كيف دخل الإسلام الفلبين؟ (1)مقالات


• تعد الفلبين جزءًا من "أرخبيل الملايو" الذي يضم أندونسيا، وماليزيا، وسنغافورة، والفلبين، وكانت المنطقة معبر التجار العرب في طريقهم إلى الصين.

• نشرَ التجار المسلمون الإسلام عن طريق الدعوة والإقناع، وانتشروا في جزر الفلبين لهداية الناس إلى دين الله.

• في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري)، وُجدتْ مستوطنات المسلمين في جزيرة "صولو" جنوبي الفلبين.

• أقيمت عدة إمارات إسلامية على جزر الفلبين، من أبرزها: إمارة صولو، وإمارة مندناو، وإمارة مانيلا.

• لولا دخول الإسبان لاحتلال البلاد، لتوطد الإسلام بالفلبين، ولاستحالت نشاطات المنصّرين في تلك الجزر.

 

تشكل الفلبين أكبر مجتمع كاثوليكي في جنوب شرق آسيا، ويشكل المسلمون فيه قرابة 5 % من التعداد السكاني الذي بلغ 103 ملايين نسمة عام 2017 م، مشكلين أكبر أقلية إثنية في البلاد[1]؛ فعدد المسلمين هناك يقدر بخمسة ملايين نسمة، وقد ساهم المجتمع الفلبيني المسلم في التطور السياسي والاقتصادي للفلبين بشكل كبير؛ نظرًا لتاريخهم الفريد المستند إلى تاريخ سلطنة "صولو" الإسلامية.

ورغم أن الإسلام كان أسبق الأديان السماوية ظهورًا في جزر الفلبين، وكان تأثير أخلاق الإسلام في تشكيل المجتمعات "الملايوية" بالفلبين وغيرها من الجزر، تأثيرًا فعالًا؛ نظرًا لوجود الإسلام قبل قيام دولة الفلبين الحديثة بمائة سنة، إلا أن الاستعمار الإسباني والأمريكي جنبًا لجنب مع المنصّرين قد آتى حصاده في "الفلبين"، وحوَّلها من مجتمع آسيوي مسلم إلى مجتمع نصراني يكيد بالعداء للإسلام والمسلمين، خلال أكثر من 300 سنة من الوجود والحرب التي لم تهدأ في تلك الجزر المسلمة، حيث مُسِختْ الهُوِيّة الإسلامية لتلك الجزر المسالمة، وصارت "أمان الله" "مانيلا"، وصارت إمارات "صولو" Sulu و"مينداناو" Mindanao و"ماجنداناو" Magindanaw الإسلامية، دولة "الفلبين" نسبةً إلى الملك "فيليب الثاني" الإسباني Felipe II الذي أرسل حملاته الاستعمارية لتلك الجزر.

نبذة عامة عن الفلبين:

تقع الفلبين جنوب غربي المحيط الهادئ، وتتألف من نحو 7100 جزيرة، بعضها صغير جدًّا لدرجة أنها غير مسماة[2]، وتبلغ مساحة الفلبين 300,000 كم²، وأكبر جزيرتين فيها هما: "لوزون" في الشمال، والتي تقع فيها العاصمة "مانيلا"، و"ميندناو" في الجنوب، والتي يوجد فيها المسلمون، ومعظم أراضيها جبلية، وهذه الجزر تثور في داخلها البراكين، وتهزُّها الزلازل، ولا تكفّ عنها الأعاصير، وتعد الفلبين جزءًا من "أرخبيل الملايو"[3] الذي يضم إندونسيا، وماليزيا، وسنغافورة، والفلبين، وتمتد الجزر الفلبينية بين جزيرة فرموزا (تايوان حاليًّا) في الشمال، وبين جزيرة بورنيو (صباح وسراواك بماليزيا)، وسلطنة بروناي دار السلام، وكاليمنتان (إندونيسيا)، ويحيط بها من الغرب والشمال الغربي بحر الصين الجنوبي بما فيه هونج كونج، وفي الشمال الشرقي اليابان، ومن الشرق المحيط الهادي، ومن الجنوب بحر سيليبس.

أطلق عليها العرب المسلمون "عذراء ماليزيا"؛ نظرًا لأن أغلب سكانها من أصل ماليزي[4]، وأطلق عليها النصارى جزر "المورو"، والمورو نسبةً للمسلمين، حيث إن الإسبان والبرتغاليين كانوا يطلقون على المسلمين من "مراكش" بالمغرب "المورو" كتحريف لكلمة "مراكش"، ثم صاروا يطلقونها على كل مسلم، وهذا يعني أن الوجود الإسلامي بالفلبين قبل ظهور الاستعمار كان كثيفًا، ووطد أركانه بتلك الجزر[5].

أما الصينيون فأطلقوا عليها "ماي"؛ أي: "أرض البرابرة"، و"سان تاو"؛ أي: "ثلاث جزر"، ويرى البعض إن بلاد الوقواق هي الفلبين اليوم[6].

كيف دخل الإسلام جزر الفلبين؟

• وصل الإسلام إلى الفلبين كأغلب جزر الملايو عن طريق التجار الدعاة، وذلك خلال القرن الثالث الهجري (القرن التاسع الميلادي)[7]، حيث كانت الصلات التجارية بين العرب وسكان تلك المنطقة قائمة إبّان ظهور الإسلام؛ وذلك لوقوع منطقتهم في طريق تجارة العرب إلى الصين، حيث كانوا يتوقفون في موانئ جزرهم، ويقومون بالبيع والشراء مع أهل تلك الجزر، ونتيجة لحسن التعامل في التجارة، غزا الإسلام قلوبَ السكان المحليين، وانتشر الإسلام بين تلك الجزر بتلك الطريقة[8]، وكان المسلمون قد كوّنوا أول إمارة إسلامية في "آتشيه" بجزيرة سومطرة، وجزيرة جاوة، ومنهما انتشر الإسلام للمناطق المجاورة ومنها جزر الفلبين، فكانت بداية الوصول للفلبين عبر جزيرة "صولو" ثم انتشر إلى باقي الجزر، مثل: "ماجينداناو"، و"لاناو"[9].

• وهناك رأي آخر يرى أن الإسلام دخل عام 1276 م، حيث تحولت مملكة "ملقا" المالوية - بماليزيا حاليًّا - إلى الإسلام في عهد سلطانها "محمد شاه"، وقد قام الملك بنشر الإسلام إلى الجزر المجاورة بالتبعية[10].

• والمصادر التي لدينا تؤكد أنه كانت توجد دولة إسلامية في منطقة "صولو" عام 1380 م، وتفيد المصادر المحلية أن داعيةً اسمه "الشيخ شريف كريم مخدوم" جاء إلى المنطقة، وبنى واحدًا من أقدم المساجد في جزيرة "سيمونول"، وكان له أثرٌ كبيرٌ في نشر الإسلام في شعوب المنطقة، ولا يزال يُعرف بين شعوب المنطقة بـ "شريف أوليا"، وبعد وفاته سار على إثره "أبو بكر بن شريف بن محمد بن علي بن زين العابدين"، فانتشر الإسلام في الجزر الأخرى[11].

وبمقارنة الأقوال يمكن التأكيد بأنه في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري)، وجدت مستوطنات المسلمين في جزيرة "صولو" جنوبي الفلبين في نفس الوقت الذي كانت فيه مقاطعات مسلمة في شمال سومطرة[12].

ويستدل المؤرخون على ذلك بقبر "توان مقبالو" الذي مات ودفن في صولو عام 1310م، وما زال قبره باقيًا في "بودداتو" حيث نقش عليه كتابة بالعربية عن تاريخ وفاته سنة عشرة وسبعمائة[13].

• وهناك رأي يقول بوصول الإسلام لتلك الجزر منذ القرن الأول الهجري، فإنه من المعروف أن الإسلام وصل إلى الهند في القرن الأول الهجري، ثم انتشر فيها، ومن المعروف أن الصلة بين الهند وإندونيسيا وثيقة جدًّا، فمن المستبعد أن يتأخر وصوله إليها إلى ما بعد ذلك بقرون عديدة[14].

• وأيًّا ما كانت الآراء، فنجد أن الإسلام وطَّدَ أركانه في تلك الجزر منذ وقت مبكر، وأسس حكّامُها إمارات إسلامية كانت ذات نفوذ عظيم في القرن الخامس عشر الميلادي (التاسع الهجري).

 

[1] إدارة الأقلية المسلمة في الفلبين، فيدريكو في. ماجدالينا، مجلة دراسات، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، صفر 1439 هـ، نوفمبر 2017 م، صـ7.

[2] إلمامة بجنوب الفلبين، محمد بن ناصر العبودي، المطابع الأهلية للأوفست، 1424 هـ - 2003 م، صـ21.

[3] أرخبيل الملايو (بالإنجليزية: Malay Archipelago)‏ أكبر أرخبيل في العالم من حيث المساحة (أرخبيل مصطلح يرمز لأي مجموعة متقاربة ومتجاورة من الجزر، وتتأصل هذه الكلمة من الكلمة اليونانية: أَرْخِيپِيلاَگُوسْ (αρχιπέλαγος)، ويحوي أرخبيل الملايو بحدود 20,000 جزيرة، ويقع بين جنوب شرق آسيا وأستراليا، شكل مظاهر حضارة إسلامية عريقة جنوب شرق آسيا؛ وذلك بسبب موقع الأرخبيل الجغرافي الذي يقع وسط طريق قوافل التجار العرب والصين؛ فساهم ذلك في انتشار الإسلام بتلك الجزر، تُعتبر هذه المواقع اليوم جزءًا من دول ماليزيا (دولة ملايو القومية) وبروناي وسنغافورة وإندونيسيا وجنوب تايلاند. انظر: حضارة اللغة العربية في أرخبيل الملايو، د. روسني بن سامه، مجلة اللغة العربية، المجلد 13، عدد 2، 2011 م، صـ186.

[4] المسلمون في الفلبين، دولة مورو، محمود شاكر الحرستاني، سلسلة مواطن الشعوب الإسلامية في آسيا (الرقم 9)، الطبعة الثانية، المكتب الإسلامي، بيروت، 1405 هـ/ 1985 م، صـ 10

[5] الإسلام والمسلمون في الفلبين، محمد يوسف عدس، طبعة إلكترونية، صـ7.

[6] محاولات إسبانيا لتنصير مسلمي الفلبين عام 1521 م، منار عباس محمد، كلية التربية للبنات- قسم التاريخ، جامعة الكوفة، Route ,Educational & Social Science Journal Volume 6 (4) ; March 2019 ، صـ242.

[7] أحوال الأقليات المسلمة في الفلبين في النصف الثاني من القرن العشرين، د. هيا عبد المحسن محمد البابطين، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، العدد الأربعون، رجب 1437 هـ، صـ284.

[8] وضع الإسلام والمسلمين في الفلبين تحت الاحتلال الأجنبي وما بعده، إسماعيل حسانين أحمد، مجلة الإسلام في آسيا، المجلد 5، العدد 1، يوليو 2008 م، صـ143.

[9] إلمامة بجنوب الفلبين، محمد بن ناصر العبودي، صـ24.

[10] انتشار الإسلام والدعوة الإسلامية، سامي محمود، منشورات المكتبة العصرية- بيروت، صـ96-97.

[11] مسلمو مورو ومطالبهم بالاستقلال وعملية السلام، مصطفى أولغون، مجلة رؤية تركية، عدد ربيع 2019 م، صـ144.

[12] المسلمون في الشرق الأقصى: الفلبين- إندونيسيا- ماليزيا، د. محمد محمد زيتون، دار الوفاء للطباعة، 1405 هـ- 1985 م، صـ17.

[13] المسلمون في الفلبين، د. قيصر أديب مجول، ط3، مانيلا، 1978 م، صـ59.

[14] التبشير في إندونيسيا في القرن الرابع عشر الهجري، مغفور عثمان، رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، 1403 هـ - 1404 هـ، صـ27-30.