كيف وصل الإسلام جزر المالديف؟ (2)مقالات


نسيج إسلامي واحد:

ونجد أن السكان بعد إسلامهم قد جمع بينهم الإسلام، على مذهب الإمام الشافعي، وإن كان إيمان السكان المحليين ببعض الخرافات شاب عقيدتهم الصافية، وقد وصف "ابن بطوطة" سكان هذه الجزر بأنهم "أهل نظافة ‌وتنزه ‌عن ‌الأقذار وأكثرهم يغتسلون مرتين في اليوم تنظفًا لشدة الحر بها وكثرة العرق، ويكثرون من الأدهان العطرية كالصندلية ويتلطّخون بالغالية المجلوبة من مقدشو"، وأن العمران في عهد الإسلام كان يشغل أغلب جزرهم، فـ"في كل جزيرة من جزائرهم المساجد الحسنة وأكثر عمارتهم بالخشب"[1].

وذكر أن الزواج بهذه الجزر سهل؛ لقلة الصّداق المطلوب ممن طلب الزواج، فضلًا عن حسن معاشرة نساء المالديف لأزواجهن، قال: "ولم أرَ في الدنيا أحسن معاشرة منهن"، ولا تكل المرأة عندهم عن خدمة زوجها؛ إذ تأتيه بالطعام وترفعه من بين يديه، وتأتيه بالماء للوضوء، ومن عوائدهن ألَّا تأكل المرأة مع زوجها، ولا يعلم الرجل ما تأكله المرأة.

وفيما له صلة بإقامة السنن والأحكام الإسلامية في الجزر فقد لوحظ حالات قليلة جدًّا من الخصومات، "إنما وجدت عندهم عادات وأعراف تعامل معها القضاء بحزم منها النهي عن بقاء الزوجة بدار زوجها بعد طلاقها منه، ومعاقبة المخالفين لذلك، والنهي عن أخذ القاضي نسبة العُشر من التركات والميراث عند تقسيمه إياه على مستحقيه"، وقد انتقد ذلك ابن بطوطة بقوله لأحد القضاة: "إنما لك أجرة تتفق بها مع الورثة". ولذلك امتنع ابن بطوطة عن العمل بالقضاء في تلك الجزر في بادئ الأمر، كما وجهت عقوبة للمتخلفين عن صلاة الجمعة بوجود رجال عملوا بالأزِقّة والأسواق لمراقبة المتخلفين عنها، فضلًا عن متابعة عمل الأئمة والخطباء وحثهم على أداء أعمالهم، وقد كتب ابن بطوطة عندما تولى أمر القضاء إلى جميع الجزر بالعمل بتلك السنن والأحكام، ومن الجدير بالذكر وَوَفْقًا لقلة الخصومات لوحظ أنه "لا سجن عندهم، إنما يحبس أرباب الجرائم في بيوت خشب هي معدة لأمتعة التجار"[2].

 

قدوم الاستعمار البرتغالي:

قام البرتغاليون بالقدوم إلى المنطقة في القرن السادس عشر الميلادي[3]، وفي عام 1558 م أغار البرتغاليون على جزر المالديف، واحتلوها، وسط مقاومة كبيرة من السكان المسلمين، وقد قام سكان الجزر بشن غارات على البرتغاليين وسفنهم لمحاولة طردهم من الجزر، وقادوا حرب عصابات بقيادة السلطان "محمد تكرفان"، وهو من أعظم السلاطين الذين حكموا في المالديف أيام السلطنة، وقد حكم جزر المالديف من 1573 إلى 1585 م، وكان قائدًا عسكريًّا محنكًا وعبقريًّا استراتيجيًّا، تميز بحنكته وذكائه وقوة شخصيته، ولُقِّب بالسلطان الأعظم؛ لإعادته الهُوِيّة الإسلامية للبلاد وإحيائه العقيدة الإسلامية.

وقد قام السلطان "محمد تكرفان" بجهاد عظيم من أجل استقلال المالديف وإعادة الهُوِيّة الإسلامية لبلاده، بعد الاحتلال البرتغالي المسيحي الذي استمر سبعةَ عشرَ عامًا.

وبينما كان المالديفيون في يأس وغير قادرين على مقاومة قوة البرتغاليين ومواجهتهم، عزم الإخوة الثلاثة من جزيرة أتيمو؛ محمد (السلطان محمد تكرفان)، وأخواه "علي تكرفان" و"حسن تكرفان" على مقاومة الاحتلال وتحرير المالديف من قبضة البرتغاليين.

وبدءوا يعدون العدة لإنهاء هذا الاحتلال الغاشم الذي دمر البلاد وقضى على الإسلام، واستعدادًا للمعركة غادروا إلى الجزر الأرخبيلية (مَلِكُو) قبالة ساحل الهند حيث هنالك صنعوا سفينة وجهزوها عسكريًّا لبدء المقاومة بحرًا، ووضعت الخطط العسكرية لمواجهة الاحتلال.

ويُروى أن "محمد تكرفان" قد تلقى الكثير من المساعدات المعنوية والدعم الكامل من (راويرِيبي) من جزيرة "مَرْشِي"، و"راويريبي" شخص كان على نفس الطريق مع "محمد تكرفان"، حيث عزم على تحرير المالديف من دنس الغزاة، وكانت وظيفته إصلاح شراع السفينة (كَلوأهفُّومِي) المستخدمة في المعركة وتحميل المياه لها في كل مرة ترسو فيها على جزيرة "مَرْشِي" التي كانت محطة استراتيجية خلال معركة التحرير.

وقد تمت صناعة أشرعة السفينة العسكرية في جزيرة مرْشي، بإقليم شَويني أتول، وبذلك ظلت هذه الجزيرة تاريخية لأن بها (شجرة كاني مودي) التي منها صنعت أشرعة السفينة العسكرية، ولا زالت هذه الشجرة موجودة إلى هذا اليوم. وهي ربما أقدم شجرة في المالديف[4].

بعد تحرير البلاد عام 1573 م أراد السلطان "محمد" تعيين قاضي على الجزر فوجد أن جميع العلماء ورجال الدين قد هلكوا خلال الاحتلال البرتغالي، ولم يبق أحد منهم على قيد الحياة، وصادف آنذاك عودة أحد أبناء الجزر الجنوبية إلى بلاده (ويدعى محمد جمال الدين) بعد أن أمضى عدة سنوات في اليمن وحضرموت يدرس الفقه الشافعي، فعينه السلطان قاضيًا للبلاد، ومنذ ذلك الوقت اتبع المذهب الشافعي في جزر المالديف مكان المالكي لحل المسائل الفقهية، وقد سيطرت هولندا في القرن السابع عشر على جزيرة سريلانكا - جارة جزر المالديف - وعقدت معاهدة مع سلطان جزر المالديف تلزمه فيها دفع أتاوة للحكام الهولنديين في سيلان مقابل حمايتهم للجزر، وفي القرن الثامن عشر ضعف نفوذ هولندا فيما وراء البحار، وخرجت كثير من المناطق من قبضتها، ومن بينها جزر المالديف[5].

 

قدوم الاستعمار البريطاني:

تعرضت هذه الجزر بعد ذلك لغزو من سكان منطقة "مالابار" الواقعة على ساحل الهند الغربي، فأخضعوها عام 1752 م، لكن حكمهم لم يدم أكثر من سبع سنوات خرجوا من بعدها، وعاد الاستقلال لجزر المالديف، حلَّ البريطانيون محل الهولنديين في "سريلانكا"، واغتنموا وجود قلاقل في جزر المالديف عام 1887 م، فتدخلوا بالأمر وفرضوا على سلطانها "إبراهيم نور الدين" معاهدة تحمي بموجبها بريطانيا الجزر من أي اعتداء خارجي، وتسيير شؤونها الخارجية بينما تبقى إدارة الشؤون الداخلية بيد السلطان، وفي ظل الحماية البريطانية سُنَّ دستور للبلاد لأول مرة عام 1932م ظلت جزر المالديف بموجبه سلطة.

وفي عام 1948 م استقلت "سيلان" عن بريطانيا، لكن المالديف أبقت حمايتها على جزر المالديف واستمرت في رعاية شؤونها الخارجية وعدم التدخل بشؤونها الداخلية، وذلك بموجب معاهدة عقدتها مع حكومتها[6]، وقد تضمنت هذه المعاهدة أمرًا جديدًا وهو تسهيلات للبريطانيين من أجل الدفاع عن دول الكومنولث.

ألغيت السلطنة عام 1953م وأعلنت الجمهورية في العام نفسه، وانتخب الأمير "محمد ديدي" كأول رئيس للجمهورية، وقد حكمت بريطانيا جزر المالديف 78 سنة بوصفها محمية بريطانية، واستقلت جزر المالديف بشكل رسمي في عام 1965م، وتم إغلاق آخر قاعدة عسكرية للجيش البريطاني بالجزر عام 1976 م.

وجزر المالديف الآن هي عضو في الأمم المتحدة، وفي منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي حركة عدم الانحياز، وفي رابطة أقطار جنوبي آسيا للتعاون الإقليمي.

 

المالديف.. والعودة لحوزة الإسلام:

منذ استقلال الجزر في منتصف القرن العشرين، تلتزم جزر المالديف بعدم الدخول في أي نزاعات جانبية، حيث ينهج رؤساؤها نهج عدم الانحياز؛ لعدم التورط في أي صراع قد يقوِّض أركان الجزر الآمنة المسالمة، غير أن الشعب المالديفي قد اختار في إصرار الركون إلى الهوية الإسلامية سياسيًّا واجتماعيًّا، ومحاولة تطبيق نهج إسلامي قدر الإمكان يتوافق مع متطلبات الشرع.

ويطبّق الشعب المالديفي أحكام الشريعة الإسلامية في كافة المجالات خاصة في الأحوال الشخصية من زواج وطلاق ومواريث، كما أن جميع الحدود مطبّقة في المالديف - ما عدا الرجم، وقطع يد السارق - حيث تتلاشى جرائم السرقة وارتكاب الرذائل بسبب تمسك أبناء هذا الشعب المسلم بتعاليم وهدي الدين الإسلامي الحنيف، كما أن جميع المحاكم في المالديف تصدر أحكامها وفقًا للشريعة الإسلامية، ويتقبّل أبناء الشعب المالديفي هذه الأحكام بصدر رحب، ولا يُعترض عليها في كافة مراحل التقاضي باعتبارها أحكامًا عادلة تستمد حيثياتها من الشريعة الإسلامية العادلة.

وتقوم المحكمة العليا في المالديف بدور إيجابي في مراقبة التطبيق الصحيح لأحكام الشرع الإسلامي في جميع المحاكم وذلك منذ إنشائها في 5 أكتوبر عام 1980 م، ويعتبر منصب رئيس المحكمة العليا من أرفع المناصب في جمهورية المالديف.

كما تقوم المحكمة العليا في المالديف بمراجعة كافة القوانين التي يقرّها البرلمان؛ وذلك للتأكد من مطابقة هذه القوانين لأحكام الشريعة الإسلامية[7].

• تتكوّن جزر المالديف من سلسلة من الجزر يصل عددها إلى 1087 جزيرة متنوعة المساحات، ويبلغ عدد الجزر المأهولة بالسكان من بينها قرابة 215 جزيرة.

• ذكر "ابن بطوطة" في رحلته أن اسم تلك الجزر "ذيبة المهل"، وأطلق على الجزيرة اسم "مالديب"؛ أي: بلد السمك؛ لوفرة أسماكها.

• يعتقد أن معرفة العرب بتلك الجزر كان قبل الإسلام للتجارة، حيث جاء العرب التجار إلى جزر المالديف، واستقر بعضهم بالمالديف.

• دخل الإسلام المالديف على يد الداعية المغربي "أبي البركات يوسف البربري" عام 548 هـ/ 1153 م.

• روى ابن بطوطة غرائب مشاهداته في جزر المالديف في رحلته، ووصفها بأنها "إحدى عجائب الدنيا".

• تعرضت المالديف للاحتلال البرتغالي فالهولندي فالبريطاني، ولم تستقل إلا عام 1965 م.

• من الشخصيات الجهادية في تاريخ جزر المالديف: سلطان حرب التحرير "محمد تكرفان".

• تلتزم جزر المالديف منذ استقلالها بعدم الانحياز لأي طرف دولي، وتحاول تطبيق الشريعة الإسلامية في معاملاتها، وإيجاد مصادر دخل للدولة عن طريق السياحة.

 


[1] "رحلة ابن بطوطة" ط أكاديمية المملكة المغربية (4/ 57).

[2] "رحلة ابن بطوطة" ط أكاديمية المملكة المغربية (4/ 73).

[3] جزر المالديف للقارئ العربي، سعيد إبراهيم كريديه، دار الرشاد- بيروت، 1998 م، صـ12.

[4] مقال: السلطان محمد تكرفان الأعظم: قصة كفاح ملهمة عن الحرية، د. محمد شهيم علي سعيد، نشر على موقع مالديف بتاريخ 4 أغسطس 2020.

[5] جزر المالديف للقارئ العربي، سعيد إبراهيم كريديه، صـ12، 13.

[6] مقال "جزر المالديف: الجزر الآسيوية المسلمة"، مجلة دعوة الحق، العددان 127 و128.

[7] المالديف: مسيرة ناجحة نحو التعريب (حوار مع الشيخ محمد رشيد إبراهيم رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ورئيس المحكمة العليا في المالديف)، محمود بيومي، موقع مداد، نشر بتاريخ 8/ 11/ 2007.