الإسلام في سنغافورة وأحوال المسلمين فيها (1)مقالات


• تشرف سنغافورة على مضيق "ملقا" الواقع بين "الملايو" و"سومطرة"، ومن ثَمَّ أصبحت أهم الموانئ التجارية في جنوب شرقي آسيا.

• عرفها التجَّار العرب منذ القرن الأول الهجري، ونزلوا بها واستوطنوا موانئها في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي.

• انتشر الإسلام في الجزيرة مع هؤلاء التجار، وصارت جزءًا من النسيج الإسلامي لأرخبيل الملايو.

• اتسع انتشار الإسلام في القرن التاسع الهجري، ووصلت إلى سنغافورة جماعات عديدة من البُلدان المجاورة لها.

• كانت تنعَم تحت الحكم الإسلامي لسلطنة "جوهر" الإسلامية حتى بِيعَتْ بثمن بَخْس للإنجليز.

• مع انهيار وسقوط الإمارات الإسلامية بمنطقة الملايو سقطت جزيرة سنغافورة تحت الاحتلال البريطاني عام 1824 م.

• كانت الأُسَر المسلمة التي استوطنت سنغافورة تُجَّارًا كبارًا، وقد أقاموا المساجد في أنحاء الجزيرة والمجمعات الخيرية والدعوية، ومن تلك الأُسَر: أسرة السقاف، والجنيد.

 

نبذة عن سنغافورة:

تقع سنغافورة في جنوب شرقي آسيا، عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة الملايو، ويفصلها عن "ماليزيا" مضيق "جوهور"، ولا يعتبر فاصلًا كبيرًا؛ ذلك لأن المواصلات البرية والحديدية تربط بين "سنغافورة" و"ماليزيا" عبره.

ولسنغافورة موقع جغرافي فريد عند رأس شبه جزيرة الملايو؛ حيث تشرف على مضيق "ملقا" الواقع بين "الملايو" و"سومطرة"، ومن ثَمَّ أصبحت أهم الموانئ التجارية في جنوب شرقي آسيا؛ لوقوعها على خطوط الملاحة بين حوض البحر المتوسط، وغربي أوروبا من جهة، وبين الشرق الأقصى من جهة أخرى[1].

وتعتبر سنغافورة رابع أهم مركز مالي في العالم، ومدينة عالمية تلعب دورًا مهمًّا في الاقتصاد العالمي، ويعد مرفأ سنغافورة خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط.

يرجع اسم سنغافورة، وهي تُلفَظ باللغة المحلية "سنغابورة"، إلى كلمتي "سنغا" و"بورا" السنسكريتيتين اللتين تعنيان "مدينة الأسد".

 

كيف دخل الإسلام جزيرة سنغافورة:

كانت تربط أرخبيل الملايو[2] بجزيرة العرب صلات تجارية قديمة ازداد شأنها وأهميتها في القرن الثامن الميلادي (القرن الثاني من الهجرة)، ويحدثنا التاريخ عن وجود جماعات عربية كانت تقطُن قبل الإسلام بعض الموانئ هناك، وكان التجار العرب أول من نقل الإسلام إلى سنغافورة، وذلك عندما انتشر الإسلام في "الملايو" و"الهند" و"إندونيسيا"، وانتقل الإسلام من هذه البلاد في هجرتهم إلى سنغافورة.

وكانت سنغافورة تُعرَف منذ القرن الثاني عشر الميلادي بأهميتها التجارية؛ إذ كانت تعرف باسم "سنجابورا"، وكان مركزها التجاري على صلة دائمة بالتجار المسلمين من العرب وغيرهم، وكان هؤلاء التجار المسلمون، يستوطنون سنجابورا، باعتبارها مركزًا تجاريًّا مهمًّا، وخاصة للتجار المسلمين من الهند والباكستان، ومن خلال استيطانهم كانت الدعوة الإسلامية تنتشر، وكان صدى هذا الانتشار واسعًا؛ إذ استجابت لهم كثرةٌ هائلةٌ من أبناء "سنجابورا".

وقد اتسع انتشار الإسلام في القرن التاسع الهجري، ووصلت إلى سنغافورة جماعات عديدة من البُلدان المجاورة لها.

وامتد سلطان المسلمين على الجزيرة حيث كانت سنغافورة جزءًا من "سلطنة جوهر"[3] الإسلامية في 1613 م، وقد أحرق المستعمرون البرتغاليون المستوطنة عند مصبِّ نهر سنغافورة، في حروبهم ضد المسلمين في أرخبيل الملايو، وغرقت الجزيرة في الظلام خلال القرنين المقبلين.

 

الاستعمار البريطاني لسنغافورة:

وظلت الجزيرة مركزًا مهملًا، وتدهور الإسلام بها، وظل كذلك حتى بداية القرن التاسع عشر، حيث انتبهت بريطانيا لمركز الجزيرة الاستراتيجي، إلى جانب أهميتها في تسيير تجارة جنوب شرق آسيا، وقام "توماس ستامفورد رافلز" بتوقيع معاهدة مع السلطان "حسين شاه جوهر" نيابة عن "شركة الهند الشرقية البريطانية" في 6 فبراير 1819 م لتطوير الجزء الجنوبي من سنغافورة بصفتها مستوطنة ومركزًا تجاريًّا بريطانيًّا، في مقابل خمسة آلاف دولار تُدفع للسلطان.

وقد أصبحت الجزيرة رسميًّا ملكًا لبريطانيا من خلال التوقيع على معاهدة مع السلطان "حسين شاه"؛ حيث سلَّمَها السلطان إلى "شركة الهند الشرقية البريطانية" في 1824 م، مقابل 33 ألف دولار للسلطان، و28 ألف دولار لنائبه الملقب "تمنكْونغ"، وللسلطان شهريًّا 1300 دولار، ولنائبه 700 دولار مدة حياتهما[4].

وفي 1826 م بعد احتلال الإنجليز إمارة "ملقا" الإسلامية جعلت بريطانيا "ملقا" وجزيرة "فينانغ" و"سنغافورة" تحت إدارة واحدة سميت "بلدان المضيق".

ولم تقف الدعوة الإسلامية بمجيء الاستعمار البريطاني، فقد واصل دعاة الإسلام، والتجار المسلمون، جهودهم داخل الجزيرة، وراحوا يدعون للإسلام من جديد.

وقد تصدَّى الجنود الإنجليز للداعين للإسلام، ولم يجدوا من الدُّعاة إلا عنادًا وصمودًا في نشر الدعوة، ونقلوا لقياداتهم صمود المسلمين، فطلبوا منهم مناقشة المسلمين في دعوتهم ودينهم، وبالفعل دارت بين جنود الاحتلال الإنجليزي والداعين للإسلام، مناقشاتٌ حول الدين الإسلامي وحقيقته، وكان ذلك مبهرًا للجنود الإنجليز، فمنهم من دخل الإسلام واعتنقه واتخذه دينًا له[5].

وهنا انتبه الاستعمار الإنجليزي لخطر التجار المسلمين في الجزيرة، ولم يجدوا طريقة لمحاربة المسلمين سوى محاربة تجارتهم؛ لإبعادهم عن الجزيرة.

وقد تحولت الجزيرة إلى قاعدة مهمة للأسطول البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم حصلت على اسقلالها مع الملايو حسب اتفاقية لندن 1957 م، وكان من المقرر أن تنضم للولايات الماليزية، لكنها انفصلت تحت مسمى جمهورية سنغافورة عام 1965‏ م.

 

[1] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ192.

[2] حضارة اللغة العربية في أرخبيل الملايو، د. روسني بن سامة، مجلة اللغة العربية، المجلد 13، العدد 2، 2011 م، صـ 185-204.

[3] سلطنة جوهر (بالملايوية: Kesultanan Johor) كانت سلطنة أسَّسها ابن سلطان سلطنة ملقا "محمود شاه"، وهو السلطان "علاء الدين ريات شاه" الثاني في 1528 م، وسيطرت السلطنة على جوهر دار التعظيم المعاصرة، ورياو، والأجزاء في جنوب شرق سومطرة بإندونيسيا.

[4] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، عالم المعرفة- جدة، 1405 هـ، 1985 م، صـ98.

[5] هكذا دخل الإسلام 36 دولة، أحمد حامد، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1401 هـ - 1981 م، صـ126-130.