المسلمون في ليبيريا أكبر أقلية دينيةمقالات

الخليج

المصدر: الخليج 30 أبريل 2008م.

 

ترى.. هل يعلم المسلمون أن ربع سكان دولة ليبيريا هم إخوانهم في العقيدة، وأنهم أقاموا حضارة عظيمة، وكانت لهم أمجاد على مدى أربعة قرون نسجوا خلالها أروع السطور في ملحمة التاريخ؟

انتشر الإسلام في دول غرب إفريقيا، وخصوصًا في غينيا، وغينيا بيساو، وسيراليون، وليبيريا، وساحل العاج، بصورة خاصة وبطريقة مختلفة عن غيرها من البلاد؛ إذ كانت العديد من القبائل تعتنق الإسلام ثم سرعان ما يحدث الخلط بينه وبين الممارسات الوثنية عندما يتضاءل وجود الدعاة وضعف تأثيرهم، ليرتدوا ثانية للوثنية، ثم يأتي من ينشر الإسلام بينهم من جديد.. وهكذا.

في القرن العاشر الميلادي توجه عدد من دعاة دولة المرابطين ببلاد المغرب إلى جنوب الصحراء لنشر الإسلام بين القبائل الوثنية، وبالفعل تمكن الشيخ عبد الله بن ياسين من إقناع ملك السنغال ور-جاي باعتناق الإسلام فأشهر إسلامه وتبعه العديد من قبائل مملكته، وعلى رأسها قبائل الماندنيجو والفولاني والسوننكي.

الإمام ساموري

وتحمست القبائل المسلمة لنشر الإسلام؛ فأخذت قبائل الفولاني التي كانت تقطن مرتفعات فوتاجاللو (بغينيا حاليا) في الانتشار شرقا باتجاه نيجيريا، حيث نشرت الإسلام وأسست عدة دول إسلامية أخذت في ضم الممالك والإمارات الوثنية ونشر الإسلام فيها، خصوصا في الشمال.

تأسست عدة إمارات إسلامية تمكنت من نشر الإسلام في جنوب غينيا وشمال ليبيريا، إلى أن ظهر الفقيه سليمان وأسس دولة إسلامية قبل وفاته عام ،1869 وضمت قبائل الماندنيجو والسوننكي. ولكنها سرعان ما انهارت إلى أن ظهر الإمام ساموري بن لافياتوري 1830 - 1900 الذي تعلم فنون القتال وسط جيش من الوثنيين كان قد أسره صغيرا مع أمه وتمكن من الهرب، وجمع شتات أهله وأصحابه وأسس إمامية (إمارة) ساموري عند نهر النيجر، وتمكن من توسيع حدود الدولة حتى شملت شمال ليبيريا، وكان يستورد الأسلحة النارية من سيراليون وجنوب ليبيريا التي كانت بها دولة مستقلة آنذاك.

وأثناء حكمه عُرف عن الإمام ساموري الحرص على بناء المساجد، وإعطاء الجوائز للصبية الذين يحفظون القرآن، ورغبته في التوسع لنشر الإسلام، لولا أن وقفت مرتفعات فوتاجاللو عائقا كبيرا في سبيل اندفاع الإسلام جنوبا ليعم كل ليبيريا.

حدثان كبيران

تزامن مع إمامية ساموري الإسلامية حدثان كبيران أثّرا في انتشار الإسلام في البلاد، حيث أخذ الأمريكيون منذ عام 1822 في إعادة بعض العبيد السود المحررين إلى سواحل ليبيريا الذين سرعان ما أعلنوا عام 1847 قيام دولة ليبيريا (أرض الحرية).

ولم تكن نسبة عبيد أمريكا المحررين تتجاوز 1% من إجمالي السكان الوطنيين، لكنهم تمكنوا من القضاء على ثورة القبائل الوثنية وقبائل الماندنيجو المسلمة بالأسلحة الأمريكية الحديثة، وبمساعدة سفن الأسطول الأمريكي، ووضعوا دستورا على النمط الأمريكي، وأسسوا مجلسين للنواب والشيوخ، واعتمدوا الإنجليزية لغة رسمية للبلاد، واعتبروا أن هدفهم هو إقامة مملكة المسيح في إفريقيا، فصارت الكنائس الليبيرية تابعة للكنائس الأم في الولايات المتحدة، بل كان رؤساء ليبيريا حتى عام 1980 من الأساقفة، وعملت هذه الأقلية -مدعومة بحركات التبشير التي انهالت على إفريقيا- على نشر المسيحية في كل ربوع ليبيريا.

في الوقت ذاته لم تتمكن إمامية ساموري من مساعدة المسلمين جنوب مرتفعات فوتاجاللو؛ إذ اندلعت الحروب بين الإمامية الإسلامية والفرنسيين لمدة 16 عاما (1882-1898) وخاضها الإمام ساموري ببسالة، وأبدى فيها مهارات حربية وقتالية فائقة حتى أطلق عليه الفرنسيون نابليون بونابرت الأفريقي، ولكنه هزم في النهاية، ففر إلى ليبيريا، حيث تم القبض عليه، ونفي إلى الجابون التي بقي فيها حتى وفاته عام1900، ولا يزال مسلمو ليبيريا يذكرونه بكل اعتزاز.

سياسة متفتحة

تبنى الرئيس وليام توبمان (1941 - 1971) سياسة منفتحة تجاه السكان الوطنيين من المسلمين والوثنيين؛ فسمح لأصحاب الأملاك منهم بحق الانتخاب لأول مرة، كما سمح لهم بتولي الوظائف الحكومية؛ وهو ما نتج عنه تأسيس المسلمين للمجلس الإسلامي الليبيري عام 1960 وتدريجيًّا أخذ وضع المسلمين في التحسن، خصوصا بعد تولي الرئيس ريتشارد تولبير 71-1981 الحكم، ولكن الحكومة فشلت في فرض سيطرتها على البلاد وانتشرت الفوضى في أنحاء ليبيريا كافة فهاجم صمويل دو (وكان عسكريا برتبة شاويش!) وبرفقته 15 جنديّا الرئيس تولبير وذبحوه أمام عدسات التلفزيون.

غير أن الاضطرابات والحروب بين القبائل استمرت فعقد صمويل دو تحالفاً بين قبيلته التي تضم بعض المسلمين وقبيلة الماندنيجو ذات الأكثرية المسلمة ووزع عليهم السلاح.

في ذلك الوقت أخذ نفوذ التيار الإسلامي يتسع في العالم الإسلامي، وأسهم اكتشاف البترول في تقوية مركز المسلمين في دول غرب إفريقيا، وهو ما عاد بالإيجاب على مسلمي ليبيريا الذين زادت فيهم الروح الدينية، ومن مظاهرها ازدياد أعداد الحجاج إلى بيت الله الحرام العام قبل الماضي.

وبعده اتبع تايلور سياسة مناهضة للمسلمين بسبب سعيه الدؤوب لنشر المسيحية بينهم حتى تكون الدولة متجانسة، حيث قام بالتضييق على زعماء المسلمين وهو ما اعتبروه مخططًا لضرب الإسلام وتهميش المسلمين، كما قامت قواته بقتل عدد من أفراد قبيلة الماندنيجو المسلمة؛ وهو ما دفع المسلمين الماندنيجو إلى تشكيل الحركة الليبيرية المتحدة من أجل المصالحة الديمقراطية بقيادة محمد جوماندو، وتحالف معهم بعض المنشقين عن تايلور من غير المسلمين، فيما كوّنت قبائل أخرى قواتها الخاصة التي تراوح عددها من 7 إلى 25 ألف مقاتل، واستطاعت الحركة السيطرة على أجزاء كبيرة من ليبيريا ووصلت إلى العاصمة مونروفيا وطالبت تايلور بالاستقالة؛ فاتهم غينيا بمساعدة ما أسماه بالإرهابيين الإسلاميين، لكنه رضخ في النهاية واستقال في أغسطس 2003.

يشكل مسلمو ليبيريا ما يقرب من ثلاثة أرباع المليون نسمة تقريبا، يمثلون 25% من إجمالي تعداد سكان ليبيريا البالغ 3 ملايين نسمة، ويشكل المسيحيون 10%، بينما يدين 65% بالوثنية وبعقائد متباينة؛ وهو ما يجعل المسلمين أكبر أقلية دينية في البلاد، وهم مرشحون لأن يكونوا قوة كبيرة في المستقبل القريب.