مأساة أربعة ملايين مسلم في تايلاندمقالات

أحمد أبو زيد

المصدر: موقع قصة الإسلام، 18/ 3/ 2009م.

 

رغم تعدّد الأقليات المسلمة في آسيا، وتعرّض معظمها للممارسات القمعية، وحرب الهُويّة التي تعمل على استئصال الإسلام من هذه البلدان وتهميش دور المسلمين، بحيث لا تقوم لهم قائمة، فإن مأساة المسلمين في تايلاند تزداد شراسة يوماً بعد يوم، نتيجة للمواجهات الدامية التي تقع بين الحين والآخر، ويذهب ضحيتها عشرات وربما مئات المسلمين الذين يطالبون بأبسط حقوق المواطنة والحرية وممارسة شعائرهم الدينية.

معاناة ومآسي المسلمين في تايلاند

 فالإحصائيات تشير إلى أن المواجهات في جنوبي تايلاند والتي يتركز فيها المسلمون قد أسفرت عن سقوط (400) قتيل مسلم على الأقل منذ مطلع العام الحالي، نتيجة قيام السلطات التايلندية باستخدام وسائل عنيفة في الجنوب.

وآخر المواجهات تلك المأساة التي أسفرت عن مقتل (90) مسلماً في أواخر أكتوبر (2004م)، حيث أقرت الحكومة البوذية بوفاتهم اختناقًا خلال نقلهم بشاحنات تابعة للجيش إثر اعتقالهم خارج مركز للشرطة تجّمعوا أمامه للاحتجاج على اعتقال ستة مسؤولين محليين بتهمة دعم ما تصفه الحكومة بالجماعات المتمردة المسلحة في المنطقة.

واعترفت الحكومة بوقوع "أخطاء" في الطريقة التي تعاملت بها قوات الأمن مع احتجاجات المسلمين في جنوبي البلاد، وتعهد رئيس الوزراء التايلندي ثاكسين شيناواترا بتشكيل لجنة للتحقيق في الحادث الذي أسفر عن مقتل هذا العدد من المسلمين بسبب الاختناق، بينما اعتقل نحو ألف آخرين.

فصول المأساة

وفصول مأساة المسلمين في تايلاند تتوالى:

ففي يناير 2004، اندلعت اشتباكات لم تُعرف أسبابها أدّت إلى سقوط نحو (60) قتيلاً في المناطق المسلمة الجنوبية المحاذية لماليزيا، حيث شنت قوات الجيش التايلاندي حملة اعتقالات واسعة شملت عشرات المسلمين للاشتباه في علاقتهم بـ"إرهابيين"، ووضعتهم قيد الاعتقال بدون محاكمة، وهو ما أثار سخط المسلمين في الجنوب.

ووصل الصراع بين الحكومة التايلاندية ومجاهدي فطاني أقصاه في المواجهات التي اندلعت يوم 28 إبريل الماضي (2004م) بين قوات الأمن التايلاندية ومسلحين مسلمين ينتمون إلى (حركة تحرير فطاني المتحدة "بولو" ) في مدينة فطاني جنوب تايلاند، والتي قتل خلالها (108) من الشباب المسلم، ولجأت قوات الأمن التايلاندية في هذه المواجهات إلى العنف غير المبرّر تجاه الشبان المسلمين المسلحين الذين هاجموا مراكز للشرطة بسبب الممارسات الأمنية التعسفية ضد مسلمي الإقليم، حيث قصفت (30) منهم تحصّنوا داخل مسجد، وهدمته على أشلائهم، كتعبير عن حالة من الهلع الشديد من جانب الحكومة البوذية تجاه تنامي دور التيار الإسلامي في هذا الإقليم الجنوبي والاستفادة من أجواء العداء الدولي ضد المسلمين لقمع أي تمرد أو انفصال يسعى إليه مسلمو الإقليم.

وقد أصدرت منظمات دولية تقارير عن اضطهاد مسلمي فطاني، كان آخرها تقرير لجماعة "هيومان رايتس ووتش" الحقوقية ومقرها نيويورك دعت فيه تايلاند لبدء تحقيق فيما أسمته ضرورة "المستوى المرتفع من القوة المميتة " في الأحداث الأخيرة حيث أكّد شهود عيان أنه كان من الممكن تسوية الأمر سلميًا، واستسلام المهاجمين أو إجهاض الهجوم الذي علمت به قوات الأمن من جواسيس مسبقًا، ولكن الحكومة اختارت أسلوب القوة وهدمت مسجد "كروي سي" على رؤوس المسلمين، وحشدت فرقتين مدرعتين كاملتين في الإقليم لإرهاب المسلمين.

الغزو البوذي للمسلمين

يشكل المسلمون نحو 10 % من سكان تايلند البالغ عددهم (63) مليون نسمة، ويتركزون في الأقاليم الجنوبية للبلاد، وخاصة إقليم فطاني؛ حيث يشكلون نحو 80% من سكانه، وفطاني ظلت دولة مسلمة مستقلة عبر عدة قرون، وقد بدأت مأساة المسلمين هناك عندما تعرّضت دولتهم للغزو من مملكة سيام البوذية (التي عُرفت فيما بعد بتايلاند) والتي اعتبرتها جزءاً من أراضيها، فقد عمل البوذيون منذ أواخر القرن الثاني عشر الهجري على احتلال البلاد، كراهية لأهلها الذين دانوا بالإسلام وطمعاً في خيراتها وثرواتها.

وهاجم التايلنديون فطاني مرات عديدة، وألزموا الفطانيين بدفع الإتاوات لهم، وقد بدأت الأزمة عام 1786م حين شنّت مملكة تايلاند حملات ضد سلطنة فطاني المسلمة، أحرقت خلالها مدينة " فطان" وقلاعها العسكرية، وأسرت أربعة آلاف من سكانها المسلمين، وأجبرتهم على السير على الأقدام مسافة (1300) كيلو متر، وهم مكبّلون بصورة غير إنسانية، ثم استخدمتهم تايلاند في أعمال شاقة مات فيها الكثير منهم مثل شق القنوات.

ثم سقطت فطاني في أيديهم سنة 1832م، وفي سنة 1902م قضت تايلند نهائياً على استقلال السلطنة المسلمة بإبعاد آخر سلاطينها المسلمين "تنكو عبدالقادر قمر الدين"، وتعيين حاكم بوذي عليها، وبذلك ضمّت فطاني إلى تايلند التي أصبحت تدّعي أنها جزء من بلادها.

مخطّط محو الإسلام

وبعد الاحتلال عملت تايلند على محو الإسلام في فطاني بالحروب الطويلة التي كان يُساق فيها الأسرى المسلمون إلى بانكوك عاصمة تايلند، كما أكرهت الفطانيين المسلمين على دراسة الثقافة البوذية، وتعلم اللغة التاهية (لغة تايلند)، وأمرتهم بالركوع لتماثيل بوذا التي أُقيمت في المعابد والساحات العامة.

وتمثلت أبرز مظاهر الاضطهاد التي عاشها المسلمون هناك إلى جانب الفقر، فيما يلي:

1ـ عملت الحكومة البوذية التي فرضتها تايلند، بعد أن أزاحت السلطان المسلم تنكو عبد القادر، على محو الطابع الإسلامي من البلاد، بإرغام الشعب المسلم فيها على اتخاذ الأسماء والألبسة والتقاليد البوذية، واستعمال اللغة التايلندية.

2ـ ألغت المحاكم الشرعية، ثم سمحت بعد غضب الشعب وهياجه للقضاة المسلمين بالجلوس في المحاكم المدنية لسماع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية للمسلمين.

3ـ عملت الحكومة على توطين البوذيين في المناطق الإسلامية، وبنت لهم أكثر من (70) مستوطنة يسكنها حوالي (180) ألف بوذي.

4 ـ حاربت المدارس الإسلامية والملايوية، وطبّقت ما سمّته قانون الإصلاح التعليمي للمدارس الإسلامية في فطاني لإضعاف مستوى التعليم الإسلامي، وتوجيهه في خدمة السياسة التايلندية.

5 ـ بنت القواعد العسكرية في فطاني، ولا سيما القرى القريبة من جبال بودور مركز عمليات المجاهدين المسلمين.

6 ـ قامت بتصفية العلماء والدعاة جسدياً أو تهديدهم وإهانتهم وتشريدهم مما اضطر فريقاً منهم إلى الهجرة واللجوء إلى ماليزيا. كما تقوم بإحراق الأحياء الإسلامية والقتل الجماعي، ففي حادث بشع قامت القوات التايلندية بحرق (100) شاب مسلم بالبنزين، وصرح رئيس البوليس في المنطقة بأن حياة المسلم لا تساوي (26) سنتاً فقط (ثمن الرصاصة).

7 ـ حاولت إدخال الضلالات والشبهات على تعاليم الإسلام السمحة، بنشر التأويلات والتفسيرات المنحرفة في الكتب المقررة في المدارس الحكومية وفي الترجمة التايلندية للقرآن الكريم، معتمدة في ذلك على بعض شيوخ القاديانية هنالك.

8 ـ أخمدت القوات التايلندية كل ثورة للمسلمين بالحديد والنار أو بالمكر والخديعة، فقد غضب الفطانيون لحقهم مرات عديدة، وخاضوا مع الجيش التايلندي معارك دامية، لقي الكثير خلالها مصرعهم، وأُحرقت بيوتهم واغتصبت ممتلكاتهم وانتهكت حرماتهم، وسُجِن الألوف منهم، بينما هام عشرات الألوف غيرهم على وجوههم لاجئين إلى ماليزيا.

9 ـ حرمت حكومة بانكوك المسلمين من ثروات بلادهم، كما حرمتهم المراكز الهامة والوظائف الحكومية، وكافة الحقوق التي يتمتع بها مواطنو تايلند، وعرّضتهم لألوان الذل والقهر والاستعباد.