واقع مسلمي ليبيريا وشهر رمضان المباركمقالات

شيكو داكوا

المصدر: بصائر 12 يوليو 2015م.

 

يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك في جمهورية ليبيريا كلَّ عام كما يستقبله المسلمون في كافة أنحاء العالم، وذلك في شوق ولهفة، فهو موسم الخيرات والبركات، حيث يجتمع شمل الأسر من خلال تنظيم الإفطارات الجماعية في البيوت والمساجد، وتزداد مظاهر التكافل الاجتماعي ومساعدة الفقراء المساكين.

إلاَّ أنَّ رمضان في هذا العام مضطرب نوعاً ما بالنسبة للمسلمين؛ حيث قدّمت بعض الكنائس مذكرة إلى مجلس النواب منذ حوالي عام ونصف وطلبوا فيها إعلان جمهورية ليبيريا دولة مسيحية، الأمر الذي خلق غضباً كبيراً في أوساط المسلمين، وقاموا بتنظيم مظاهرات سلمية، وقدّموا فيها مذكرة مناهضة إلى مجلس النواب، وطالبوا فيها إبقاء ليبيريا دولة علمانية كما هو مصرَّح في دستور عام 1986م، وربّما شعر المسؤولون بخطر من غضب المسلمين فأبقوا الأمور على ما كانت عليه.

معظم المسلمين في ليبيريا من أهل السنة، ولهم العديد من المؤسسات الخاصة بهم وعلى رأسها المجلس القومي الإسلامي، كما أنَّ لهم مفتياً يدعى الشيخ أبو بكر موري سوماورو، وهو من خريجي الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، ورئيس جمعية أهل السنة الخيرية ورئيس مجلس إدارة إذاعة الفلاح. كما توجد في ليبيريا أيضاً نسب ضئيلة من الشيعة والقاديانية الأحمدية.

وتشير الإحصائيات الرَّسمية إلى أنَّ نسبة المسلمين 12.2% (إحصائيات عام 2008م) ويرفض المسلمون هذه النسبة رفضا قاطعاً ويعللون ذلك بأنّها نسب سياسية.

ويقدّر المجلس القومي الإسلامي نسبة المسلمين بـ 35%، وهي النسبة المعتمدة لدى رابطة العالم الإسلامي، وهي نسبة قريبة إلى الصواب، لأنَّ الحكومة لا تعترف بأعياد المسلمين في ليبيريا، ومعظم المسلمين من التجّار، وهم من يوفّر خدمة المواصلات العامّة من الحافلات والنقل العام بالأجرة، فعندما يقبل عيد الفطر على سبيل المثال، يغلق المسلمون جميع محلاتهم التجارية ويوقفون سياراتهم، وعندئذ تكون مدينة مونروفيا مشلولة تماماً، وتتعطّل فيها الحركة، الأمر الذي يظهر كثرة وجود المسلمين وخاصة في مونروفيا التي يقطنها حوالي نصف سكان ليبيريا.

وفي شهر إبريل/نيسان من هذا العام صوَّتت لجنة مراجعة وتعديل الدستور في ليبيريا بأغلبية ساحقة على مادة إعلان ليبيريا دولة مسيحية. وبالمقابل، لاقى هذا التصويت غضباً كبيراً في كافة مجتمعات الإسلامية، وقاموا بمظاهرات مناهضة، وقدَّموا مذكرات إلى السلطات، وذكروا فيها بأنَّ هذا الأمر إذا ما تمَّ، فإنَّ بإمكانه أن يودي البلاد إلى فتن طائفية، التي لربما تكون أشد من الحروب الأهلية أو جائحة وباء فيروس أيبولا التي اجتاحت البلاد.

ولكنَّ الموضوع ما يزال الآن على مكتب رئيسة الجمهورية، ولا يزال ذوو الألباب من المسلمين والمسيحيين يناشدون الرئيسة ألاّ تحوّل الموضوع إلى مجلس النواب من أجل المصادقة على إجراء استفتاء شعبي عليه.

المساجد في ليبيريا

لا توجد أرقام دقيقة عن عدد المساجد في جمهورية ليبيريا، ولكن الأرقام التقديرية تشير الى أن مساجد ليبيريا تقدر بحوالي ألفي مسجد، ومدينة مونروفيا التي هي عاصمة البلاد، من أكثر مدن البلاد من حيث عددُ المساجد، حيث تقدّر مساجدها بحوالي 400 مسجد، منها 150 مسجداً جامعاً.

ومعظم هذه المساجد صغيرة وضيّقة ولا تظهر عليها صفة المساجد من المآذن والمنارات بغض النظر عن انعدام أماكن الوضوء والصرف الصحي.

ليالي رمضان في ليبيريا

أمَّا ليالي رمضان فيها، فيا لجمالها وروعتها حيت تكون مكتظة بالمصلين من الداخل والخارج بالرّجال والنساء والأطفال وكبار السن.

وأمَّا ليالي العشر الأخير من هذا الشهر الفضيل، فتكاد لا تجد مسجداً اليوم وخاصة في مدينة مونروفيا إلاّ وتقام فيه صلاة التهجد، وتدخل هذه المساجد وتجدها حافلة بالمصلين والمعتكفين كأنّها يوم الجمعة، وكلّها تختم القرآن في العشر بفضل الله عزّ وجل، ومن أجمل ما رأيت أنَّ معظم أئمة هذه المساجد لا يحفظون القرآن كاملاً فيقرؤون من المصحف وعلى ضوء الشمعة حيث لا كهرباء ولا مولدات الكهرباء.

التكافل الاجتماعي في رمضان

من أجمل مظاهر شهر رمضان المبارك في ليبيريا هي التكافل الاجتماعي بين الأسر والأفراد، حيث ترى الإفطارات الجماعية في المساجد والشوارع والحارات، الكل يأتي بما عنده ويتقاسمه الجميع، وإنَّ هذا الافطار وإن كان جميلاً جدّاً، فإنَّه لا يزال يفتقر إلى التنظيم من قبل المؤسسات الإسلامية العالمية التي تزهد زهداً كثيراً في هذه البلاد (لأسباب لا أعلمها) التي تعتبر من الأقليات المسلمة في العالم، والتي ينعدم فيها التكافل المنظّم تقريباً، حيث لا توجد فيها عيادة إسلامية واحدة، ولا يوجد في البلاد كلّها سوى ملجأ إسلامي واحد للأيتام التي هي قرية كهاتين للأيتام في مدينة مونروفيا فضلاً عن مأوى رعاية المسنين وذوي الإعاقة ومعاهد التدريب المهني والمراكز الإسلامية.

معلومات عن جمهورية ليبيريا

تقع جمهورية ليبيريا على المحيط الأطلسي في غرب القارة الافريقية ويحدها سيراليون من الغرب وغينيا من الشمال وساحل العاج من الشرق.

والجو فيها حار مناخ الاستوائية مع هطول أمطار غزيرة من الشهر الخامس إلى العاشر الذي يسمى بموسم الشتاء، وعاصمتها مونروفيا.

تعرّضت ليبيريا إلى صراعات أهلية دامية التي أكلت الأخضر واليابس ودمرت كافة البنى التحتية للبلاد في نهاية الثمانينات، واستمرت هذه الحروب حتى العام 2003م، حيث وقعت جميع أطراف المتحاربة على اتفاقية السَّلام تحت إشراف المجتمع الدولي في العام نفسه في أكرا عاصمة جمهورية غانا؛ الأمر الذي أدّى إلى تشكيل حكومة انتقالية مدَّة عامين، ونشر قوات الأممية لحفظ السلام ونزع السلاح من أيدي المتحاربين.