الإسلام والمسلمون في أمريكا (1)مقالات

الدكتور محمد عبد الرؤوف

المصدر: مجلة الوعي الإسلامي – العدد 26 – السنة 3 – صفر 1387 مايو 1967 - ص 70 

الدكتور محمد عبد الرؤوف

مدير المركز الإسلامي في نيويورك

 

لما سمعت أوروبا عن نصف العالم الغربي عام 1492م بادرت أسبانيا باستعمار أمريكا الجنوبية، وشجعت مواطنيها على الهجرة، وذلك لاستغلال ما بها من ذهب ومعادن غنية. ولكن حكومة أسبانيا في نفس الوقت سنت تشريعات مشددة ضد هجرة رعاياها من سلالة العرب والمسلمين، رغم قبولهم دين المسيحية الكاثوليكية نتيجة للاضطهاد والتعذيب، وذلك خشية أن يتنفسوا عبيق الحرية بالعالم الجديد، فيعودوا الی دین أسلافهم، ويطرحوا دین الكاثوليكية الذي أكرهوا عليه.

أما أمريكا الشمالية فلم يبدأ استعمار الأوربيين لها من هولندا وإنجلترا وغيرهما إلا حوالي عام 1620م، ومع ذلك فقد وصل هؤلاء إلى أمريكا يحملون معهم دين المسيحية، وفي طياتها معلومات خاطئة وظالمة عن الإسلام ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم؛ لذلك مضت القرون الأولى من استعمار العالم الجديد دون أن يكون للإسلام به شأن يذكر.

 

النشاط الإسلامي هناك

وأول أمریکي نسمع أن الله شرح صدره للإسلام هو السيد «الكسبندر رسل ويب Alexander Russel Webb» وكان شخصية دبلوماسية صحافية عين في عام 1887م قنصلا عاما لبلاده في «مانيلا» عاصمة «الفلبين)، وهناك تیسر له الاتصال بالمسلمين من أهل البلاد، فأعجبه دینهم وسلامته وبساطته، وفي العام التالي (1888م) أصدر كتيبا أعلن فيه إسلامه، وذكر فيه أسباب اختياره لهذا الدين، كما أعلن أنه سمى نفسه «محمد هربرت رسل) ومما ورد في هذا الكتاب قوله: «إنني أقرر صادقا وغير متردد أنني قد اخترت هذا الدين بعد دراسة طويلة وعميقة، فوجدته النظام الوحيد الذي لا يعدله نظام آخر في صلاحيته وتحقيقه لحاجات الإنسان الروحية... وما كان اعتناقي للإسلام نتيجة لعاطفة ضالة أو تصدیق أعمى أو أفكار شاردة، أو مشاعر خاطفة، وإنما كان ذلك نتيجة دراسة طويلة أمينة وصادقة، وثمرة رغبة عميقة في الوصول إلى الحقيقة، ثم يقول: «أن دين الإسلام قائم علی أساس الحقيقة الخالدة التي بعث الله بها أنبياءه حتى ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يتلاءم مع المنطق ويتمشى مع العلم والعقل من بين سائر الأنظمة التي عرفها الإنسان». ولما استقال من وظيفته عام 1892م عاد إلى بلاده عن طريق الهند، حيث ألقى عدة محاضرات عن الإسلام لقيت تقديرا عظيما وجعلت المسلمين هناك يتحدثون عنه بأنه «جاء إلى الشرق ممثلا لدولة عظيمة، ثم عاد إلى بلاده ليبشر بدین عظيم». وفي عام 1893م بدأ دارا للنشر بمدينة نيويورك سماها «شركة النشر الشرقية) وأصدر مجلة سماها «العالم الإسلامي» صدر العدد الأول منها في شهر مايو من نفس السنة، وعاش يكتب عن الإسلام ويدعو له حتى مات في أكتوبر عام 1916 م وقد ترك خلفه عددا من الكتب في موضوعات إسلامية.

وممن أعجب بدين الإسلام من المفكرين الأمريكيين فاهتدى بهديه الكلونيل دونالد رو کویل col-Donald Rockwell  وكان شاعرا ومؤلفا بارعا، ومنهم السيد «نورمان لويس Norman Lewis» الكاتب الإسلامي المعاصر

المعروف، ومنهم الدكتور «توم ارفنج tom Irvnig...» المحاضر بإحدى الجامعات في كندا، وصاحب ترجمة للقرآن الكريم بالإنجليزية تحت الطبع، ثم غير هؤلاء وهؤلاء ممن أداهم سعيهم واطلاعهم أو اختلاطهم بالمسلمين خارج بلادهم إلى معرفة مزايا هذا الدين وترجیح اعتناقه في شجاعة وحزم، ولكل من هؤلاء قصص خلابة يرويها عن أسباب اسلامه، وكلها تشهد بما اختص الله به هذا الدين الكريم من فضل ومزايا عظيمة.

وإلى جانب هؤلاء الأفراد من المثقفين من ذوي النظر الثاقب، قامت حركات ترمي إلى جمع الجهود وتنظيمها للدعوة للإسلام والدفاع عنه، وإقامة المنشآت لتيسير أداء الشعائر أو القيام بأنواع النشاط الإسلامي المختلفة.

وسوف نتوخى في شرح هذه الحركات سبيل الاختصار والإيجاز مع الإشارة عند الحاجة إلى آراء بعض هذه الحركات وأفكار أصحابها، ولكننا لأسباب خاصة سوف لا نتعرض الحكم على هذه الآراء بالخطأ أو الصواب، لذلك نستميح القارىء الكريم العذر إذا وجد بين هذه الحركات التي قامت بأمريكا باسم الإسلام ما قد يرى فيها انحرافًا عن الدين الصحيح، أو أن بعضها في رأيه لا يستحق أن يسمی حركة إسلامية، وأنه يهمنا هنا بيان الواقع دون الحكم له أو عليه.

 

جمعيات إسلامية

وقد بدأت الحركات الإسلامية في بداية القرن الحالي بقيام منظمات وجمعيات ونواد أسسها المهاجرون من البلدان الإسلامية لأغراض اجتماعية أو ترفيهية أو سياسية على أسس جغرافية أو قومية أو عنصرية، فأنشأ التتار جمعيتهم، وأسس الألبانيون ناديهم، وأقام العرب جمعياتهم، وصنع مثل ذلك الأندونيسيون والملايويون ثم اليوغسلافيون والباكستانيون وغيرهم، فتنظم هذه النوادي نشاط مواطنيها وتعاونهم فيما بينهم، وتقيم الأفراح وتحتفل بالمناسبات والمواسم الوطنية، وتتبع أبناء البلاد التي وفدوا منها، وتؤيد حركاتها السياسية، وتقوم بجمع التبرعات إذا دعت الحاجة وهكذا.

ولم يكن لهذه النوادي أول الأمر أهداف دينية واضحة، ولكن بمضي الزمن شعرت هذه الهيئات بالحاجة إلى تنظيم خاص للخدمات الدينية الهامة كتجهيز موتاهم، وإجراء عقود نكاحهم بمقتضى الشريعة الإسلامية، كما فكروا في الحاجة إلى وجود دار يجتمعون بها الإقامة الصلاة، وخاصة أيام الجمع والأعياد.

بدأ هذا النشاط ونهضت هذه الجمعيات في المدن الكبرى مثل نيويورك ودیترویت و فيلاديلفيا وشیکاغو وسان فرانسیسکو وتليدو وغيرها، حيث توجد التجمعات، ويكثر عدد الأُسر الإسلامية. ولكن كان نجاح هذه المنظمات محدودا وذلك لما يسودها من عجز مالی، ولاشتغال الجميع بمطالب الحياة والسعي في الرزق، ثم الخصومات التي كانت تنشأ حول الرئاسة والمناصب.

 

الحركة البهائية

ومن الحركات التي وصلت إلى أمريكا مبكرة باسم الإسلام «الحركة البهائية»، ويبدو أنها كانت قوية في بدايتها حيث بلغ عدد أتباعها عام 1919 نحو ثلاثة آلاف، ولكن عددهم أخذ يتضاءل بسرعة فهبط في عشر سنوات إلى ثلث هذا العدد، ويقال إنهم الآن أقل من ذلك بكثير.

 

القاديانية

وقد شهدت الفترة ما بين الحربين العالميتين قيام حرکات إسلامية عدة كان لها أهميتها وخطرها، وقد كان الجماعة القاديانيين نصيب ملحوظ في هذا الميدان، لقد بدأ هؤلاء نشاطهم بمدينة (شیکاغو) على يد «الدكتور مفتي صادق» الذي قدم من الهند، وأصدر مجلة بالإنجليزية عنوانها «شمس الإسلام الطالعة» بدأ صدورها عام 1921. ويقال إنها كانت ذات أثر في التعريف بالإسلام بأمریکا، ثم خلفه السيد «صوفي بنغالي» عام 1929 الذي قضى عشرين عاما بذل فيها جهودا خالصة، ثم جاء بعده «الدكتور خليل ناصر» الذي نقل المقر الرئيسي للحركة إلى مدينة «واشنطن» مقر حكومة الولايات المتحدة. ويقال إن أكثر أتباع هذه الحركة مهاجرون من الهند والباكستان. ويقدرون ببضع مئات، ولكن الحركة اكتسبت بضع مئات أخرى من الأمريكيين، أكثرهم من الملونين.

 

الملونون وحركتهم

وأهم ما يلفت النظر تلك الحركات التي قامت للتبليغ ونشر الدعوة الإسلامية على يد مواطنين أمريكيين من الملونين، وقد ارتبطت هذه الحركات في الغالب بما يسمى بحركة المطالبة بالحقوق المدنية.

ولا يخفى على القارىء صلة هذه الحركة بوضع الملونين في أمریکا وماضيهم. فقد جلب أسلاف هؤلاء کعبید مغتصبين من بلاد غرب أفريقيا بطريقة وحشية غاشمة، وقد وصلت أولى هذه الشحنات البشرية إلى أمريكا للخدمة بالزراعة كعبيد للأرض عام 1619م ثم أعقبتها شحنات أخرى كثيرة أكسبت تجارة الرقيق رواجا كبيرا، وأصبح للرقيق أهمية اقتصادية عظيمة لم يكن حظه منها إلا التعاسة والذل، وأقسى أنواع التعذيب إذا هو ارتكاب أدنى خطأ.

ولقد عمل الرجل الأبيض على الإكثار من الإنتاج والتناسل بين العبيد عن طريق الاختلاط الجنسي، دون مراعاة للقيود الخلقية بحال، كما عمل على أن ينسى الرقيق ماضيه، ولا يعلق بذهنه أدنى شعور بالكرامة أو القيم التي تتدخل في طاعته العمياء لسيده، فكان صغار الرقيق المولودون يبعدون عن الكبار قبل أن يدركوا، بل كان يتخلص من الكبار أحيانا بذبحهم، وذلك حتى لا يسمع الصغار من الكبار شيئا عن أصلهم أو لغتهم.

فلما ألغي نظام الرق في وسط القرن التاسع عشر لم يكن باستطاعة هؤلاء الذين عتقوا بالجملة أن يألفوا حياة الحرية والتعويل على النفس بسهولة، فلا غرو أن نجد الكثير منهم حتى اليوم يعانون من طباع الكسل والقذارة وحب البطالة وارتكاب الجرائم وتعاطي المسكر والمخدرات، مما جعل الكثير من البيض - رغم التساوي في الحقوق الدستورية - يحتقرونهم ويأنفون الاختلاط بهم، مما أثر على فرصهم في العمل والخدمات العامة، فنهض زعماؤهم يطالبون بتشريعات تعمل على التساوي التام في الحقوق المدنية وإلزام المسئولين بمراعاتها، وقد اختلفت مشارب هؤلاء الزعماء وقامت بينهم أحزاب مختلفة، ويقدر عدد الملونين بالولايات المتحدة بعشرين مليونا.

نقول إن بعض الحركات الإسلامية التي قامت بين الملونين - ويطلق عليهم «الزنوج» رغم كراهية الكثيرين منهم لهذه التسمية - كانت ذات صلة بحركة المطالبة بالحقوق المدنية والعمل على جمع كلمتهم نحو تحقيق أهدافهم السياسية.

وكان أول من استخدم اسم الإسلام في ضم الملونين للعمل على صالحهم شخصية أسمت نفسها «النبيل درو على» يقال أنه قضى ردحا من الزمن في بعض البلاد الإسلامية، ثم عاد يدعو لاتباع أفكاره بين الزنوج تلك الأفكار التي زعم أنها دين الإسلام، وادعى لنفسه النبوة وأخرج كتابا سماه «القرآن» في شكل آیات مرقمة تختلط فيها المفاهيم الإسلامية بأفكار غريبة عن الإسلام، ولا حاجة لإطالة البحث في شرح ما كان يقوله، فقد انتهت هذه الحركة تقريبا بموته حيث تفرق أتباعه وأقاموا على أنقاض مذهبه جمعيات إسلامية تهدف إلى اتباع مبادئ الإسلام الصحيحة.