كيف دخل الإسلام تركمانستان؟ (1)مقالات


• كانت تركمانستان تشكل جزءًا مما عرف في التاريخ الإسلامي بإقليم "خراسان"، ويعني اسمها "أرض الترك".

• دخل المسلمون تركمانستان وبلاد ما وراء النهر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء توسعهم في حدود الإمبراطورية الفارسية.

• ما إن انتصف القرن الأول الهجري حتى كان الإسلام قد ثبت دعائمه في "مرو"، أهم مدن تركمانستان قديمًا.

• اتخذ المسلمون من "مرو" قاعدةً إسلامية لتحركهم في إقليم ما وراء النهر، ومقاطعاته.

• في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) استولى القياصرة الروس على تركمانستان.

• مارس الروس أثناء الحكم القيصري والبلشفي سياسة إبادة وتغيير هُوِيّة السكان المسلمين لتركمانستان.

• تبلغ نسبة المسلمين في تركمانستان 93 %، ويمثلون الأغلبية العرقية والدينية بالبلاد.

 

نبذة عن تركمانستان:

تعد "تركمانستان" من جمهوريات آسيا الوسطى، تحدها "أفغانستان" من الجنوب الشرقي، و"إيران" من الجنوب والجنوب الغربي، و"أوزبكستان" من الشرق والشمال الشرقي، و"كازاخستان" من الشمال والشمال الغربي، و"بحر قزوين" من الغرب، وهو البحر الوحيد الذي تطل عليه "تركمانستان".

وكانت تقع في منطقة "تركستان" التاريخية، وهذا المصطلح مصطلح تاريخي يتكون من مقطعين، (ترك، وستان) ومعناه: "أرض الترك"[1]، وتنقسم تركستان التاريخية إلى تركستان الشرقية وتركستان الغربية.

أما تركستان الغربية فهي تشغل الثلث الشمالي الأوسط من قارة آسيا، ويحدها من الشرق جبال تيان شان، ومن الغرب جبال الأورال وبحر قزوين، وهي اليوم الجمهوريات الخمس: "قزقستان، وأوزبكستان، وطاجكستان، وتركمانستان، وقيرغيزيا".

وأما تركستان الشرقية فهي أكبر أقاليم الصين، ويطلق عليها الآن "شينجيانج"؛ أي: "الأرض أو المقاطعة الجديدة"[2].

وتعرف تلك المنطقة الواسعة عند العرب في صدر الإسلام باسم "بلاد ما وراء النهر" - أي الواقعة خلف نهر جيحون (أموراديا) وسيحون (سيرداريا)- وتقع هذه البلاد شرق بلاد فارس (إيران)[3].

وكانت تشكل جزءًا مما عرف في التاريخ الإسلامي بإقليم "خراسان"، وهذا الإقليم مقسم حاليًّا بين جمهورية "إيران" في الغرب، وجمهورية "تركمانستان" في الشرق، وجمهورية "أفغانستان" (الجزء الشمالي منها) في الجنوب.

 

دخول الإسلام تركمانستان:

كانت "تركمانستان" قبل الفتح الإسلامي تابعة للإمبراطورية الفارسية، وبعد فتح المسلمين معظم بلاد "فارس" في عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، وانتصار المسلمين عليهم في موقعة "نهاوند" سنة 21 هـ (642 م)، فر "يزدجرد" كسرى فارس إلى منطقة تركستان الواسعة، فوجَّه "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه "الأحنف بن قيس" إلى خراسان ليلحق بيزدجرد، فسار "الأحنف" إلى "خراسان" وافتتح مدينة "هراة" (وهي من مدن أفغانستان اليوم) ثم توجه الأحنف إلى "بلخ" وهي عاصمة إقليم باكتيا في أفغانستان، وتقابلت في "بلخ" قوات "يزدجرد" التي انضمت إليها قبائل الترك والصغد (بلاد تمتد بين سمرقند وبُخارى وهي في أوزبكستان اليوم).. بجيش الأحنف بن قيس.. وبعد معركة ضارية انتصر المسلمون انتصارًا كبيرًا، وفر بعدها "يزدجرد" إلى "مرو" (إحدى مدن تركمانستان الحالية) ليطارده المسلمون، ويُقتَل هناك[4].

وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه تولى "عبد الرحمن بن عامر" حكم البصرة، فأمر بتوجيه "الأحنف بن قيس" - من جديد - لفتح بلاد ما وراء النهر؛ لسابق معرفته بها وغزوهم إياهم سابقًا، وقد وصل "الأحنف بن قيس" إلى بلاد "طخارستان" في أعالي نهر جيحون، وتجاوز مدينة "مرو"، وانتصر على تحالف الطخارستانيين[5].

وتولى "أمير بن أحمد" "مرو"، أهم مدن تركمانستان قديمًا، وأسكنَ العرب بها، وعندما انتصف القرن الأول الهجري كان الإسلام قد ثبت دعائمه في "مرو"، واتخذ المسلمون منها قاعدةً إسلامية لتحركهم في إقليم ما وراء النهر، حيث عبر "سعيد بن عثمان بن عفان" نهر جيحون بقوات إسلامية لفتح بلاد ما وراء النهر، في سنة 55 هـ[6].

وفي عهد الدولة الأموية، أثناء حكم "الوليد بن عبد الملك"، أرسل "الحجاج" الذي تولى أمر "خراسان وما وراء النهر" القائد "قتيبة بن مسلم الباهلي" للفتح والتوسع من جديد، فعبر قتيبة النهر عام 86 هـ - 704 م، وقام "قتيبة بن مسلم الباهلي" بفتوحاته في بلاد "فرغانة" - تقع في شرق أوزبكستان الآن- و"كاشغر" - بتركستان الشرقية الآن - حيث كان يتخذ من مدينة "مرو" قاعدة لانطلاق الغزوات، وهكذا كان دور منطقة التركمان دورًا محوريًّا في الفتوح الإسلامية لوسط آسيا[7].

 

تركمانستان أثناء الدولة العباسية:

وما إن حل عام "132 هـ - 750 م" حتى كان الإسلام قد توطد في إمارات ما وراء النهر، نتيجة إحلال الولاة كثيرًا من القبائل العربية في تلك المنطقة، ومصاهرتهم أهلها، وكانت إمارة "خراسان" وما جاورها من بلدان ومن ضمنها تركمانستان هي موضع الشرارة الأولى في إنهاء حكم الخلافة الأموية، وإحلال العباسيين محلهم، حيث بدأ "أبو مسلم الخراساني" ثورته من تلك المنطقة على ظلم بني أمية.

وفي خلافة "المأمون" العباسي مد "الطاهريون" (205- 248 هـ) نفوذهم على "خراسان" وما جاورها[8]، وكان للطاهريين دور عظيم في النهضة العلمية والزراعية والعمرانية والثقافية التي شهدتها بلاد ما وراء النهر، ومن ضمنها مدن تركمانستان وضواحيها.

وعندما قامت الدولة السامانية (261هـ -875م / 389هـ - 999م) في العصر العباسي الثاني، كانت "مرو" إحدى الأقاليم التابعة لها، وزاد نفوذ السامانيين في عهد الخليفة العباسي "المعتمد" عندما ولي "نصر بن أحمد الساماني" بلاد ما وراء النهر، وزاد تمكين الإسلام ورسوخه بمنطقة وسط آسيا.

ومن الجدير بالذكر أنَّ "السامانيين" كانت لهم أدوار حضارية وسياسية بارزة، فامتاز عصرهم بنهضة علمية وأدبية رائعة، واتجهوا إلى إحياء الثقافة الفارسية والأدب الفارسي، وظهرت في عهدهم الكتابة باللغة الفارسية إلى جانب اللغة العربية، كما شهد العصر الساماني نهضة صناعية تجلت في صناعة الخزف والورق والسجاد والمنسوجات الحريرية، ومن الناحية السياسية فقد دافع "السامانيون" عن منطقة الثغور الشرقية ومدوا النفوذ الإسلامي إلى بلاد الترك، وامتدت سيطرتهم من تركستان الغربية حتى تركستان الشرقية، بل وإلى داخل الصين شرقًا، كما جعلوا المد الإسلامي يمتد شمالًا عبر نهر الفولجا، ليصل إلى قازان ذاتها[9]، ولم يخرجوا يومًا عن تبعية الخلافة العباسية في بغداد، واعتبروا أنفسهم الأداة المطبقة الطيِّعة المنفذة لأوامر الخلفاء العباسيين، وتمثل فترة حكمهم العصر الذهبي لتاريخ آسيا الوسطى الإسلامية[10].

يقول د. "حسن أحمد محمود" في كتابه "الإسلام في آسيا الوسطى"[11]: "...والدور الخالد الذي قام به السامانيون ليس هو الجهاد فحسب، إنما كسبهم عالم الأتراك الشرقيين للحضارة الإسلامية".

 

تركمانستان أثناء حكم السلاجقة والمغول:

في القرن السادس الهجري قامت دولة "الغزنويين" (961 م – 1187 م) مكان "السامانيين" وبسطت نفوذها على "خراسان" ووسط آسيا، ثم جاء دور "السلاجقة" (511-552 هـ) (1117-1156 م) الذين انتصروا على السلطان "مسعود الغزنوي" قريبًا من "مرو" بتركمانستان عام 432 هـ-1040 م، واتخدوا من منطقة "تركمانيا" قاعدة لهم، وامتد نفوذهم إلى "خراسان" ووسط آسيا وغربها، بل وصل "بغداد".

ثم استولى المغول على وسط آسيا وغربها، واجتاحوا العالم الإسلامي، وبعد إسلام قوم المغول، وذلك بعد إسلام زعيمهم السلطان "بركة خان" (1257 – 1266 م) أخذوا على عاتقهم نشر الإسلام بين شعوب آسيا الوسطى وأمودريا، وقاموا بتعمير مدن آسيا الوسطى على يد "القبيلة الذهبية" أو دولة مَغُولِ القَفجَاق أو دولة مغول الشمال[12].

 

[1] معجم البُلدان، ياقوت الحموي، دار صادر- بيروت، ط2، 1995 م، ج2، صـ 23.

[2] التهجير الصيني في تركستان الشرقية، رحمة الله أحمد رحمتي، مجلة دعوة الحق، السنة الثامنة، العدد 93، عام 1410 هـ - 1989 م، صـ7.

[3] محنة المسلمين في آسيا الوسطى والقوقاز (الواقع والتاريخ)، سعيد أحمد سلطان، الدار الثقافية للنشر- القاهرة، 1426 هـ- 2005 م، صـ 185.

[4] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، دار الشروق- مصر، 1983 م، صـ272، 273.

[5] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1393 هـ، صـ326.

[6] الجمهوريات الإسلامية بآسيا الوسطى منذ الفتح الإسلامي حتى اليوم، أحمد عادل كمال، دار السلام - مصر، 1427 هـ - 2006 م، صـ20.

 [7]المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ277.

[8] الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، صـ326.

[9] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ287.

[10] الدول المستقلة في المشرق الإسلامي، د. عصام الدين عبد الرؤوف الفقي، دار الفكر العربي، القاهرة مصر، 1420هـ- 1999 م، صـ41- 47

[11] الإسلام في آسيا الوسطى.. بين الفتحين العربي والتركي، حسن أحمد محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1973 م، صـ173.

[12] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ300.