الإسلام في تايوانمقالات

موقع الخيمة

المصدر: موقع: http://www.khayma.com/abdeelksis/Islam_tawain.htm

 

لقد دخل الإسلام بلاد الصين بشكل عام في عهد (تانغ) عام 651م، في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، حين قام بإرسال بعثة رسمية إلى بلاد الصين برئاسة سعد بن وقاص رضي الله عنه. واستقبلهم إمبراطور الصين (تانغ قاو زو) في العاصمة الصينية آنذاك (تشانغ آن). وبعد تقديم الرسالة للإمبراطور من الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبعض الهدايا المقدمة، سمح الإمبراطور للبعثة الإسلامية بالقيام بالدعوة للإسلام ونشر مبادئ الرسالة المحمدية هناك، كما سمح الإمبراطور ببناء مسجد للمسلمين في عاصمة الصين (تشانغ آن)، ويعتبر هذا المسجد أول مسجد إسلامي خارج أراضي الجزيرة العربية والبلاد الإسلامية في تلك الفترة. وانتشر الإسلام في بلاد الصين، حيث واكب خمسة عصور صينية وهي عصر (تانغ) وعصر (سونغ) وعصر (يوان) وعصر (مينغ) وعصر (تسينغ) حتى قيام جمهورية الصين في عام 1912م، ووصل عدد المسلمين في بلاد الصين إلى حوالي خمسين مليون مسلم بنسبة تبلغ 10% من عدد سكان بلاد الصين البالغ عددهم خمسمائة مليون حسب إحصائيات عام 1948م.

إلا أنه بعد استيلاء الحكم الشيوعي الصيني على البر الصيني عام 1949م، انقطعت الاتصالات مع المسلمين هناك، وباتت الحكومة الصينية لا تعلم بما آلت إليه أحوالهم. لكن الله يعلم بذلك، فما تقدم سوى نبذة عامة تاريخية عن أحوال المسلمين في البر الصيني.

ولكن ما يهمنا هنا هو وضع الإسلام والمسلمين في جمهورية الصين في تايوان. فلقد دخل الإسلام إلى جزيرة تايوان على مرحلتين تاريخيتين:

المرحلة الأولى كانت في عام 1661م، حينما انتقل القائد العسكري الصيني الشهير (جينغ تشانغ قونغ) بقواته إلى جزيرة تايوان من أجل مقاومة الحكم المانشوري الذي ازداد خطره على البر الصيني، وكان من بين أفراد ذلك الجيش، نسبة لا بأس بها من المسلمين الذين حضروا إلى هنا مع عائلاتهم، واتخذوا من ميناء (لو قانغ) جنوب تايوان و(دان شوي) شمال تايوان مركزا لها، حيث بنوا فيها المساجد، وأخذ عددهم بالازدياد حتى بلغ ثلاثين ألف نسمة في أيام السيطرة اليابانية على تايوان. إلا أن أكثرهم ضلّ السبيل لعدم وجود الأئمة والدعاة والمرشدين.

أما المرحلة الثانية فقد بدأت مع انسحاب حكومة جمهورية الصين من البر الصيني إلى تايوان أمام القوات الشيوعية الصينية في عام 1949م، وفي هذه المرحلة حضر إلى تايوان من المسلمين عدد يقدّر بعشرين ألف مسلم، واليوم وصل عدد المسلمين في تايوان حوالي خمسة وخمسين ألف مسلم، وهو العدد المتعارف عليه حاليا.

إلا أنه بالرغم من قلة عدد المسلمين المتواجدين في تايوان بالنسبة لعدد سكان هذه الجزيرة، إلا أن نشاطاتهم الدينية المنبثقة من غيرتهم على الدين وإخلاصهم للعقيدة الإسلامية جعلهم موضع للإعجاب والاحترام من قبل حكومة جمهورية الصين في تايوان.

والفضل يعود كله إلى القيادة الحكيمة للجمعية الإسلامية الصينية التي تم تأسيسها قبل حوالي خمسة وأربعين عاما، وبمساعدة من حكومة جمهورية الصين في تايوان، وتحت رعاية الجمعية الإسلامية الصينية في تايوان فقد تم إنجاز عدة مشاريع إسلامية، منها:

أولاً: بناء مسجد للمسلمين في مدينة تايبيه، فعندما وصل المسلمون إلى تايوان في المرحلة الثانية من انتقالهم كمهاجرين من البر الصيني، لم تكن لديهم المقومات المادية الكثيرة للشروع في إنجاز بعض من المشاريع المترتب عليهم إنجازها، لذلك عمدوا إلى جمع التبرعات من أبناء الجالية الإسلامية المتواجدة هنا ليشتروا بتلك التبرعات بيتا قديما ليكون بمثابة المسجد لهم كبداية، لإقامة الصلاة ومكانا للقاءات والاجتماعات للتباحث في أمور الدين وأوضاعهم الخاصة بهم. وكما يقال: الضرورة سيدة الأحكام، فإن هذا المسجد المقام داخل البيت القديم أصبح لا يوفي بمتطلباتهم الضرورية، لذلك فقد أقروا بالإجماع بناء مسجد جديد رغم أن أحوالهم المادية لا تسمح بذلك، إلا أنهم عمدوا إلى بيع تلك البيت القديم واشتروا بقيمته قطعة أرض تبلغ حوالي ألفي متر مربع، ثم قاموا بالإقراض من البنك الحكومي في تايوان مبلغ أربعة ملايين دولار تايواني أي ما يعادل مائة ألف دولار أمريكي، وبهذا المبلغ استطاعوا إنجاز مشروع بناء المسجد. ويجب ألا ننسى مدى الرعاية الحكومية في تايوان لأبناء الشعب على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، فبعد تقديم طلب للحكومة من أبناء الجالية الإسلامية والقائمين عليها بإعفائهم من الفوائد البنكية المترتبة على القرض، والذي ليس لديهم الإمكانيات بتسديدها، فقد وافقت الحكومة على الطلب وأعفتهم من تسديد تلك الفوائد، وبهذا أصبح جامع تايبيه مكان لقاء المسلمين المتواجدين في تايوان والقادمين من خارج تايوان. وبضم المسجد مكانا للرجال والذي يقع في الطابق الأول، ومكانا للنساء المسلمات في الطابق الثاني.

وبعد فترة طويلة تم بناء مسجد آخر في نفس المدينة تايبيه، إضافة إلى بناء ثلاثة مساجد أخرى في بعض من مدن تايوان، وبهذا يكون عدد المساجد للمسلمين في تايوان خمسة مساجد.

ثانيًا: بناء مقبرة إسلامية، فبعد بناء المسجد، كان على المسلمين أن يبدأ بإنجاز مشروعهم الثاني والذي يعتبر من الأهمية الكبيرة، نظرا لاختلاف مراسم معاملة الأموات في الدين الإسلامي عن غيره من سائر الأديان والمذاهب الأخرى.

ومن أجل إتمام إنجاز هذا المشروع، والشروع به إلى حيز التنفيذ، قامت الجمعية الإسلامية الصينية في تايوان بتقديم طلب إلى الحكومة بمنحها قطعة من الأرض ليتم عليها بناء المقبرة الإسلامية، وتمت الموافقة على الطلب، وتقع المقبرة الإسلامية في منطقة (لياو جانغ لي) الجبلية شرق تايبيه، حيث يرقد بها ضريح المرحوم الجنرال (عمر باي تسونغ سي) الصيني وزير الدفاع الصيني الراحل ومؤسس الجمعية الإسلامية الصينية ورئيسها الأول، إلى جانب أرواح المسلمين الصينيين في تايوان.

ثالثًا: إيجاد وبناء مسلخ ومذبح إسلامي , نظرا لتعاليم الإسلام التي تنص على عدم تناول المسلم للحم الخنزير وشرب الخمر وتدخين الحشيش وتناول المخدرات وجميع الأشياء التي تضر بالصحة، فشعر المسلمون في تايوان بضرورة إيجاد مسلخ ومذبح إسلامي لحماية أنفسهم من الوقوع في بعض ما حرمه الإسلام أولاً، وللانصياع لما نصت عليه تعاليم الشريعة الإسلامية، ومرة أخرى وبإلحاح شديد من المسلمين، قامت الجمعية بتقديم طلب إلى الحكومة بتوفير مكان خاص لإقامة عليه بناء مسلخ ومذبح إسلامي إسوة بما كانوا عليه في البر الصيني قبل مجئيتهم إلى تايوان، ومرة أخرى وافقت الحكومة على الطلب، وبهذا استطاع المسلمون الصينيون في تايوان أن يسيطروا على أهم المشاكل التي واجهتهم في الصين وسيطرتهم على تلك المشاكل تعود أولًا إلى المساعدة الحكومية، وثانيًا للرعاية والقيادة الحكيمة للجمعية.

رابعًا: الإنجازات الثقافية التعليمية، بعد أن استطاع المسلمون قهر المشاكل الحياتية العامة، وبعض الصعوبات التي تتعارض بما نصت عليه تعاليم الدين الإسلامي، اتجهت جهودهم إلى النواحي الثقافية من أجل الحفاظ على المسيرة الإسلامية بين صفوف المسلمين وإحيائها في قلوبهم خوفا من تخلخل العقيدة في ظل الظروف الاجتماعية التي يعيشونها، ومن أبرز إنجازاتهم في غضون الخمسين سنة الماضية هي:

أولًا – ترجمة معاني القرآن الكريم ومن ثم طباعتها وتوزيعها مجانا على أبناء الدين الإسلامي في تايوان. فباعتبار القرآن الكريم معجزة الدين الإسلامي معجزة الرسالة المحمدية، فبالتالي يعتبر المنبع الإسلامي للمبادئ الإسلامية السامية، وبما أن لغة القرآن الكريم هي لغة الضاد، فمن هنا يعصب على غير العربي فهم معانيه، فالترجمة أصبحت لزاما وأمرا ضروريا للمسلمين غير المتكلمين للغة العربية من أجل فهم التعاليم الإسلامية والشرائع والمبادئ والأحكام والآداب الإسلامية جميعها. وترجمة معاني القرآن الكريم فكرة قديمة نفذت في البر الصيني على يد الشيخ (إدريس وان جين زاي) والحاج (خالد شي زو جو) رحمهما الله، وطبعت ترجمتهما وتم توزيعها تحت إشراف الجمعية بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي، إلا أن الترجمة بحد ذاتها تعتبر قديمة وفيها الكثير من المعاني المبهمة غير المعروفة، مما يصعب على القارئ فهمها، لذلك فإن الجمعية تحاول الآن مرة أخرى بترجمة القرآن الكريم ترجمة ليسهل على القارئ فهمها. ويقوم بمهام الترجمة الحاج (داوود دين جونغ مينغ) إمام مسجد تايبيه السابق، بعد أن أنيطت به هذه المهمة من قبل المرحوم الشيخ (محمد علي الحركان) الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي السابق، والذي كان في زيارة رسمية إلى تايوان عام 1980م.

ثانيًا: إصدار مجلة إسلامية دورية، ويعتبر هذا الإنجاز من أهم الوسائل التي ستربط العلاقة وتوطيد أواصر الإخوة بين المسلمين في تايوان والمسلمين في شتى أنحاء العالم الإسلامي، ولتكن إحدى الوسائل الإعلامية في نشر نور الإسلام بين أبناء الشعب الصيني في تايوان والشعوب المجاورة الأخرى، ولأهمية الوسيلة الإعلامية تلك، فقد قررت الجمعية إصدار مجلة دورية أطلق عليها (لسان الحق).

وقبل سنوات، بدأت المجلة بالصدور تحت إشراف ورعاية الجمعية وبرئاسة تحرير الشيخ الحاج (داوود دين جونغ مينغ)، وبالرغم من الصعوبات المادية والمعونة التي تواجه طريق سير المجلة إلا أنها ما زالت تؤدي الرسالة التي من أجلها، وتعتبر المجلة هذه الأولى من نوعها في الشرق الأقصى.

ثالثًا: إرسال الطلبة المسلمين التايوانيين إلى البلاد الإسلامية للتعليم والدراسة، فمن أجل الحفاظ على الوعي الإسلامي وتربية الشباب المسلم والحفاظ على خط سير الإسلام في تايوان، فقد قامت الجمعية بإرسال طلاب مسلمين تايوانيين في بعثات دراسية مقدمة من السعودية وليبيا، لتعليم نصوص الدين الإسلامي، ومن ثم العودة لإفادة المسلمين هنا في تايوان.

ومهما يكن، فلا بد من وجود صعوبات تحتاج إلى مد يد العون والمساعدة من العالم الإسلامي لحل تلك المشاكل والصعوبات، والتي يصعب على الجالية المسلمة هنا من حلها بمفردها، ومن هذه الصعوبات:

أولًا: نقصان المدارس الإسلامية وبالأحرى عدم وجودها، فسبب هذه المشكلة يضطر أبناء المسلمين هنا من الذهاب إلى بعض المدارس الحكومية والأهلية والتي في أغلبها ذات صبغة مسيحية، فلا توجد أية فرصة لتمكن هؤلاء الطلبة من تلقي العلوم والدروس الإسلامية، الأمر الذي من شأنه تهديد مستقبل الإسلام مع مرور الزمن في تايوان.

ثانيًا: عدم توفر أو كفاية الأئمة والدعاة الأكفاء، وتنطوي هذه على تقدم الحياة في جميع نواحيها، ونظرا لاقتحام المجتمعات اليوم بموجبات الفكر المادي، فأصبح الناس يهتمون بالكسب المادي، وأصبح الوقت يقاس بالنقود، لذلك أثرت هذه الظروف على عدم وجود الراغبين بالتطوع لخدمة الإسلام والقيام والرعاية على مصالحه، سابقًا في البر الصيني كما يقول الحاج (داود) كانت المساجد تعد بمثابة معاهد ومدارس لتربية الأئمة والعلماء، فلم نشعر بنقصان في الأئمة والعلماء، لأنهم متواجدون بكثرة، أما الآن في تايوان فلا تجد مَن يتطوع لحراسة المسجد وصيانته دون مقابل وحتى ولو وجد بمقابل لربما بعد فترة قصيرة يترك عمله ليبحث عن عمل آخر من أجل توفير مصدر رزقه.

ثالثًا: مشكلة الزواج للشباب المسلم، يقول الحاج (داود): سابقًا في البر الصيني، تمكن المسلمون من السيطرة على جميع المشاكل ومنها مشكلة الزواج، حيث تمكن المسلمون من إيجاد ضواحي تضمهم جميعًا مكونين بذلك مجتمعًا، مما ساعد على الحفاظ على تركيبية المجتمع المسلم، وبما أن الإسلام ينص على توحيد العقيدة بين الزوجين كشرط أساسي لشرعية الزواج فإننا كنا في البر الصيني نعيش ونحي ضمن ما نصت عليه التعاليم الإسلامية ونتقيد بها دون الخروج عن أية واحدة منها، أما الآن في تايوان فإن الوضع اختلف كثيرا، هنا لا نستطيع تجميع بعض في أحياء معينة، وإنما نعيش متفرقين ومشتتين، وتبعا لهذه المشكلة لا توجد فرص للتعارف بين الشباب المسلم والاتصال والترابط بينهم، فإذا ما فكر الشاب المسلم بالزواج فصعب عليه إيجاد شريكة حياته ضمن إطار الإسلام، علاوة على تأثر الشباب المسلم بالأفكار العصرية السائدة في حرية اختيار شريكة الحياة دون الرجوع إلى والديه بأخذ رأيهما، ولعلاقة الزمالة الدراسية والجيرة كبير الأثر في اختيار الشاب المسلم، لذلك فإنهم كونوا عائلات جيدة دون التأكد من إسلامهم إن كانوا شبابا أو إسلامهن إن كن فتيات، فلما نشأ أولادهم تعرضت العائلات المسلمة للتمزق والتفكك، وأمثال هذه القضايا كثيرة، وتعد هذه من أكبر أزماتنا الاجتماعية الحالية في تايوان.

وهنا نأمل من الشعوب الإسلامية من التفكير العميق في هذه المشكلة معنا، لنتداركها قبل أن يتفادح الأمر ويصعب حله.. وهذا وضع الإسلام في تايوان.