حوار مع الداعية الإسلامي التنزاني الشيخ إسماعيل محمد سالممقالات

السيد عبدالرحمن

المصدر: شبكة الألوكة 29/ 3/ 2015م.

 

• نسعى بقوة لفض غبار خمسة عقود من الفقر والتهميش.

• وجود أمريشيو في السلطة غيَّر كثيرًا من مفردات الواقع الإسلامي المرير.

• نفوذ الكنيسة المتنامي عَرْقل انضمام تنزانيا لمنظمة التعاون الإسلامي.

• نعوِّل على دعم العالَم الإسلامي لإيجاد توازن مع الأغلبية المسيحية.

• منظمات الإغاثة نجحت في التصدي لمدٍّ تنصيري جارف، حاول تذويب هويتنا.

• لن نتراجع عن مساعينا لتأسيس القضاء الشرعي، وإعادة الامتيازات الخاصة بدُور العبادة.

 

أكد الشيخ إسماعيل محمد سالم الداعية الإسلامي، عضو الأمانة العامة لاتحاد المنظمات الإسلامية في تنزانيا: أن المسلمين قد عانَوْا لأكثر من أربعة عقود من الظلم والتهميش، حُرِموا خلالها من تبوُّء أي منصب رفيع، واستمرُّوا أسرى للفقر والجهل والمرض طوال عهد الرئيسين نيريري ومكابا، بفضل سيطرة الأقلية النصرانية على الحُكم والاقتصاد، وفتحهم الباب على مصراعيه أمام مؤسسات التنصير لتَعِيث فسادًا بين المسلمين؛ مما أسهَم في ارتداد أعدادٍ كبيرة من المسلمين، وتمدُّد الأقلية النصرانية.

وتابع الشيخ سالم علي بالإشارة إلى أن وصول الرئيس المسلم إمريشيو كويتا للسلطة، قد أنهى عقودًا من الاضطهاد والتهميش؛ حيث سعى الرئيس لتغيير كثير من مفردات الواقع الأليم لمسلمي البلاد عبر إقرارِ عديد من الخطط التنموية لمناطق المسلمين، فضلاً عن حصول شخصيات مسلمة على مناصبَ رفيعةٍ في وزارات الدِّفاع والخارجية.

وكشف عن أن نفوذَ الكنيسة المتنامي في المجتمع التنزاني قد أسهم في تأخير وتأجيل خطوة انضمام بلاده لمنظمة التعاون الإسلامي، أو إنشاء محاكم شرعية إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، بعد العراقيل الشديدة التي وضعوها أمام الرئيس، ومحاولتهم تأليب الرأي العام الداخلي ضد الخطوة.

وأبدى الشيخ سالم تفاؤلَه بمستقبل المسلمين في تنزانيا، رابطًا بين ذلك وبين وجود دعم عربي وإسلامي لتكريس الصحوة الإسلامية في ظل حاجتنا الشديدة لتحقيق التوازن الغائب مع الأقلية النصرانية، لا سيما في الحقائب الوزارية، فضلاً عن الحصول على قدرٍ كبير من المِنَح الدراسية في الجامعات الإسلامية لإيجاد كوادرَ في جميع التَّخصُّصات.

وفي السطور التالية التفاصيل الكاملة للحوار مع عضو الأمانة العامة لاتحاد المنظمات الإسلامية في تنزانيا.

أسَّس المسلمون مملكة عظيمة باسم زنجبار، استمرَّت لعقود طويلة قبل أن تسقطها مؤامرات حاكها البريطانيون!

الشيخ إسماعيل محمد سالم: دخل الإسلام أرض زنجبار وتنجانيقا، أو ما تسمى تنزانيا في القرن الأول الهجري؛ حيث وفد إليها العرب العُمانيُّون، وسيطروا عليها لِما يقرُبُ من ألف عام بعد تمكُّنهم من طرد البرتغاليين من سواحل المحيط الهندي، ولعب التُّجار المسلمون الدورَ الأهم في نشر الإسلام في شرق إفريقيا، وشهدت الدعوةُ الإسلامية طفرات مهمة مع الإعلان عن تأسيس مملكة زنجبار، ولم يكن العربُ وحدهم في مجال الدعوة الإسلامية؛ حيث وصل للملكة عشرات الآلاف من الهنود العاملين في مجال التجارة؛ مما أسهم في خَلْق حالة من الرواج الاقتصادي، وسيطر الحكَّام العُمانيُّون لمدد طويلة، حتى وقعت البلاد تحت سيطرة الاحتلال البريطاني الساعي بقوة لتمزيق زنجبار، وإجبارِها على التحالف مع تنجانيقا، وخلق أمر واقع يكرس هيمنة الأقلية النصرانية على الأوضاع في تنزانيا الجديدة، ويضعف من النفوذ العربي والإسلامي، وهو ما تحقق بالفعل؛ حيث سعت الأقليةُ النصرانية للاستفادة من وجود الاستعمار، وهو ما تحقق بالفعل عبر سيطرة رؤساء نصارى على البلاد منذ الحصول على الاستقلال بدايةً من جوليوس نيريري، ومرورًا بوليم مكابا في وقت يشكِّل المسلمون أغلبية ساحقة في البلاد.

عقود مظلمة:

تشكلون أغلبية ساحقة في البلاد، فهل تشرح لنا معالم الخريطة الإسلامية في البلاد وأهم التحديات التي تجابهكم؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: تتراوح أعداد المسلمين في تنزانيا بين (25 - 30) مليونًا من عدد سكان البلاد، البالغ 35 مليون نسمة، وينتشرون في جميع مدن البلاد، بدءًا من العاصمة دار السلام، ومدن بامبا وتانجا وليندي وغيرها، وقد واجه المسلمون عقودًا من الظلم والتهميش استمرَّت لِما يقرب من أربعين عامًا، حُرِموا خلالها من تبوء أيِّ منصب رفيع، واستمروا أسرى للفقر والجهل والمرض طوال عهد الرئيس نيريري، رغم ارتباطه بعلاقات وثيقة جدًّا بالدول العربية، خصوصًا مصر الناصرية، ولم تختلف أوضاع المسلمين مع مَن أتوا بعده؛ حيث واصل وليم مكابا نفس السياسات، وسيطرت الأقلية النصرانية على الحكم والاقتصاد، ووضعوا أيديهم على أغلب مؤسسات الدولة، وفتحوا الباب على مصراعيه أمام مؤسسات التنصير لتَعِيث فسادًا بين المسلمين، لدرجة أن أعدادًا كبيرة من المسلمين قد تنصَّروا، وتمددت الأقلية النصرانية لترتفع نسبتها إلى حوالي 20% من سكان البلاد، بعد أن كانوا لا يتجاوزون 3 % مع بداية العهد الاستعماري.

أسرى الفقر:

لا شك أن عقود الاضطهاد والتهميش قد خلَّفت مشاكل عديدة ما زال مسلمو تنزانيا يعانون منها حتى الآن؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: لقد سعت الأغلبية النصرانية المهيمنة على البلاد إلى إبقاء المسلمين أسرى الفقر والجهل والأمِّيَّة، فربطوا التعليم بالمؤسسات التنصيرية، مما خلق نوعًا من المخاوف لدى الأغلبية المسلمة من التأثيرات القاتلة على هوية أبنائهم في حالة إقبالهم على التعليم في المدارس التابعة للإرساليات المسيحية، ففضل المسلمون الأمِّيَّة على إلحاق أبنائهم بمثل هذا النوع من المدارس؛ مما كان له تداعيات قاتلة على مستوى تعليم المسلمين، وأبقى الأغلبية الكاسحة منهم أسيرة الجهل والأمية الفكرية والدينية، بشكلٍ أبعَدَ المسلمين عن دينهم وهويَّتهم، ووضعهم بين مطرقة الجهل والأمية، وسِنْدان مؤامرات المنظمات التنصيرية، ناهيك عن حملات التذويب الثقافي والديني، التي كان آخرها العمل على رفع سن الزواج إلى 18 عامًا، وهو ما تصدَّت له المنظَّمات الإسلامية بشكل قوي؛ مما أحبَط مخططات النصارى لنشر الفاحشة والفجور.

وهل حققت هذه المساعي أهدافَها؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: مساعي النصارى لتخريب هوية المسلمين لم تنجح؛ لأسباب عديدة، منها: تمسُّك الأغلبية بهويتها الدينية، فضلاً عن الدور المهم من قِبَل العشَرات من مؤسَّسات الإغاثة الإسلامية، التي أفشلت جهودُها المخططَ المشبوه، بشكلٍ دعا الأغلبية للكيد لها، والتخطيط لطردها، خصوصًا بعد تفجير السفارة الأمريكية في العاصمة دار السلام عام 1998.

تحسن نسبي:

يعتقد على نطاق واسع أن الأوضاع السابقة قد تغيَّرت بشكل كبير بعد وصول أول رئيس مسلم للسلطة، وهو إمريشيو كويتا؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: بالفعل تحسنت الأمور بشكل كبير مع وصول أول رئيس مسلم للسلطة في البلاد، مُنهِيًا عقودًا من الاضطهاد والتهميش، باعتبار أن وصول رئيس مسلم للحكم قد تأخَّر لسنوات، بعد تزوير انتخابات عام 2000 لصالح الأقلِّية النَّصرانية، وقد سعى الرئيس بعد وصوله لتغيير كثير من مفردات الواقع الأليم، عبر إقرار عديدٍ من الخطط التنموية لمناطق المسلمين، منها: إنشاء مدارس ومستشفيات وغيرها، ناهيك عن حصول شخصيات مسلمة على مناصب رفيعة في وزارات الدفاع والخارجية، وغيرها من المناصب السياسية، منهية حِقبة التهميش السياسي.

لكن وصول رئيس مسلم لم ينهِ سيلاً من المؤامرات من قِبَل الأقلية المسيحية؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: ينبغي الإشارة إلى أن وجود رئيس مسلم في السلطة - رغم أهميته - لا ينفي وجودَ دوائرَ لا ترحِّب بحصول المسلمين على حقوقهم، واستمرار نفوذ الكنيسة التي عمَدت إلى وضعِ العراقيل في وجه الرئيس، في عديد من الخطوات، وفي مقدِّمتها: الانضمام لمنظمة التعاون الإسلامي، وإنشاء محاكم للقضاء الشرعي تفصِلُ في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين.

عراقيل ومؤامرات:

ما سرُّ تأخُّر انضمام تنزانيا لمنظمة التعاون الإسلامي رغم إعلان الرئيس سعيَه لإقراره خلال ولايته؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: لا تعلم حجم العقبات التي وضعت أمام مسعى الرئيس للانضمام للمنظمة، حيث سارعت الأقلية النصرانية للاعتراض على الخطوة؛ لمخالفتها الطابع العَلْماني للدستور، وهو ما رد عليه الرئيس بأن هذا الأمر لم يمنع أوغندا من إقرار نفس التوجه والانضمام للمنظمة، مشيرًا للمنافع التي ستحصل عيها تنزانيا حال الانضمام، وعلى رأسها المعونات، غير أنه وجد إعراضًا أجبر الرئيس على التهديد بإجراء استفتاء شعبي على الانضمام، وعلى إنشاء القضاء الشرعي، ولكن التهديد لم يردع الأقلية التي سعت لتأليب الرأي، وترديد مزاعم عن تحول البلاد لقبلة لجماعات متطرفة تهدِّد الوحدة الوطنية، وأسهمت الحملة الشرسة في تأخُّر الانضمام للمنظمة، ومعها أيضًا تأخر إقرار القضاء الشرعي وتأجيله حتى إشعار آخر.

تفجرت خلال الفترة مؤامرات جديدة من قِبَل الأقلية النصرانية لاستصدار قرار بإلغاء الامتيازات الجمركية والضريبية الممنوحة لدور العبادة نكاية في المسلمين؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: لقد سعت جهات بعينها داخل الحكومة لإقرار الأمر، غير أن المسلمين تصدَّوا له بشكل حاسم، وقاموا بإلغاء القرار، واستمرت الامتيازات الممنوحة لدور العبادة؛ حيث ساء النصارى كثيرًا وجودُ حركة إعمار كبيرة للمساجد خلال السنوات الماضية، وتعدد الأنشطة الإسلامية بها، ووجود تنامٍ في الوعي الدِّيني لمسلمي البلاد.

دور تخريبي:

أشرتَ في السطور السابقة للدور التخريبي الذي قامت به المنظمات التنصيرية، فما هو واقع النشاط التنصيري حاليًّا؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: من المؤسف أن أشير لتنامي الأنشطة التنصيرية في بلادنا وفي صفوف المسلمين بشكل وبائي في طول البلاد وعرضها؛ فالمنصِّرون موجودون في جميع أرجاء البلاد، حتى في الصحارى والغابات والوديان البعيدة، وتنتشر المنظمات التنصيرية بمختلف ألوان طيفها؛ فهذا كاثوليكي، والآخر إنجيلي، والثالث بروتستانتي، وبإمكانات مالية رهيبة، تستغلُّ انتشار الفقر والمرض والجهل في مناطق نائية في شمال البلاد، مثل: كالمنجاورا وجامبي، وتحاول عبر مستشفياتها ومدارسها والمساعدات المالية والعينية إغراءَ المسلمين؛ للابتعاد عن دينهم كمرحلة أولى، وإقناعهم في المرحلة التالية بأن النجاة في اتباع تعليمات يسوع، مستغلةً استمرار نفوذ الكنيسة المهيمنة لِما يقرُبُ من نصف قرن تقريبًا على الأوضاع، وهو أمر يحتاج لسنوات طويلة للحد من مخاطره، عبر توحيد صفوفهم، وعدم ترك الفرصة لخصومهم لاستعادة أرضيتهم.

نجاح ومقاومة:

ولكن هل نجحت تلك المنظمات التنصيرية في تحقيق مخططها الخبيث في صفوف المسلمين؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: بالفعل تحققت بعضُ النجاحات القليلة، ولكن نجاحهم الأكبر كان في صفوف الوثنيين؛ حيث استغلوا أوضاعهم المعقدة، وأغرَوْهم باعتناق المسيحية، ولكنهم لم ينجحوا في تحقيق ما يَصْبُون إليه في صفوف المسلمين، بفعل تصدِّي العشرات من منظمات الإغاثة الإسلامية، التي وُجِدت في البلاد في السنوات السابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي مقدمتها: "الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ولجنة مسلمي إفريقيا، وجمعية إحياء التراث، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية"؛ حيث أفلحت جهودهم في التصدِّي للمنصِّرين، والتَّخفيف من مخاطرهم، ناهيك عن التأسيس لنهضة إسلامية ظهرت ثمارُها في الإقبال على الصلاة في مساجد البلاد، واعتمار الفتيات للحجاب، والتوجُّه لحفظ القرآن الكريم، ومكافحة وباء الأمِّية في صفوف المسلمين.

ولكن هل أنتم راضون عن مستوى الاهتمام العربي والإسلامي بمسلمي تنزانيا؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: راضون نسبيًّا؛ فالوجود الضعيف خير من الغياب، وأن تأتي متأخِّرًا خيرٌ من ألا تأتي أصلاً؛ فمثلاً قيام الأزهر بإيفاد مدرِّسين إلى تنزانيا للتدريس في بعض المدارس أمرٌ جيد، على قلّته، وسيؤتي ثماره خلال السنوات القادمة، فضلاً عن الدور الإيجابي لِلَجنة مسلمي إفريقيا، ومع هذا فنحن نحتاج لمضاعفة الوجود والاهتمام العربي والإسلامي، في مرحلة مهمة جدًّا من تاريخ مسلمي تنزانيا، يحاولون خلالها نفضَ غبار الماضي؛ من اضطهاد وتهميش ومذابح، بشكل يضمن عدمَ عودة هذه الحِقَب المظلمة مرة أخرى.

تفاؤل مشروط:

هل أنت متفائل بمستقبل مسلمي تنزانيا؟

الشيخ إسماعيل محمد سالم: بالطبع، ولكن هذا التفاؤل يحتاج لدعم كبير من قِبَل العالَمين العربي والإسلامي، خصوصًا السياسي والاقتصادي؛ فنحن نحتاجه لتحقيق التوازن الغائب مع الأقلية النصرانية، لا سيما في الحقائب الوزارية، فضلاً عن حاجتنا للحصول على قدرٍ كبير من المنح الدراسية في الجامعات الإسلامية لإيجاد كوادرَ في جميع التخصُّصات، خصوصًا أن المسلمين عانَوْا كثيرًا من سطوةِ النصارى في المؤسَّسات التعليمية، وممارساتهم التمييزية ضد المسلمين.