الاحتلال الأمريكي للفلبين:
بدأت الحرب مع الإسبان منذ عام 1521 م وانتهت عام 1898 م حينما شعروا بالإحباط واليأس والتعب أمام المسلمين، وتنازلوا عن الفلبين وباعوها للولايات المتحدة الأمريكية مقابل مبلغ من المال بمقتضى اتفاقية باريس في 10 ديسمبر ۱۸۹۸ م. والغريب في الأمر أن المناطق الإسلامية في الجنوب أدخلت في الاتفاقية ظلمًا دون إذن من المسلمين[1].
ولعل استراتيجية الأمريكيين في الفلبين يعبر عنها تصريح الرَّئيس الأمريكيّ "ماكنْلي" الصريح من: "أنَّ الله أوحى إليه أن من واجب أمريكا أن تقوم بتعليم الفلبينيين، وأن ترفع شأنهم إلى مستوى الحضارة وأن تقوم بتنصيرهم" ثم يقول: "سنبذل أقصى جهدنا بمشيئة الله من أجلهم باعتبارهم إخواننا الذين مات المسيح من أجل خَلاصهم"[2].
وقد قام الأمريكيون من أجل "إخوانهم" بمذابح مروعة استخدموا فيها سياسة "الأرض المحروقة"، وجرى فيما بعد توقيع معاهدتينِ لافتتينِ للانتباه في الفترة التي شهدت هزيمة السكان الأصليين: أولاهما معاهدة Bates سنة 1899 م والتي وُقِّعَت بين سلطنة صولو والمسؤولين الأمريكيين، ثم ما لبث أن فسخت هذه المعاهدة من طرف واحد، وبدأ نقل غير المسلمين من مناطق أخرى من الفلبين، وتوطينهم في هذه المنطقة عام 1912 م، ومن المثير للانتباه أن هذه العملية كانت استراتيجية استعمارية نموذجية صممت لتحويل شعب مورو المسلم إلى أقليات. ولم يلبث أن صدرت قوانين قرر بموجبها الأراضي التي يملكها شعب مورو منذ القدم أملاكًا عامة، وتخصيص أراضٍ لغير المسلمين الذين جرى توطينهم في المنطقة[3].
والمعاهدة الثانية وُقِّعت عام 1915 م، وسميت بمعاهدة "كربنتر"، نسبة إلى "فرانك ج. كربنتر"، أول والي مدني عُيِّن في المنطقة. وقد أنهت هذه المعاهدة سلطنة صولو التي حافظت على وجودها سنوات طويلة، ولا يعرف فيها إذا كان السلطان وقَّع هذه المعاهدة بإرادته أو بالإكراه، لكنه قبل بالحكم الأمريكي في المنطقة، ففقد السلطان نفوذه إبّان هذه المعاهدة، ونقلت حكومة الولاية صلاحيات السلطان إلى الرؤساء الذين يجري تعيينهم. وقد أشار "مانويل كيزون" أحد هؤلاء الرؤساء، إلى تغيير البنية التاريخية لشعب المنطقة بالقوة، في خطابه الذي ألقاه في 6 يونيو/ حزيران 1936 م، فقال: "لا يملك السلاطين حقوقًا أكثر من تلك الحقوق التي يملكها أبسط الناس من شعب مورو"[4].
وأثناء الحرب العالمية الثانية نزل اليابانيون الجزر الفلبينية واحتلوها ثلاث سنوات (1943-1945 م)، ولمقاومة أهل الفلبين عمدت القوات اليابانية إلى القيام بعمليات إبادة جماعية للمسلمين في الجنوب، وعاد الأمريكان بعد هزيمة اليابان بنهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 م[5].
استقلال الفلبين واضطهاد ماركوس للمسلمين:
بعد أن نالت الفلبين الاستقلال عام 1946 م تواصل تدفُّق المهاجرين من جزيرتي "لوزون" و"فيساياس" إلى جزيرة مندناو، وسلبت تمامًا البقية الباقية من حقوق الإدارة وأراضي الأجداد التي بدأ يفقدها شعب مورو مع الغزو الإسباني، وتحولت الأغلبية المسلمة إلى أقلية من الأقليات، بعد نجاح جهود التنصير طيلة أربعة قرون في نشر المسيحية بين سكان الفلبين، وقد قرر شعب مورو أن يبني دولته المستقلة، وبدأ من أجل ذلك بكفاح استمر سنوات طويلة[6].
لم تظهر حتى السبعينيات من القرن الماضي أي حركة مقاومة منظمة وجادة. وفي عهد الرئيس "فرديناند ماركوس" الذي اشتهر بنظامه القمعي[7] بدأ شعب مورو - الذي أخذ نصيبه من هذا القمع - مقاومته المسلحة التي لا تزال مستمرة في أعقاب "مجزرة جابيدا"[8] التي وقعت في 18 مارس 1968م، في البداية، علم العسكريون من شعب مورو أن نظام ماركوس يدربهم في مقاطعة "صباح" الماليزية للقيام بعمليات تخريبية، فعارضوا أوامر المجزرة، فأعطى نظام "ماركوس"- الذي أراد أن تبقى الحادثة في الخفاء- أمرًا بقتل العسكريين من شعب مورو، فقتلوا جميعًا دون استثناء، لكن هذا التاريخ أصبح نقطة تحول بدأ فيه شعب مورو الكفاح من جديد في سبيل الاستقلال.
إرث ثقيل:
بهذا الإرث الثقيل من سنوات الاحتلال الأربعمائة، استطاع المستعمر الإسباني ومن ورائه الأمريكي ثم الياباني أن يعيد توزيع المسلمين في البلاد، فبعد أن كانت نسبتهم تصل إلى 55%، تناقصت على أيدي الإسبان إلى 40.5%، وعلى أيدي الأمريكيين إلى 32%، وعلى أيدي اليابانيين إلى 17.5%، ثم جاءت الحكومة الجديدة في عهد الاستقلال لتصل معها نسبة المسلمين إلى 12%. وبعد أن كان المسلمون يسيطرون على 92% من مجموع مساحة ميندناو تضاءلت هذه المساحة وتقلصت حتى وصلت إلى 38%؛ إذ عملت الحكومة الفلبينية على تجريد المسلمين من أراضيهم كليةً، وتوطين المزارعين النصارى، وزيادة عدد اللاجئين والمشردين بدعم من أمريكا واليابان بمختلف الوسائل والأساليب[9].
• بدأت الأطماع الإسبانية في جزر الفلبين في فترة مبكرة بعد انتشار الإسلام بها؛ للسيطرة على ثرواتها وموقعها التِّجاري الهامّ خلال القرن السادس عشر الميلادي. • كانت أول حملة على جزر الفلبين بقيادة المستكشف التنصيري "ماجلان"، والذي قتله البطل المسلم "لابو لابو" بيده عام 1521 م. • ظل الإسبان طيلة ثلثمائة سنة يحاولون السيطرة على جنوب الفلبين المسلم، لكن مقاومة أبناء "صولو" و"مانداناو" أحبطت مساعيهم. • عُرِفت الحروب الإسبانية الفلبينية بحروب المورو؛ نسبةً لمقاومة المسلمين للاستعمار الإسباني مدة ثلاثة قرون. • كان الاحتلال الأمريكي نكبة على شعب مورو المسلم، واستخدم الأمريكان أساليب شيطانية فقد فيها المسلمون أراضيهم واستقلالهم الذاتي بمناطقهم. • نجح الاستعمار مع التنصير خلال أربعة قرون من جعل المسلمين في الفلبين أقلية يتم محاربتها وقمعها من جانب الحكومات القائمة بعد الاستقلال. |
[1] جهاد مسلمي المورو في جنوب الفلبين ونضالهم من أجل البقاء، سلامات هاشم، ط1، اللجنة المركزية لجبهة تحرير مورو الإسلامية، 1982 م، صـ3-4.
[2] الإسلام والمسلمون في الفلبين، محمد يوسف عدس، صـ15.
[3] مسلمو مورو ومطالبهم بالاستقلال وعملية السلام، مصطفى أولغون، مجلة رؤية تركية، عدد ربيع 2019 م، صـ145-146.
[4] Jubair, Bangsamoro a Nation Under Endless Tyranny, P. 69-70.
[5] تاريخ الشرق الأقصى الحديث والمعاصر، محمد علي القوزي وحسان حلاق، دار النهضة العربية- بيروت، 2001 م، صـ264-265.
[6] -
Majul, Contemporary Muslim Movement in the Philippines (Berkeley: Mizan Press,1985), pp. 39-43.
[7] رياح الثورة الإسلامية تعطر جنوب الفلبين، مجلة حضارة الإسلام، العدد الرابع، جمادى الآخرة، 1399 هـ/ 1979 م، صـ 104-106.
[8] شهدت مقتل 60 عنصرًا مِن الكوماندوز المسلمين ضمن عملية مخطّطة لاستعادة الجزء الشرقي من ولاية صباح. ردًّا على المجزرة، أسس البروفيسور في جامعة الفلبين "نور ميسواري" "الجبهة الوطنية لتحرير مورو"، وهي حركة تمرد مسلحة آلت على نفسها إقامة كيان مستقل يضمّ جزيرة مينداناو، وأرخبيل صولو، ومقاطعة بالاوان، وقد انشقت منها عدة كيانات أخرى كان منها "جبهة تحرير مورو الإسلامية" التي سعت لتأسيس دولة إسلامية في الفلبين.
[9] وضع الإسلام والمسلمين في الفلبين تحت الاحتلال الأجنبي وما بعده، إسماعيل حسانين أحمد، مجلة الإسلام في آسيا، المجلد 5، العدد 1، يوليو 2008 م، صـ154.
المستودع الدعوي الرقمي نسعى لتكوين أكبر مستودع معرفي ومعلوماتي للدعوة والدعاة حول العالم، من خلال توفير الملفات والتقارير والبيانات الخادمة للعاملين في الدعوة إلى الله.