النيجر بلد الأعراق المتعددة (2)مقالات

مجلة الكوثر

المصدر: مجلة الكوثر – السنة الثالثة – العدد 45 - جمادى الأولى جمادى الآخرة 1424 ه – يوليو 2002 م. – (ص6 – 11)

 

وصول الإسلام إلى النيجر:

لا شك أن الإسلام يشكل بالنسبة للشعب النيجري عنصرا من عناصر وحدته. ذلك أن 90 ٪ مـن سـكـانـه مـسـلـمـون (والأقلية الباقية هي إما إحيائية وإما مسيحية).

ويـعـود وصـول الإسلام إلى الـنـيـجر إلى فـتـوحـات الـقـائـد عـقـبـة بن نافع لشمال إفريقيا، ثم وصوله إلى جنوب الصحراء مع القوافل التجارية.

فتح المرابطين:

كما يرى البعض الآخـر، أن قـومـا مـن «الايـبـراكـورايـن» وهـم بـربـر مسـلـمون جاؤوا من المغرب، قد وصلوا في القرن الثامن إلى إقليم «العير» وأقاموا فيه، ثم - أنشأوا عددا من المساجد في «تيفس» عام 759، وفي «تنتاغوهدي» عام 809، وفي «أسوده» عام 890، وأنهم لبثوا في «أغادس» أربعة قرون (حيث يوجد هناك مسجد يحمل اسمهم) قبل أن يهاجروا نحو الغرب حتى ضفاف نهر النيجر. ولـكـن مـن الـمـحـتـمـل أن يـكـون ازدهـار الإسلام في السودان الأوسط قد بدأ في القرن الحادي عشر مع وصول المرابطين - وهم بربر مسلمون جاؤوا من «الرباط»، التي كانت تعني بالأصل حصنا ومركزاً من شواطئ دينيا في الوقت نفسه إفريقيا الأطلسية. بعد حملات عديدة على الصحراء، تمكن - «يحيى بن عمر»، وهو قائد عسكري من قواد المرابطين، من الاستيلاء على مدينة «أوداغوست» المغربية، عام 1054 م. ثم تمكن قائد آخر من قواد المرابطين، اسمه «أبو بكر بن عـمـر» من السيطرة على مملكة «غانا» السوداء عام 1076 م، في هذه الأثناء، كانت مملكة «سونغاي» على ضفاف نهر النيجر قد بدأت تزدهر حول «كوايا» ثم باتجاه الشمال، حول «غاو» وفي عام 1010م عمد أحد ملوكها «الكاندا ضياء كوسوي» إلى اعتناق الإسلام. بعد ذلك بـعـدة عـقـود، أي فـي الـعـام 1085م، شـهـد الـجـانب الآخـر مـن نـهـر الـنـيـجـر تـطـورا جـديـدا، إذ عـمـد «الـمـاي هـومـي» (أي السـلـطـان هـومـي) سلطان «كـانـم» إلى اعـتـنـاق الإسلام هو الآخر. وما لبث الإسلام، مع أباطرة «مالي» ولا سیما «خان موسی» (۱۳۱۲ م - 1335 م)، أن عرف إزدهارا كبيرا تخطى حدود امبراطوريتهم بأشواط بعيدة.

هكذا بدأ الدعـاة يتوجهـون إلى ملك الهـاوسـا «يـاجـي» فـي «كـانـو» وإلى غـيـره مـن زعـمـاء الـقـبـائـل، يـدعـونـهـم إلى الـدين الـجـديـد. وقـد نـجـحـوا بـالـفـعل في كسب الممالك الـكـبـيـرة إلى الاسلام وبـنـوا المساجد فيها. أما ملوك سونغاي الذين تـحـولـوا إلى رعـايـا لـدى الأبـاطـرة «الماندينغ»، فقد استعادوا زعامتهم في عهد «سوني على بير» الأكبر (1464 م - 1492 م). لـكـن أحـد حـلـفـائـه «الأسكية مـحـمـد» هـو الـذي عـزز انتشار الإسلام، ودعا شعبه إلى الإيمان وخاصة الحج إلى الـديـار الـمـقـدسـة. وقـد عـمـد ابـنـه «الأسكية داود» إلى بناء جامع وجامعة (سـانـكـوري) «تـمـبـوكـتو» التي أصبحت العاصمة العلمية للسودان الأوسط.

 

وجبة خبز الرمال:

تعـد طـريـقـة إعـداد وجـبـة خبـز الـرمـال أو «التوغيلا» التي يتقنها الطوارق في النيجر أغـرب طـريـقـة لإعـداد الـطـعـام فـي الـعـالم، وتتطلب ممن يقوم بإعدادها مهارة كبيرة، إذ إن هـذا الـرغـيـف الـذي يـعـد فـي الـرمـال ينبغي ألا يـحـتـفـظ بـعـد إعداده ببذرة رمل واحدة على قشرته حتى لا يزعج آكليه أو يضرهم صحيا.

يعد الطوارقي هذا الرغيف من عجينة طحين القمح، حيث يبدأ بالحفر تحت نار الحطب فـي الـرمـال السـاخـنـة، ثـم يـوسـع الـحـفر تدريجيا، بعد ذلك يضع العجين في الحفرة ويـطـمـرهـا بـالـرمـال والـجـمر، وبعد نصف ساعة، يسحب الرغيف من الرمل وقد أصبح محمصا، فينفض عنه ما علق به من رمال ورماد، ثم يصب عليه قليلا من الماء ليزيل عنه آخر حبات الرمل المتشبثة به، بعد ذلك يقطعه إلى قطع صغيرة، ويلقيها في قدر مـوضـوع عـلـى الـنـار، ثـم يضيف إليه بقية الـطـبـخـة الـتـي هـي عـبـارة عـن يـخنة لحم الضـأن الـمـتـبـلـة بصلصة الطماطم والفلفل والبصل، وغالبا لا يغمر كل الخبز في وجبة الـتـوغـيـلا اذ ينبغي أن يظل بعضه محمصاً، حـتـى يـعـطـى مـذاقا خاصاً.

 

سحرة:

يعيش فـي قـريـة بـاغاجي واحد من أشـهـر سـحـرة الـنـيـجـر، بـيـن أناسها الـذيـن يـتـحـدثـون بـلـهـجـة الـهـوسـا ويتبعون الديانة الإحيائية. يؤمنون - بـ «البوري» وهي في – اعتقادهم - مخلوقات مقدسة غير مرئية تسكن الـتـربـة والصـخـور والحقول. ويسعى سـكـان قـريـة (أزنـا) إلى استرضائها وتـحـاشـي سخطها عن طريق تقديم الـقـرابـيـن لـهـا. ولأن الـحـيـاة تـتسـم بـالـصـعـوبـة والـمـشـقـة فـي صحـراء الـنـيـجـر، فـإن هـذا الـرجـل يـخـتـلـق حـكـايـات خـرافـيـة، كـادعـائـه بـأنه ينحدر من جد جاء إلى هذا المكان محلقا في الجو مثل الطيور، حاملا تـحـت ابـطـه واحـدة مـن الـنـسـاء وصـخـرة عـظـيـمـة (ما زالت موجودة في دوغـونـدوشي). ولأن الـمـنـطـقـة متقلبة المناخ وتعج بالطيور والجراد الـذي يـقـضـي أحـيـانـا على محاصيل الـمـزارعـيـن الـبـسـطـاء، فـإن الساحر باعورا – باوا ينسب إلى نفسه القدرة على جلب هذه المصائب التي تحل بهؤلاء.

 

احتفالات الجرمادوسو:

مـن الـمـشـاهـد الـجـمـيـلـة في النيجر، احتفالات خيالة الجرمادوسو الذين يـلـقـبـون بـالـدوغـري، وهـم الـحـرس الشخصـي لـجـرمـاكـوي زعـيـم قبيلة الجرما، والذين يبدون في ملابسهم الـرسـمـيـة وكـأنـهـم وصـلـوا للتو من الـقـرون الـوسـطى، حيث يـعـتـمـرون الـخـوذ الـتـي يـعـلـوهـا ريش النعام، ويـحـمـون صـدورهـم بـالـدروع الـحـديـديـة، مـلـوحـيـن بـرمـاحـهـم الطويلة، ممتطين خيلهم المغطاة الأخـرى بـالأرديـة الـمـزركشة بأبهى الألوان من قمة رؤوسها إلى أطراف ذيولها.