أوضاع المسلمين في سريلانكامقالات

محمد البشير أحمد موسى

أوضاع المسلمين في سريلانكا[1]:

تقع سريلانكا في الجزء الجنوبي الشرقي من الهند، وتطل على خليج المنار والبنغال، وقد استقلّت عن إنجلترا في عام 1948م، وتبلغ مساحتها 525 ,65 كلم2، وعدد سكان سريلانكا يبلغ نحو 19,43 مليون نسمة، و تتكون سريلانكا من عدّة قوميات:السنهال 74 %، التاميل 18 %، موروس 7% آخرون 1%.

أما الأديان: البوذيون 70%، الهندوس 15% المسلمون 8% النصارى 7%، ومنذ عام 1983م اندلعت الحرب بين السنهال ذات الأغلبية السكانية، وبين الأقلية التاميلية، أو بعبارة أخرى بين البوذيين والهندوس، فكان المسلمون ضحايا هذا الصراع المرير والذي ما زال مستمرّاً لأكثر من عشرين عاماً.

موجز تاريخ دخول الإسلام إلى سريلانكا:

يرجع تاريخ وجود المسلمين في سيلان والتي كانت تسمّى "سرنديب" وحالياً سريلانكا[2] إلى القرن السابع الميلادي (الثاني الهجري) حين دخلها التجار المسلمون، وتقول المصادر التاريخية: إنّ وصول الإسلام إلى سريلانكا كان خلال فترة الخلافة الراشدة، فقد ذكر ابن شهريار في عجائب الهند أنه: "عندما سمع أهل سيلان والمناطق المجاورة لها بنبأ الإسلام، أرسلوا رسولاً لينقل إليهم معلومات موثوقة عن هذا الدين الجديد، وعندما وصل الرسول إلى المدينة كان الخليفة يومئذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقابله الرسول ، وأخذ منه تعاليم الإسلام ، ولكن أدركت الوفاة ذلك الرسول في طريق عودته إلى سيلان، فقام خادمه بتبليغ الرسالة"[3].

ومما ساعد أيضا على انتشار الإسلام المسلمون العرب الذين استوطنوا الساحل الجنوبي الشرقي للهند، حيث كانت لهم هجرات منظمة إلى سيلان، يبشرون بهذا الدين ويتفقدون فيها أحوال المسلمين في سيلان، ومما يدل على قوة الأواصر بين المجموعتين الهندية والسيلانية أنهم كانوا يتكلمون لغة واحدة[4].

ونتيجة لذلك كانت سيلان دولة إسلامية بكاملها، ولكن من بداية القرن السادس عشر الميلادي بدأ نفوذ المسلمين في سيلان يتضاءل تدريجياً بظهور نفوذ البرتغال أو منافستهم للمسلمين على التجارة في المحيط، والسيطرة على البحر.

وكانت جزيرة سيلان بحكم موقعها هدفاً من أهداف البرتغاليين، فاحتلوها عام 1505م، وعملوا على إضعاف نفوذ المسلمين في الجزيرة، وانتزاع زمام التجارة من أيدي المسلمين عن طريق سلسلة من المؤامرات والاعتداءات العسكرية، فقد أباد البرتغاليون قرى مسلمة بأكملها ، وحاولوا إزالة أي أثر للوجود الإسلامي في الجزيرة، مما دفع أعداداً كبيرة من المسلمين للنزوح من المدن الغربية والجنوبية المطلة على المحيط، وانتشروا في وسط البلاد وفي المناطق المرتفعة منها، والتي كانت آنذاك تحت سيطرة ملوك كانديان، وتقع هذه المناطق حالياً شمال العاصمة " كولومبو"[5].

وقد اتبع الهولنديون الذين جاءوا إلى سيلان عام 1658م نفس السياسة نحو المسلمين والإسلام، فأسسوا مدارس تنصيرية لنشر النصرانية، ووقف النفوذ الإسلامي في المنطقة وإخفاء نور الإسلام.

وبالرغم من أن الاحتلال البريطاني للجزيرة عام 1716م قد خفف قليلاً من سياسة البطش والتعذيب التي مارسها البرتغاليون، ومن بعدهم الهولنديون، فإن البريطانيين اتبعوا نفس السياسة التنصيرية لأسلافهم، فأنشئوا عدداً كبيراً من المدارس بين عامي 1732 -1746م وفتحوا باب التعليم لكل الطوائف والطبقات في سيلان، ولكن المسلمين لم يستطيعوا أن ينسوا بسهولة الأيام التي عاشوها تحت وطأة الاحتلال الهولندي، وارتبط في أذهانهم التعليم الغربي بالأهداف التنصيرية الكنسية، ولذا قابلوا السياسة التعليمية البريطانية بحذر شديد، ورفضوا هذا النوع من التعليم، واكتفوا بمدارسهم الخاصة التي كانت ملحقة بالمساجد ، وتقتصر على تعليم القرآن ومبادئ الإسلام الأولية.

وبالرغم من أن عزوف المسلمين في الجزيرة عن التعليم الغربي كانت له مبرراته القوية فإنه جعل المسلمين متخلفين من الناحية المادية، إذا ما قيسوا بالفئات الأخرى التي استفادت من هذا النوع من التعليم، ولكن شيئا واحداً يجب أن نذكره، وهو أنه عن طريق هذه المؤسسات التعليمية البريطانية هجر كثير من أتباع الطوائف الأخرى ديانتهم واعتنقوا النصرانية ديانة الرجل الأبيض، ولكن الله سلم المسلمين من ذلك[6].

مناطق تواجد المسلمين في الجزيرة:

ينقسم المسلمون في سيريلانكا إلى مجموعتين كبيرتين هما: المورو، والملايو، ويشكل المورو أكثر من 96% من إجمالي نسبة السكان المسلمين.

ولفظة "مورو" كانت في الأصل خاصة ببعض الأفراد إلا أنها في الآونة الأخيرة اكتسبت مفهوماً عاماً، فتمَّ استعمالها للدلالة على ذوي الأصول العربية والهندية من المسلمين[7]. أما شعب الملايو فهم من الأصول المالاوية الذين استقدمهم الهولنديون إلى البلاد إبان احتلالهم لماليزيا.

يعيش المسلمون في عدّة محافظات في البلاد منها: جزيرة جفنا، مانار، ترينكومالي في الشمال، وفي الوسط: بوتالام، ماتالا، كاندي، وفي الجنوب: العاصمة كولومبو، جالي. ولكن أغلبيتهم في المنطقة الشرقية.

ويُعاني المسلمون بشدة من الصراعات الهندوسية البوذية ،والتي أصبحوا أهدافًا لها، لأنهم رفضوا أن يكونوا تابعين للمتمردين الثائرين ضد الحكومة، وتشير الإحصائيات إلى أن 1.8 مليون مسلم راحوا ضحية الحرب الأهلية، كما تتعرض منازل المسلمين بشكل مستمر إلى القصف أثناء هذه الصراعات، مما نتج عنه وجود 300 ألف مسلم في سريلانكا بلا مأوى، مما دفع الكثير من المسلمين إلى الإقامة في مخيمات للإيواء.

ومع ذلك فإن المسلمين يتمتعون بحرية دينية ولو جزئية في البلاد، وهم أحسن حالاً من المسلمين في الهند، حيث يتمتعون بحرية تامة في بناء المساجد والمدارس الإسلامية الخاصة، وهناك ستة وزراء مسلمين وأعضاء في البرلمان، وهناك وزارة للشؤون الإسلامية لرعاية المساجد.

اللغة:

يتكلم معظم المسلمين في سيريلانكا "اللغة التاميلية" والتي هي أيضا لغة مسلمي جنوب الهند، وتوجد العديد من المؤلفات الإسلامية لعلماء سريلانكا وجنوب الهند بهذه اللغة، ولكن أصبحت "اللغة السنهالية" الآن وهى لغة الغالبية في سريلانكا، هي اللغة الرسمية للدولة، ومن هنا فإن كثيراً من المسلمين هجروا اللغة التاميلية وبدءوا يتعلمون اللغة السنهالية التي أصبحت لغة الحياة بالنسبة لهم، وتكمن المشكلة في أنه لا توجد مؤلفات إسلامية باللغة السنهالية، ولهذا أصبحت الحاجة ماسة إلى تأليف كتب عن الإسلام باللغة السنهالية، حتى يمكن نشر الوعي الإسلامي والعلوم الإسلامية من خلالها.

النشاط التعليمي والدعوي:

للمسلمين العديد من المساجد والمدارس والمراكز الثقافية الإسلامية، فيوجد في سريلانكا ما يقرب من 400 مدرسة لتحفيظ القرآن، و600 مدرسة ابتدائية مشتركة، بالإضافة إلى الجامعة النظمية الإسلامية والتي تأسست في (19 رجب سنة 1393 هـ أغسطس 1973م).

كما تضم العاصمة السريلانكية “كولومبو” مركزاً إسلامياً كبيراً، ومدرسة لتخريج الأئمة والوعاظ للعمل على نشر الدين الإسلامي، و25 معهدًا إسلاميًا، وكذلك مراكز لرعاية الأيتام، ومكتبة إسلامية كبيرة تحتوي على مئات الكتب الإسلامية، فضلاً عن وجود محكمة إسلامية تُطبق الشريعة الإسلامية وقوانينها.

ولهم عدّة جمعيّات دعويّة تقوم بواجب الدعوة والتوعية وسط المجتمع السيريلانكي، منها الجمعية السلفية والتي مقرّها مدينة بوتالاما والتي تقوم بدور وجهد كبير في الحفاظ على الهوية الإسلامية، ومساعدة اللاجئين المسلمين في المناطق المختلفة في سريلانكا.

وأصبح المسلمون في سيريلانكا يميزون باعتبارهم الفئة الأكثر تعليمًا، بعد أن كانت مشهورة في السابق بأنها الأكثر ممارسةً للتجارة، وتشير بعض المصادر الإعلامية إلى ارتفاع عدد الطلاب المسلمين الذين يلتحقون بالمدارس والكليات المختلفة بالجامعات، وأنهم استطاعوا عن طريق التركيز على التعليم اجتياز عقبة توفير المدرسين الذين يوفرون لأبنائهم العقيدة السليمة وسط مجتمع يموج بالتيارات، وذلك بعد أن أصبح هناك مدرسون مسلمون من الجنسين، كما أصبح بينهم متخصصون في المجالات المختلفة، مثل الهندسة والطب والمحاسبة والإدارة، بالإضافة إلى أعضاء هيئة التدريس في مختلف الكليات بالجامعات السيريلانكية.

ولعل من أشهرهم البروفيسور "شريف الدين" الذي يعمل أستاذًا للجراحة في جامعة كولومبو، حيث تم اختياره مؤخرًا رئيسًا للجراحين في الجامعة.

غير أن أوضاع المسلمين ما زالت مع ذلك دون المستوى المطلوب والمأمول، رغم وجود وزراء من بينهم ووجود ممثلين لهم في البرلمان، وتتمثل أكبر المشكلات التي يعاني منها المسلمون حالياً في كيفية الحفاظ على الهوية الإسلامية في مجتمع يتصف بتعدد الديانات والثقافات، إضافة إلى الاضطهاد الذين يعانونه من الأغلبية البوذية التي تساندها الحكومة، والتي تمارس التنصير بين المسلمين، كما أن أعداد اللاجئين قابلة للارتفاع بسبب الحرب الدائرة بين الحكومة والمتمردين من التاميل.

وبما أن الأمة المسلمة جسد واحد، فقد كانوا وراء الاحتجاج الكبير الذي شهدته البلاد بعد تعيين أول سفير لدولة الكيان الغاصب (إسرائيل) في هذه الدولة، حيث خرج المئات من المواطنين إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية في عدة مناطق تقطنها أغلبية مسلمة على الساحل الشرقي للجزيرة بعد صلاة الجمعة (21/4/1422هـ الموافق 13/7/2001م).

ومن الجدير بالذكر أن سريلانكا علقت العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب عام 1970 لرفضها الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، لكنها استأنفت علاقات محدودة بعد عام 1983. ومن ثم تطورت العلاقات في مايو/ أيار عام 2000م، بعد يوم واحد من رفض الهند تقديم مساعدة عسكرية لكولومبو في حربها ضد متمردي التاميل، أعقبها شراء الجيش السريلانكي معدات وأسلحة من إسرائيل.


(المصدر: شبكة الألوكة - نقلاً عن موقع التاريخ).


[1] لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يراجع المراجع التالية:

1- التقرير الصادر عن الجمعية السلفية في سريلانكا عن أحوال المسلمين هناك.

2-  وموقع إسلام أون لاين (13-1- 2001).

3- موقع قناة الجزيرة الإخبارية على الانترنت.

[2] د. عدنان النحوي: ملحمة الإسلام في الهند ، ص: 67.

[3] د. محمد علي شكري ، مدير الجامعة النظمية الإسلامية في سيريلانكا ـ موقع مجلة الوعي الإسلامي على الإنترنت: 7/10/2003م.

[4] المصدر السابق.

[5] راجع: ملحمة الإسلام في الهند، د. عدنان النحوي. وتقرير جمعية الدعوة السلفية في  سيرلانكا.

[6] د. محمد علي شكري ، مدير الجامعة النظمية الإسلامية في سيريلانكا ـ موقع مجلة الوعي الإسلامي على الإنترنت: 7/10/2003م.

[7] Ragavan , 1971: 223. وانظر بتفصيل تقرير الجمعية السلفية.