تنزانيا الحديثة ومستقبل الإسلام بها (1)مقالات


• بدأ الاستعمار البريطاني في التدخل في شؤون زنجبار بحجة محاربة تجارة الرقيق، واستغل موت السلطان "سعيد بن سلطان" لزرع الخلافات بين أبنائه البوسعيديين.

• أعلنت بريطانيا الحماية على زنجبار في عام 1890 م، وبدأت في استغلال موارد البلاد بشكل سافر، وتهميش دور الحكام البوسعيديين.

• استمر الاحتلال البريطاني لزنجبار حتى العاشر من ديسمبر عام 1963 م حيث تم استقلال زنجبار بعد كفاح القوى الوطنية العربية، ولكن لم تنعم بالاستقلال كثيرًا؛ حيث وقعت مذبحة 12 يناير 1964 م ضد العرب والمسلمين قتل فيها 60 ألفًا.

•  كان للاستعمار البريطاني بمساعدة أنصار الحزب الأفروشيرازي وحزب الأمة دورٌ كبيرٌ في المذبحة لإنهاء وجود الإسلام بزنجبار.

• ما زال أثر الحضارة الإسلامية حاضرًا بقوة رغم محاولات طمس الهُوِيّة الإسلامية بتنزانيا في المعمار والفن والأدب، والتزام أهل تنزانيا بالتقاليد الإسلامية في مناسباتهم الاجتماعية. 

 

الأطماع البريطانية في سلطنة زنجبار المسلمة:

استطاع السلطان "سعيد بن سلطان" أن يحقق لنفسه السيادة على طول الساحل الشرقي لإفريقيا من البحر الأحمر شمالًا حتى الممتلكات البرتغالية في موزمبيق جنوبًا، هذا فضلًا عن المناطق الواقعة بين الساحل وبحيرتي فيكتوريا وتنجانيقا في الداخل، وكان يدير كل هذه الممتلكات من جزيرة "زنجبار" - تقع في تنزانيا الحالية - التي كانت في الأعوام الأخيرة من القرن التاسع عشر بمثابة الميناء الوحيد الصالح لرسو السفن الكبيرة في تلك المنطقة، ثم لم تلبث أن تحولت إلى مركز تِجاري هامّ بفضل إصلاحات الأسرة البوسعيدية والسلطان "سعيد"؛ إذ كانت تنتهي إليها جميع القوافل القادمة من داخل القارة، وكانت أيضًا أكبر سوق للرقيق في إفريقيا، وكانت رائجة التجارة، موفورة الثراء، ذات تربة خصبة، فباتت بريطانيا تحلم بالاستيلاء على ممتلكات المسلمين بها، وأن تجعل منها (هونج كونج) أخرى في إفريقيا[1].

وقد بدأ الوجود البريطاني في الساحل الشرقي لإفريقيا بدعوى محاربة تجارة الرقيق، وقامت "بريطانيا" بمخاطبة السلطان "سعيد" لمنع هذه التجارة في أملاكه، ولمَّا لم يُعِرْها السلطان "سعيد" بالًا، قامت بتعيين موظف أو وكيل بريطاني في "زنجبار" والموانئ الساحلية؛ لمراقبة هذه التجارة والتبليغ عن أي مخالفة لتلك المعاهدة من باب مضايقة السلطان "سعيد" واستفزازه، وقد قام الأسطول البريطاني عندئذٍ بأعمال المراقبة في مياه إفريقيا الشرقية[2].

ورغم أن السلطان "سعيد" وافق في النهاية على توقيع معاهدة مع البريطاني "همرتون" لإلغاء تجارة الرقيق نهائيًّا عام 1845 م إلا أن المضايقات البريطانية لم تنتهِ، وقامت السفن البريطانية بتفتيش سفن السلطان نفسه، وهو دليل على التدخل السافر في المنطقة، كما أنه دليل على التقليل من شأن السلطان الذي لم تعد لديه القدرة على حماية سفنه من التفتيش البريطاني.

وبوفاة السلطان "سعيد" تدخلت بريطانيا وفرنسا لتوسيع الشقاق بين أولاده على حكم ممتلكاته في "عُمَان" و"زنجبار"، وذلك بين كل من السلطان "ثويني" وأخيه "ماجد"، ولما رأى الأخوان تلكُّؤ الحكومة البريطانية في حل النزاع بينهما، قررا التراضي فيما بينهما لحل المشكلة السياسية، وتخلى "ثويني" عن مطالبته بإقليم زنجبار لأخيه "ماجد" عام 1856 م، رغم أنه كان أغنى من القسم الآسيوي[3].

 ومع ذلك عمدت بريطانيا على إبقاء العلاقة متوترة بين الأخوين؛ للاستفادة من التجاء الأخوين كليهما إلى بريطانيا في كل أزمة تحدث في منطقة الساحل الشرقي لإفريقيا، ولإبعاد القوى الاستعمارية الأخرى التي كانت تطمع في مَوْطِئ قدم لها في ذلك الساحل الغني كألمانيا وفرنسا[4].

 

إعلان الحماية البريطانية وتقسيم ممتلكات البوسعيديين:

بات واضحًا أن النفوذ البريطاني قد سيطر على "زنجبار"، بحيث كان من الصعب منازلته، وتم تعيين (جون كيرك) Kirk مستشارًا للسلطان "سعيد برغش" (۱۸۷۰ - ۱۸۸۸) الذي تولى مقاليد السلطنة بعد وفاة السلطان "مجيد سعيد"، وكان السلطان الجديد أقل ميلًا من سلفه إلى الاعتماد على البريطانيين، فلم يتردد في الاتصال بفرنسا وألمانيا عام 1873م للتحالف معهما، وعمد (كيرك) من ناحيته إلى استدعاء الأسطول إلى مياه زنجبار فور علمه بالواقعة، وتحت التهديد بضرب الميناء، اضطر السلطان للخضوع، وسافر إلى لندن للاعتذار وطلب الصفح، ومنذ ذلك الوقت صار (كيرك) يدير دفة السياسة في زنجبار بصفة رسمية، وقد شهد السلطان "برغش" تقسيم نفوذ ممتلكاته في شرق إفريقيا بين كل من بريطانيا وألمانيا عام 1886 م، وما أن خضعت "تنجانيقا" للاستعمار الألماني، حتى قام المسلمون بثورة عارمة تحت قيادة "بشير بن سالم" ضد الوجود الألماني، وقد استطاع الألمان القضاء على الثورة عام 1889 م.

وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى استطاعت بريطانيا الاستيلاء على ممتلكات الألمان في "تنجانيقا"، وضمتها لزنجبار لتحوز كامل السيطرة على السلطنة، ويصبح "السلطان" في زنجبار مجرد دمية يتحرك بأمر المفوض البريطاني.

 

تمزيق أوصال السلطنة ومذبحة زنجبار:

وفي عهد السلطان "خالد بن برغش" تدخلت بريطانيا واتهمته بأنه قتل سلفه "حمد بن ثويني" للاستيلاء على السلطنة، وتدخلت بريطانيا عسكريًّا فيما يعرف بالحرب الإنجليزية الزنجبارية، وقامت بطرده من زنجبار ووضعت محله السلطان "حمود بن محمد" المهادن مع سياسات الإنجليز بالمنطقة.

وفي عهد السيد "جمشيد بن عبد الله" - آخر سلاطنة البوسعيديين في شرق إفريقيا - تم تدبير انقلاب عسكري بمعاونة الإنجليز على السلطان عام 1964 م، وقد تولى "جمشيد" بعد وفاة والده "سيد خليفة" ولم يمر عام على توليه إلا وقامت الثورة ضده، وضد العنصر العربي المسلم في زنجبار، وفر "جمشيد" خارج البلاد، عقب إعلان الاستقلال، ليتم تدبير مذبحة واسعة ضد كل عنصر عربي بالبلاد، ووصفت هذه المذبحة بأنها "الأبشع في تاريخ إفريقيا" حيث قُتِلَ في هذا الانقلاب 16 ألف عربي؛ لأن الانقلابيين اعتبروا الأسرة العربية الحاكمة أسرة مستعمرة للمنطقة، كما لقي المسلمون شتى أنواع العذاب والاضطهاد، ولقي 54 ألفًا من المسلمين حتفهم على يد الأقلية النصرانية التي تولت حكم البلاد، وكانت أنواع القتل وطرقه فيها التفنن والإبداع؛ حيث أغرق 6 آلاف دفعة واحدة بعد أن أبعدوا عن الساحل مسافة طويلة[5].

وفي عام 1964م انضمت "زنجبار" إلى "تنجانيقا" لتكون معها جمهورية متحدة عرفت باسم "تنزانيا" وأصبح المسيحي مدبر المذبحة "يوليوس نيريري" رئيسًا للجمهورية، بينما عين "عبد كرومي" نائبًا أولًا لرئيس الجمهورية، وأثناء هذا الاتحاد عادت النكبات تنصب على المسلمين؛ فقتل أعداد كبيرة منهم، وشُرِّد آخرون من باب طمس الهوية الإسلامية لزنجبار.

 

تنزانيا الحديثة وتهميش المسلمين:

ارتبط الاستعمار البريطاني بنشاط التنصير في زنجبار المسلمة، ومحاولة تقوية النصارى الذين كانوا أقلية داخل البلاد، ففي هذه الحقبة برزت "إرسالية الجامعات لوسط إفريقيا" UMCA التي تعدّ من أقدم البعثات التنصيرية في شرق إفريقيا وجودًا، وقد استطاعت التلاؤم مع الأوضاع السياسية المتعاقبة على المنطقة، ولم يضطرب عملها إلا في سنوات الحرب العالمية الأولى، كما وُجِدَت "الجمعية التبشيرية الكنسية" CMS التي تُعَد أول إرسالية مسيحية تطأ أقدامُها أرض زنجبار في القرن التاسع عشر، كما شهدت أيضًا نشاط إرساليات كاثوليكية عديدة، وخصوصًا بعد الحرب العالمية الأولى[6].

وعانى ما تبقى من المسلمين في تنزانيا من التهميش وسياسة النبذ العنصري، ففي حوار مع الشيخ "إسماعيل محمد سالم" الداعية الإسلامي، وعضو الأمانة العامة لاتحاد المنظمات الإسلامية في تنزانيا، بيَّنَ أن المسلمين قد عانَوْا لأكثر من أربعة عقود من الظلم والتهميش، حُرِموا خلالها من تبوُّء أي منصب رفيع، واستمرُّوا أسرى للفقر والجهل والمرض طوال عهد الرئيسين "جوليوس نيريري" و"وليم مكابا"، بفضل سيطرة الأقلية النصرانية على الحُكم والاقتصاد، وفتحهم الباب على مصراعيه أمام مؤسسات التنصير لتَعِيث فسادًا بين المسلمين؛ مما أسهَم في ارتداد أعدادٍ كبيرة من المسلمين، وتمدُّد الأقلية النصرانية[7].

وتتراوح أعداد المسلمين الآن في تنزانيا بين (25 - 30) مليونًا من عدد سكان البلاد، ويمثل عدد المسلمين حوالي 85 %، والمسيحيين 15 %، وينتشر المسلمون في جميع مدن البلاد، بدءًا من العاصمة "دار السلام"، ومدن "بامبا" و"تانجا" و"ليندي" وغيرها، ونجد أنه رغم حملات التنصير والتهميش المتعمد فإن الثقافة الإسلامية في تنزانيا كانت في الماضي - ولا تزال حتى اليوم - تُشكِّل الهُوِيّة الإسلامية لدول المنطقة[8].

 


[1] سلطنة زنجبار الإسلامية بين الإنجليز والألمان، د. محمد سيد أحمد، جامعة الملك عبد العزيز، ع 2، جمادى الآخرة / مايو 1398 هـ- 1978 م، صـ73.

[2] التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية (1248-1308 هـ/ 1832-1890 م)، فاطمة السيد علي سباك، رسالة ماجستير، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1409 هـ - 1989 م، صـ119.

[3] التاريخ السياسي لسلطنة زنجبار الإسلامية (1248-1308 هـ/ 1832-1890 م)، فاطمة السيد علي سباك، صـ144.

[4] تنزانيا، محمود شاكر السوري، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر، 1391 هـ - 1971 م، صـ30، 31.

[5] ثورة زنجبار 1964 م، د. عبد الله علي إبراهيم، دار المصورات، 2016 م، صـ14، 15.

[6] الوجود الإسلامي في تنزانيا في ضوء التحديات المعاصرة، كمال محمد جاه الله الخضر، مجلة قراءات إفريقية، 28/ 6/ 2018 م.

[7] حوار مع الداعية الإسلامي التنزاني الشيخ إسماعيل محمد سالم، قام به: السيد عبد الرحمن، شبكة الألوكة، 29/ 3/ 2015 م.

[8] ثلاثة تحديات رئيسة يواجهها مسلمو تنزانيا: حوار مع "شمس علمي"، الأمين العام لمؤسسة ذي النورين الخيرية، هاني صلاح، مجلة قراءات إفريقية، 11 يناير 2020 م.