الإسلام في سنغافورة وأحوال المسلمين فيها (2)مقالات


المسلمون في سنغافورة:

وفقًا للإحصاءات الرسمية، حوالي 14 % من السكان المقيمين في سنغافورة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة فأكثر هم من المسلمين، أغلبهم من قومية الملايو الذين هم من المسلمين السُّنَّة، كما أن 17 في المائة من المسلمين في سنغافورة من أصل جنوب آسيوي، وهناك آخرون من المجتمعات الصينية والعربية والأوراسية، وغالبية المسلمين في سنغافورة هم من المسلمين السُّنَّة الذين يتبعون المذهب الشافعي أو الحنفي[1].

وعلى الرغم من قلة عدد المسلمين (حوالي 396.000 مسلم) في هذه الجزيرة الصغيرة بالنسبة للعدد الإجمالي من سكان الجزيرة، إلا أن اثنين من أقلية الملايو المسلمة وصلا لمنصب رئاسة الدولة.

ونجد أن سنغافورة تضم خليطًا عرقيًّا متعددًا؛ فـ74.3% من سكانها من أصول صينية، و13.3% من أصول ماليزية، و9.1% من أصول هندية، و3.3% من أصول أخرى متنوعة.

 

المساجد في سنغافورة:

أقام المسلمون في سنغافورة العديد من المساجد، كمسجد "ملقا" الذي بُنيَ عام 1830 م، ومسجد "فاطمة الزهراء" عام 1845 م، وهناك مسجدا "السلطان" و"المهاجرين" اللذان يُعدَّان أكبر مسجدَينِ فيها.

ونجد أن أغلب المساجد والمدارس الإسلامية بسنغافورة أُنشئت بجهود خيرية من المسلمين المستوطنين فيها، وعلى رأسهم أسرة "السقاف"؛ حيث أسس السيد "محمد بن أحمد بن عبد الرحمن السقاف" عام 1912 م (1331 هـ) مدرسة في "حي قلام" حيث القصر السلطاني ومسجد السلطان، وكان جده من أوائل القادمين من آل السقاف إلى سنغافورة عام 1824 م في عهد "تمنكْونغ جهور" عبد الرحمن، وكانت والدة السيد "محمد بن أحمد السقاف" هي الأميرة الحاجة "ستي فاطمة" بنت سلطان "قوافي سولاويسي"، والتي بنت مسجد "الحاجة فاطمة الزهراء" على نفقتها الشخصية، والذي سمي على اسمها.

ومن أعمال أسرة "السقاف" إنشاء هيئة اتحادية للأعمال الخيرية عام 1904 م، وهو أول اتحاد إسلامي في سنغافورة لخدمة حاجات المسلمين ولشؤونهم الدينية، واشترك في تأسيس الاتحاد أسر أخرى من غير آل السقاف منها أسرة "عيديد وأنقوليا"، و"محبوب بن فضل"، و"الحاج محمد بن حكيم"، و"م. محمد"، وكان هذا الاتحاد يقوم بعمارة المساجد والمقابر والتعليم، والإنفاق على دار الإحسان للبنات، وأخرى للبنين وللفقراء، وبنوا منزلين لسُكْنى أيتام المسلمين وتجهيز الموتى وتربية اللُّقطاء ... إلى غيرها من الأعمال الخيرية على الجزيرة.

ونجد أن عائلة السقاف في سنغافورة استمرت حتى الجيل الثالث، ونبغَتْ في الأعمال الخيرية، وبرز من أفرادها "داتؤ السيد إبراهيم" ابن السيد "عمر بن أحمد السقاف"، والذي كان قنصل شرف لحكومة العراق، ثم في أواسط السبعينيات قنصلًا أول للمملكة العربية السعودية[2].

وعدد المساجد الكبرى في سنغافورة يقارب مئة مسجد، ويوجد مثل هذا العدد من المصليات الصغرى، ومن يتأمل أسماء المساجد الشهيرة سيجد أن غالبيتها أسماء عربية خالصة؛ مثل: السلطان، وعبد الحليم صديقي، وعبد الغفار، وعبد الحميد، وعبد الرزاق، وأحمد إبراهيم، والأبرار، والأمين، والأنصار، والفلاح، والفردوس، والهدى، والإيمان، والاستغفار، والاستقامة، والجنيد، والخير، والمؤمنون، والمتقون، والتقوى، والنور، والروضة، والشاكرين، ودار الأمان، ودار الغفران، ودار السلام، والمعمور، والنعيم.. وغير ذلك[3].

 

الأحوال الاجتماعية لمسلمي سنغافورة:

يهتم المسلمون بأن تسير أحوالهم الشخصية وَفْق أحكام الشريعة الإسلامية؛ ولهذا فقد أسَّسُوا محكمة شرعية عام 1958 م، ويحرص المسلمون على أن يتم الزواج والطلاق عن طريق هذه المحكمة وفروعها؛ مما ساعد على استقرار الحياة الأسرية للمسلمين، كما تقوم المحاكم الشرعية بالفصل في النزاعات بين المسلمين، وَفْقًا لأحكام الشريعة، وكذلك قام المسلمون بتسجيل ممتلكاتهم وأموالهم في هيئة الأوقاف الإسلامية.

ويحرص المسلمون على أن تكون مؤسساتهم الدينية نشطة في أداء دورها؛ ولهذا قاموا بإنشاء المجلس الإسلامي الذي يشرف على المساجد والأوقاف والمدارس الإسلامية وغيرها من المؤسسات الدينية، ويعمل على التنسيق بينها لتقوم بدورها المنوط بها على أفضل وجه في خدمة الدعوة الإسلامية من جانب، وكذلك التواصل مع المؤسسات الدينية لغير المسلمين، وأيضًا تمثيل المسلمين لدى الدولة في حالة حدوث أي مشكلة.

 

المدارس الدينية في سنغافورة:

هناك أكثر من تسعين مدرسة دينية في سنغافورة، موزعة في مختلف البلاد، وأشهرها: المدرسة التهذيبية الإسلامية، ومدرسة الإرشاد الإسلامية، ومدرسة الجنيد الإسلامية، ومدرسة السغوف العربية، والمدرسة الدينية في رادين ماس، ومدرسة واق تانجونغ الإسلامية، والمدرسة العربية الإسلامية، ومدرسة المعارف الإسلامية[4].

وبسنغافورة دار للعلوم كمدرسة عليا لتخريج رجال الدين، ويتلقى بعض علماء الدين دراستهم بإندونيسيا والبلاد العربية.

 

الدعوة الإسلامية في سنغافورة:

يتمتع المسلمون بمناخ مناسب لحرية العبادة في سنغافورة، وتعطي الدولة الحرية الدينية لأي معتقد داخل الدولة، على ألا يمس بقوانين الدولة ونسيجها الاجتماعي متعدد الأعراق، وتحرص الجمعيات  الدعوية السنغافورية على التواصل مع المنظمات الإسلامية في ماليزيا وإندونيسيا وبروناي وباكستان وغيرها، مع العلم أن العلاقة مع ماليزيا على وجه التحديد وثيقة لوجود ماضٍ مشترك، كما يعد الإسلام الدين الرابع من حيث نسبة معتنقيه في الدولة، وأوردت تقارير أنه بحلول عام 2050 سيتجاوز الإسلام الديانة المسيحية، ويصبح ثاني الأديان من ناحية نسبة الانتشار في الدولة.

 

• تشرف سنغافورة على مضيق "ملقا" الواقع بين "الملايو" و"سومطرة"، ومن ثَمَّ أصبحت أهم الموانئ التجارية في جنوب شرقي آسيا.

• عرفها التجَّار العرب منذ القرن الأول الهجري، ونزلوا بها واستوطنوا موانئها في القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي.

• انتشر الإسلام في الجزيرة مع هؤلاء التجار، وصارت جزءًا من النسيج الإسلامي لأرخبيل الملايو.

• اتسع انتشار الإسلام في القرن التاسع الهجري، ووصلت إلى سنغافورة جماعات عديدة من البُلدان المجاورة لها.

• كانت تنعَم تحت الحكم الإسلامي لسلطنة "جوهر" الإسلامية حتى بِيعَتْ بثمن بَخْس للإنجليز.

• مع انهيار وسقوط الإمارات الإسلامية بمنطقة الملايو سقطت جزيرة سنغافورة تحت الاحتلال البريطاني عام 1824 م.

• كانت الأُسَر المسلمة التي استوطنت سنغافورة تُجَّارًا كبارًا، وقد أقاموا المساجد في أنحاء الجزيرة والمجمعات الخيرية والدعوية، ومن تلك الأُسَر: أسرة السقاف، والجنيد.

 

 

[1] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ194.

[2] المدخل إلى تاريخ الإسلام في الشرق الأقصى، علوي بن طاهر الحداد، صـ100.

[3] الإسلام الأسرع انتشارًا بين أتباع الأديان الوضعية (حوار مع مفتي سنغافورة الشيخ محمد فطيرس بكرام)، قام به: جمال سالم، المصدر: صحيفة الخليج: 9 يوليو 2014 م.

[4] البيئة العربية في مدرسة واء تنجونج الثانوية الإسلامية سنغافورة وأثرها النفسي في تنمية مهارة الكلام، ضياء الدين الزيتاوي، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة مولانا مالك إبراهيم الإسلامية الحكومية مالانج، 2014 م، صـ5.