الاحتلال الروسي لتركمانستان:
في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) تحولت أملاك "القبيلة الذهبية" المغولية إلى عدة دويلات، وانقسمت إلى عدة خانيات، استولى الروس عليها كلها بعد ضعف حكامها، وسقطت تركمانستان ضمن ما سقط من إمارات المسلمين في سنة 1302 هـ، وهكذا انتهت قصة الدول الإسلامية المتعددة فيما وراء النهر، وبدأت قصة الغزو الروسي القيصري ثم البلشفي[1].
وقد دامت الحرب بين روسيا وتركمانستان من سنة 1290 هـ (1873 م) إلى عام 1302 هـ (1884 م) فيما يعرف بالحرب التركمانية، وقد أبدت القبائل التركمانية المسلمة بسالة ومقاومة شديدة تجاه الغزو الروسي لأراضيها، لكن الأسلحة الروسية المتقدمة والتنظيم الحربي الحديث تفوق في النهاية، ووقعت "تركمانستان" في أيدي الروس، واستطاعت روسيا في هذه الحرب أن تحتل المدن الهامة مثل "مرو" و"سرخس" و"بيهق" و"نسا" التي أخرجت آلاف العلماء والمشاهير في التاريخ الإسلامي.. وقد ظهرت مدينة "عشق آباد" ومدينة "قزيل عروت" بعد الاحتلال الروسي على أثر تخريب مدينة "نسا" سنة 1882 م، وأصبحت "عشق آباد" (أشخباذ) إحدى المدن الهامة في المستعمرة الروسية الجديدة، واكتمل فتح التركستان بوصول القوات الروسية إلى "هضبة بامير"[2] التي تعرف بسقف العالم لارتفاعها الشاهق سنة 1900 م.
اضطهاد الروس المسلمين وحرب الهوية الإسلامية:
قامت روسيا أثناء حكمها تركمانستان باتباع سياسة استعمارية بحتة اعتمدت على فرض العزلة التامة على تركستان الغربية حتى تبعدها عن تأثير الحركات الاستقلالية وخاصة تتار الفولجا، وقد كتب الجنرال "كاوفمان" - أول حاكم عام روسي للتركستان - يصف هذه السياسة: (على آسيا الوسطى أن تظل في حالة من الركود والتأخر کما في القرون الوسطى، الأمر الذي لا بد أن يمنع في هذا الإقليم أي إمكانية للمقاومة الوطنية ضد الفاتحين)[3].
وخضعت التركستان لسياسة نهب ثرواتها؛ فقد صودرت جميع الأراضي الزراعية الخصبة وأعطيت للروس الذين حوّلوها إلى مزارع للقطن لإمداد صناعة النسيج في المدن الروسية... وظل التركستانيون سليلو التاريخ المجيد، خاضعين لسياسة تمييز عنصري وديني، أدت لإبادة وإذابة سكان تركمانستان، حيث أقام الروس مستوطنات روسية على أراضيهم، وبدأوا بحفر مشاريع مائية لتوطين الروس فيها، حيث حفروا قناة "قرة قوم" سنة 1366 هـ (1947 م) والتي تصل المجرى الأوسط لنهر جيحون بنهري "مورغاب" و"تادزهن"، وقاموا أيضًا بحفر قناة "كلوخوسكي" التي تصل المجرى الأسفل لنهر جيحون ببحر قزوين وذلك سنة 1370 هـ (1950 م)، وتوافد الروس على البلاد حتى شكلوا ثلث السكان[4].
ونجد أنه بعد الثورة البلشفية عام 1917 م منحت تركمانستان حكمًا ذاتيًّا ضمن الاتحاد السوفيتي السابق في 30 إبريل 1918 م، لكنه كان حكمًا صوريًّا شكليًّا، فقد استولى البلاشفة الشيوعيون على مقاليد الأمور داخل البلاد، وقاموا بمطاردة العلماء المسلمين، وقتل الآلاف منهم، ومُنِعتْ اللغة العربية، وكان التركمان يكتبون لغتهم المعروفة بالجغتانية بحروف عربية قبل استبدالها بالحروف الروسية، وقام الشيوعيون بتدمير المساجد التاريخية، ومُنعت ممارسة الشعائر الدينية، ومورست سياسة ترمي إلى القضاء على التاريخ والفكر والآداب التي لا تتناسب مع الماركسيَّة، وذاق المسلمون في عهد "ستالين" أقسى صنوف العذاب والقهر.
وقد أدت هذه الممارسات القاسية إلى انزواء المسلمين وعزلتهم، حيث حاولوا التمسك بما تبقى من إسلامهم خفية عن أعين الجواسيس الشيوعيين، حيث كان يُقتَل كل من يتلبس بإقامة أي مظهر من مظاهر الإسلام بحجة أنهم أعداء الشعب والثورة[5].
استقلال تركمانستان:
وقد تغير وضع "تركمانيا" بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في سنة 1991 م، وأعلنت تركمانستان استقلالها، وحاول التركمان إحياء عقيدتهم الإسلامية السنية من جديد التي حرموا منها إبان القبضة الحديدية للشيوعيين، والغالبية العظمى من التركمان يعرفون أنفسهم على أنهم مسلمون، ويعترفون بالإسلام كجزء لا يتجزأ من تراثهم الثقافي، فتبعًا لتقرير "مركز بيو" للأبحاث لعام 2009 م خلص إلى أن النسبة الأعلى من السكان هم من المسلمين، حيث ينتمي 93.1٪ إلى الديانة الإسلامية، وهناك 6٪ أرثوذكس شرقيون، أغلبهم من عرقية الروس الذين أحلوا بالبلاد أيام الاحتلال الروسي، فكلمة "تركستاني" مرادفة لكلمة "مسلم".
ورغم أن حكومة تركمانستان تؤكد على طبيعتها العلمانية ودعمها لحرية المعتقد الديني، فمعظم القادة المسلمين بتركمانستان يعارض المفهوم العلماني للدولة، وخاصةً الحكومة التي يسيطر عليها الشيوعيون السابقون، ويعمد الدعاة والعلماء - في الوقت الحالي - إلى زيادة معرفة السكان بالإسلام، وزيادة دور الإسلام في المجتمع، وتوسيع نطاق الالتزام بمبادئه.
• كانت تركمانستان تشكل جزءًا مما عرف في التاريخ الإسلامي بإقليم "خراسان"، ويعني اسمها "أرض الترك". • دخل المسلمون تركمانستان وبلاد ما وراء النهر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أثناء توسعهم في حدود الإمبراطورية الفارسية. • ما إن انتصف القرن الأول الهجري حتى كان الإسلام قد ثبت دعائمه في "مرو"، أهم مدن تركمانستان قديمًا. • اتخذ المسلمون من "مرو" قاعدةً إسلامية لتحركهم في إقليم ما وراء النهر، ومقاطعاته. • في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) استولى القياصرة الروس على تركمانستان. • مارس الروس أثناء الحكم القيصري والبلشفي سياسة إبادة وتغيير هُوِيّة السكان المسلمين لتركمانستان. • تبلغ نسبة المسلمين في تركمانستان 93 %، ويمثلون الأغلبية العرقية والدينية بالبلاد. |
[1] المصدر السابق، صـ315.
[2] تقع تحديدًا في أقصى جنوب شرقي جمهورية كازاخستان، وتتقاسمها جمهوريتا طاجكستان وقيرغيزستان حاليًّا.
[3] المسلمون المنسيون في الاتحاد السوفيتي، ألكسندر بينغسن، ترجمة عبد القادر ضللي، دار الفكر المعاصر- بيروت، 1989 م، صـ96.
[4] المسلمون في الاتحاد السوفيتي عبر التاريخ، د. محمد علي البار، صـ365.
[5] المسلمون في آسيا الوسطى والقوقاز، مصطفى دسوقي كسبة، مجمع البحوث الإسلامية، مطبوعات الأزهر الشريف، 1994 م، صـ 158، 159.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.