحقيقي غير معروف اذ ليس هناك احصاء رسمي صحيح والارقام التي تبين عددهم مشوهة وصغيرة لأسباب سياسية كما هو الحال في تنزانيا وأثيوبيا وسيراليون ولبنان.

 

نظام الحكم:

تقوم الإدارة في تايلاند على أساس ديمقراطي ملكي والملك يمارس سلطته عن طريق موافقـة المجلس الشعبي وتصديقه والملك الحالي هو «بوميبول ادرلياويج» وهو ملك دستوري يرعى كافة الأديان في المملكة، وتعترف الدولة بالبوذية كدين رسمي ويشكل البوذيون الاغلبية الساحقة ويعيشون بسـلام مع الأقليات الأخرى.

 

لمحة تاريخية:

بدا اهتمام الأسرة المالكة بالإسلام في تايلاند منذ ثلاثمئة وستين سنة عندما حضر إلى عاصمة البلاد أخوان من بلاد فارس هما الشيخ أحمد والشيخ سعيد وكانت العاصمة ابوديا مدينة مزدهرة واشتغل الأخوان في التجارة، ثم التحق الأخ الأكبر الشيخ أحمـد في خدمة الملك وأصبح مسؤولا عن الشؤون الإسلامية ومنحه الملك وظيفة عالية في البلاد. وقد تقدم الإسلام بخطى سريعة في عهد الملك ناراى الكبير ( 1656-1688 ) فعلى الرغم من مقاومة الملك لجهود رسل الحكام المسلمين في سومطرة والهند لدعوته إلى الإسلام، فقد سمح للسفير الهندي المسلم ببناء مسجد في عاصمة ملكه، ثم دفع نقودا لبناء المساجد، واستمرت حماية الملوك للإسلام رغم انتقال العاصمة أولا من أبوديا إلى ذنوري ثم إلى بانكوك العاصمة الحالية، وكانت الشؤون الإسلامية من اختصاص أحد المسؤولين في المحكمة العليا كان يعرف بالفباخولارا جمونترى، وفي عام 1901 أصدر الملك شمولالونج كورن قانونا يقضي بالفصل في كافة القضايا المدنية المتعلقة بمسـائل الزواج والميراث بين المسلمين على يد قضاة مسلمين، ووضع خلفه الملك ناجيرانوذ مجموعة من القوانين تتناول علاقات حكومته برعاياها المسلمين، كما ضمن الدستور الذي تبع الغاء الملكية المطلقة في عام 1932 التسامح وحماية الأديان في تايلاند بمادة تنص على أن الملك « يساند كافة المعتقدات الدينية ».

 

حالة المسلمين الدينية:

يتمتع المسلمون في تايلاند بحريتهم الدينية الكاملة وبممارسة شعائرهم الدينية وإقامة الاحتفالات الإسلامية في المناسبات وفى حالات معينة يسمح لهم بعقد احتفالاتهم في الأماكن العامة، فيجري الاحتفال بالمولد النبوي في ميدان عام دائما ويدعى لحضوره الملك والملكة وقد أكدت السلطات التشريعية منذ القرار الملكي الذي صدر في عام 1945 ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في قضايا الأحوال الشخصية، بالنسبة لزواج المسلمين وتوارثهم وما يتصل بذلك، كما أعفتهم من ضريبة ذبح الحيوانات لأغراض التضحية الدينية ونظمت أدارة شؤون المساجد، وخصصت قطعا من الاراضي لبنائهـا، كما تتولى الحكومة تسهيل السفر للحجاج إلى مكة المكرمة، كإعطاء موظفي الحكومة من المسلمين الراغبين بأداء فريضة الحج أجازه براتب كامل، ويبلغ عدد الذين يؤدون فريضة الحج من التايلانديين كل سنة حوالي ألفي مسلم، فالمسلمون التايلانديون مغرمون بأداء فريضة الحج، وكثيرا ما يرهنون ممتلكاتهم ويبيعونها كي يتمكنوا من أدائها، وتتكرر هذه الحوادث نظرا لجهلهم بروح الإسلام وتعاليمه، كما يعطى للمسلمين اجازات براتب للعطل الدينية كعيدي الفطر والأضحى ويسمح لرجال القوات المسلحة والبوليس من المسلمين بوقت كاف كل يوم جمعـة لأداء الصلاة في المسجد.

ويتمتع المسلمون في تايلاند بحرية تشكيل المنظمات الاجتماعية، ويوجد حوالي « ۳۰ » منظمة في البلاد، غير أن معظمها ليس نشيطا، وكل منها يعمل بشكل مستقل فلا تتحد كلمة الجالية الإسلامية حتى في مناسبات الفرح والجنازة والاحتفالات، فهناك حزبان من المسلمين في تايلاند أولهما قديم يقوم على البدع والخرافات والثاني حديث يعرف بالوهابي أو ( قوم الجديد ) والذي له اتبـاع قلائل، ويتبع كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد دخل النظام الاخير في صفوف الجماهير منذ أربعين سنة خلت بفضل العالم الاندونيسي العظيم الشيخ أحمد وهاب، وكان هذا الرجل يتعاون مع المرحوم السيد رشيد رضا، ومما يؤسف له أن هذه الجماعة تضعف يوما بعد يوم.

 

المساجد:

يبلغ عدد المساجد الرسمية في تايلاند (1267) مسجدا منها (104) مساجد في العاصمة (بانكوك) وتتركز أكبر مجموعة من المساجد بما فيهـا المسجد المركزي في المقاطعات الجنوبية الأربع وهي باتاني وبالأونا، واثيغاز وساتول، حيث يبلغ عدد المساجد فيها حوالي النصف من المجموع العام، واما المسـجد المركزي الكبير فهو في مقاطعة باتاني، وتنتشر باقي المساجد في أكثر من (۳۲) مقاطعة، وبعض هذه المساجد تعمل على بناء مدارس ملحقة بها لتدريس العلوم الإسلامية لطلاب المدارس وبعـد انتهاء دروسهم النظـامية. هذا وتخصص الحكومة ميزانية سنوية لإصلاح المساجد وبنائها.

 

الحالة الثقافية:

يوجد في تايلاند حوالي (25) مدرسة عادية يديرها أصحابها من المسلمين وقليل من هذه المدارس يعلم الدين الإسلامي، ومعظمها يوجد في العاصمة، كما أن هناك مدارس دينية محضة للعلوم الإسلامية فقط، غير أنه لم يجر احصاء لعددها لأن معظمها غير مسجل رغم ان عددها كبير.. الا أن المسلمين في تايلاند يفتقرون بشكل عام إلى التعليم والوعي السياسي فهم متأخرون في ميدان التعليم الإسلامي والتعليم العام على السواء، وليس هناك أي مؤسسة إسلامية كاملة تضمن مستقبل الاجيال القادمة، ولذلك يقتصر الإسلام على أداء الصلاة والصوم والحج، ولا يتم تطبيقه كمنهج حياة، كما أن من يهتم بالتعليم الديني يتلقى تعليمه من مؤلفات مكتوبة بلغة غير اللغة التايلاندية أو العربيـة، وضعها علماء في القرن الخامس عشر أو السادس عشر ولا ترتكز على أساس النظرية الاصلية من القرآن والحديث، وباستثناء عدد قليل من الرسائل ينعدم وجود ادب إسلامي باللغة التايلاندية، ولذلك ينتشر الجهل بمبادئ الإسلام الصحيح وشعائره، كما أن الحاجة ماسة إلى مجلة إسلامية قوية باللغة المحلية في سبيل نشر المعرفة الصحيحة عن الإسلام ومعالجة قضايا الانقسام والشقاق، أما من يبحث عن تعليم عام فيذهب إلى المدارس العامة المنعزلة عن الإسلام والتي يكون فيها التعليم البوذي اجباريا، وأما المدارس الإسلامية القليلة العدد اجمالا فقد تبنى قسم منها نظام التعليم الحكومي الذي تعترف به وزارة التربية والتعليم، ثم هناك درس للدين البوذي يحضره الطلبة المسلمون وغير المسلمين وفي تلك

الحالة يثقل كاهل الطلبة المسلمين بتعليم الجانب الإسلامي خارج قاعة الدرس مدة ساعة ليست كافية ولا مؤثرة ويتكلم المسلمون التايلانديون اللغات المحلية إلى جانب العربية بالنسبة للمتعلمين أما في الجنوب فيتكلمون لغة خاصة بهم وهي لهجـة ملاوية، وهم متأخرون في التعليم لدرجة أنهم لا يجيدون الكتابة ولا القراءة أو التحدث باللغة التـايلاندية التي هي لغتهم الأصلية ولذلك ليس في مقـدورهم تولى نصيبهم الشرعي من وظائف الحكومة ولكن بعضهم يجيد العربية إلى جانب الملاوية والجدير بالذكر أنه في عام 1950 تم انشاء كلية إسلامية في بانكوك وهي مؤسسة حديثة حسنة الاثاث، يزيد عدد طلابها عن ثمانمائة طالب، وتقـدم المنح الدراسية الحكومية لاستئناف الدراسة في الجامعات المحلية والمؤسسات الدينية في الخارج.

 

الارتباط الإداري للمسلمين:

يسمى المسئول الأول عن المسلمين بشيخ الإسلام ويصدر قرار بتعيينه من الملك مدى الحياة بعد أن يتم ترشيحه من قبل مشايخ وجمهور المسلمين ويكون مستشارا للحكومة في شؤون السلمين ويتبع من الناحية الرسمية لوزارة التربية التي لها ادارة خاصة بالشؤون الدينية ويجرى له راتب شهري محدد، ويراس لجنة تعرف باللجنة المركزية للمسلمين، أما أعضاء اللجنة المركزية للمسلمين فليس لهم راتب، ويتبعون وزارة الداخلية، ولهم الحق في تعويض مالي عندما يدعون لحضور اللجنة وتتألف من أربعة عشر عضوا يتم انتخابهم في الغالب من ائمة المساجد الرسمية أو بتوصية من شيخ الإسلام، ويلي اللجنة الإسلامية المركزية في الأهمية والتسلسل الاداري اللجـان الاقليمية التي يبلغ عددها ( 24 ) لجنة، وهي تشكل في المناطق التي تعيش فيها مئة أسرة مسلمة على الاقل والتي فيها مسجد سجل على الاقل، ويراس هذه اللجان عادة أمام أحد المساجد الاقليمية، وتتبع الجنة المركزية بصفة مباشرة، ولا يتقاضى اعضاء هذه اللجان مرتبات ولا مكافآت، وهم يشغلون ولائهم مدى » الحياة، وشيخ الإسلام الحالي هو الحاج اسماعيل، وهو يحتل مركزا رئيسيا في جميع الأمور التي تتعلق بالإسلام وهو ممثل الملك فيما يخص حماية الحرية الدينية للمسلمين.

وبالرغم من أن للمسلمين الحق في تولى الوظائف الإدارية الحكومية، الا أن كثيرا منهم لا تتاح لهم الفرصة لتولى الوظائف العالية كوزير او وكيل وزارة أو سكرتير وزير رغم ثقافتهم العالية، ومؤهلاتهم الممتازة وذلك بسبب الدين حيث يفضل البوذيون على سواهم في الوظائف العالية.

 

الحالة الاجتماعية والاقتصادية:

يعيش المسلمون في الجنوب كزراعين يزرعون المطاط أو يشتغلون في مزارع المطاط ومناجم الذهب كعمال، وكثير منهم أصحاب أعمال، وقليل منهم يمتلك المزارع، وليس لدى المسلمين في الجنوب شركات مهنية كبيرة ودائمة ولكنهم يمتلكون محلات تجارية صغيرة يديرونها بأنفسهم، ويعيش في بانكوك حوالي ( 250 ) ألف من المسلمين ( ۲۰ ٪ ) منهم مثقفون و ( 5 ٪ ) وصلوا إلى المرحلة الجامعية، وقد كان معظم المسلمين في العاصمة مزارعين وبعضهم موظفون في الشركات المهنية ومكاتب الحكومة وقليل منهم ملاك وتجار خشب، وقد افتتح بعضهم شركات مهنية حرة، ولمـا كانت البلاد تسير في طريق التقدم والنمو فقد شقت طرق عديدة في المزارع في بانكوك فارتفعت أسعار الأراضي والمزارع التي يملكها المسلمون مما ساعد كثيرا من ذوى الحظ السعيد من المسلمين أن يصبحوا من أصحاب الملايين والملاك، وقليل جدا من هؤلاء المسلمين يفكر في انشاء شركة مهنية كبيرة، الا أن القاعدة العامة هي أن المسلمين في تايلاند فقراء ويعمل كثير منهم في الصيد، وأما الذين يتمتعون بأوضاع اقتصادية حسنة فهم قلة وهم في تناقص وانخفاض.

هذه نبذة عن حياة المسلمين في تايلاند، وأن المسلمين فيها فخورون بدينهم ومتحمسون لاتباع تعاليمه، فهم يشتركون بانتظام في المنافسات الدولية لتلاوة القرآن الكريم التي تجرى في كوالالمبور بماليزيا يحضرها ممثلون عن باكستان والهنـد والفلبين وكمبوديا والبلد المضيفة، وفي عام 1963 نال قراء تايلاند الجائزتين الأولى والثانية.